دور المرأة العربية في الحياة السياسية



سامية نوري كربيت
2010 / 3 / 2


ماجستير علوم سياسية –الجامعة المفتوحة -هولندة


للثقافة السياسية أثرها البالغ في مدى سلبية المواطن أو ايجابيته في الحياة السياسية , فحين يقتنع المواطن -من ثنايا تثقيفه السياسي- بان اشتراكه في الحياة السياسية واجب وطني،ومن ثم فضيلة سياسية فانه يتجه بحماس الى الاشتراك فيها بتعبيره عن اتجاهاته بالقول وبالكتابة , وكثيرا ما يكون لنوعية الثقافة اثر بالغ في تشكيل السلبية السياسية . كما ان هناك جماعات تستهدف الضغط على السلطة الرسمية بقصد التاثيرعليها في عملية صنع القرارات السياسية ومن شاكلة هذه الجماعات , أصحاب المصالح الشخصية , وحاملي الأفكار التي عفى عليها الزمن , والهيئات الدينية , والجماعات المذهبية , والتي قد تلجا الى تمثيل مصالحها واتجاهاتها الأيديولوجية في الجهاز الحكومي على نحو ما تفعل الأحزاب السياسية .
وفي غياب الدور الأخلاقي للسلطة الحاكمة , تسيطر على مؤسسات الدولة الممارسات التنافسية واالمصلحية بما فيها من تسلط وإقصاء وهيمنة واحتكار للأدوار داخل مؤسساتها لأشخاص وفئات بعينها بدلا عن تداولها بين كل أعضاء المجتمع , وبذلك تصبح مؤسسات المجتمع صورة مصغرة عن السلطة السياسية الحاكمة والذي من المفترض فيه ان يقوم المجتمع كحاجز صاد لها , ومن ثم تغيب لغة الحوار وتسود إرادة القوة ومنطقها من الإملاء والعنف والقسوة , بينما يعمل القبول بمنطق الحوار على الوصول الى مساحة من الفهم المشترك دون تحيز او مجاملة بين الأطراف المتحاورة , فكل شئ قابل للحوار على شرط اعتبار المساواة بين الأفراد لا غنى عنه والقائم على أساس الاحترام المتبادل والقبول بالآخر المختلف .
وبهذه العملية يتم إقصاء المرأة عن المشاركة في الحياة السياسية في دول العالم الثالث بصورة عامة وفي عالمنا العربي بصورة خاصة والتي تنبع بالأساس من عدم المساواة بين الرجل والمرأة نتيجة تخلف هذه المجتمعات وعدم اعترافها بحقوق المرأة وغياب الديمقراطية , وبما ان المساواة هي إحدى ركائز الديمقراطية التي تتمسك بها الديمقراطية الليبرالية وخاصة المساواة القانونية أي وضع قواعد قانونية تقدم فرصا متكافئة لجميع أفراد المجتمع والتي هي غائبة في مجتمعات دول العالم الثالث ومنها العربية . وبالرغم من ان العالم يحتفل في الثامن من آذار من كل عام بيوم المرأة العالمي منذ حوالي مائة عام وبرعاية منظمة الأمم المتحدة منذ تأسيسها حيث كان ميثاقها الذي وقع في سان فرانسيسكو عام 1945 أول وثيقة دولية تعترف بالمساواة بين الجنسين كحق أساسي من حقوق الإنسان نجد ان هناك الكثير من المعوقات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تحد من وصول المرأة في الدول النامية الى مواقع صنع القرار , وأولها عدم وجود تعريف لمشاركة المرأة في صنع القرار , وقصور مؤشرات القياس , وعدم امتلاك الموارد الاقتصادية . بالإضافة الى ضعف الحياة السياسية وعدم سيادة القانون حيث تسود الطائفية والقبلية والعشائرية , كما تسود العقلية الأبوية والذكورية تجاه المرأة والذي يتجلى ذلك بوضوح في المناهج التربوية وتراجع التيارات الليبرالية وضعف دور تلك التيارات .
ومن دراسة قامت بها مؤسسة بيت الحرية ( مؤسسة فريدوم هاوس ) في واشنطن بالاشتراك مع مركز دراسة الإسلام والديمقراطية بعنوان:" حقوق المرأة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحت اسم المواطنة والعدالة " حددت العديد من العقبات الرئيسية التي تمنع تمتع المرأة في دول الشرق الأوسط بكامل حقوقها القانونية والمدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ومن هذه العقبات :
1- التمييز القانوني الذي يضعها في منزلة اقل من الرجل حيث تواجه المرأة أشكال مختلفة من التمييز القانوني المنتظم يتخلل كل مناحي الحياة , وتتعرض المرأة في بعض الدول لعقوبات اشد قسوة من العقوبات التي يتعرض لها الرجل في بعض الجرائم .
2- التمييز في قوانين الجنسية والمواطنة حيث ان المرأة لا تتمتع بنفس حقوق المواطنة والجنسية التي يتمتع بها الرجل في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا , ولا تستطيع المرأة التي تتزوج من أجنبي ان تمنح مواطنتها وجنسيتها الى زوجها ولا تستطيع أيضا في معظم الدول ان تمنح مواطنتها الى أبنائها .
3- العنف المنزلي الذي تتعرض له المرأة إذ لا توجد في المنطقة كلها دولة لديها قوانين تحظر بوضوح جميع أنماط العنف المنزلي , ويتم إلقاء عبء إثبات ممارسة العنف على عاتق المرأة الضحية بالكامل في حالات العنف المرتكز على النوع الاجتماعي والذي يحد من قدرة المرأة على الإبلاغ عن الجرائم . كما ان هناك قوانين تساند بعض أنواع العنف الموجه ضد المرأة مثل تلك القوانين التي تلغي العقوبة على الرجل الذي يتزوج من المرأة التي اغتصبها .
4- الافتقار الى المعلومات وغياب الصوت الإعلامي وبهذا تكون المرأة ليست على دراية بحقوقها ويعود ذلك الى ضعف التعليم وإخفاق الحكومات في المشاركة في حملات التوعية العامة , ولا يتم توعية الطلاب وخاصة الفتيات بحقوقهن وتخفق وسائل الإعلام في تغطية أوجه الظلم التي تعاني منها المرأة .
5- التمييز في قانون الأسرة الذي يضعها في منزلة اقل من الرجل حيث ان المرأة تواجه في جميع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تمييزا قائما على النوع الاجتماعي في قوانين الأسرة . وباستثناء المغرب وتونس تحيل قوانين الأسرة المرأة الى منزلة أدنى في إطار الزواج والحياة الأسرية , ويحظى الزوج بالسلطة على حق زوجته في العمل والسفر ويستطيع ان يطلق زوجته في أي وقت من الأوقات دون أي سبب او ذنب جنته ودون الحاجة الى اللجوء الى المحاكم . ويتطلب القانون من المرأة شروط محددة من اجل المطالبة بالطلاق ومن خلال المحاكم .
6- الافتقار الى آليات الشكوى- وبخلاف بعض البلدان العربية - لا توفر حكومات دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا -آليات تتقدم المرأة من خلالها بالشكوى ضد التمييز بين الجنسين .
ان الاشتراك في الحياة السياسية لابد ان يكون وثيق الصلة بالديمقراطية الحقة خاصة ان مفهوم الديمقراطية اخذ يتطور نحو اشتراك المواطنين في الشؤون العامة اشتراكا فعليا , ولم تعد الديمقراطية تعني مجرد شكل الحكومة بل تمكين كل مواطن بالاشتراك بالحياة السياسية , وهذا يعني ان المواطن أصبح له نصيب في الحكومة لا بواسطة عملية الاقتراع وانتخاب أعضاء الهيئات النيابية ثم تراجعه عن المسرح السياسي الى ان يحين موعد الانتخابات الجديدة بل المشاركة الفاعلة وعلى جميع المستويات . ان الحياة السياسية لا تقتصر على نشاطات الأحزاب وجماعات الضغط والمصالح وإنما يشارك فيها المواطن الفرد باتجاهاته وسلوكه الخارجي الذي يأتي تعبيرا عن اتجاهاته وأرائه هذه , والاتجاه في مجال السياسة هو حكم عقلي مزاجي يتشكل للمواطن من ثنايا تجاربه الشخصية ومتأثرا بعوامل اجتماعية متباينة كانتمائه الطبقي والعقائدي والديني والأيديولوجي ومكانته الاقتصادية وخلفيته الثقافية .
ان المشروع الحضاري الديمقراطي- التي تشكل المواطنة الفعالة عموده الفقري- هو الضامن لإنتاج فاعلية اجتماعية تصاعدية من خلال إنتاجه السلطة الحيادية التي تقف على مسافة واحدة من الكل الوطني رجالا ونساء بعيدا عن الإقصاء والتهميش والإكراه والحجر , ومن هنا يكون المجتمع الديمقراطي هو ذلك المجتمع المتناغم في مؤسساته الهادفة لإقرار المصالح العامة التي تعود على جميع أفراده بالنفع المباشر وهو المجتمع
الممتلئ أصالة وسيادة ووعيا لذاته وأدواره ومسؤولياته , وهو المجتمع الرافض ثقافيا ومعرفيا وعمليا لشرعية القوة والاحتكار السياسي للحياة العامة وهو مجتمع الاختيار والقانون لا مجتمع القوة والاستبداد إذ لا يتأسس على الغريزة والخوف بل يقوم على الحرية والمساواة بين جميع أبناء المجتمع الواحد وعلى مسافة واحدة من الكل بغض النظر عن هويتهم الجسدية فليس جنس الفرد هو الذي يحدد هويته الوطنية وانتمائه الى مجتمعه وحقه بالاشتراك في تشييد أركان بقائه وتحقيق آماله وتطلعاته .
ان الديمقراطية تحقق المساواة، وهي تعني ان جميع المواطنين المتمتعين بحقوقهم الدستورية متساويين أمام القانون , ولا تعني هذه المساواة ان الجميع متشابهين تماما في مواهبهم وطاقاتهم وأمزجتهم , ولكن المقصود ان تكون هناك مساواة في الفرص للرجل والمرأة . وفي المجتمعات الديمقراطية لاتستجدي المرأة حقوقها ،بل إنها تتمتع بكل الحقوق التي نصت عليها القوانين ومنها حقها بالمشاركة في الحياة السياسة , ومن واجب المرأة العربية ان تتحرر من المفاهيم البالية والتي جعلتها مخصصة لتقديم الخدمات المجانية في المطابخ وفوق الأسرة في غرف النوم , وان تكون عضوا فاعلا في صنع الحياة السياسية وتقرير مصيرها بنفسها دون مصادرة او أكراه .تحية للمرأة العربية وتحية للمرأة العالمية في كل مكان لمناسبة الاحتفال بعيدها والى مزيد من النضال والتقدم .