رقص - هز - البدن ..؟



سيمون خوري
2010 / 3 / 3

إختتمت في كندا دورة الألعاب الأولمبية الشتوية ، بحفل رائع ، رغم البداية المؤلمة التي منيت بها الدورة بوفاة اللاعب الجيورجي . أجمل مافي هذه الدورة كان الرقص على الجليد . وتلك المنافسه الرياضية الحادة بين مختلف الفرق سواء في العروض الرائعة أو الموسيقى المصاحبة أو تلك الحركات التي تعبر عن سمو الجسد وتطهيره مما إعتراه من إهانة تاريخية لاسيما بحق المرأة . ملابس اللاعبات كانت قصيرة جداً بل وشفافه ,أنيقة حتى في إختيار الألوان . ولا أخال أحداً من المتفرجين كان يتابع بعيون شهوانية شبقة ، جسد اللاعبة أو اللاعب ، بل ذلك الآداء الجميل لهذه الرياضة العالمية . والرقص على الجليد أو الرقص في الماء ،هو غير رقص " هز " البطن الشرقي وهذا النوع هو أحد صادراتنا الوطنية للعالم ، بلا منافسة . وجزء من ثقافة السلطان والحريم المتوارثة . التي تهين المرأة وتحولها الى أداة للمتعة وتسلية للذكر . ملابس الراقصة الشرقية ، الحركة ، هز البطن ، والخصر ، والأرداف والنهود ( ألا تشيع الفاحشة والمنكر ويقف معها كل شعور المنطقة الوسطى ) ..؟ وتحول الإنسان الى مجرد حيوان جنسي ، وتجرد المرأة من قيمتها الإنسانية ، وهي الوجه الآخر للنقاب الذي يخفي وراءه طوابير الحريم سواء المستوردة من بلاد الضباب أو من القارة السمراء أو الأسيويات . طبعاً نحن لا نتحدث عن الحراسة النسائية لبعض الزعماء وحريمهم وأبنائهم ، وقادة عسسهم .
في العديد من الروايات والأفلام العالمية تم تصوير العربي ،على هيئة سلطان وجواري يرقصن في حضرته . أو بائع الرقيق الأبيض كما هو الحال الأن في بعض ( الأقطار العربية ) . ثم تطورت النظرة ، وأصبح العربي عبارة عن برميل نفط وشقراء أوربية ، ثم الى قنبلة موقوتة وإمرأة منقبة . في كافة الحلات كانت المرأة القاسم المشترك في الصورة النمطية عن معنى العربي .
حضرت مع بعض الأصدقاء قبل عدة أشهر حفل تقديم عرض كتاب جديد لكاتبة يونانية حول رحلتها الى إمارة غزة وسلطنة رام الله . وذكرتني برحلة " جليفر " الثالثة الى إمبراطورية غامضة تحكمها طبقة من الجهلة ، مدعي العلم والفلسفة. بيد أن القاسم المشترك هنا هو قوة الوهم " السلطة والحريم والمال " . فعندما تتحد القوة مع المال والجنس ، يتحول الوطن الى ماخوراً خرافياً .
المهم في حفلة عرض الكتاب ، المكان هو " نايت كلوب " بديكور شرقي .
من وحي ليالي ألف ليلة وليلة المجيدة .كل شئ كان شرقي ، الستائر ، الطاولات، الإضاءة ، حتى الفتيات العاملات كن يرتدين سرولاً مشابهاً لأساطير ألف ليلة بإستثناء تلك الليلة الأخيرة من حكم السلطان أيام زمان.التي لم تتوفر فيها فتاوي ( الفياغرا ) الروحية بهذه الكثافة في الأسواق.
فجأة ، وبدون سابق إنذار ، ظهرت " الطبالة " وليس طبالاً .. صديقي " الحنبلي " المعتر ، أخرج نظارته التلسكوبية المجهزة بأشعة ما تحت الخصر. وما هي سوى دقائق ، حتى ظهر راقص بدل راقصة ..؟ قال صديقي يبدو أن هناك خطأ ما في البرنامج .. إنها مهزلة .. أو إختلاف في الأدوار ..؟ بيد أن الراقص مرتدياً نصف ثوب راقصة ، وحسب التعبير الشائع كان لحم بدون عظم . تمايك مفككاً كافة المقاطع المحرمة . وسط تصفيق منقطع النظير . ونظراً لأننا من أصحاب الشوارب الشرقية ، فقد تمايل الراقص أمامنا ، تماماً مثلما تتمايل أجدع راقصة شرقية أصيلة .
للحقيقة خجلت ، وتصبب عرق بارد ، وضاعت اللغة العربية وسط الزحام . فقلت لصديقي باللغة الصينية ( تشاو شن مام ) ومعناه ما إسمك ..؟ لأني إعتقدت أن المفاجأة أفقدته صوابه . وربما نسي إسمه في حضرة الرقاص ..؟ وفوجئت بقوله " شان كاي تشيك " والأخير كان هو المهزوم أمام المسيرة الكبرى التي حررت الصين من الإحتلال والأقطاع .
ربما صديقي على صواب ، الجديد يهزم القديم . بيد أن في بلادنا العث من القديم يهزم الجديد . ثم لماذا نفاجئ براقص بدل راقصة ..؟ على الأقل الآخرين طوروا صناعتنا المصدرة لهم . تكنولوجيا الرقص حسب الطلب . لدينا الرقص على الحبال ، والرقص السياسي ، والرقص بالكلمات ، والرقص بالعصا خلف أبواب حديدية الداخل اليها مفقود ، والخارج منها مولود . والرقص على صفيح ساخن ، ورقصهم ياجدع . ترى هل نحن شعوب الراقصة والطبال ..؟
حتى " مناحيم بيغن " عندما زار مصر بعد توقيع الإتفاقية المصرية – الأسرائيلية حضر حفلاً راقصاً قدمته سيدة الرقص الشرقي تحية كاريوكا ، إذا لم تخونني الذاكرة على عادتها . حتى الرئيس الأمريكي الأسبق " جيمي كارتر " أكل الفطير وشرب الحليب والمعسل ، وحضر حفلة هز البدن في محراب أبو الهول ثم في إمارة غزة .
إذا كان البعض يعتبر " هز " البطن والبقية الباقية هو فناً أو أنه تعبير عن إنفعالات وأحاسيس الجسد ..؟ فما هو الفن ..؟
في بلادنا كانت ترقص النساء مع الرجال في حلقات " دبكة " وفي كافة التراث الشعبي العالمي مورس الرقص الجماعي كجزء من فلولكلور شعبي . وحتى الراقصات في الديانات القديمة شهدت أنواع من الرقص المقدس كجزء من طقوس عبادية . بيد أن الرقص الشرقي لدينا ليس طقساً عبادياً بل هو جزء من ثقافة تحويل المرأة الى متعة . الرقص الشرقي هو مثل ( الستربتيز أو البرنو ) هنا المرأة رأسمالها جسدها الذي تستثمره أحياناً بطريقة مغايرة نتيجة للحاجة والعوز . فلا توجد إمرأة في العالم تتمنى إمتهان كرامتها . ترى متى يعاد الأعتبار للمرأة والتعامل معها ، كإنسانة ، وليس كسلعة خاضعة للعرض والطلب ..؟
أحلى الكلام : للشاعر الراحل نزار قباني
------------
"غضبنا ليس له عمر .. ورضانا له عمر..
وحالنا تتغير حسب الأقوال
عواطفنا السياسية تتخبط كثعبان
صحراوي حسب درجات الحرارة
فمرة ترتفع الى الأربعين فنحب
بشكل جنوني ، ومرة تهبط الى درجة
الصفر ونتحول الى زواحف قطبية
تعض بعضها جنونياً كما يحدث في
هذه الأيام .
إتهمنا الإستعمار بالكفر .. فلما
تحررنا كنا على أنفسنا أشد كفراً.
وتغزلنا بالحرية .. فلما رأيناها عارية
طار صوابنا فأكلناها
حاربنا الفكر البوليسي .. فلما
إتيحت لنا فرصة الحكم كنا أشد
بوليسية من كل بوليس العالم "
عزيزي القارئ إحدى أكبر مصائبنا غياب المساواة بين الرجل والمرأة ، وتلك النظرة الدونية للمرأة . نصفق لمقعد إنتخابي أحزته المرأة هنا ، ونصفق هناك بأن حصة المرأة في البرلمان هي ( كذا ) ونهلل تكبيراً لآخرى تمكنت من قيادة سيارتها بمفردها دون حارس عقيم . التغيير لا يعني أن نقدم للمرأة كسرة خبز ؟، بل حريتها أسوة بكل نساء العالم ، ترى هل زعيمة المانيا السيدة مركيل هي رجل ، وهل زعيمة الهند رجلاً .. وهل كانت كوندليزارايس رجلاً أو مارغريت تاتشر أيام زمان . هل هناك وجه للمقارنة بين زعيمات العالم ، وذاك الذي يدبج صباح مساء خطابات مخصية حول الحجاب والنقاب ومنع الإختلاط ..؟