نشيد النساء نحو الحرية



حسن مدن
2010 / 3 / 9

في مطالع القرن العشرين، وفيما كان العالم يضج بالآمال والأحلام والمشاريع الكبرى، جرت النظرة إلى الحركة النسوية بوصفها إحدى روافع المجتمع الجديد المنشود الذي يحقق الحرية والكرامة والتكافؤ لأفراده من الجنسين. كانت الناس تنتقم من قرون القمع والاضطهاد والكبت الطويلة، وتتوق إلى مرافئ السعادة والعدالة والانعتاق.

حينها انبثقت فكرة اختيار عيد المرأة العالمي، في الثامن من مارس/ آذار كل عام، فسحة لتأكيد حقوق المرأة التي أهدرت عبر التاريخ، وهذا العيد الذي بدأ بدلالات سياسية مباشرة سرعان ما اكتسب مغازيه الإنسانية العميقة كيومٍ للاحتفاء بالمرأة كرديف للحب وللجمال والحنان والأمومة والفضاءات العذبة.

تغيرت أشياء كثيرة في هذا العالم، ودخل عالمنا العربي بالذات مرحلة جديدة تشكل في جوهرها تراجعاً حتى عن قيم التحديث نفسها، وأشد ما تظهر معالم هذا الأفول في العلاقة مع قضية المرأة التي كانت حتى عقود قليلة مضت محكاً أو معياراً لجدية نهج التحديث نفسه، سواء في إطار الحكومات أو في إطار المؤسسات الأهلية أو حتى في الحياة الشخصية، فاشتدت الضغوط على المرأة، إنسانة وموقفاً ورؤية.

وحتى مريدو التحديث أصبحوا أميل إلى التوفيق منهم إلى الجرأة والوضوح والصراحة في ما يتصل بهذا الجانب تحديداً، بالصورة التي يبدو فيها خطاب رفاعة الطهطاوي في القرن التاسع عشر يوم وصف حال النساء في مصر بأنه بطالة معممة، أو خطاب القاضي قاسم أمين أكثر جرأة ووضوحاً وشجاعة.

وإذ تبدو الدول العربية إجمالاً خجولة ومترددة في العلاقة مع حقوق المرأة، خاصة في ميدان الأحوال الشخصية، إذا ما استثنينا حالات نادرة، فإن بعض التيارات الفكرية والاجتماعية عوضاً عن أن تتوجه نحو معالجة القضايا الجوهرية المتصلة بالتنمية وبالحقوق السياسية توجه جهدها الأكبر نحو مصادرة الهامش المتواضع من الحرية والحقوق التي نالتها المرأة لتفرض إرهاباً ورعباً وتخنق منجزات اللحظة الليبرالية كما يسميها غسان سلامة والتي عرفتها بلداننا العربية في بداية تشكل الدولة الحديثة.

وإذ ننساق فرادى أو جماعات نحو هذا الحجر على المرأة فإننا ندفع مجتمعاتنا إلى ما يشبه الجاهلية الجديدة بحيث نفقد ما تبقى لدينا من فسح ضئيلة للنور.
تعنون النسوية المرموقة فاطمة المرنيسي أحد فصول كتابها القيم: " الخوف من الحداثة " بعنوان شديد الدلالة هو:" نشيد النساء: نحو الحرية ". وفيه تذهب إلى أن النساء متلهفات للغوص في المغامرات والمجهول، ورمز ذلك التلهف تلك الأم الفلسطينية الشجاعة التي نشاهدها يومياً على الشاشات تقف غير مرعوبة تجاه الجنود «الاسرائيليين».

وتذهب فيه أيضاً إلى أن النساء العربيات لا يخشين الحداثة لأنها فرصة منتظرة لبناء شيء آخر، «إنهن متلهفات للرسو على تلك الشطآن الجديدة، حيث الحرية ممكنة، فطوال قرون كن ينشدنها وهن سجينات، لكن لم يكن أحد يصغي».