الحركة النسائية: رأس حربة التحرر؟



أحمد الخمسي
2010 / 3 / 9

هل تحافظ الحركة النسائية على استقلاليتها؟ أي على صفتها كرأس حربة التحرر، بعد مؤتمر بكين، بما يعلن اليوم "بكين+15"؟ أم أن العولمة بتياراتها الهائجة المائجة، ستكون قد أدمجت الحركة النسائية ضمن حركة تجديد التبرجز والتنخيب والعزل عن ملايير النساء اللواتي يعانين من الفقر والأمية والإقصاء؟....مما يعيد صياغة موقع الحركة النسائية ضمن ملامح الرأسمالية المعولمة. بحيث تستعمل الحركة النسائية ليس لتعميم التمكين الحد الأدنى من والتعليم والصحة والحرية والعمل والكرامة. بل تسقط ضمن ميكانومات الاستقطاب الرأسمالي لفئات عديدة من المجتمع: باسم الإيمانية، عبر التحالف بين المسيحيين والمسلمين ضد العلمانيين، عندما يتعلق الأمر بنظام عربي تقدمي رافض الخضوع لأجندة الغرب الرأسمالي. وباسم النسائية، عندما يتعلق الأمر بنظام إسلامي رافض الخضوع لأجندة الغرب الرأسمالي. وباسم الأقليات، عندما يتعلق الأمر بنظام مستقل القرار يرفض الخضوع لابتزازات الغرب الرأسمالي لاستغلال المواد الخام الاقتصادية، مثل دارفور بعد اكتشاف البترول في السودان...
هل ينجع الغرب في تمرير خطاب تحرير المرأة في مجتمع الشرقي؟ فالحركة الأصولية في هذا المجتمع تمتلك مسوغ العمل على تحرير النساء من أنياب الغرب الرأسمالي، الذي يوظف قضايا المرأة لوضعها في مفصل التمايز بين الشرق والغرب، مقابل تشييئها وتحويلها إلى أداة لتطويع الإرادات ولكسر المقاومة.. في الوقت الذي تتناقل الإثنولوجيا الانغلوسكسونية قيم الحفاظ على المجموعات الثقافية بمقوماتها الثقافية المحلية السابقة عن الحداثة. وفي الوقت الذي ينتفض تيار المحافظين الجدد البروتستنتي، ضد نظرية دروين ومختلف أشكال وتمظهر العلمانية بل ضد الشعارات المناوئة للحرب والإعدام، ويقف مع التمييزات على أساس الميول الجنسية والعرقية والدينية.

II

تغالب الحركة النسائية عدة عقبات. فمن صلب الذات ككل الحركات التحررية، تتعثر الحركة النسائية في "نزوات" استهلاك الحرية قبل ومن خلال ومن بعد برامج إنتاج الحرية وتوسيع دوائرها في المجتمع الذي يسعى أن ينتمي للكينونة الحديثة الديمقراطية. ومن لجة المحيط الاجتماعي الضخم، تغالب الموجات العاتية المتوالية من الذكورية والطبقية والسلطوية والأمية والأصولية والوصولية.
نتحدث عن القطب اليساري والقطب الأصولي والقطب الليبرالي وعلاقتهم جميعا بالحركة التحررية النسائية. فالتحديث والدمقرطة، يتلخصان في كونهما ميكانيزم وآليات، لتبيئة المجتمع الشرقي الإسلامي العربي في صلب العصر الرأسمالي المعولم على أرضية الحضارة الغربية المهيمنة. فالتحديث ميكانيزم استجابة وإجابة راهنة عن سؤال محلي قديم ذي موضوعة من الثوابت الإنسانية في الزمان والمكان. والدمقرطية آلية بحث عن صيغة متوافق حولها لتلك الإستجابة الإجابة. وبلا تحديث/ميكانيزم وبلا دمقرطة/آلية، تبقى إجاباتنا عن مواجعنا ومآسينا خارج السياق الذي يعيشه عصرنا. وبالتالي تبقى مآسينا مزمنة ومفتوحة على المزيد من التعفن والتآكل. ومن أجل إنجاح حركتي التحديث والدمقرطة، لابد من البحث عن الفرس الجامح القادر على حمل فارس من طراز اسكندر المقدوني أوخالد بن الوليد أو الأميرة ذات الهمة أو جان دارك أو نابليون بونابرت، للانطلاق. وللحصول على الفرس يقتضي الأمر الذهاب رأسا إلى مربط الفرس. والحركة النسائية بالضبط هي مربط فرس التحرر. مما يقتضي تأنيث الفارس نفسه أو الاكتفاء به مذكرا ما دامت الفرس في المعنى اللغوي مؤنثا. أما مخزن السلاح الذي تحمله/يحمله الفارس، فهو الزاد الإيديولوجي من التراث. والحركة الأصولية تعتبر نفسها وصية على هذا الزاد لخوض معركة التحرر.
والحركة التحررية النسائية موازية للحركة الأصولية المحافظة طرفـــا نقيض، في العمق وفي الأفق أيضا، تشير كل واحدة منهما إلى الحافة التي تنتهي فيها الأرضية المشتركة للعيش المجتمعي المسالم.
فمن فرط ظلم ذوي القربى باسم الحفاظ على الموروث، تجد المرأة نفسها كبش الفداء الذي يقدم عربونا للإبقاء على ما تركه السلف من قيم. ومن فرط ادعاء العتق الذي يقدم الغرب نفسه وصيا عليه لفائدة شعوب الشرق ما أصبح يقف بعض الغرب ضده، تحت شعار مواجهة عهارة العولمة وعولمة البورنوغرافيا، مما يدفع الحركة الأصولية لتكرار القول إنها أولى بالدفاع عن قيم الأسرة ومواجهة التشييء، أولى من تيارات هوامش الغرب، الحامل في منظومة قيمه لفيروس التفكك الأسري؟
III
فمن حيث النواة الفكرة: يبقى اليسار حامل نطفة سلالة التحديث. وبهذا المعنى والتصور، تكون الديمقراطية عبارة عن عملية حب خلاقة للحمل الناتج عن التلاحم بين مني التحرر وبويضة المساواة. والعلاقة العضوية بين اليسار والحركة النسائية هي الثنائي الحامل للهرمون اليساري التحرري والهرمون النسائي المساواتي.
هذا التصور الفيزيائي للمصير المشترك بين اليسار والحركة النسائية لم يمنع حدوث مآسي غالبا ما تنشأ عن حالة "الحب الشقي"، حب التملك. مما أفرز في الثورات أن تتم مآسي قتل مناضلات المساواة بمقصلة الثوار اليساريين، مثلا: مصير الفرنسية أولمب الدغوج في الثورة الأولى (1789) واعتقال المناضلة لويز ميشيل من طرف اليمين الفرنسي في كومونة باريز (1871). كما لم يمنع أن يتم اغتيال الزعيم اليساري مارا على يد مبعوثة يمينية، بكيد مرتبط بعنوان "الحب". لكن الحالات تلك تفاصيل الشيطان، السابح في مجرى التاريخ الذي يصنعه ملائكة الرحمن، الثوار، نساء ورجالا.
لكن: هل تكاد المرحلة الحالية، المطبوعة بالانتصار الكاسح لليبرالية المعولمة، تجسد ادعاء فوكوياما عن انتهاء الإنسان بالمعنى اليساري؟ فهل تبقى البويضة النسائية المساواتية بلا عاشق يساري تحرري؟ هل يكرر التاريخ حالة "مريم العذراء" ليلد لنا طبعة مسيح ثانية بلا أب يساري ظاهر؟! لعل! ومن الحب ما رمـّل وهجـّل! حب القضايا كما حب العاشق! لا فرق.
إن الحركة النسائية ليست بهذا القصور، فكيد النساء ونزقية اليسار يجعل التحديث والدمقرطة في الأصل مختبرا ً دائما ً للتحرر بالتقسيط كما بالجملة، بالأفراد كما عبر القضايا. ومصير الإنسانية بالضبط على حصان التحرر ماسك بحربة المساواة للقضاء كل أشكال الميز ضد المروءة، وليس فقط التمييز ضد المرأة.فهل تنفع "الصيداو" (CEDAW) في ربح رهان استراتيجيا التوليف بين الحرص الأصولي والتحرر اليساري لفائدة الحركة النسائية.



كما الرجل، نجد امرأة يسارية وامرأة ليبرالية وامرأة أصولية. لكن، هل يسند هذا الانتماء الاحتمالي للمرأة رأي الحركة الأصولية، كون الحركة النسائية مناقضة لمبادئ الأصولية الدينية، بحيث نجد التوزيع الثلاثي الآنف الذكر للانتماء الايديولوجي، لا يترك للحركة الأصولية من النساء سوى الثلث من الكيان الديمغرافي النسائي. لكن نفس المنطق إذا استعملناه للقول بخارطة الطريق بالتوزيع الثلاثي للانتماء الأيديولوجي للرجال وللمجتمع بكامله، سنجد الرهان الذي تراهن عليه الحركة الأصولية في الساحة النسائية كما في المجتمع بكامله، منتمي للايديولوجيا السائدة اليوم وهي الليبرالية المعولمة، سواء منها الوجه الليبرالي السافر أو منها الملامح اليسارية الاشتراكية الباهتة.