7 اذار انتخابات 8 اذار نساء معذبات



رزاق عبود
2010 / 3 / 9

بصراحة أبن عبود

7 اذار انتخابات 8 اذار نساء معذبات

في كل عام تحتفل المرأة بيومها العالمي اليتيم في سنة كاملة مليئة بالاعياد، والمناسبات، والعطل الرسمية . ورغم اللغو الكثيف عن حقوق المرأة، ومساواتها، واهميتها، ودورها فلا توجد دولة، لحد الان، جعلت من يوم واهبة الحياة عيدا وطنيا، او عطلة رسمية. كل عام تعاد على اسماعنا قصة اضراب نساء شيكاغو، مسيرة الخبز والورد، في المدينة الامريكية عام 1909 ومؤتمر كوبنهاغن في العام الذي تلاه. كما يتباهى الروس باضراب نساء بطرسبورغ في شباط 1917 لانهاء الحرب واعادة ازواجهن، وابنائهن، واخوانهن، وابائهن من الحرب الدامية. يعيدون الحديث عن دور كلارا زيتكين، وغيرها من النساء المدافعات عن حقوق المراة. عن ثورة اكتوبر عام 1917 ومساواة المرأة بالرجل، وعن اعتماد اتحاد النساء الديمقراطي العالمي يوم 8 اذار يوما عالميا للمراة.

تحدثنا في العراق،كثيرا، عن دور المرأة في التربية، والكفاح، وثورة العشرين، ووثبات، وانتفاضات، ومظاهرات الشعب العراقي ضد الاحتلال الانجليزي، والنظم الديكتاتورية. عن بطولاتها في النضال السري، وصمودها ضد التعذيب، والاغتصاب في سجون الانظمة الفاشية، ومشاركتها في الكفاح المسلح، وتحملها معاناة حروب الطاغية. بعد الاحتلال الامريكي للعراق، وضعت الكوتا للمراة العراقية25 بالمئة حصة النساء في البرلمان، وجاؤوا باشباح نساء لاتعرف راسها من مؤخرتها من كم السواد الذي تلتحف به. دمى تحركها العمائم في مسرح العرائس البرلماني.

عودتنا الفضائيات، وما اكثرها هذه الايام. ان تتذكر هذا اليوم كل عام. احدى الفضائيات تحاول اليوم 8 اذار بخجل ان تدافع عن قضية المراة. يتصل احد من متحجرات القرون الماضية ليقول ان النساء غادرات لعوبات ليس لهن وفاء. ولايخجل ان تكون له علاقات معهن، وهو متزوج. فالنساء عنده مجرد كارتات جميلة يرميها مثل صور الممثلات في الزبالة، بعد ان يمل منها، او يجد من هي اجمل، او اكثر تعريا. قال شعرا فجا نسبه الى علي بن ابي طالب:
( دعك من ذكرهن فما لهن وفاء ريح الصبا وعقولهن سواء)
لم نعرف عن علي بن ابي طالب انه كان دون جوان زمانه، والشعر الركيك يعود للفترة المظلمة نسبه احد المتخلفين لعلي ليدعم به موقفه المتخلف من المرأة. وهي بالنسبة له جسدا، ووجها، وشعرا لاغير. وتحول الحديث عن 8 اذار شعر غزل شعبي، وفصيح في المرأة. اقتصر على تقديم ورد اصطناعي للمذيعة التي وقعت في فخ تحويلها الى دمية في "جامخانة" العرض السطحي لقضية المرأة. لم يشار الى دور المراة، ومشاركتها في الانتخابات داخل وخارج العراق، وتحديها للارهاب، ودورها في العملية السياسية. عن فرض الحجاب المقيت، عن احد قادة الائتلافات الكبيرة يصطحب معه ابنته ملفوفة بالسواد من هامتها حتى اخمص قدميها لايرى منها شئ، وكانها كيس قمامة يستحي صاحبنا منه. لم تتحدث المذيعة، ولا المذيع عن انتشار ظاهرة ختان الاناث الغريبة في بلادنا، عن قتل الشابات وحرقهن، عن منعهن من الاختيار الحر لشريك حياتها، او التحرك، او السفر، عن حرمانهن من التعليم. عن الزواج القسري، والمتعة، والمسيار، والفصل العشائري. عن الاغتصاب اليومي للنساء، وتحميلهن مسؤولية المجرم. عن الاعتداءات والتحرشات الجنسية التي تجري في كل مكان وفي كل موقع عمل بشكل من الاشكال، وصورة من الصور. لم يذكروا الارامل، ومعاناتهن، ومشاكلهن. سكتوا عن المطلقات اللواتي فرضت عليهن القيم، والتقاليد البالية قيمة دنيا، وكانهن من صنف المنبوذين في الهند، بحيث اصبحت كلمة المطلقة اسوء من شتيمة. اما المطلق فهو رجل وحر(يطلق وياخذ بكيفة). لم يتحدثوا عن ترسيخ مفاهيم ضعف المرأة، وقلة عقلها، والتصرفات المقصودة ضدها، والاستهانة بامكانياتها، وشخصيتها، ومعاملتها كانسانة "ناقصة عقل ودين". تعاني من التمييز، والتهميش، والاقصاء، وكانها معوقة. بل ان مكانة الذكر المعوق بالكامل تفوق مكانة وقيمة المراة حتى لو كانت رئيسة دولة (المرة مرة والرجال رجال!). بل استكثروا عليها حتى تأنيث الكلمات فلا يقال، او يكتب في الفترة الاخيرة عضوة برلمان، او وزيرة، او خبيرة. واكيد ستمنع ايضا كلمة طبيبة، ومعلمة، ومحامية، وممرضة، وقابلة...الخ لانها تشير الى المؤنث. فهذا يؤثر على مشاعر المستفحلين المتحجر ين.

عملية تجهيل ديني مقصودة، والتعامل الدوني معها، وغبن حقها في تبوء المناصب، والوظائف(قاضية مثلا) او غبن حقها في الميراث باعتباره امر رباني. وزيرة يجب ان يرافقها محرم في سفراتها. واذا اضطروا لمدحها قالوا: (المرأة الصالحة خير من الف رجل غير صالح) وهو مثل مبطن بالاستصغار، ويفترض ان الرجل افضل منها. ولو كان صالحا لكان افضل منها حتى لو كانت اصلح منه الف مرة. شهادتها منقوصة ولا يعتد بها.

المراة التي وصلت الى الفضاء، وقادت الطائرات، واشتركت في الحروب، وعملت في المناجم، والاطفاء، والفرق الخاصة، والمختبرات، وكل المهن الصعبة(الرجولية!) وفاقت الكثير من زملاءها، فهذا مجرد استثناء وينسون ان الرجال العظام في التاريخ ايضا استثناء فليس كلهم اينشتاين ولا كلهم نيوتن. اما بلقيس، وزنوبيا، ومدام كوري، والام تيريزا، وانديرا غاندي، وبندرانايكا.وسيمون دي بوفوار، والاف الامثلة فهذه مجرد استئناءات. مع ان التاريخ، والواقع، والعلم، والبحوث تثبت ان المراة افضل من الرجل في كل شئ. اعطوني رجل واحد يستطيع ان يكوي الملابس، ويقرأ الجريدة، وينظر الى التلفاز، ويرضع طفلا، ويلاعب اخر، ويتكلم في التلفون، ويطبخ في نفس الوقت!!! الرجل يشيخ قبل المرأة، ويخرف قبلها مع انها تعتني به طوال عمره، وتنجب معه الاطفال، وتمارس عملها كعالمة، طبيبة، سياسية، وزيرة، رئيسة وزراء، رئيسة جمهورية. تتحمل الصعاب تتجاوز اقسى المحن والظروف، تتكيف للجديد، والصعب، تتعلم بسرعة، دون ان تشتكي، ودون ان تدعي الافضلية.

حتى في العالم المتمدن، وهذا ليس تبريرا لتخلفنا، بل تاكيدا على ديكتاتورية المجتمع الذكوري منذ الاف السنين فان المراة لازالت تعاني من التهميش، والاقصاء، والتحرش، والاستغلال الجنسي، والمتاجرة بجسدها، وعدم المساواة الكاملة، والعنف المنزلي ضد النساء، وعدم التوظيف، أو التسريح من العمل اذا كانت حامل، و..و... وبمناسبة الذكرى المئوية لاحتفالية الثامن من اذار فان الاحصاءات تثبت ان 70% من فقراء العالم نساء، وان كل واحدة من اثنتين من النساء التي تعيش وحدها مع اطفالها تحت خط الفقر في اوربا(طبعا فقرهم جنة).

لازال الرجل الشرقي يستحي من ابنته، او اخته، او زوجته، وكل قريباته من النساء. ولا زلنا نسمع هذه العبارة الحقيرة(خطية ما عنده بس بنات) وكأن البنات قنفات من سوق الهرج. نابليون بكل عنفوانه اقر: "ان وراء كل عظيم امرأة"! واعترف كلينتون، انه لولا زوجته، التي خانها اكثر من مرة، لما اصبح رئيسا للولايات المتحدة الامريكية. وهي الان اهم وزير في حكومة اوباما، الذي قال ايضا، انه لولا نيكول لما وصل الى ما وصل اليه. الرجل الشرقي للاسف لا زال يفرض على زوجته، ابنته، اخته، امه حتى القائمة التي ستنتخبها. بل يتحكم في لبسها، ودراستها، ويختار لها عريسها.
ورغم نضال الشخصيات النسائية، ومنظماتها العالمية، والاقليمية، والمحلية، وحتى الامم المتحدة فان المرأة لازالت تعاني الكثير، ولم تصل بعد الى المساوات الكاملة حتى في ارقى المجتمعات الاوربية. لكن اين هذه (البطر) من وضع المرأة العراقية، التي لازال امامها درب طويل جدا من النضال في سبيل المساواة، والانصاف، والحرية، والحقوق الاجتماعية، وحفظ كرامتها، وتحررها من الاسر المنزلي، والنظرة المتخلفة، والقيم البالية، رغم دورها الكبيرة، ورغم انها تمثل اكثر من نصف المجتمع فهي الام، والاخت، والحبيبة، والزوجة، والابنة، والزميلة، والرفيقة. المرأة العراقية لازالت تتحمل رعاية ايتامها لوحدها. لحد الان لم يطرح اسمها كرئيسة وزراء، او رئيسة جمهورية، بل لا يوجد حزب عراقي واحد تراسه امراة مع قدرة، وامكانية الكثيرات منهن.

8 اذار هو للتذكير بكل هذا، وغيره، وليس لقراءة قصيدة غزل، او التغني بجمال، وانوثة المرأة، فهي واعية لانوثتها. المرأة تريد الاعتراف بدورها عمليا، وليس لفظيا. انسانة كاملة الحقوق متساوية تماما مع اخيها الرجل، قوانين تتجسد على الواقع، وليس امنيات، او كلام مجاملات في المناسبة. ام ستمر الذكرى المئوية الثانية لاحتفاية 8 اذار، والمرأة لازالت قبيعة البيت، واسيرة التقاليد، وحبيسة القيم البالية.

كل العالم يحارب طالبان، والقاعدة، لكن اغلبهم لايحاربون القيم، والافكار، والتسلكات، والاخلاق، والاعراف، والتصرفات الطالبانية ضد المرأة في مجتمعاتهم.