8 مارس وحقوق المرأة المستباحة



نجيب الخنيزي
2010 / 3 / 13

جاء في ديباجة «الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة» أن التمييز ضد المرأة يشكل انتهاكا لمبدأي المساواة في الحقوق واحترام كرامة الإنسان، ويعد عقبة أمام مشاركة المرأة، على قدم المساواة مع الرجل، في حياة بلدهما السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويعوق نمو رخاء المجتمع والأسرة ويزيد من صعوبة التنمية الكاملة لإمكانات المرأة في خدمة بلدها والبشرية. كما جاء في المادة الأولى يعني مصطلح «التمييز ضد المرأة» أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من إثارة أو أغراضه توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية أو في أي ميدان آخر، أو توهين أو إحباط تمتعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها، بصرف لنظر عن حالتها الزوجية وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل.
رغم الاتفاقيات والتشريعات والبروتوكولات الملحقة الدولية المتعددة المتعلقة بحقوق المرأة التي صدّقت عليها غالبية الدول في العالم، فإن التمييز والاضطهاد متعدد الأشكال الواقع على الأطفال والنساء في العالم هو في تصاعد وتزايد مستمرين ولم تفلح الإجراءات والأهداف العامة وفي مقدمتها مؤتمر القمة العالمي من أجل الطفولة العام 1990 ومؤتمر المرأة في بكين العام 1995 وما تلاهما من مؤتمرات في الحد من مضاعفاتها الخطيرة وإيجاد بيئة جديدة يتمتع فيها الأطفال والنساء بوضع صحي وتعليمي واجتماعي مناسب. وقد قدم تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة العام 1995 فكرة معيار تمكين المرأة، لقياس مساهمة المرأة التي يعكسها الدخل لكل فرد، وحصة المرأة في المراكز المهنية والتقنية، وحصتها في قاعة المجالس النيابية، وقد وجد أن ترتيب العالم العربي أقل من أية منطقة أخرى في العالم، عدا إفريقيا جنوب الصحراء. كما أن نصف الإناث في الوطن العربي أميات ومعدل الوفيات من النساء الحوامل وحديثات الولادة ضعف نظيره في أميركا اللاتينية، وأربعة أضعافه عن شرق آسيا. تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002 أكد ثلاثة نواقص أساسية تواجه جميع الدول العربية وهي نقص الحرية، ونقص تمكين المرأة، ونقص المعرفة. وفي سياق متصل، أكدت المنظمة العربية للتربية والثقافة أن عدد الأميين العرب بلغ أكثر من 70 مليون أمي (ثلثاهما من النساء) في العام 2005 وبنسبة تتجاوز 35%، وهو ما يساوي ضعف معدل الأمية في العالم.
جاء في تقرير التنمية العربية الإنسانية الأخير للعام 2009 أنه مازالت أنماط القرابة الأبوية والتمييز الذي يجيزه القانون والإخضاع الاجتماعي والهيمنة الذكورية المتأصلة تكبل المرأة العربية على العموم، وهي، بحكم منزلتها الضعيفة في ما يتعلق بصنع القرار داخل العائلة تتعرض باستمرار لأشكال العنف الأسري والممأسس. وتشمل تلك الممارسات المدرجة في الفئة الأولى كل أشكال الاعتداء الجسدي التي تراوح بين الضرب والاغتصاب والقتل. أما النوع الثاني فهو وقوع المرأة ضحية لممارسات ثقافية واجتماعية تلحق بها مثل تشويه الأعضاء التناسلية للإناث (الختان)، وتزويج الفتيات في سن الطفولة وحقوق الولاية والقوامة للرجل على الزوجة والتي كرسته قوانين الأحوال الشخصية في غالبية البلدان العربية، كما تندرج جرائم قتل النساء بدواعي الشرف ضمن الممارسات البشعة التي تتعرض لها النساء. المرأة العربية لاتزال تخضع إلى إجراءات تمييز ظالمة وتصادر حقوقها وكرامتها الإنسانية، وذلك بسبب القوانين والإجراءات الحكومية والأعراف والتقاليد السائدة التي يكرسها الفهم المغلق للدين والمجتمع الأبوي الذكوري. إن تغيير واقع المرأة والطفولة في البلدان العربية يتطلب اتخاذ إجراءات جذرية لإصلاح البنى السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ومن بينها سنّ التشريعات والأنظمة العصرية التي تحد من اضطهاد ومنع المرأة من القيام بمهماتها ووظائفها، بما في ذلك نيل وممارسة حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كافة، جنباً إلى جنب مع الرجل، وبما يتفق مع إمكانياتها وخصائصها الإنسانية، التي أكدت عليها التعاليم والمثل الدينية (وفي مقدمتها الإسلام) والمبادئ والمفاهيم الأخلاقية، والقيم والمعايير الكونية، والقوانين والتشريعات العالمية ألتي وقعت عليها (مع إبداء تحفظات معينة) غالبية الدول العربية.

المرأة والطفولة.. وتداعيات العولمة


نشوء الرأسمالية في أوربا إبان ثورتها الصناعية الأولى اعتمد بشكل كبير على استغلال قوة العمل الرخيصة في ظل ظروف غير إنسانية وفي مقدمة من استغلتهم بشكل بشع النساء والأطفال. مع أن الرأسمالية مثلت تاريخياً مرحلة تقدمية وثورية إلى الأمام من خلال القضاء على التشكيل الاجتماعي ـ الاقتصادي ـ السياسي الإقطاعي القديم وتشييدها نمطاً (برجوازياً) مغايرا حديثاً، كما فرضت هيمنتها السياسية والأيدلوجية التي مكنتها من تحرير قوة العمل بما في ذلك عمل النساء والأطفال. وإزاء تفجر الصراعات الاجتماعية والسياسية، وتنامي الحركة المطلبية والنضالية والثقافية للمرأة في الغرب من ناحية، وتطور الإنتاجية وإدخال المكنة من ناحية أخرى أمكن تعديل وتطوير كثير من الأنظمة والإجراءات والتشريعات والقوانين في البلدان الصناعية (الرأسمالية) المتطورة التي تكفل الحقوق العامة للمواطنين ومن ضمنهم النساء، ومساواتها (في فترات متباينة) مع الرجل في المجالات كافة. غير أن حياة الغالبية الساحقة من سكان العالم (الجنوب) وفي مقدمتهم النساء والأطفال ما تزال مهددة، يطحنها الفقر والجوع والمرض وانعدام الأمل في المستقبل، وفي ظل العولمة فإن حدة الفوارق بين الشمال والجنوب وبين الأغنياء والفقراء أخذة تزداد اتساعاً وعمقاً.
جاء في تقرير أصدرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) عن وضع الأطفال والنساء في العالم، إن البشرية ستتعرض للخطر طالما بقيت الانتهاكات الجسيمة لحقوق الأطفال والنساء، وطالما بقيت الظروف التي تجعل تلك الانتهاكات موجودة وتزيد منها من دون تغيير. وذكر التقرير أنه مع بدايات القرن الحادي والعشرين أصبح الأطفال والنساء يشكلون الغالبية الساحقة من فقراء العالم كما أنهم يشكلون السواد الأعظم من المدنيين الذين يلاقون حتفهم أو يصبحون مشوهين أو مقعدين جراء الصراعات المستمرة وحقول الألغام المنتشرة في مناطق النزاع، وهم أيضاً أكثر المجموعات عرضة للعدوى بفيروس نقص المناعة (الإيدز). أما حقوقهم المنصوص عليها في اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة فهي تتعرض للانتهاكات كل يوم بطرق وأساليب يصعب حصرها.
تضمن تقرير اليونسيف: إن ما يزيد على 30500 طفل وطفلة دون الخامسة يموتون كل يوم لأسباب يمكن الوقاية منها، في حين يصاب 250 ألف طفل وشاب بعدوى فيروس الإيدز شهرياً ،وفي كل عام تلقى نحو 600 ألف امرأة حتفها نتيجة مضاعفات الحمل والولادة التي كان بالإمكان تفاديها، كما يحرم مئات الملايين من الأطفال والنساء في البلدان النامية من المياه والمرافق الصحية والمدارس. وتشير تقديرات منظمة العمل الدولية إلى أن ما يقارب الـ250 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5ـ14 سنة في البلدان النامية يعملون في ظروف خطرة.. وأنه في الفترة الممتدة من العام 1989م حين تم إقرار حقوق الطفل وحتى نهاية 1999م قتل أكثر من مليوني طفل وجرح وأعيق أكثر من 6 ملايين وآخرين بسبب النزاعات وانتشار الألغام الأرضية، كما يجبر عشرات الملايين من الأطفال والنساء في العالم وخصوصاً في بلدان الجنوب تحت وطأة الفقر والحاجة على ممارسة أعمال تتسم بالخطورة على حياتهم وصحتهم بما في ذلك الانخراط في الميليشيات والجماعات المسلحة أو ضمن عصابات الإجرام المنظمة التي تمارس نشاطات غير مشروعة مثل تجارة المخدرات والسرقة والسوق السوداء والدعارة. على الصعيد العربي، نشير هنا إلى ما أحدثه عدوان وجرائم إسرائيل المستمرة منذ قيامها وحتى الآن ضد البلدان والشعوب العربية بما في ذلك عدوانها الأخير على لبنان في شهر يوليو/ تموز ,2006 وما ارتكبته قواتها من مجازر بشعة، وتهجير قسري طال مئات الآلاف من المدنيين اللبنانيين وجلهم من النساء والأطفال. ويندرج في هذا السياق ما تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلي يومياً من مجازر وقتل بحق المدنيين، ومن تدمير وحصار وتهديم للمنازل وجرف ومصادرة الأراضي والمزارع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ناهيك عن حروبها العدوانية السابقة (منذ قيامها وحتى اليوم) ضد الفلسطينيين والعرب، وآخرها عدوانها الهمجي على قطاع غزة في مطلع العام الماضي ,2009 والذي كشف تقرير غولدستون بعض تفاصيله ونتائجه المخيفة. الأمر ذاته ينطبق على ما يجري يومياً في العراق القابع تحت هيمنة الاحتلال، وما قامت به قوات التحالف وخصوصاً القوات الأميركية وجماعات المرتزقة (وتر بلاك) من قصف وتعديات وقتل وعقاب جماعي بحق المدنيين، وما يحدثه تصاعد وتيرة العنف والإرهاب (الديني والطائفي والاثني) من قبل المليشيات الطائفية والجماعات الأصولية التكفيرية، والذي نجم عنه مقتل مئات الآلاف وتهجير الملايين من المدنيين العراقيين في الداخل والخارج في الآن معاً.
لقد سلطت الكثير من التقارير العراقية والدولية الضوء على ظروفهم الحياتية المفزعة وخصوصاً اليتامى والمعاقين في مقرهم ببغداد وغيرها من المدن العراقية، ناهيك عن اتساع نطاق الفقر والبطالة وتردي الخدمات، وانتشار الجريمة المنظمة وتجارة الجنس، والتي يأتي في مقدمة ضحاياها نساء وأطفال العراق الجريح والمنكوب بالاحتلال ونظام المحاصصة الطائفية وشيوع الفقر والبطالة وتردي الخدمات. وقد لوحظ لجوء المجموعات الإرهابية إثر تقلص إمكاناتها اللوجستية وقدرتها على التحرك بحرية نسبية إلى تجنيد النساء والأطفال في تنفيذ عملياتها.
هناك أوضاع مشابهة كما يحدث في الصومال، السودان، أفغانستان، اليمن، وغيرها من المناطق الساخنة. إضافة إلى ما يحدثه انتشار مخلفات حقول الألغام والقنابل العنقودية المنتشرة في مناطق النزاع والحروب من الضحايا كل يوم، بل إن إسرائيل إمعانا في ساديتها لم تتردد في إلقاء القنابل العنقودية والفتاكة وبعضها على هيئة لعب للأطفال. وفي كل تلك الحالات كان النساء والأطفال في مقدمة الضحايا. تلك الانتهاكات الصارخة لمبادئ حقوق الإنسان الأساسية في الحياة والعمل والصحة والكرامة والعدالة الإنسانية تحدث تحت سمع وبصر عتاة العولمة المتوحشة.