حوار مع ثلاث ناجيات من الانتحار



سناء طباني
2010 / 3 / 15

* أساس المشكلة كان إجباري على الارتباط بشخص من أقاربي لا تربطني عاطفة معه

* الإنسان الذي كنت أحبه جاء لزيارتي في المستشفى مرة واحدة واختفى..!

* علينا أن نتخلّى عن فكرة (بنت العم من نصيب ابن العم)..!

* الدور المهم يبقى للعائلة وطريقة تعاملها مع مشكلة الفتاة قبل فوات الأوان..

* لا يوجد شخص يستحق أن أضحي بحياتي من اجله..!



إعداد سناء طباني

من المعروف إن عملية الانتحار هي عملية متعمّدة من قبل احدهم لإنهاء حياته، ولكن هل ينطبق هذا التعريف على الجميع؟ أم إن لجنس الإنسان دوره في ذلك؟

لقد أثبتت الدراسات إن 96% من المقدمين على الانتحار هن من الإناث والباقي من الذكور..!

هل إن هذا التباين الشاسع يخضع لتأثيرات في التعامل من قبل الأسرة والمجتمع؟ وما هي الظروف والأوضاع التي تدفع بفتيات في عمر الزهور إلى الانتحار؟ وما هو تأثير الظروف الاجتماعية والمادية والأسرية في ذلك؟ وهل لما يسمى بجرائم الشرف وغسل العار والزواج ألقسري دورٌ في ذلك؟ ما هي مشاعر من حاولت الانتحار وفشلت في ذلك وكيف تنظر للأمر عقب ذلك؟؟ هذه الأسئلة وغيرها كانت محور حديثنا مع ثلاث إناث نجوا من الانتحار بأعجوبة..

وضيوفي هنّ: (م.ص) تبلغ من العمر 24 عاما، وكانت تبلغ من العمر أثناء الإقدام على الانتحار 14 عاما تحصيلها الدراسي ابتدائية.. و (خ.د) تبلغ من العمر 28 عاما، وكانت تبلغ من العمر 21 عاما أثناء الحادث، تحصيلها الدراسي خريجة متوسطة.. و (س.ص) تبلغ من العمر 25 عاما وأثناء الحادث كانت تبلغ 18 عاما، وتحصيلها الدراسي بكالوريوس..



لماذا الانتحار؟؟

عن لجوئهن للانتحار رغم قسوة هذا الفعل قالت (م.ص): الظروف هي التي أجبرتني على التفكير بالانتحار والإقدام عليه، كانت حياتي تمر بظروف عائلية صعبة، كان لي أفكاري الخاصة وللأهل أفكاراً أخرى، وعدم تقبل الأهل لظروفي وأفكاري وكان لي ظرف عاطفي أيضاً وهو سبب أساسي في المشكلة وذلك لإجباري على الارتباط بشخص من أقاربي لا تربطني عاطفة معه، وفي نفس الوقت كنت مرتبطة عاطفيا مع شخص من اختياري ولم أكن استطيع الانفصال عن خطيبي الذي لم اختاره بسبب ضغط الأهل، وكذلك لم استطيع أن أنسى حبيبي في ذلك الوقت وكان لي ظرف اقتصادي مرتبط بكل هذه الأحداث..

أما (خ.د) قالت: لم يكن انتحارا..(!!) قد يكون قضاءاً وقدرا؟ أنا إنسانة مؤمنة لا استطيع مخالفة إرادة الله، ولا يمكن أن استطيع إيذاء نفسي ولا يوجد السبب الحقيقي كي أقوم بهذا العمل المرعب..!!

(س.ص) قالت: حدث شجار عائلي بيني وبين والدتي، ليس مثل كل مرة، بل أكثر، فقامت والدتي بإهانتي وضربي أمام أصدقائي وصديقاتي، فجن جنوني ولم اعرف ما الذي دعاني ذلك الوقت ففكرت بالانتحار بأخذ حبوب..!



هل محاولة الانتحار، رسالة لأحدٍ ما؟؟

وفيما إذا كانت عملية الانتحار رسالة لشخص ما، فقد قالت (م.ص): نعم.. كان لي غايتان، الأولى إيصال رسالة للشخص الذي اخترته باني مخلصة معه، وكذلك للشخص الذي كان من المفروض عليّ الارتباط به باني كنت ارفض العيش معه وأفضل الموت على الحياة معه ولو لساعات، ورغم إنها كانت طريقة خاطئة وفكرة خاطئة في ذلك الوقت، ولكن كوني كنت صغيرة العمر فلم اقدر عواقب هذا العمل.. وللأسف فان الإنسان الذي كنت أحبه جاء لزيارتي في المستشفى مرة واحدة وانسحب وكان يتهرب من الموقف، بعكس موقف قريبي الذي كان له موقف اشرف وأنبل، حيث أعرب عن تمسكه في الارتباط بي بعكس الحبيب الذي هرب ولم يعد..!

أما (خ.د) فقالت: لا يوجد أي غاية للانتحار ولا يوجد شخص يستحق أن أضحي بحياتي من اجله..!

أما (س.ص) فقد اعترفت: نعم.. كانت رسالة للوالدة، وذلك كي اعلمها إنني قد تخطيت عمر الطفولة ولا تجوز إهانتي أمام احد.. ووصلت رسالتي واجتمعنا عائليا وتفهّم والدي الموقف، وأعرب عن أسفه ورفضه لموقف والدتي، وأكد إنها ستكون المرة الأخيرة التي تتصرف بها بهذا الأسلوب وفعلا كانت تلك آخر مرة..



الانتحار بين اليأس والشجاعة..!

قلت لهن: علم النفس يقول إن المنتحرات إما يائسات أو شجاعات أو إنهن متهورات، ما هو الوصف الصحيح برأيكن ولماذا؟

(م.ص) قالت: بالنسبة للعمر الذي كنت فيه آنذاك كان 14 عاماً، فقد كنت في قمة اليأس، ولو كان سني بغير هذا العمر لما اخترت هذا الطريق الصعب، بل كنت سأختار العقل والحكمة والمشاورة وليس الانتحار..

أما (خ.د) قالت: لا استطيع أن أقدم أي تفسير لأني لم أكن متعمّدة في حرق نفسي، واعتبر من يقوم بهذا العمل ضرب من الجنون وليس شجاعة أو يأس..

أما (س.ص) قالت: الشعور الواضح آنذاك كان اليأس، لأني في ذلك الوقت لم أجد وسيلة أخرى للتنفيس عن غضبي وانتقامي من والدتي، ولو تكرر الأمر الآن، فمن المؤكد لن أقدم على نفس الخطوة، لأني في حينها كنت لا اقدّر عواقب هذه الأعمال من الناحية الاجتماعية، ولا مقدار الألم الذي سيصيب عائلتي.



الانتحار لا يحل مشكلة..!

وفيما إذا كان الانتحار يحل المشكلة قالت (م.ص): لا.. أبداً، الانتحار يعمّق المشكلة ويضيف مشاكل جديدة اكبر وأعمق، وأنا لم أحقق أي شيء بالانتحار، بل إن أمنياتي أصبحت مكبوتة في داخلي ولا استطيع حتى الإفصاح عنها للأهل والأصدقاء، كنت أتوقع إن مشاكلي ستنتهي بمرور الأيام، ولكن بعد الحادث مررت بمشاكل يبدو إنها لن تنتهي، لأنني مضطرة للعيش في حدود ضيقة ولا استطيع أن أعيش كبقية صديقاتي، ولم اعد استطيع الخروج أو التنزه ولن أتكلم عن المشاكل التي تركها الحريق في نفسي فهذه قصة أخرى..

أما (خ.د) فردت بالقول: لا بالعكس.. الانتحار يعمق المشكلة ويزيدها وقد يزيد المشاكل الموجودة أصلا بالإضافة إلى تغيّر نظرة المجتمع التي تتحول إلى شفقة، وكذلك المعاناة فيما يتعلق بالآثار السلبية التي يتركها الحريق على ملامحنا والتي ستبقى مدى الحياة، وتذكرّني بالعمل اللا إنساني الذي اقترفته بحق نفسي.. أما من الناحية العاطفية فقد تغيّر موقف الشخص الذي كنت مرتبطة عاطفيا معه وذلك لان الآثار التي تركت في وجهي أصبحت أنا لا أتقبلها فكيف بحبيبي أن يتقبلها؟؟ وكم أتمنى أن تسعى منظمة معينة تعمل لحماية حقوق النساء لحل هذه المشاكل التي تواجه الفتاة سواء حمايتها قبل الانتحار أو بعد الانتحار وذلك للمعالجة أو إيجاد وظيفة..

قاطعتها: لو أتتكِ فرصة عمل هل ستوافقين عليها وتواجهين المجتمع بعد كل ما حصل؟.. قالت بحسرة: لا.. أنا أفضّل جو البيت وجو العائلة ولا أفضل العمل خارج البيت بل داخله، سواء بمتابعة أمور البيت أو العناية بأولاد أخي الذين لهم معزة خاصة في نفسي..

أما (س.ص) فقالت: نعم.. لقد استطعت أن أوصل رسالة إلى والدتي بأني فتاة لها شخصية وكيان مستقل، وان العنف العائلي أبدا لن يحل مشكلة ما، بل بالحوار المتبادل ما بين أفراد العائلة، وفعلا تحقق ما أريد وتخلصت من تلك المشكلة..



المشاكل الاجتماعية هي السبب الأول..

وعن نوعية المشاكل التي يمكن أن تؤدي بالفتاة إلى الانتحار، قالت (م.ص): المشاكل الاجتماعية هي السبب الأول والأخير، مع اختلاف الظروف لكل شخص، فانا مثلا لو كنت ولداً وليس فتاة لما قمت بهذا العمل، لان المجتمع كان سيجعلني اختار من أريد، لا أن يتم إجباري على أمر لا أريده، لان الفتاة في مجتمعنا لا تمنح دائما الحق في اختيار شريك حياتها، نصيحتي لكل أم وأب هي أن لا يغصبوا ابنتهم على الاقتران بشريك لا تريده، وعلينا أن نتخلّى عن فكرة (بنت العم من نصيب ابن العم) لكي لا نضطر لهذه الأعمال التي لا ترضى الله ولا ترضى الأهل وتدمرنا، لقد تزوج ابن عمي بعد الحادث، وأنجب أولاداً، بينما بقيتُ أنا ادفع ثمن تلك الأفكار البالية..

أما (خ.د) فتقول: هناك مشاكل عدة، وقد تكون المشاكل الاجتماعية هي جزءاً منها أو هي الجزء المهم، كما قد يكون للأهل دورهم أيضاً في إيصال الفتاة إلى هذه النتيجة وذلك لعدم تقديرهم للعمر والمرحلة التي تمر بها الفتاة، وارتباط ذلك بالحالة المادية للأهل والتي هي الأخرى تمثل سبباً مهماً جدا في ارتكاب هذا الفعل البشع..

(س.ص) تنفي وتقول: بالنسبة لي فأقول.. لا.. والمشاكل الاجتماعية لم تكن هي السبب، فانا فتاة مثقفة ومتعلمة ولدي تحصيل دراسي علمي جيد وأتمتع بكامل شخصيتي سواء في البيت أو العمل، واعرف حدود اختياري والشيء الذي يناسبني ويناسب عائلتي من عدمه، ولكن أحياناً قد نمر بحالة من العصبية قد لا نستطيع التحكم بها، وأعود وأقول الدور المهم يبقى للعائلة وطريقة تعاملها مع المشكلة قبل فوات الأوان..





ما الذي تغيّر؟

وفيما إذا حدث تغيير بالتعامل معهن من قبل المحيطين بهن بعد محاولة الانتحار.. قالت (م.ص): نعم.. قسم من التغييرات كان نحو الأسوأ، وآخر تعاطف معي ويقول: (حرامات لماذا وكيف أقدمت على هذا العمل؟).. كما كان لبعضهم مواقف ايجابية لن أنساها مدى حياتي، وخاصة من الذين وقفوا معي في محنتي، وهذا ما منحني ما احتاجه من حنان.. كما انه لا يمكن أن أنسى كل ما سمعته من كلام ايجابي أو سلبي آنذاك.

أما (خ.د) فتقول: نعم.. تغيّرت المعاملة للأحسن، ولا أعاني من أية مضايقات سواء من الأهل أو الأصدقاء.. ومن جانب آخر فان الذي تغيّر فهو إنني لم اعد ارغب أو أفكر بالزواج مطلقا، كما أود أن أضيف لكم، إن هذا الحوار لا يجدي نفعا، لان الفتاة إذا قررت الانتحار فلن تتراجع عن قرارها للأسف، ولا يوجد ما يمنعها، لأنه لا يوجد حل لمشاكلنا الكبيرة، وأنا غير مقتنعة بهذا الحوار ولا يمكن أن افتح قلبي لأي جهة أو منظمة إنسانية وأتكلم عن معاناتي لأنه لا يوجد منظمة تساعدنا، لأننا متخلفون ولا نستطيع أن نحل مشاكل فتاة تقع في مصيبة، ولكن بعد أن تحدث المصيبة نستقتل لمعاقبتها وكأننا بدون أخطاء..!!

أما (س.ص) فتقول: لا.. لم يتغير موقف الأهل.. فقد استوعبوا المشكلة التي كانت أصلا معروفة لهم، وقاموا بتوعيتي، إضافة إلى إنني كنت قد عزمت على الانتحار بأخذ حبوب معينة وليس الحرق، ولهذا لم يترك هذا العمل آثار جانبية أو نفسية سواء عليّ أو على المحيطين بي..



نصائح.. واعتذارات..

وعن نصائحهن لكل فتاة تفكر بارتكاب هذا الفعل قالت (م.ص): أولاً احمد الله واشكره على نجاتي، لان الموت قد يأتي في أي وقت ولكن بإرادة الله وليس بمعصيته، ونصيحتي هو عدم الإقدام على هذا العمل لأنه سيغضب الرب أولاً، وألام والأب ثانيا، وأنا أقدم اعتذاري الآن إلى أبي وأمي، بينما لم اقدّر تعبهما، وأقول، إن هذا العمل لن يؤدي إلى نتيجة بل إلى خراب ودمار ومتاعب ويأس طوال الحياة، وكذلك اطلب من الله عز وجلّ أن ينصفني ممن أوصلني لهذه الحالة.

أما (خ.د) فقالت: من يريد نار جهنم فليجرب نار الدنيا، ومن المستحيل أن أشجع فتاة على هذا العمل الذي لا يؤدي إلى نتيجة بل إلى خراب وانعزال ودمار وموت بطيء للمشاعر والعواطف والأحاسيس..

أما (س.ص) فكانت نصيحتها هي: هذا العمل يعد ضرباً من الجنون وقمة اليأس، وانصح الجميع وخاصة الفتيات بعدم اللجوء إليه، لان له عواقب وخيمة، و إن الحياة لا تنتهي بوجود مشكلة معينة، لأنه لابد للمشكلة أن تنتهي وستعود المياه إلى مجاريها، وأعود أنا إلى حياتي وأحلامي ودراستي، أنا الآن اعمل واخرج وأحب وسأتزوج بمن أحب.. وختمت كلامها متسائلة: لأجل من كنت سأنهي حياتي؟؟ من كان سيخسر؟؟ أنا الخاسرة الوحيدة.. وبما إن الله أعطاني نعمة الحياة يجب أن أتمتع بها بما يرضيه ويرضي عائلتي والى آخر دقيقة من حياتي..





خاتمة

قد تكون مشكلة الإقدام على الانتحار من أصعب المشاكل التي تعاني منها مجتمعات كثيرة ومنها مجتمعنا، ولكن ما هو السبيل للإقلال من هذه الظاهرة ومنع فتاة من الإقدام على الانتحار؟ من المؤكد انه لا يوجد سبب قاطع لوقف هذا العمل بين ليلة وضحاها، ولكن توجد أساليب يمكن أن تقلل من حدوث هذه الظاهرة، منها المتابعة اليومية للفتاة (ولا أقول غير الفتاة) لأنها ألأكثر عرضة لهذا العمل، لأن متابعة الفتاة اليومية ومعرفة التغييرات الحاصلة لها سواء الايجابية أو السلبية، وكذلك فهم واستيعاب وتخفيف حدة الظروف التي تؤدي بالفتاة إلى هذه النتيجة، ولعلّ إن التفاهم والتنسيق بين الفتاة وأهلها لاختيار شريك حياتها وليس فرض شخص معين بالقوة سيساهم في الحد من هذه الظاهرة، لأننا يجب أن نفهم إن هذه حياتها هي، ويجب أن يكون لها حق الاختيار أكثر من غيرها.. ولابد من الاهتمام بنوع العمل الذي تمارسه الفتاة وبالشكل الذي يتناسب مع عمرها مع مراعاة مكان العمل..لان اخطر مشكلة بحق الفتاة هو زجها لسوق العمل وهي شابة يانعة ولا يوجد في محيطها غير إناس غرباء عنها، وإذا ما أذنبت الفتاة فليس ذنبها لان الأهل هم المذنبون بحقها وحق طفولتها.. ومن جانب آخر توجد نساء كثيرات عاملات ولكن بعمر مناسب ويستطعن الاعتماد على أنفسهن وغيرها من الأسباب الكثيرة التي قد تكون سبباً في هذه المأساة، ولا ننكر تأثيرات التقدم الحاصل في وسائل الاتصال والمعلوماتية في المشاكل التي تنشئ بين الفتاة وعائلتها، ويجب على العائلة أن تتفهم هذه الأمور وتعالج المشاكل التي تنشئ منها بالحكمة قدر الإمكان، وليس بالعنف.. هذا ويوجد أسباب أخرى كثيرة قد تكون أمراض جسدية أو عقلية أو نفسية مستعصية والتي قد تكون خارجة عن سيطرة العائلة والمجتمع.