المرأة والمجتمع المدني



بريهان الجاف
2010 / 3 / 15

يدرك الجميع دور وأهمية مؤسسات المجتمع في التنمية الشاملة لأي أمة تسعى للرقي والتكامل، إذ انها تمثل الحلقة الوسطى بين الدولة والفرد، فهي من جانب تعمل على مساندة الدولة لإكمال وظائفها التي يحتاج الفرد إليها، ومن جانب آخر تمثل شريكاً، له دور في تنمية المجتمع، وهنا يبرز التكامل في البناء وتحمل المسؤولية، وتتجلى في ذلك وحدة العمل، عبر توسيع مبدأ المشاركة الشعبية، وذلك من خلال إشراكها في إدارة المجتمع وتطويره، والاضطلاع بدور فاعل منتج في الحياة العامة، والدفع بمشروع النهضة بما يتلاءم مع روح العصر. وتواجد هذه المؤسسات في أي مجتمع حق من حقوق أبنائه المواطنين دون تمييز، إذ أن هدفها الرقي بالمجتمع، سواء من خلال المساهمة في الحفاظ على البيئة أو الدفاع عن حقوق الإنسان، أو تحسين الوضع الصحي، أو المشاركة في البرامج الاقتصادية، والأنشطة التعليمية، مما يستدعي عدم تجاهله من قبل الحكومات، فعائده هو ترسيخ مبادئ السلم الاجتماعي وتعزيز وحدة البلاد. ويجب على الدولة أن تعي أدوار هذه المؤسسات، وتعمل على تمكينها من القيام بواجباتها في تفعيل الحراك الفكري والثقافي والاجتماعي وحتى السياسي، بما ينسجم مع الثوابت الوطنية، من خلال تمكينها من المشاركة في صنع القرار، مما يسهم بالتالي في تعميق روح الولاء للوطن. كما يتوجب على الدولة أن تنفتح على متطلبات وحاجات العصر في هذا المجال، وان تعي وتتيقن أن هذه المؤسسات ليست خصماً، كما أنها ليست تابعاً لها، وإنما هي شريك حقيقي تنموي، يمثل محركاً فاعلاً للحياة اليومية في كل إيقاعاتها، وداعماً للجهود الرسمية التي تصب في مصلحة المواطن. ولكون المرأة إحدى مكونات المجتمع، وجزء أساسي في بناء النسيج العام له، وشريك في التنمية، لا مستهلك لها - كما يتصوره البعض -، كان لا بد أن تضطلع هذه المؤسسات بدور بارز في حماية المرأة، وضمان حقوقها كاملة غير منقوصة، والاهتمام ببرامجها التنموية، والاجتماعية، وتطوير مشاركتها في النشاط الاقتصادي، من خلال توفير فرص العمل لها. كما يجب أن يكون لها دور بارز في التعاون والتنسيق مع باقي سلطات الدولة، من أجل وضع إستراتيجية وطنية تمكن المرأة اقتصادياً، والذي هو من أحد أهم مستلزمات نهوضها، في سياق مفهوم التنمية الإنسانية الشاملة. ومن هنا يبرز الدور الإيجابي الذي يمكن أن تمارسه مؤسسات المجتمع المدني مع النصف المعطل من طاقات الوطن (المرأة)، حيث يتحقق حينها مفهوم التنمية الجديد، القائم على تقاسم الأدوار بينها وبين القطاعين الحكومي والخاص، ضمن إطار تشاركي تكاملي، وذلك بعد الوقوف على احتياجات المجتمع، ثم العمل نحو تحقيقها. لكن وبكل مصداقية أنى لنا ذلك وواقعنا يفتقد المناخ الطبيعي الحر في أن يكون له صوت يُسمع، ورأي ووجود عملي يُحترم، ومهيأ لمثل هذا التواجد المؤسساتي الذي يخدم مصالح الوطن عبر الرجل، ناهيكم عن المرأة؟ ولعل المشكلة تتجلى بدءاً في مدى القناعة بأهمية وجود مثل هذه المؤسسات، ففي الوقت الذي أصبح اليوم للمجتمع المدني (بمؤسساته) دور كبير في تدبير شؤون المجتمعات محلياً ودولياً، كذلك في التوجهات والقرارات التي تتخذها المنظمات والهيئات الدولية؛ يجب أن نعترف بان الوعي لدينا بأهميتها لا يزال قاصراً جداً، وضعيفاً عن أن يحقق ما نطمح إليه كمواطنين. كما يستلزم منا أن لا نتوارى خلف ادعاءات التقدم في هذا الجانب، إذ أن الباب لا زال موصداً أمام كل الطموحات. وهذا الوضع لا بد أن يُدرك مدى خطورته. فعلى الرغم مما شهدته مؤسسات المجتمع المدني على مستوى العالم ا، خاصة فيما يتعلق بقضايا تمكين المرأة، من نقلة نوعية متميزة في وتيرة أنشطتها ومجالاتها وتأثيراتها على مجتمعاتها، وإن كانت أقل من المأمول في بعض الدول؛ نرى مجتمعنا لا زال يراوح مكانه في ذلك، مع وجود بعض المؤسسات التي ساهمت إلى حدٍ ما في عطاء لهذا المجتمع من خلال بعض برامج التوظيف، التزويج، تدريب المرأة على المهارات، والدورات التأهيلية... كما تواجهها الكثير من العقبات كنقص الكفاءات المتخصصة، وعدم وضوح الرؤية والرسالة لديها، وتعدد الاهتمامات وعدم التخصص، مما يتطلب النظر لهذا الجانب بثقة وتفاعل ايجابي، بهدف التعرف على ما تملكه من عوامل النجاح والإخفاق، والاستفادة من تجاربها، ومدى تأثيرها على مجتمعاتها، لنقرر حينها أين يجدر بنا وضع أقدامنا.