عن المرأة والقضاء



نصارعبدالله
2010 / 3 / 24


كنت أحسبها بديهية من البديهيات الدستورية ، وقبل ذلك بديهية من بديهيات العدالة المجردة أن الأجدر بشغل موقع ما أو وظيفة معينة تتعلق بعموم المواطنين، هو الأكفأ والأقدر والأعلم ، بغض النظر عن كونه رجلا أو امرأة، مسلما أو مسيحيا، صعيديا أو منوفيا ... الخ كنت أحسبها إحدى بديهيات الدستور وقبل ذلك العدالة المجردة ، فضلا عن كونها أولى مقتضيات التقدم ، إذ لا تتقدم أمة ولا ينهض مجتمع إذا تم اختيار المفضول رغم وجود الأفضل أوالأقل كفاءة مع وجود الأكفأ، ... كنت أحسبها كذلك حتى صدمنى وصدم كثيرين غيرى قرار الجمعية العمومية لمجلس الدولة الذى يعترض فيه على ترشيح من تم ترشيحهن من قبل المجلس الخاص لكى يكن قاضيات، وذلك قبل أن تحسم المحكمة الدستورية الأمر وتعيد الوضع إلى نصابه الذى كان ينبغى أن يسير فيه منذ البداية . ومع هذا فإن فتوى المحكمة الدستورية وإن كانت قد حسمت مشكلة عارضة إلا أنها لم تحسم المشكلة الأهم والأولى بالنظر والإعتبار ألا وهى : هل من يتم اختيارهم فى مجلس الدولة، أو فى النيابة والقضاء عموما، هل هم فى كل الحالات أكفأ المتقدمين بالفعل وبالتالى هم أجدرهم بالإختيار؟؟... أستطيع أن أزعم بقدر كبير من الثقة أن الإجابة على هذا السؤال هى بالنفى !! ...لماذا ؟؟ لأنه حتى فى أفضل حالات الإختيار وهو ما كان معمولا به فيما مضى، كانت المفاضلة تتم بناء على الدرجات التى سبق أن حصل عليها المتقدمون من الكليات التى تخرجوا منها ، وهى درجات أستطيع أن أقول إنها فى معظم الحالات لا تعبر عن مستوياتهم الحقيقية ...فمع الآلاف المؤلفة من أوراق الإجابات التى يطالب المصحح فى كليات الحقوق بتصحيحها ، مع هذه الآلاف المؤلفة لايستطيع المصحح إلا أن يلقى عليها لمحة عابرة ( هذا إذا وجد الوقت لكى يلقى ولو مجرد نظرة) ... وتكون النتيجة فى النهاية أقرب ما تكون إلى المزاح أو العبث !!، ولن نتكلم هنا عن أن امتحانات كليات الحقوق وغيرها من ذوات الأعداد الغفيرة لا تقيس القدرة على الإبداع أو الإبتكار أو حتى مجرد التخيل ، لا نتكلم عن ذلك لأن المصححين فى تلك الكليات ليس لديهم وقت حتى لتصحيح ما يضعونه من تلك الإمتحانات القاصرة أصلا ، ورغم التقدم الكبير فى أساليب الإختبار عن طريق الحواسب الآلية ، فإن أيا من كليات الحقوق فى بلادنا لم تلجأ ـ ولو جزئيا ـ إلى اتباع هذه الأساليب لضمان حد أدنى من الدقة والعدالة والموضوعية فى تقدير درجات خريجى كليات الحقوق . الغريب الغريب أنه لا المجلس الأعلى للقضاء الذى يناط به التعيين فى القضاء العادى ولا المجلس الخاص الذى يناط به التعيين فى مجلس الدولة ، لا هذا ولا ذاك قد خطر له أن يتدارك هذا القصور الذى يفضى إليه ـ لا محالة ـ تصحيح أوراق غفيرة من الطلاب على مستوى الجامعة ، لا هذا ولا ذاك قد خطر له يوما أن يعقد اختبارات دقيقة تقيس أولا وقبل كل شىء مستوى ذكاء المتقدم ( اختبار سيمون وبينيه مثلا أو أى اختبار آخر من الإختبارات الأحدث) ثم تقيس مستوى إحاطته بالمجال المتقدم إليه ثم تقيس بعد ذلك مستوى قدراته النوعية المطلوبة ، فضلا عن بعض قياسات نمط الشخصية الذى ينتمى إليه ( استجاباته الإنفعالية ...قدرته على التحمل ...اتزانه النفسى ...الخ) ...لا بأس بأن تستغرق تلك الإختبارات أياما وأن يشارك فيها المتخصصون من علم علم النفس جنبا إلى جنب مع المتخصصين فى القانون ، وأن يجرى كل ما يمكن إجراؤه منها عن طريق الحواسيب ، بحيث لا يترك للإختبار الشخصى مجال إلا بعد اجتياز كل ما يمكن إجراؤه من الإختبارات بعيدا عن العامل البشرى بكل ما يحمله هذا العامل من إمكانات الإنحياز مع أو ضد ، فإذا كانت النتيجة بعد ذلك كله أن الناجحين من فئة معينة فلا بأس ، لأن تلك الفئة سوف تكون هى الأقدر وبالتالى سوف تكون هى الأجدر، ولا ينبغى أن يقال بعد ذلك إن المرأة سوف تنشغل بالبيت والأولاد ، لأن التى هى ذات مهنة شاقة وذات بيت وأولاد عليها أن تفاضل بين الأمرين وأن تتفرغ لأحدهما إن لم تستطع أن تجمع بينهما ، لكن ما ذنب من خلقت عاقرا مثلا وهى كفء ؟، أتحرم من العمل وتحرم بلادها من كفائتها لمجرد أنها امرأة؟ ، فليجبنى على ذلك السؤال من يعارضون تولى المرأة لمنصب القضاء وعلى رأسهم المستشار الجليل محمود الخضيرى الذى أكن له كل الإحترام .