يا معشر المؤتمرين



البتول الهاشمية
2004 / 7 / 20

حتى لحظة كتابة هذا المقال فنحن نعيش وبلا أدنى شك زمن الرجال وليس من عاقلين يختلفان على أن معشر الذكور هم اللذين صنعوا وما يزالون يصنعون التاريخ والحاضر وكل المعطيات الحالية تنبئ بأنهم أسياد المستقبل القادمون إذ لا تلوح في الأفق أي من احتمالات تغيير الوضع القائم فالمراة العربية التي صار عمرها أكثر من أربعين مؤتمر ومئة ندوة واجتماع لا يبدو أنها قادرة على قلب جهة الميزان باتجاهها ولا حتى التأثير على مؤشره ولو قليلا وسأجرؤ على القول انه وبعد قرن كامل من هذا الصراع المعقد ذكر – أنثى فان المراة العالمية بدأت تهشم قشرة البيضة التي كانت تقيدها طيلة أعوام مضت فيما تزداد المراة العربية على الجبهة الأخرى تقوقعا وشرنقة.. فالأوربية التي كانت تستغل على كافة الأصعدة الحربية والجسدية قد تغيرت كثيرا ..صحيح أنها لم تتقاسم البساط مع الرجل لكنها وضعت قدمها عليه في الخطوة الأولى على طريق الألف ميل لكن المراة العربية التي كانت توزع الأسلحة وتخفي المنشورات في ثيابها لتوزعها على الثوار إبان الاحتلال الانكلو فرنسي للمنطقة هي اليوم منزوية أمام التلفزيون لتراقب بعين دامعة انتصارات الرجال الساحقة على كل الجبهات سياسية كانت أم أدبية والمفارقة المبكية المضحكة تكمن في إن الجامعة العربية تبنت قضية المراة في السبعين وبعد ذلك بسبع سنوات تم تكريس ذلك عن طريق هيئة الأمم المتحدة تحت اسم يوم المراة العالمي ..سرنا أمامهم بسبع سنوات لنجدهم يسبقوننا بعشرات الأعوام ولكن كيف ولماذا ؟
هل أقامر براسي إن قلت أننا جميعا نعرف موضع العلة دون أن نجرؤ للإشارة إليه !
قبل أن نتسرع كعادتنا في الإجابة دعونا نسال أنفسنا ما لذي تحقق للمراة العربية خلال النصف قرن المنصرم مع انه كان حافلا بالنقاشات والندوات التلفزيونية والكتب ..فالأمية ما تزال تحكم قبضتها في عالم الأنوثة العربي ومسالة العنف ضد النساء لم تجد بعد القدر الكافي من الشجاعة لإثارتها
والقضية الأكثر إحراجا والتي تخص تغيير دور المراة في ظل الظروف العالمية الجديدة التي أفرزت ألف ألف معطى جديد تأخر طرحها ربما أكثر من عشرة أعوام والقضية برمتها لا تعني لنا أكثر من يوم للمراة يصادف في الثامن من مارس ومن غير الحضاري أن ندعه يمر كأي يوم عادي آخر وكل سنة تبدأ الاعدادات بروتين قاتل حفظناه جميعا فالفندق خمس نجوم والقاعات نظيفة ومعدة بشكل جيد والكاميرات تغطي كل شبر ومكبرات الصوت جاهزة لتضخيم الكلمات وجيش الصحافة متأهب لتسجيل الشاردة والواردة ولا يجب أن ننسى كبار المثقفين والسياسيين العالمين اللذين قطعوا آلاف الأميال قادمين من فرنسا وألمانيا وإنكلترا خجلا من رفض بطاقة الدعوى الموجهة لهم والتي تتضمن تذكرة الطائرة والإقامة وكافة النفقات الأخرى دون أن نفكر ماذا يعرف هؤلاء عن المراة العربية ليفيدونا به فالقضية تمثل لنا بروتوكولات دولية ومن ناحية أهم إقناع هؤلاء بان المراة تعني لنا شيئا مهما نحن أيضا ...ولم يكن ما حصل في القمة الأخيرة التي احتضنتها بيروت بأحسن مما قبله إذ انعقدت الاجتماعات تحت شعار دور المراة العربية في النزاعات المسلحة ويمكنك عزيزي القارئ أن تتخيل حجم المصيبة حين يجمع اغلب الحضور على أن المراة العربية تقدم الشهيد خلف الآخر من أجل وطن حر معافى إذا فهي وفقا لهذا المنظور مجرد مفرخة طبيعية مهمتها إشباع نهم آلة الحرب المجنونة بالشباب المقاتل فبدا الأمر وكأنها ولدتهم لا لشئ إلا للديناميت والنار وبعد أيام من التبذير الخطابي والإطراءات وعرض الأزياء جاء البيان الختامي ابعد ما يكون عن شعار القمة حيث دعا إلى خروج المحتل الأمريكي من العراق والإسرائيلي من غزة وإحلال السلام والتفريق بين الإرهاب والمقاومة وهي نفس مطالب الجامعة العربية والاتحاد الأوربي وحتى ابن المدرسة الصغير ...إذا ما لفائدة من القمة كلها وكيف لم نستطع على الأقل أن نخلص بنتائج تتناسب والشعار المطروح ..أترى ذلك لان بعض القائمين على المؤتمر لم يرتقوا بعد إلى جسامة الحدث والاهم من هذا أين تاريخهم النضالي بهذا الخصوص والذي يمكنهم من إدارة ملف بهذا التشابك والحجم والأهمية مع احترامنا الشديد لكل الحضور وعذرنا فوضع المراة العربية المذري لم يعد يحتمل مجاملات أكثر ..وقد يخيل للبعض أني أسرفت في مغالاتي وهم لابد سيستشهدون بوضع بعض النساء العربيات اللواتي وصلن إلى مناصب سياسية لنقل إنها مهمة وليست حساسة ونذكر لهم للتوضيح إن دولا عديدة تسبقنا في مجالات التحرر ومع ذلك لم تصل بعد إلى كرسي الوزارة الذي طالته بعض النساء في الدول العربية ..أتعرفون لماذا ؟
لأنه وبكل بساطة تحرر المراة عندهم هو الذي يصنع الكراسي وليس العكس كما يحدث عندنا فحتى تنفي هذه الدولة العربية أو تلك تهمة تغيب المراة تستغني لها على مضض عن منصب وزاري أو برلماني وما حدث للسيدة راوية في عمان لهو شئ من هذا حيث ذهب بعض الجهلاء والأبواق إلى اعتبار ذلك نصر للمراة العربية والعمانية على وجه الخصوص مع أن الأمر لا يتعدى كونه منة من احدهم والقصة لايمكن اختصارها بوزيرة أو مديرة
وهي أعمق من ذلك بكثير لدرجة أن مستقبل مجتمع إن لم نقل أمة بأكملها يتوقف على ذلك ...آن الأوان لنعترف أننا نركب العربة الخطأ وان استمرينا في تجاهل هذه الحقيقة فنحن في الطريق إن عاجلا آم آجلا إلى محطة الحساب وعندها صدقوني لن ينفعنا لا ورق ولا منابر ولا وزيرات ولا مكبرات صوت وطبول .