الزواج المبكر بين الرفض والتاييد



عارف علي العمري
2010 / 3 / 31

هنا يحتدم الجدل, ويزداد الصراع فبين مؤيد لتحديد سن الزواج بالثامنة عشر او السابعة عشر, وبين معارض له يرى بان اقرار مثل ذلك القانون تعد صارخ على الشرع والاسلام, ومخالفة لسنة الرسول وسماحة الحنيفية البيضاء, لكل هنا وجهة نظره الخاصة به فالمطالبين بتحديد سن الزواج يرون هناك مضار اجتماعية واقتصادية وصحية للاسرة الصغيرة, ومن يعارضون ذلك يرون في اقراره معارضة لهدي القران وسنة الاسلام.

في الثاني والعشرين من الشهر الحالي تظاهر في صنعاء مئات النساء من أتباع التيار الإسلامي، وذلك لرفض إصدار قانون يحدد سن الزواج، في الوقت الذي أفتى عدد من علماء اليمن بحرمة إصدار مثل هذا القانون.

وتجمع المئات من النساء أمام مبنى مجلس النواب اليمني (البرلمان)، وذلك للتعبير عن رفضهن لإصدار قانون يحدد سن الزواج. وأكدت اللافتات والشعارات التي رفعتها المتظاهرات على رفض «اتفاقية السيداو»، الخاصة بالقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة. واعتبرن تحديد سن الزواج بأنه «يخالف تعاليم الدين الإسلامي الحنيف»، وحملن إلى البرلمان تواقيع، أكدن أنها لمليون مواطن يرفضون صدور القانون.

وجاءت هذه المظاهرة النسائية بعيد إصدار عدد من علماء اليمن، يتقدمهم الشيخ عبد المجيد الزنداني، ، لفتوى تحريم تحديد سن الزواج، وقال العلماء في ( البيان إنه يحرم على أي مسلم أو أي جهة تنفيذية أو تشريعية تتبنى هذا التقنين وأي تقنين آخر يخالف الشريعة الإسلامية ويعارض الكتاب والسنّة ويخالف إجماع الأمة ))



ووجه العلماء دعوة إلى «أبناء اليمن حكاما ومحكومين للقيام بواجبهم في حراسة الشريعة ورفض مشروع تقنين منع الزواج قبل سن الثامنة عشرة، والعمل على عدم إقراره، وذلك من خلال البرقيات ورفع العرائض إلى الجهات المعنية، ومطالبة أعضاء مجلس النواب بالقيام بواجبهم الشرعي والوفاء بما عاهدوا الله عليه بالتمسك بكتاب الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ورفض مثل هذا التقنين المخالف للشريعة الإسلامية، والعمل بمقتضى تقرير لجنة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية بمجلس النواب الرافض لمنع وتجريم الزواج قبل سن الثامنة عشرة ». .

أميرة عبد العزيز أحد الفتيات المتظاهرات في صنعاء ضد تحديد سن الزواج تقول: إن مجلس النواب يركز على تحديد سن الزواج ولم يركز أو يتطرق إلى قضية الزواج العرفي التي تحصل في معظم المدارس الإعدادية والثانوية في العاصمة صنعاء ،مؤكدة على وجود عشرات الفتيات تزوجنا زواج عرفي وهن في سن ال12وال13سنة, وقالت أميرة " إن تحديد سن الزواج سيحرم الفتيات الذين تتوافر فيهم المواصفات التي تأهلهم للزواج مثل تحملها للحمل وعقليتها كويسة ،مشيرة إلى أن " ليس من الضروري أن يكون عمرها 18،فلو تتوفر هذه المواصفات في الفتاة وهي تمر بعمر ال15تسألت أميرة لماذا يحرمها القانون من حقوقها الشرعية" .

وأشارت أميرة إلى أن " الوضع الحالي يسمح للفتاة في أن تصادق وتصبح لها حريتها وتكون ناشطة جنسيا كما هو موجود في الغرب الذي يشهد مظاهرات احتجاجية على إقرار الأمم المتحدة ممارسة الجنس للصغيرات.

أمتنان الحرازي فتاة في سن ال15عشر قالت : بأنها ضد تحديد سن للزواج وأنها مع زواج الفتاة في سن ال15، لكنها ضد الزواج في سن ال12.مشيرة إلى أن السنة والشريعة الإسلامية لم تحدد قانون للزواج وأن عائشة تزوجت وهي في عمر التاسعة.

فتاة أخرى اعتبرت الطريقة التي يتم بها عرض قضية الزواج المبكر تستند إلى ورقة سياسية نتيجة لضغط خارجي ،أكثر من كونها مصلحة للمرأة ،مؤكدة على أن القضايا التي تثار بها المرأة اليوم هي في الحقيقة تسول في الأروقة الدولية لا تجني منها المرأة شيئ .

لكن في المقابل هناك من يعارض مثل هذا الطرح فا الدكتور يوسف القرضاوي يرى تحديد سن الزواج بانه وضروري ومهم للمجتمع ، ويرى فضيلته أن سن 16 عاما هي الأنسب لزواج الفتاة و18 عاما أنسب لزواج الفتى.

وكان الشيخ العلامة عبد المحسن العبيكان- مستشار الديوان الملكي وعضو هيئة كبار العلماء بالسعودية- قد أكد أن هناك خلطا عند الحديث عن الحلال والحرام وعند درء المفاسد، وأن قضية زواج القاصرات هناك مصلحة عامة يجب أن تراعى، لافتا إلى أن بعض أولياء الأمور يلجؤون لتزويج فتياتهم من كبار السن لتحقيق مصلحة شخصية لهم دون مراعاة لمصلحة البنت, وفيما يتعلق باستشهاد البعض بأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج من عائشة وهي قاصر، فقد أكد الشيخ العبيكان أن هذه المسألة لا يقاس عليها، خاصة إذا عرفنا أن وليها كان أبا بكر، وزوجها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي أن المفسدة هنا كانت مستبعدة تماما، بعكس العصر الراهن المليء بالمفاسد، لدرجة أننا نرى أن الوالد مدمن المخدرات يزوج ابنته من أجل المال ومن أجل مصلحته الشخصية على حساب ابنته, وهو ما ذهب إليه علامة الحجاز الشيخ العلامة بن عثيمين- رحمه الله- عندما استحسن منع الآباء من تزويج بناتهم الصغيرات حتى يبلغن ويُستأذنَّ فقال: (المسألة عنديـ أي تزويج الصغيرة ـ أن منعها أحسن، ومن الناحية الانضباطية في الوقت الحاضر، أن يُمنع الأبُ من تزويج ابنته مطلقا حتى تبلغ وتُستأذن، ولا مانع من أن نمنع الناس من تزويج النساء اللاتي دون البلوغ مطلقا).

و الى ذلك تشير دراسة أعدها مركز دراسات المرأة والتنمية بجامعة صنعاء (إن ظاهرة زواج الفتيات القاصرات في اليمن منتشرة أكثر من زواج الذكور، إذ تبلغ نسبة الإناث اللواتي تزوجن قبل سن الخامسة عشرة إلى 52%، وتبلغ نسبة زواج الأطفال 65% من إجمالي حالات الزواج أغلبها في المناطق الريفية، حيث يتم تزويج البنات قبل سن العاشرة إما بسبب العادات والتقاليد، أو بسبب الوضع المادي المتردي للأسر الفقيرة التي ترغب بالتخلص من أحد أفرادها بطريقة شرعية، علاوة على الرغبة في الاستفادة من المبالغ المالية التي يحصل عليها الأب مقابل تزويج ابنته , من ناحيته رفض الدكتور عبد القادر الكتاني، رئيس قسم الفكر الإسلامي المعاصر في معهد الفتح الإسلامي بدمشق، تزويج الصغيرات. وقال : أرفض زواج الصغيرات ما لم تبلغ الفتاة سن الرشد، وأنا مع رفع سن الزواج إلى سن البلوغ الشرعي لأن الموضوع خطير.. وأؤكد أنه عندما تلبغ الفتاة البلوغ الانثوي أي المحيض خلال سنة تكتمل أنوثتها وتكون جاهزة للزواج ".

وأضاف " قال الرسول (ص) إن (البكر تُستأذن) أي يمكن للأب أن يدرس ملف القادم الجديد من جميع النواحي إلا أنه لا يستطيع أن يقر الزواج ما لم توافق الأنثى، وموافقتها مرتبطة بقدرتها على التمييز, وأضاف الدكتور الكتاني "حضرت بعض المناسبات التي حاولوا فيها إجراء عقود شرعية لرجال بالغين على صغيرات ومحاولة اخذ الموافقة من ولي الأمر، وأنا لا أقر أن الولي يستطيع أن يزوج الصغيرة دون موافقتها، وموافقتها غير مقبولة شرعا بالنسبة لي ما لم تبلغ سن التمييز والرشد وهو 16 سنة على أقل .

الشيخ النجيمي احد ابرز علماء الديار السعودية قال إنه يرى أن خمسة عشر عاما لا تكفي للرشد في أمور النكاح، داعيا إلى وقف الأولياء الذين يتعجلون زواج الأطفال في هذه السن عند حدهم باتخاذ الإجراء اللازم، وإبلاغهم أن هذا الزواج موقوف على البلوغ وعلى الرشد، فإذا بلغ الطفل والطفلة يُسألان عن رغبتهما في إتمام الزواج من عدمه.

وأوضح النجيمي أن زواج الأطفال يعتبر موقوفا إذا كانا لم يبلغا بعد، حتى يصلا سن البلوغ، وإذا بلغا يُخيران في إتمام الزواج من عدمه، كما يبقى الزواج موقوفا على بلوغهما، وإذا بلغت الفتاة يؤخذ رأيها لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "الثيب تُستأمر، والبكر تُستأذن"، والابن من باب أولى أن يؤخذ رأيه، ويجب أن توقف مثل هذه الأنواع من الأنكحة في المحاكم , وطالب بالتقنين المأخوذ من الشريعة الإسلامية لهذا الموضوع؛ حتى لا تترك المسائل لاجتهاد القضاة، فهذا يُمضي موضوعا، وهذا يمنع آخر، مضيفا: "على المحاكم ألا تسمح بمثل هذا النوع من النكاح، لأن إهداء الفتاة كزوجة "تهريج"، والإنسان لا يُهدى بهذا الشكل المهين، فهو ليس بهيمة أو مزرعة، ولكنه إنسان

وأشار النجيمي إلى أن زواج الصغار عادة ليس له نصيب في الإسلام، وبالتالي فإن الأب الذي يفعل ذلك لا بد وأن يعاقب، ولا يجوز أن يزوج ابنته بهذا الشكل، بل ينتظر بلوغها، ويستشيرها، ويستأذنها إلزاما، وإذا وافقت يمضي الزواج، وإذا لم توافق لا يمضيه. مشروع نظام لحماية الأطفال

من جهته، يرفض المستشار القانوني وعضو هيئة حقوق الإنسان رزق الريس تزويج طفلة عمرها عشر سنوات وطفل عمره أحد عشر عاما، ودخولهما الحياة الزوجية وهما طفلان غير مؤهلين لفهم معنى أن يكونا زوجا وزوجة، فالزوجة ما زالت طفلة غير مستعدة لأن تكون أما "جسمانيا أو نفسيا"، وهي في هذه السن بحاجة للرعاية، والزوج الذي هو طفل أيضا بحاجة لرعاية ,,

النائب الإسلامي شوقي القاضي، المعروف بمساندته لتسنين سن الزواج شن هجوماً لاذعاً على اولئك المعارضين للقانون قائلاً : إنه «مع الأسف لم يتم التعاطي مع هذا الموضوع بطريقة علمية وموضوعية للخروج بما يحقق منفعة للمجتمع»، وأضاف : «لقد تعاطى إخوتنا مع الأمر بطريقة عاطفية متأثرين بمنطقين، الأول منطق المؤامرة، الذي مع الأسف ينطلقون منه في تفسيرهم لكل ما يأتي من الآخرين، أما المنطق الثاني فهو أن المرأة ما زالت في رؤوسهم إنسانا متهما، وبالتالي - ومع كل الاحترام - فهم لا يقبلون أي تشريعات أو إجراءات تهتم بهذا الكائن وتطوره وتمكنه من حقوقه .»

وفاء أحمد علي، من اتحاد نساء اليمن قالت أن "المشكلة الكبرى التي تواجها المرأة اليمنية اليوم هي الزواج في سن الطفولة, وأضافت أن "الزواج المبكر يحرم الفتاة من حقها في طفولة طبيعية ومن التعليم. ويجبر الفتيات على إنجاب الأطفال قبل أن يكتمل نمو أجسادهن بدل الذهاب إلى المدرسة واللعب مع الأطفال الآخرين

الزواج المبكر يعيق تقدم اليمن

يقول الخبراء أن الزواج المبكر هو السبب الرئيسي في انعدام التعليم بين الفتيات وغياب برامج تمكين المرأة كانت هذه كلمات فتيات يمنيات وهن يعبرن عن آرائهن حول الزواج المبكر في تقرير صادر عن منظمة "إنقاذ الطفولة" السويدية بالتعاون مع مركز أبحاث ودراسات النوع الاجتماعي والتنمية بجامعة صنعاء تحت عنوان "العنف الجنسي ضد المراهقات في الشرق الأوسط".

وجاء في التقرير أن الفتيات اليمنيات يُحرمن من حقوقهن كأطفال عندما يتم تحضيرهن للأمومة في سن مبكرة، حيث أخبرت بيرنيلا ويس، قائدة فريق البحث، شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن "مثل هذا الدور يخلق شعوراً لدى الفتيات وأسرهن مفاده أن الزواج هو الهدف الرئيسي للفتيات".

وتجدر الإشارة إلى أن اتفاقية حقوق الطفل تعرّف الزواج المبكر على أنه الزواج الذي يتم قبل بلوغ العروس أو العريس سن 18 عاماً. وهذا ما يحصل في اليمن حيث تُجبر القيم الاجتماعية المحافظة والفقر الفتيات على الزواج وتحمل مسؤولية الأمومة قبل بلوغهن سن 18 عاماً، حسب ويس. كما أن العديد من أولياء الأمور يعتقدون أنهم يحمون شرفهم وشرف بناتهم إذا زوجوهن في سن مبكرة.

غير أن ويس أوضحت أن نتائج الدراسة التي أجراها فريقها أثبتت عكس ذلك، حيث قالت: "لقد وجدنا أن هناك علاقة قوية بين الزواج المبكر وارتفاع نسبة العنف المنزلي ضد الفتيات بالإضافة إلى ارتفاع عدد حالات الطلاق بين الأزواج الصغار. أضف إلى ذلك الفقر الذي يجبر الأسر على تزويج بناتها للتخفيف من العبء المالي ومصاريف التعليم".

وقالتويس: أن الظروف التي تواجهها الفتيات والأمهات الشابات جعلت ترتيب اليمن يأتي في نهاية قائمة مؤشر الأمومة لعام 2007، حيث جاءت في المرتبة 31 من بين 33 دولة من أقل الدول تقدماً.

من جهتها، قالت سهى باشرين، مسؤولة سياسة في منظمة أوكسفام، أن الزواج المبكر يؤثر بشكل سلبي على جهود التنمية. وأوضحت أنها لا تشك في أن الزواج المبكر الواسع الانتشار وتأثيره على المجتمع ساهم في تدني ترتيب اليمن في قائمة تقرير التنمية البشرية حيث تدنى من 148 عام 2000 إلى 150 عام 2007.

وأضافت باشرين أنه "عندما يتم تزويج الفتيات، فإنهن يواجهن مشاكل جسدية ونفسية لأن أجسادهن وعقولهن لا تكون قد نمت بالشكل الذي يكفي لتصبحن زوجات وأمهات. بالإضافة إلى ذلك، فإن غياب المعرفة بقضايا الصحة التناسلية يسبب مشاكل كبيرة حيث لا تحصل الفتيات على الدعم الذي يحتجنه حول كيفية التفاوض مع أزواجهن بخصوص حياتهن الجنسية وعدد الأطفال الذي سينجبنه".

وقد احتلت اليمن المرتبة 128 في تقرير الفجوة النوعية لعام 2007 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي والذي أشار إلى أن النساء اليمنيات يعشن في مجتمع لا يمنحهن حقوقاً متساوية مع الرجال.

وفقاً للدكتورة حسنية القادري، مديرة مركز دراسات وأبحاث النوع الاجتماعي والتنمية بجامعة صنعاء، يعتبر الزواج المبكر السبب الرئيسي في انعدام التعليم بين الفتيات وغياب برامج تمكين المرأة وقالت أنه "عندما تتزوج الفتيات، من المتوقع أن ينقطعن عن المدرسة ويتفرغن لأنشطة الأمومة. وهذا ما يشرح وصول نسبة الأمية بين النساء في اليمن إلى أكثر من 70 بالمائة".

الجدير ذكره، أن جميع الدول العربية والإسلامية قد أصدرت قوانين تمنع من تزويج الصغيرات، وتحدد سناً آمناً للزواج بمباركة من أغلب فقهاء الشريعة الإسلامية في تلك الدول وأطبائها وعلمائها...