امية النساء في الوطن العربي



عارف علي العمري
2010 / 4 / 10

ظاهرة الامية واحدة من اقدم الظواهر الاجتماعية في المجتمع اليمني, و اصبحت من الشهرة بحيث يتحدث عنها المسئولون و المثقفون و العامة في كل مناسبة ، ومنذ عقود ،وتعتبر اكثر المشكلات تعقيدا في المجتمع اليمني و اشدها تاثيرا في ظاهرة التخلف و تدني نتائج برامج و خطط التنمية عموما ، ومع ذلك فان هذه الظاهرة او المشكلة هي الظاهرة الوحيدة التي يتم الحديث عنها بعيدا عن أي معطيات تشكل اساسا علميا لتلك الاحاديث العمومية التي لا تساعد على الوعي بحقيقة وحجم وتحديات هذه الظاهرة الإجتماعية ، بل هي المشكلة الوحيد التي لم تظهر لها أي دراسة حتى الآن ، ومع ذلك فقد وجدت في اليمن عشرات المحاولات لتبني حملات شاملة وخطط وبرامج ضمن عدة إستراتيجيات يعتقد أنها وضعت لتكون مرشدة للعمل في محو الأمية وتعليم الكبار ، إلا أنها لم ترشد في الحقيقة إلى شيء هام .

في الاسبوع الماضي كشف تقرير أصدرته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لدول غرب آسيا (الإسكوا) التابعة للأمم المتحدة ومقرها بيروت، أن نصف النساء في المنطقة العربية يعانين من الأمية، غير أن هناك ارتفاعاً قد سجل في معدل القراءة والكتابة في معظم بلدان اللجنة.

وأفاد التقرير بأن نسبة الأمية بين النساء في اليمن تصل إلى 65 في المائة. وذلك وفقاً لصحيفة "الخليج".

وأوصى التقرير بزيادة الإنفاق على التعليم عبر تطبيق مفهوم التعلم مدى الحياة والتركيز على التعليم والتدريب المخصصين للكبار.

كما أوصى التقرير باستكمال تحرير قطاعات الاتصالات كافة، وخاصة خدمات الهاتف الثابت والإنترنت، وإتاحة المنافسة والتي تعد من أهم العوامل التي تؤدي إلى تحقيق انتشار أوسع لتلك الخدمات.

وشرح التقرير الذي حمل عنوان "الملامح الإقليمية لمجتمع المعلومات في غربي آسيا - 2009"، الوضع الراهن لتقنية المعلومات والاتصالات في المنطقة وتقييماً للتقدم المحرز في بناء مجتمع المعلومات في المنطقة.

لكن في المقابل كشف رئيس الوزراء الدكتور علي محمد مجور, عن تراجع عداد الاميات في اليمن من 3 ر76 % في عام 1994م الى 60 % هذا العام, فيما تزايد عدد الفتيات الملتحقات بمرحلتي التعليم الاساسي والعام لتصل الى اكثر من ثلث الشباب وارتفاع نسبة الفتيات في التعليم الجامعي الى 28 % من اجمالي الدارسين .
وقال مجور في كلمة افتتاح المؤتمر الرابع للمرأة الذي بدأ اعماله في صنعاء تحت شعار ( يدا بيد لمستقبل افضل لليمن) والتي القاها نيابة عنه وزير الأعلام حسن أحمد اللوزي " أن اعداد الفتيات فاق اعداد الشباب في بعض الكليات العلمية والتطبيقية فضلا عن زيادة كادر التدريس للإناث في الجامعات الحكومية والخاصة الى 984 أغلبهن بالجامعات الحكومية بواقع 803 مقابل خمسة ألاف و401 من الذكور " .
وأوضح مجور أن هناك تحسنا ملحوظا لتواجد المرأة في مجال الصحة العامة حيث تبلغ نسبة تواجدهن في القوى العاملة الى 29% الامر الذي ادى الى خفض وفيات الامهات وتحسن الوضع الصحي للاسرة ومستوى الرعاية الصحية المقدمة لها.
ولفت مجور الى تمكين المرأة سياسيا من خلال زيادة عدد الوزيرات والوكيلات المساعدات ومديرات العموم في وحدات الجهاز التنفيذي وسلك الشرطة الذي تجاوز عددهن 2800مجندة و 75 ضابطة, فضلاعن 76 قاضية و414 ادارية وفنية, منوها بدعم الحكومة لقضايا المرأة وتمكينها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ادراكا منها للأدوار الهامة والمسؤوليات التي تقوم بها في الحياة الانسانية.
واضاف "إن الحكومة لم تدخر جهدا في جعل تنمية المرأة في مقدمة اهتماماتها وسعت الى ترجمة البرنامج الانتخابي لفخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية الذي تبناه في الانتخابات الرئاسية 2006م في مختلف برامج القطاعات الحكومية من خلال السياسات التنفيذية للخطة الخمسية الثالثة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية التي هي قيد التنفيذ وتجسدت فيها احتياجات النساء التنموية في شتى المجالات " .
واشار الى أن الخطة الثالثة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية تناولت مكونات جديدة للمرأة كالمشاركة السياسية ومكافحة العنف والاصلاح القانوني لازالة اي تمييز ضدها باعتباره يتعارض مع مبادئ الدستور والتزاما بمبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان .
واكد ان الحكومة اقرت ادراج توصيات اللجنة الدولية لاتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة ضمن اجندة عملها للفترة المقبلة , فضلا عن اقرارها مصفوفة تعديلات لصالح تعزيز حقوقها والتزام الحكومة بتوصيات لجنة (السيداو) على ضوء مناقشة التقرير الوطني حول مستوى انفاذ بنود الاتفاقية مطلع يوليو من العام المنصرم , معربا عن امله بأن تسهم مؤسسات الدعم الفني الدولية العاملة باليمن في تمويل مشاريع وبرامج تنفيذ تلك التوصيات باعتبارها تحتاج الى جهود مشتركة للسير بها قدما مع برامج اهداف التنمية الألفية . .

التناقض بين ماقاله الدكتور مجور وما تضمنه تقرير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لدول غرب آسيا (الإسكوا) التابعة للأمم المتحدة, يبين حجم الهوة التي تتحدث عنها الدولة, وحجم التقارير الدولية التي تبرز اليمن كواحدة من ابرز الدول التي تزداد فيها نسبة الامية والفقر والبطالة, وخاصة إذا ما تأكد لنا ( أن حجم الأمية تضاعف ثلاث مرات في أقل من ثلاثين عاما بدلا من أن تنخفض ، ففي اليمن لا يلتحق بالتعليم الأساسي نحو 36% من الأطفال الذين يبلغون سنويا سن الدراسة ، وأكثر من 51% من الإناث غير ملتحقات بالتعليم ، ونحو 30% من الأطفال الملتحقين بالدراسة يتسربون منها قبل إتمام الدراسة في الصف الرابع من التعليم الأساسي وأولئك هم الرافد الأساسي الذين يمدون الأمية بزاد سنوي يصل إلى أكثر من 190 ألف أمي في العام الواحد ومن إجمالي السكان في الفئة العمرية 10 سنوات فأكثر والذين لا يزيدون عن 12 مليون نسمة نصفهم أميون ، بل إن نسبة الأمية بين النساء تفوق 67% قي حين أن برامج محو الأمية وتعليم الكبار لا يزيد عدد الملتحقين فيها عن 33 ألف دارس ودارسة سنويا )



الزواج المبكر والفقر اوجدا الامية

يعرف القانون اليمني الأمي بأنه " كل من يتراوح عمره سن 10 – 60 سنة دون أن يعرف القراءة والحساب أو لم يصل مستواه التعليمي إلى مستوى الصف الرابع من مرحلة التعليم النظامي , على أن هذا التعريف للشخص الأمي يعتبر تعريفا قديما بالقياس إلى متغيرات ومتطلبات الحياة العصرية وعصر الثورة العلمية والتكنولوجية التي تفرض على الفرد تحديات معرفية جديدة يتعين عليه التفاعل معها وتحصيل معارف ومهارات ترقى به إلى مستوى التعامل مع طبيعة ومكونات الحياة العصرية في جانبيها المعرفي والتكنولوجي . مشكلة الأمية تتصف بأنها حضانة لمشكلات ومعوقات كثيرة تقف أمام تطور المجتمعات الإنسانية وتعيق تحسين الأوضاع المعيشية للسكان ، وهي مشكلة لها امتدادات متعددة في كافة اتجاهات وجبهات التخلف الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي .

والى ذلك أعزت أحدث دراسة ميدانية ظاهرة انقطاع اليمنيات عن الدراسة وحرمانهن من الحصول علي التعليم الأساسي الي عدة عوامل ابرزها الفقر والمرض والزواج المبكر ونفقات التعليم وسوء الخدمات التعليمية والجبايات في المدارس، والخلافات الأسرية، وقدرت متوسط عدد الطالبات اللواتي توقفن عن الذهاب الي مدارس العاصمة اليمنية صنعاء وحدها (5803) طالبات سنوياً في الصفوف من خامس إلي الثامن من التعليم الأساسي.

وتوصلت الدراسة التي أجريت في 64 مدرسة بنات وشملت 361 أسرة في العاصمة اليمنية ونفذتها 66 أخصائية اجتماعية، إلي أن 15.7% من العينات المنقطعة عن التعليم الأساسي كان بسبب الفقر، و1.2 تركن المدرسة للعمل من أجل العيش بسبب شدة الفقر، و7% بسبب المرض الذي فرض علي عائلاتهن مصاريف علاج تثقل كاهل تلك الأسر، اضافة الي مصاريف المعيشة، و15.2% زواج مبكر، و15.1% مشاكل أسرية، و5.2% العمل في المنزل لمساعدة الأم أو بدلاًُ عنها.

وأشارت الدراسة التي إلي أن 12.7 من الفتيات اللواتي شملهن البحث تركن المدرسة بسبب الفقر وعدم القناعة بأهمية تعليم الفتاة، و11.4% بسبب ضعف مستواهن الدراسي، و10.8% بسبب الرسوب المتكرر، و13.6% سوء تعامل المدرسات معهن، و9% لانعدام الرغبة، و10.5% لأسباب أخري، مؤكدة أن الفقر هو السبب الأخير والأول من بين عشرين سبباً لانقطاع الطالبات عن المدرسة.

وتوضح الدراسة أن لمشكلة الأمية التي يعاني منها اليمنيون وبشكل خاص الأمهات دورا كبيرا في الانقطاع عن التعليم حيث أن 8.2% من الفتيات يعشن تحت وطأة اليتم نتيجة وفاة أحد الوالدين أو كلاهما، في حين أن نسبة 91.8% لديهن أمهات وآباء، مشيرة الي فقر الأمهات وجهلهن وعدم ممارستهن اي عمل خارج المنزل بنسبتي 85.1%، و82.6% علي التوالي.

واضافت هذا وضع الأم اليمنية عموماً وليس منحصرا علي بيئة المنقطعات باعتبار أن هذه الشريحة جزء من نسيج المجتمع الكبير الذي تنتشر الأمية كثيراً بين إناثه ويظهر فيه بشكل واضح ضعف المرأة الأم عن أداء واجبها تربوياً وتعليمياً تجاه أولادها .

وتؤكد الدراسة أن عدد الأفراد في كل أسرة يمثل عبئا تعليميا واقتصاديا علي رب الأسرة، ووجدت أن 85.6% من الفتيات اللواتي شملهن البحث يعشن ضمن أسر فيها أكثر من 7 أفراد، في حين أن 82.4% أكدن تلقيهن لكافة عمليات التطعيم، و17.6% لم يتلقين كافة عمليات التطعيم. وتذكر الدراسة الميدانية، وهي الأولي من نوعها التي أعدها مركز الدالي أن 25.1% من المنقطعات عن التعليم تزيد أعمارهن عن 17سنة، في حين أن 35.7% فقط منهنّ كنّ يدرسن قبل الانقطاع عن الدراسة، و64.3% هن فوق العمر الافتراضي تتوزع أسباب ذلك في تأخر الالتحاق بالمدرسة أو تكرار الرسوب وغيره، و 75.8% انقطعن بعد الصفوف (الخامس، السادس والسابع)، و64.3% من المنقطعات تقع أعمارهن بين 15 ـ 20 سنة أو أكثر.

وتعد مشكلة ضعف المستوي الدراسي واحدة من الأسباب الرئيسية إلي جانب الفقر وترتبط بعدة معطيات ـ بينها الدراسة ـ حيث أن 73.6% من الطالبات اللاتي يعانين من هذه المشكلة أولياء أمورهن غير مؤهلين ولا يهتمون في الغالب بدراستهن، و85.1% من أمهات المنقطعات أميات، و85.6% من الطالبات يعشن في أسر يزيد عدد أفرادها عن سبعة أشخاص، و47% يعانين من ظروف صحية سلبية بهن أو بأسرهن، و69.9% ذوات قدرات ضعيفة أو متوسطة، و 43.6% فقط كن مجتهدات في الدراسة، و9% أكدن عدم رغبتهن في مواصلة التعليم، و 2.8% فقط وافقن علي العودة بتشجيع من الأسر، و 13.9% اشتكين من الأداء السلبي للمدرسات سلوكياً وعلمياً، و2.8% ذهبن مع الصحبة السيئة بعيداً عن الاهتمام بواجباتهن الدراسية. واختتمت الدراسة بالقول الفقر الذي تنتجه المدرسة ويصيب مشاعر الفقراء لا يمكن أن يحد منه إلا النظام التربوي بإرساء مبادئ وقيم وتطبيق نظم ولوائح تربوية بعيداً عن الجبايات والإسراف في النفقات علي حساب الطالبة وإلغاء ما يتعارض مع مجانية التعليم .