المرأة حبيسة الوأد الاجتماعي !



سلمان ع الحبيب
2010 / 4 / 21

لقد صنع المجتمع العربي عبر ثقافته المتوارثة سلطة ذكورية تعلي من شأن الرجل وتحطّ من شأن المرأة ، وبمقتضى هذه السلطة أصبحت الوصاية والقوامة المطلقة للرجل في كل شيء بحيث يتصرف من خلالها تصرف السيد في العبد فيما يتعلق بتعامله مع المرأة ، ووصل الأمر في زمن الجاهلية إلى وأد البنات في بعض القبائل العربية حيث جاء في النص القرآني : ( وإذا بشّر أحدهم بالأنثى ظلّ وجهه مسوداً وهو كظيم . يتوارى من القوم من سوء ما بُشِّر به ...) بل أصبح الإله الذي يتخذه المسلم رباً معيراً باصطفائه للبنات وهو بهذا يشير إلى احتقار العرب للمرأة ، حيث يقول القرآن في هذا الشأن :
( ويجعلون لله البناتِ سبحانه ولهم ما يشتهون ..) - سورة النحل .
( فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون ) - سورة الصافات .
( أصطفى البنات على البنين ) - الصافات .
( أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين ) الزخرف .
( أم له البنات ولكم البنون ) الطور .
(ألكم الذكر وله الأنثى . تلك إذن قسمة ضيزى ) - النجم
( أفاصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثاً ، إنكم لتقولون قولاً عظيماً ) - الإسراء .
( أم خلقنا الملائكة إناثاً وهم شاهدون ) - الصافات .
( وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً ) - الزخرف .
لقد حارب الإسلام ظاهرة (وأد البنات ) ولكن لم تتغير الصورة للمرأة فهي لا زالت الضلع الأعوج وهي ناقصة العقل والدين وهي كلها عورة حتى اسمها يستحي الرجل من ذكره ،وبهذا منعت المرأة من أي دور تنموي أو اجتماعي أو سياسي لأنها باختصار تعيش على الهامش في مجتمعها، وهي فيه كائن ضعيف يجب أن يقوم الذكر بالوصاية عليه ولو كان صغيراً فهي تحتاج إلى الرجل الذي يسندها والذي لا تعيش بدونه أو تخطو خطوة واحدة دون أن يكون هو قد رسم لها الطريق الذي يجب أن تسلكه لأنها لا تملك القرار ولا يحق لها ذلك ، كما أن الخير لها أن تلازم بيتها لتكون قطعة أثاث متحركة داخله ويعلّل بعض المتفيهقين بأن جهاد المرأة في بيتها الذي هو مقرها الذي يجب ألا تفارقه إلا بالموت ، فهل من الجدير بها حقاً أن تكون حبيسة الجدران لا ترى أحداً ولا أحد يراها ؟ وهل بقاؤها في البيت هو الذي يجعل المرأة في وضع مثالي ؟! وهل من الحرام على المرأة أن تمارس دورها الإنساني الطبيعي الذي خلقت له ؟! وهل من الإنسانية أن نجعل المرأة في قفص من الحجارة والإسمنت بحيث لا ترى النور ؟ أليست الحيوانات التي نحبسها في أقفاص تستاء من وضعها حتى لو وضعتها في أقفاص من ذهب ؟ فكيف يكون حال هذه المرأة إذن ؟!
لماذا نعدّ الدور الذي تقوم به المرأة في المجتمع جريمة ؟! ولماذا نجعلها ملكاً للرجل ونقول بأننا خلقنا أحراراً ؟!
لقد سجنوا المرأة باسم الدين وباسم العادات وباسم التقاليد فأصبحت الضحية التي لا يحق لها أن تقول : لا ،في وجه الظلم الذي يقهرها ويستعبدها، وإلا كانت متمردة خارجة عن القيم التي آمنوا بها جيلاً بعد جيل .
ومن العجيب أن المرأة حينما تخرج لممارسة دور اجتماعي أو مهني تتعالى الصيحات التي ترى أن هذا إهدار لأنوثة المرأة وطبيعتها وكرامتها وعفتها كما تتعالى صيحات رافضة أخرى بدعوى الاختلاط ومن نافلة القول أننا نجد كثيراً من علماء الدين يلتقون بالنساء ويلقون عليهنّ بعض المحاضرات أو يحاوروهنّ وقد يمازحوهنّ أحياناً وإن اقتضى الأمر فعلوا بانتشاء وسرور ما لا يفعلونه في بيوتهم مع زوجاتهم ونسائهم وفي الوقت نفسه يحرّمون الاختلاط مستثنين أنفسهم باعتبارهم كائنات قدسية منزهة .
إنهم حاولوا تحريم الاختلاط الذين هم خرقوه ، كما أنه موجود في الواقع شاؤوا أم أبوا ، إنه موجود في الأسواق والمحلات التجارية والمهرجانات والأماكن العامة وفي المستشفيات وفي بعض الأعمال التي تقتضي تواجد المرأة ، فلا يمكن لهم أن يحرموا المرأة من أن ترى النور بدعوى الاختلاط وكأنّ وجود المرأة في مكان يتواجد فيه الرجل يعني أنها ستقع في الخطيئة ، وكأنهم أيضاً يصورون المرأة بفتاة هوى تبيع شرفها لكل عابر ؟ ألسنا بهذا نربّي المرأة والرجل على الرذيلة دون أن ندري ؟! ألسنا نرى تواجد الرجل والمرأة محصوراً في شيء واحد وهو الجنس ؟!
لقد حاولت تلك التقاليد العمياء أن تؤسس ما كانت تحذر منه دون أن تدري ، إنها صنعت جيلاً يرى في المرأة لحماً يجب أن ينهش وهي ترى في الرجل أسداً يتربّص بها الدوائر لينقضّ عليها في أية لحظة .
إننا يجب أن نعطي الجنسين الثقة بأنفسهما ، وأن نؤسسهما على أن يحترم كل فرد إنسانية الآخر ، بدلاً من القمع والاستبداد الوحشي الذي هو مجرد صيحات تعسفية سيجد القائمون عليها أنها تسقط تدريجياً لتكون السيادة للأقوى والأصلح .
لقد قبعت المرأة لسنوات طويلة بين قضبان صنعها المجتمع ، وحاول قاسم أمين تحرير المرأة حينما وجد أنها مستعبدة من قبل الرجل ومسخرة فقط لخدمته ولا يحق لها أن تأكل معه أو أن تتخذ قراراً أو أن تشاور زوجها وإلا لقيت حتفها .
ولا زلنا نعيش عصر ( سي السيد ) في أيامنا هذه فها هي المرأة تعاني من العنف الجسدي من ضرب وتعذيب واغتصاب بهيمي يحقق فيه الرجل متعته بأنانية لا تحقق مفهوم الشراكة الزوجية ،أو العنف النفسي الذي يتمثل في الهجر والتهديد بالطلاق والإهانات والكلمات النابية والسب والشتم والاستيلاء على راتب الزوجة وغير ذلك من التصرفات المشينة التي تجعل المرأة تقول في داخلها : يا ليتني كنت رجلاً !!
وهنا مأزقنا العربي - وأنا أعرف أن هنالك من سيشن حرباً على ما أقول - فنحن نتغنى بدور الأم مرددين :
الأم مدرسة إذا أعددتها / أعددت شعباً طيب الأعراق ِ
ويُلقن الأطفال منذ نعومة أظفارهم الأناشيد التي تتغنى بالأم وبيان فضلها كما نلقنه الحديث النبوي القائل في شأن المرأة : ( الجنة تحت أقدام الأمهات ) والآية التي تقول : ( حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً ... ) ونلقنه بأن من يحمل أمه على ظهره ويحج بها لن يعدل عمله هذا طلقة من طلقاتها وهي تلد به ونقول بأن الأم هي صانعة الأجيال وهي أساس هذا المجتمع ونردّد أن النساء شقائق الرجال وأنهن نصف المجتمع وبهنّ يتكامل البنيان الاجتماعي ، ولكننا نضع تلك المقولات ضمن الشعارات التي نرددها ترديداً ببغائياً تماماً كما تعلمنا في المدرسة ( قم للمعلم وفّه التبجيلا ) دون أن نرى هذا التبجيل للمعلم بل على العكس من ذلك نجد عقوقاً واستهزاءً بدوره ، كما نردد في مدارسنا ( النظافة من الإيمان ) ونجد أننا لا نلتزم بأبسط قواعد النظافة ، والشعارات التي نرددها كثيرة ولكنها لا تتصل بسلوكنا العملي في الواقع بل يكون السلوك والشعار خطين متوازيين لا يلتقيان أبداً .
أليست هذه الأم التي نعترف بفضلها هي من يجب أن نكرمها وأن نرفع وصايتنا عنها وأن نحررها من سجن صنعته التقاليد الاجتماعية وتوارثناه دون أن نغربله بل قلنا : ( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ) ، أليست هذه الأم التي صنعت هذه الأجيال هي من يجب أن ترى النور لأنها هي التي صنعته في هذه الأجيال ؟! أليس من عقوقها أن نراها عورة وأن نجد اسمها أيضاً عورة مع أننا نردد أسماء نساء النبي وأسماء العظيمات في التاريخ الديني فلماذا هذه الازدواجية ؟! لماذا تحكمنا التقاليد وننصرها ظالمة كانت أو مظلومة ؟!
لقد تصرف الرجل في المرأة على الرغم من اعترافه بفضلها ، فقد حرمها من ممارسة دورها في المجتمع حفاظاً - في نظره - على أنوثتها تارة وتارة أخرى منعاً لها من الفساد الناتج عن الاختلاط ، وحرمها حقها في الجنس بختانها الوحشي الذي يقضي على غريزتها الطبيعية ويمارس في مصر والسودان أبشع نوع من الختان وهو الختان الفرعوني الذي يستأصل العضو الأنثوي كاملاً وقد منعت مصر مؤخراً الختان للأنثى لكنه يمارس سراً ويتزايد الختان في دول إفريقيا تحديداً ولكنه يمارس في جميع الدول العربية بشكل غير معلن دون استثناء مضحين بالفتاة المسكينة منذ طفولتها ، وفي الغرب يتم معاقبة مثل هذه الجرائم بحق الإنسانية بالسجن لعدة سنوات وبدفع غرامة مالية مع وضع المعاقب في السنوات الأخيرة تحت المراقبة خارج السجن ،وقد عوقب إثيوبي يعيش في أمريكا حينما بتر أجزاء من الجهاز التناسلي لابنته البالغة من العمر عامين وحكم عليه بالسجن لمدة (15) عاماً يقضي عشر سنوات داخل السجن أما السنوات الخمس المتبقية يكون تحت المراقبة مع دفعه غرامة بقيمة (5000) دولار أمريكي وعن خمس السنوات يدفع شهرياً مبلغاً وقدره (32) دولاراً رسوم الاختبار والوضع تحت المراقبة .
وإذا خرجنا إلى جريمة أخرى لا تقل بشاعة عن السابقة في حق الأنثى ما يفعله الرجل في حرمان الفتاة من طفولتها وذلك من خلال إباحة زواج القاصرات الذي راح ضحيته بعض الفتيات بوفاتها أو شعورها بالاكتئاب والخوف والاضطهاد وتطالعنا الأخبار بعدة زيجات ففي السعودية قصة ( ملاك) في الجبيل ، وطفلة عنيزة التي تزوجت من رجل في الثمانين من عمره وفي مصر تطالعنا أخبار زواج القاصرات من أثرياء الخليج وهنالك من يستخدم الزواج العرفي مستغلاً الأنثى للهروب من السن القانوني بالإضافة إلى أسباب أخرى منها الهروب من الأعباء المادية ومن فضح أمره حينما يكون متزوجاً بامرأة أخرى أو ليقضي معها فترة من الزمن فإن لم ترق له يرمي بها ساعة يشاء ممزقاً ورقة الزواج التي كتبها أمام عينها ليتمزق قلبها بزواج كتب في الخفاء ، أو نسمع بزواج القاصرات بمسنين عرب أثرياء في فترة السياحة ، وفي المغرب نسمع باستغلال الثغرة القانونية التي تعطي القضاء الصلاحية في الاستثناء في سن الزواج الذي حددته الدولة وهو سن الثامنة عشرة مما أدى إلى تزايد زواج القاصرات بالإضافة إلى رفض رجال الدين لتحديد سن الزواج متذرعين بأنه درء للمفاسد وللقضاء على العنوسة ، وفي اليمن تحايل أهل القرى على السن القانونية الذي حددته الدولة وهو سن (17 ) وذلك بعدم إصدار شهادة الميلاد وبعد ذلك عند تزويج الفتاة يضعون العمر الذي يريدونه ، كما ساهم في ذلك برلمانيون متطرفون يتذرعون بالشريعة وكذلك بعض المنتمين للتيار الديني كالذي يمثله الشيخ عبد المجيد الزنداني .بهذه العوامل في اليمن ارتفع زواج القاصرات بنسبة مخيفة بحيث تقول مسؤولة دولية بأن واحدة من كل ثلاث فتيات يمنيات يتزوجن قبل بلوغهنّ سن الثامنة عشرة وهذا مخالف لحقوق الإنسان . وقد أثارت قضية نجود في عام 2008 الرأي العام العربي والعالمي بزواجها وهي تبلغ ثمان سنوات من رجل عمره اثنتان وأربعون سنة وهربت متجهة إلى المحكمة مطالبة بالطلاق الذي ساندتها فيه المحامية شذى ناصر وأصبحت نجود رمزاً دولياً لحقوق المرأة وصدر لها كتاب يحكي قصتها مما مهدت الطريق لكثير من القاصرات المقهورات أن يرفعن دعوى الطلاق من أزواجهن المسنين مطالبات بحقهن الإنساني وشبيه بهذه الحادثة حادثة مفجعة كان الموت فيها هو البطل الذي يدافع عن حقوق المرأة حيث توفيت ( إلهام مهدي ) وعمرها اثنا عشر عاماً من رجل عمره أربعة وعشرون عاماً بعد ثلاثة أيام من زواجهما نتيجة للاتصال الجنسي ووقفت المحامية شذى ناصر أيضاً في هذه القضية مطالبة بمحاسبة كل من ساهم في خرق القانون من الأب إلى الزوج انتهاءً بالقاضي .
لقد ساهم الفقر والفهم الديني الخاطئ والجهل الذي ينتشر في القرى والأرياف في شيوع زواج القاصرات ، والضحية في ذلك هي المرأة التي خسرت طفولتها وخسرت حياتها وسعادتها ، وتصف هيئة حقوق الإنسان هذا الزواج بأنه غير إنساني وهو انتهاك للطفولة ويطالبون بتحديد سن الزواج والدكتور الصبيحي عضو اللجنة الوطنية يصف زواج القاصرات بأنه نوع من الاغتصاب وهو حرمان من الطفولة، واتجهت وزارة العدل السعودية إلى تقنين الزواج بعد أن رفضت محكمة عنيزة إبطال زواج فتاة عمرها ثمان سنوات من رجل عمره خمسون عاماً وقد صرّح وزير العدل السعودي محمد العيسى بالتحكم في زواج القاصرات لدرء المفاسد وأضاف بأن وزارته تهدف إلى طيّ ملف تعسّف الآباء وأولياء الأمور في تزويج القاصرات وتشير التقارير الطبية إلى خطورة زواج القاصرات حيث يتسبب في النزيف والسلس البولي واحتباس البول والمشاكل الصحية التي تؤدي للوفاة ،كما يفسره البعض بأنه شذوذ جنسي وأصحابه من الرجال ليسوا سوى لوطيين اتجهوا لهذا الزواج الشرعي الذي تشبه فيه الفتاة القاصر بنية الصبي وتعوّضهم بذلك عن الغلمان الذين لا يمكن أن يسمح لهم المجتمع بممارسة الجنس معهم.
إن هذا النوع من الزواج على الرغم من عدم صلاحيته وبطلانه إلا أن المجتمعات العربية تتمسّك به مضحية بالفتاة نتيجة للفقر الذي تعيشه الأسرة او بسبب الجهل أو من خلال المفاهيم الدينية الخاطئة التي يذعن لها المجتمع دون أدنى تفكير لتمثّل تلك الأفكار المغلوطة سلطة لا يُعلى عليها ولا تقبل النقاش وترمي الداعين لتقنين الزواج بالكفار والمتفرنجين وبأنهم أذيال للغرب إلى غير ذلك من الأوصاف التي يعتمدها هؤلاء في تصنيف من يختلف معهم فكرياً ليقوموا بإقصائه .
وليس ذلك فقط هو ما يمارس في حق المرأة ليجعلها حجر شطرنج يحركه المجتمع الذكوري بل هنالك أمور أخرى تكبلها مذعنة طائعة كما تباع الجواري في أسواق النخاسة ، فقد استغلها الرجال في أنواع مختلفة من الزواج لأنها تنتظر أول طارق لبابها الذي قد يكون متأخراً جداً فترضى بزواج عرفي يحاك في الظلام أو زواج ( مفعال ) وهو المسيار والمصياف والمسياح وما جاء على ذلك الوزن ، وزواج فريند إلى غير ذلك من الزيجات التي قام الذكر بصناعتها لاستغلال المرأة والتي تجعلها سلعة رخيصة في يده يتصرّف فيها كدمية خرساء ويمكن له استرجاعها ساعة يشاء فهو المتصرّف الذي لا يعيبه شيء سوى جيبه في اعتقاد الكثير أما المرأة فهي الضحية التي تعاب في كل شيء وجريمتها الوحيدة أنها خُلقتْ (أنثى ) وليس الذكر كالأنثى .
ولقد تفاوتت ردود أفعال النساء باختلاف شخصياتهنّ ، فمنهنّ من رضيت بهذا الوضع الذليل وهي تعتقد اعتقاداً راسخاً بأنه الوضع الصحيح الذي يجب أن تكون فيه وهي إن حاولت خرق هذه العادات والتقاليد فستكون قد هدمت أركان القيم الأصيلة التي تعتقد بأصالتها إنها تؤمن بأنها كائن ضعيف يجب أن تكون في غياهب الجب ولا تمارس دوراً في المجتمع ولا تقرّر شيئاً ولا تحدّد مصيرها أو ترسم طريقها ولا تفعل شيئاً إلا بمحرم يكون وصياً عليها لأنها لا تعرف بدون الرجل أن تخطو خطوة واحدة إلى الأمام فهو ( هرقل ) العظيم الذي يحمي ضعفها ويستر عليها لأنها عورة ولا قوة لها إلا به ولا صوت بعد صوته ولا حكم بعد حكمه سبحانه إنه قوي عظيم . وهنالك من النساء من ترفض هذا الدور ولكنّ رفضها لا يتصل بالواقع فهو رفض قلبي نتيجة للخوف من سهام المجتمع المسمومة التي يمكن أن تقضي على سمعتها وبالتالي ستكون مستسلمة لهذا القدر الظالم وتتطلع لقوة خارقة تغير وضعها كمن يُحكم عليه بالإعدام وينتظر من يخلصه من هذا الحكم وهو في سجنه ، وبالتالي ستظل تلك المرأة تعدّ الأيام تلو الأيام لتتخلص من وضعها ولكنها تحبس ثورتها في داخلها وتكتفي بإنكار من الداخل لا تجرؤ على إعلانه كيلا تتهم بالهرطقة ويتم نفيها من المجتمع نفياً لا يقل بشاعة عن السجن الذي تعيش فيه ، وهنالك نوع آخر من الرفض وهو الرفض المتصل بالواقع الذي لا يعرف الاستسلام والانهزام أمام واقع مريض فرض أوامره ونواهيه دون اعتبار لإنسانية المرأة التي وأدها حية بعادات وتقاليد هي أولى بالوأد من المرأة.
هذا الرفض العضوي هو الانتفاضة التي تضحّي بها بعض النساء الفدائيات كي يرسمن طريقاً آخر لبقية النساء ، لذا نجد في مجتمع محافظ تسيطر عليه العادات والتقاليد والأعراف كالسعودية تخرج منه نساء مناضلات يطالبن بحقوقهنّ الإنسانية التي حرمهنّ منها المجتمع ويحاولن أن يحققن كل ما من شأنه أن يحفظ للمرأة كرامتها وعزتها وقيمتها لتؤدي دورها في المجتمع وتكون عضواً فاعلاً يساهم في البناء دون تمييز عنصري قائم على الجنس ، ومن نافلة القول ما حدث في القطيف تحت مسمى ( ماراثون القطيف ) الذي يشارك فيه مجموعة من النساء لأول مرة في السعودية برعاية جمعية نسائية حيث ثارت ثائرة البعض معتبراً ما حدث خروجاً عن الحشمة والقيم الدينية الأصيلة وهو تغرير بالمرأة للسير في طريق الانحراف والاقتداء بالغرب الفاسد وهو بداية للتخريب والتضليل ويجب ألا تنقاد له المرأة التي تقيم وزناً لعفتها ودينها وكرامتها ، وفي المقابل هنالك مدافعون يحاولون أن يقاوموا هذا التيار الرجعي الذي لا يعرف إلا التصنيف في دائرة ( الإيمان و الكفر ) أو ( الفساد و الصلاح ) ولو اطّلع أولئك التكفيريون على ما تمارسه المرأة في إيران من رياضات مختلفة كالجري والسباقات والتجديف وغير ذلك وهي بلد إسلامي فماذا يمكن لهم أن يقولوا في هذا ؟! إنهم لن يجدوا تبريراً لهذا المأزق سوى القول بأن عاداتنا مختلفة ويجب ألا نقيس بلد على بلد آخر .
إنهم يراوغون دون أن يواجهوا أنفسهم بالحقيقة التي يجب أن يقروا بها ، فلماذا يجزّأ الدين ؟! ولماذا يكون ملكاً لهم يتصرّفون فيه بأهوائهم ؟ ولماذا لا يستجيب الدين لمتغيرات العصر وللقيم الإنسانية ولماذا يكون وسيلة للإقصاء والتكفير بدلاً من أن يكون وسيلة للتعايش والتقريب ؟! لماذا يخضع الدين للعادات والتقاليد المتخلفة دون أن نقوم بغربلة تلك العادات ؟! إن المرأة الخليجية بحكم العادة والتقليد لبست عباءة سوداء و المرأة في أفغنستان لبست عباءة زرقاء وهذه المرأة أو تلك لا حكم لها على نفسها ولا تمتلك القرار وكل شيء بيد الوصي الذي هو الذكر الذي ينهى ويأمر ويصادق على القرار وعلى المرأة السمع والطاعة وإلا ضربت أو يصل الأمر بجلدها أو هجرها وكل ذلك لم تصنعه غير تقاليد وعادات تجعلنا أولى بأن نأخذ الكافور لنحنط به أنفسنا مع تاريخ الجاهلية الأولى .
هل نحن أنصفنا المرأة التي قلنا إنها نصف المجتمع وهي أم الأجيال وهي المدرسة التي تخرّج شعباً طيب الأعراق ؟! وهي التي نقول في الحديث النبوي بانها أفضل من الأب بثلاث مرات وهي التي شاركت الرجل في الحروب الإسلامية وهي التي نفخر بأنها أمنا التي نعتز بأن ما وصلنا إليه كان بفضلها وهي كل ذلك وأكثر ،فلماذا بعد ذلك نحرق تلك الاعترافات لنمارس دوراً آخر لا نؤمن به أم هي ازدواجية في شخصيتنا العربية تجاه المراة ؟!
ومن المعيب أن يمارس هذه الازدواجية رجل الدين وهو يردد الآية القرآنية التي تقول : ( كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) .
وبعد كل هذا لنا أن نسأل : هل المرأة كائن من كوكب آخر أم أنها إنسان ؟!
فإذا اعترفنا بأنها إنسان ، ألا يجب علينا أن نعاملها كالرجل الذي يشترك معها في الإنسانية ، وبالتالي يشتركان في الحقوق والواجبات التي تقتضيها طبيعة الإنسان بغض النظر عن جنسه ؟!
إنني أقول : لقد عانت المرأة من وأد مادي تُدفن فيه المرأة حية وهي صغيرة وفي يومنا هذا تعاني تلك المرأة هذا الدور بقناع آخر حيث تحوّل الوأد إلى الجانب الاجتماعي وأصبحت المرأة حبيسة للعادات والتقاليد التي تجرّدها من إنسانيتها وتجعل منها خلف قضبان قاسيةٍ تنتظر الإفراج عنها من عقول تحرّرت من أوهام الفكر الرجعي ولعلّي أكون واحداً ممن يساهم بفك الحصار عنها ولو بالنزر اليسير ولكنّ اليد والواحدة لا تصفّق .


* سلمان عبد الله الحبيب ( أديب وناقد وباحث )