النساء و القروض الصغرى:سياسة تنموية أم تفقيرية



ربيعة الهواري
2010 / 4 / 27

النساء و القروض الصغرى :سياسة تنموية أم تفقيرية ؟

السياق العام لظهور القروض الصغرى.

إن الحديت عن القروض الصغرئ لا ينطلق من كونه مسألة نسائية تنحصر ضمن مجمل القضايا النسائية الأخرى,و التي تناقش بشكل مستقل ارتباطا بما تنفرد به النساء, بل لأنها سياسية دولية موجهة للنساء بدعم قوي من المؤسسات الدولية و السياسات المتبعة التي أضحت القضية النسائية ضمن اهتماماتها و معيارا من معايير تقدمها .
ظهرت فكرة القروض الصغرىمند 1978من طرف الإقتصادي البنغالي محمد يونس الحاصل على جائزة نوبل للسلام سنة 2006,و كانت الفكرة هي إقراض نساء معوزات بدون فائدة ,ثم إضافة الفائدة التي مكنته أرباحها من تأسيس بنك سماه" كريمن بنك".انتقلت الفكرة إلى باقي بلدان العالم الثالث من خلال ظهور مؤسسسسات و أبناك في أكثر من 140 دولة سنة 2005 التي اعتبرت سنة القروض الصغرى ببلوغ عدد الزبناء 20 مليون فقير.
إن كما كهذا من زبناء القروض الصغرى لن يفسره إلا الإرتفاع المتزايد لنسبة فقراء العالم التي تشكل النساء 70 في المائة منه.و قد عملت اللجنة الإقتصادية التابعة للأمم المتحدة في مكتبها الجهوي الخاص في شمال إفريقيا على تبنى استراتيجية لتنمية نساء شمال إفرقيا باعتبارهن منشئات للثروات من خلال توصية تدعو إل تسهيل حصول النساء بشكل واسع على القروض :"و تنميتها و دمجها في النظام المالي و إنشاء إن اقتضى الحال شبابيك خاصة للنساء و تنويع الخدمات المالية و تهيئ السبل لوضع إطارات قانونية ملائمة لتنمية الخدمات المالية الدائمة ,مزاوجة خدمات القروض مع خدمات اخرى غير مالية ترتبط بالمقاولة مثل تعزيز القدرات الذاتية للنساء".
تدخل هذه التوصيية ضمن سلسة الإستراتيجيات التي تفننت فيها المؤسسات الرأسمالية فيما يخص تنمية نساء العالم الثالت و محاربة فقرهن و أميتهن ,و هي نفسها المؤسسات التي تفننت في سلسة البرامج التقشفية في إطار سياسة التقويم الهيكلي لسداد الديون ثم فائدة الديون (كرة الثلج الشهيرة), برامج جعلت دول الجنوج خاضعة لمشيئة القرارت الإمبريالية العالمية التي أبقتها في غياهب التخلف و الفقر من خلال تقليص النفقات الإجتماعية,من و ما رافق ذلك من تجميد للأجور و تعميم لمرونة الشغل و خوصصة المؤسسات العمومية ,هذه السياسات أدت إلى تفقير فتهميش ثم تهجير تكون النساء الحلقة الأكثر تضررا نظرا لطبيعة المجتمعات الأبوية التي تتغذئ منها الرأسمالية, جاعلة من النساء أول ضحايا مخططاتها اللبيرالية , تتقادف بهن بين اسراتيجيات تفقيرية محظة وتنموية مزيفة.

المغرب والقروض الصغرى .

انطق الإهتمام بالقروض الصغرى مبكرا في المغرب منذ تسعينيات القرن العشرين في محاولة لخلق مسكنات للفقر المدقع الذي خلفته سياسة التوقيم الهيكلي .و في سنة 1993 بادرت الجمعية المغربية للتضامن ( AMSED) بأول تجربة في المجال القروي بالأطلس المتوسط بشراكة مع الجمعية المحلية "واد سرو"وبدعم من الأمم المتحدة فمنحت قرضا لتماني نساء , و في سنة 1995أسس نور الدين عيوش مؤسسة زاكورة ثم مؤسسة أمانة سنة1996 من طرف إدريس جطو و مؤسسة التنمية و البركة( FONDFP) و الشعبي التي تنتمي لمجموعة البنك الشعبي لتصل إلى 13 مؤسسة 5مؤسسات وطنية و 7جهوية و محلية وواحدة اندثرت .تنسق عملها في إطار الفدرالية الوطنية لجمعيات القروض الصغرئ. يرأسها طارق الطرابلسي,ويؤطرها قانون 18/97 الذي خرج إلى حيز الوجود في 5 فبراير 1999.و ماهي بمؤسسات مالية و لا بجمعيات يشرف عليها بنك المغرب و تخضع لرقابة وزارة المالية و معفية من الضرائب .
تزعم هذه المؤسسات أنها تحارب الفقر, و تحقق التنمية البشرية ,مستفيدة من تمويل مؤسسات مغربية لها كصندوق الحسن التاني للتضامن , مؤسسة محمد الخامس ,بلانيت فينانس ماروك و آخر مقدم من طرف المؤسسات الرسمالية الدولية كالبنك الدولي , برنامج الامم المتحد للتنمية الدولية و الوكالة الامريكية للتنمية و أوربية كالبنك الأوربي للإستثمار ناهيك عن الدعم المطلق للدولة المغربية,حيث رصدت الحكومة مبلغا يفوق 10 مليار درهم للفترة بين عامي 2006 و 2010,بتمويل مسبق من قانون المالية لسنة 2006 .
و مهم جدا أن نشير إلى أن القسط الاوفر من هذه الميزانيات يمولها دافعي الضرائب من المغاربة و يكفي ذكرا على سبيل المثال لا الحصر الضريبة على القيمة المضافة التي تستنزف جيوبنا بشكل لحظي,و الضرائب المباشرة و الغير المباشرة ومداخيل الخوصصة (اتصالات المغرب,شركة التبغ...) التي عادت نسبة كبيرة منها لصندوق الحسن الثاني . فأموال ميزانية الدولة وصناديقها تمول من أموال القاعدة الواسعة من الفقراء المغاربة و الأحرى أن يستفيدوا منها لا أن تقوم الدولة بتقليص النفقات المخصصة للخدمات العمومية (تعليم ,صحة)من أجل منحها لمؤسسات تعيد إقراض الاموال لاصحابها.
ويعرف خبراء التنمية القروض الصغرى بتقديم قروض لأشخاص في غاية الفقر غير قادرين على الوصول إلى مؤسسات البنكية لإحداث أنشطة إنتاجية أو تنمية مشاريعهم الصغيرة .و تتأسس هذه القروض على فترة زمنية قصيرة الأمد لا تتجاوز ثلاث سنوات , تتميز ببساطة إجراءاتها مع ضمان الإقراض للملتزمين, و تغطيتها لمناطق جغرافية أوسع بخلق برامج لفئات مستهدفة خاصة النساء , لتنميتهن عن طريق تحفيزهن لخلق مشاريع مدرة للدخل .
و حسب تصريح الوزير الأول تبلغ نسبة زبائن القروض الصغرى من النساء 75 في المائة من أصل 450 ألف زبون ,وهو رقم جعل المغرب يحتل صدارة المنطقة المتوسطية و المرتبة التانية إفريقيا و تصدرت مؤسستي زاكورة و أمانة مراكز الصدارة عالميا.

هل يمكن لقروضهم أن تخلق مشاريع للنساء ؟

تتراوح قيمة القروض الممنوحة بين 500 درهم كأدنى مبلغ و 50 ألف درهم كأقصاه , تبلغ نسبة الفائدة (taux d’interé) 12 في المائة مقارنة مع 8بالمائة بالنسبة للقروض البنكية و قد تصل نسبة الفائدة إلى 50 في المائة حسب المدة التي لا يمكن أن تتجاوز ثلاث سنوات أو ما يسمى بالمدى المتوسط البعيد (moyen long term),مع العلم أن القرض الذي يمنح لأول مرة لا يمكن أن يتجاوز 3000 درهم. ففي ظل انسحاب الدولة من القطاعات الإجتماعية و إلقاء عبئها على الفقراء و غلاء المعيشة المستمر , و في ظل تركز الرساميل الأجنبية مع التوقيع على اتفاقية التبادل الحر و سلسلة الإتفاقيات التي فرضت على المغرب انفتاح تام أغرق السوق المحلية بالسلع الأجنبية , إدبلغت نسبة الإستيراد مايناهز 11 مليار دولار من البضائع سنويا و من ضمنها 475 مليون دولار من صادرات أمريكا نحو المغرب , فهل يمكن أن نتحدت عن إمكانية نجاح مشاريع نساء غارقات في هموم المعيشة و متاعب الفقر بمبالغ قرضية بسيطة و أمام شركات أجنبية كبرى .فمن البعيد عن الصواب أن نعتبر حدوث ذلك ممكنا أمام منطق المنافسة الذي يعتبر من الدعامات الاساسية للنظام الرأسمالي؟ (دير راس المال صحيح أشوف أشوف).
بل و دعونا نفترض جدلا أن 450 ألف فقير التي تتعامل معها مؤسسات القروض الصغرى وظفت قروضها في مشاريع مدرة للدخل ,فهل يمكن أن نتصور نجاح 450 ألف مشروع في منطقة محدودة النطاق؟ ,طبعا سيكون ذلك منافي لمنطق الرأسمال الذي يفرض البقاء للاقوئ من كبريات المشاريع في السوق ,و هو ما يفسر أن جل الفقيرات من النساء اللواتي وظفن قروضهن في مشاريع بسيطة ,يكون أمدها قصيرا جدا, و تنتهي بالفشل بسبب ارتفاع نسبة الفائدة التي قد تفوق نسبة الأرباح ,فيقعن في شباك الإقتراض مرة أخرى ثم اخرى ....في أكثر من مؤسسة ,لتجد الفقيرة نفسها مكبلة بأصفاد القروض و غارقة بالديون .

لماذا توظف القروض استهلاكيا؟

يوظف جل زبناء القروض سلفاتهم استهلاكيا خاصة و أن معظم الزبناء من النساء العاملات اللواتي يفرض عليهن واقع غلاء المعيشة و انخفاض الاجور- التي قد لا تتجاوز الحد الادنى فيكون الإقتراض لإتمام ما لم تستطع الاجرة الهزيلة أن تتممه (دفع تكاليف الدخول لمدرسي ,مصاريف مريض بالمستشفئ,شراء أضحية العيد ,مساعدة الوالدين أو فك دين اخر......)بل و كثيرة هي النساء اللواتي يقترضن دون علم أزواجهن و ما إن يتعدر الدفع يقع ما لا يحمد عقباه,فكم من زوجان انتهى بهما المطاف إلى الطلاق و كم من أسرة مغربية تحطمت و انهارت , و كم من امرأة هربت إلى وجهة مجهولة أو انتحرت هروبا من المتابعة اليومية لوكلاء السلفات الصغرئ,
مستخدمي السلفات الصغرئ استغلال مفرط و تسريحات جماعية :
تشغل مؤسسات القروض الصغرى أزيد من 8000 مستخدم, يتوزعون على مختلف مناطق المغرب, يجمعهم قاسم مشترك هو البحث عن أكبر عدد ممكن من الزبائن لتحقيق الهدف الذي فرضته المؤسسة عليهم من حيث عدد الزبائن (OBGETIF) الذي يختلف من مؤسسة إلى اخرئ ,وحدده إدريس جطو عموما في مليون عائلة مستفيدة في أفق 2010 مع دعم الحكومة له بمبلغ 100 مليون درهم .
إن تحقيق هكدا هدف ينزل بكل تقله على مستخدمي القطاع المكلفون بالميدان أو وكلاء السلف. (LES AGENTS DE CRéDIT)إد لايمكن تجاوز الاجر القار المحدد في 2500 درهم شهريا دون تحقيق الهدف المنشود من عدد الزبائن و لا يجب أن يكونوا من المتخلفين عن تأدية الدين, (LES RETARD) أو الممتنعين عنه, (LES INPAYéS),و هم المكلفون بالبحث عن الزبائن, إعطاء السلفات, و تكوين و مراقبة و متابعة الزبائن ( LES SUIVI) للاسترداد الديون دون أي سند قانوني و ما يمثله ذلك من مخاطر على سلامتهم, كما حدث بمنطقة بيوكرى ضاحية أكادير لأحد مستخدمي زاكورة الذي تعرض للاعتداء أثناء جلبه للأموال من إحدى الأبناك أصيب على إثرها إصابة بالغة الخطورة هذا ناهيك عن الإصطدامات المتواصلة مع الزبائن الرافضين لتأدية الدين.
و في 5 ماي 2009 وقعت مؤسسستا زاكورة و البنك الشعبي على برتوكول اتفاق يحدد اجراءات الإندماج بحضور وزير المالية صلاح الدين مزوار, لتوسيع دائرة المستفيدين حسب زعمهم و تحويل نشاط مؤسسة زاكورة إلى مؤسسة البنك الشعبي للقروض الصغرى تحت اسم زاكورة الشعبي للقروض الصغرى .
و الواقع أن قرار الإندماج هدا يخفي حقيقة رفض مسؤولو زاكورة و الحكومة التصريح بها و هي إفلاس زاكورة بسبب ارتفاع نسبة عدم الوفاء بالدين ,و يأتي إفلاس زاكورة في سياق التراجع الذي عرفه قطاع القروض الصغرئ إد وصل إلى 4 في المائة سنة 2008 ,و هو تراجع له ارتياط بالازمة العالمية و ما رافقها من شح في المساعدات الخارجية التي تتلقاهاهذه مؤسسات .
و قد خلف إفلاس زاكورة و قرار إدماجها تسريح أزيد من 1000 مستخدم بعد إقفال الفروع التي كانو يشتغلون بها دون مراعاة مصيرهم إد وجدوا انفسهم بين عشية و ضحاها عرضة للضياع .
و سبق أن نظم المستخدمون وقفة احتجاجية أمام المقر الإجتماعي للمؤسسة بالدار البيضاء و دعوا إلى ضرورة إعادة النظر في قرار التسريح الجماعي الذي تعرضوا له , ابتدأ التسريح اول شيء بنقابيي التجربة النقابية الفتية التي رسمت معالمها الاولى في جهة الجديدة و جهة الجنوب (سوس و الصحراء),لتنتقل إلى باقي المستخدمين خاصة ذوي العقدة الغير المرسمين.
هذه الحيثيات تكذب زيف تلك الصورة الإيجابية التي تحاول الحكومة المغربية أن تلصقها قسرا بمؤسسات القروض الصغرى من إقلاع اجتماعي و محاربة الفقر و الإقصاء و تنمية النساء , و أن هدفها ليس مراكمة الارباح .
إن مؤسسات القروض الصغرى لا تخرج عن نطاق باقي المؤسسات الرأسمالية التي تهدف إلى مراكمة الأرباح مستغلة زبناء أنهكهم الصراع من أجل البقاء وعمال كادت تجف عروقهم من الدماء لحساب تلة من متربعي القمم,و لعل الأجور الخيالية التي يتقاضاها رؤساء مجالس إدارات هذه المؤسسات لسبب يجعلهم يوضعون في مقام مالكي الرساميل و المقارنة تنبني على كونهن يستغلون عمال أسفل القاعدة لمضاعفة أجورهم و تحويلها إلى مشاريع أخرى مستقلة عن مؤسسات القروض الصغرى .

القروض و البدائل الممكنة

ليست سياسة الميكروكريدي سوى محاولة لتعطيل عجلة التاريخ اعتمدها النظام الرأسمالي للدفاع الداتي أمام العواقب المحتملة التي تنتجها تناقضاته ,و تلطيف سياسات الفقر في صيغة محاربة الفقر لن تغير حقيقة القروض الصغرى باعتبارها من السياسات التفقيرية المتعددة الأوجه و إدماج النساء فيها من الأساليب المتقدمة جدا لاحتواء التنظيمات النسائية مقابل تفريخ تنظيمات نسائية تنموية.
وبناءا على قناعتنا التي لا تعتبر القروض الصغرى حلا سحريا ضد الفقر فإننا نعتبر أن الفقر موجود طالما وجد ت مسبباته التي يبني عليها النظام الرأسمالي وجوده و استمراره,و بالتالي فإن من مهام المناضلين الديموقراطيين في الإطارات التقدمية و النقابات و التنظيمات السياسية...النضال من أجل:
-مجانية الخدمات الإجتماعية التي يحول إليها جزء كبير من الأموال المقترضة لتغطية مصاريفها .
- رفع أجور ذوي الدخل المحدود لخلق القدرة الشرائية و التمكن من مستلزمات الحياة التي يتم تغطيتها بالإقراض,
-تخفيض معدلات الضريبة على الدخل التي تساهم في تقهقر الاجور و تآكلها.
- فضح الاكاديب التي تحوم حول القروض الصغرى بإظهار حقيقتها للفقراء و تعبئتهم على مقاطعتها .
- على الجمعيات النسائية أن تأخد ضمن اهتماماتها التشهير بالاضاليل التي تستغل بؤس النساء تحت يافطة التنمية و الإنخراط في النضال العام ضد السياسات النيوليبرالية المنتجة لمثل لهذه المشاريع.