مسألة الحجاب



وضحى بنت سيف الجهوري
2010 / 5 / 7

مسألة الحجاب
عندما نتحدث عن مسألة الحجاب وهي القضية التي لا تخلو أي كتابات حول المرأة منها ، ولا يكاد يطرح الغربيين معوقات تقدم المرأة إلا وذكر في المقدمة ، عندما تطرح قضية الحجاب أتذكر قصة مروة قاوقجي وهي المرأة التي شاركت في الانتخابات النيابية المرشحة عن حزب الفضيلة لمدينة اسطنبول عام 1999م وحصلت على أعلى نسبة أصوات بدائرتها الانتخابية ، وتفجرت قضية مروة عندما دخلت مقر البرلمان في أنقرة وجلست على مقعدها ووقعت الأوراق القانونية الخاصة بعضويتها كنائبة عن دائرتها فأثارت اعتراض نواب اليسار والعلمانيين المتشددين كونها أول امرأة محجبة تدخل البرلمان التركي مما دفع رئيس الوزراء التركي إلى المنصة قائلا بأن البرلمان ليس المكان الذي يجروء فيه أحد بتحدي نظام الدولة ثم قام الوزراء بتوقيع عريضة رفعوها إلى الرئيس التركي طالبوا فيها بحرمان مروة قاوقجي من جنسيتها التركية وحجب موقعها في البرلمان.
هذه الحادثة رغم ارتباطها بوضع النظام التركي العلماني والسياق التاريخي له ، إلى أنه لا يخلو من تأكيد لصورة الحجاب لدى الغربيين ، حيث يرون أن الإسلام هو الذي عزل المرأة المسلمة عن العالم ، وما الحجاب سوى رمز من رموز الانعزالية والتقييد بهذا الحجاب الذي يشل الحركة كما يتصورون .
فالصورة المختزلة لديهم هو الإسلام كدين مرتبط بحياة أفراد أدى اعتناقهم له لتخلفهم عن باقي الأمم والشعوب ، والحجاب كرمز مادي مرئي لهذا الدين وتأثيراته العملية في حياتهم .
ولكن الحقيقة التي لا جدال فيها أن الحجاب لم ولن يمنع المرأة من التقدم واثبات ذاتها إضافة لأنه يحفظها من الصورة التي يروج لها البعض في إثارة الغرائز ، وقد أثبتت العديد من الدول المتقدمة اليوم أن المرأة شاركت في تنمية بلدها وتقدمها ورأسها ملفوفا بهذا الغطاء الذي يثير جدلا عقيما،وللدلالة على ذلك المرأة الإيرانية والباكستانية والاندونيسية والماليزية ، وغيرهن من محجبات بغض النظر عن كون الدولة إسلامية أم علمانية ، إذ تعمل المحجبة بنفس مقدرات المرأة غير المحجبة ولا يعوقها الحجاب عن أداء وظائفها المختلفة ، بل بالعكس فهو يضفي رونقا وهالة من الاحترام واستشعار الجدية في العمل.
إن قضية المرأة العربية ليس في الإسلام ولا في الحجاب بدليل الأمثلة التي ذكرتها من دول إسلامية غير عربية ، وإنما في ذلك الإرث من العادات والتقاليد العربية البالية والمتوارثة جيلا عن جيل ، وكأنها مستنبطة من ديننا الإسلامي لا سبيل لتغييرها أو تجاوزها .
عادات تتغلغل في نفوس الرجال والنساء تدفعهم لتلبس الشعور بالعار والخجل من كل شيء أنثوي ، ومحاولة إخفاءه أو تجاوزه أو شل حركته ونعته بأسوأ الصفات .. ليبقى الوضع في الدول العربية لعقود طويلة كما هو .. محلك سر ، وكأن الرجل العربي عاجز عن فهم أن ضعف وضع المرأة هو ضعف لوضعه ، لأنهما يكملان بعضهما البعض ، والاعتقاد بأن على المرأة أن تبقى ضعيفة ومقهورة لن يأتي سوى بأجيال أيضا ضعيفة وانهزامية ، ذلك أن فاقد الشيء لا يعطيه ، والأم الجاهلة والغير واعية بمسؤوليتها والغير واثقة بنفسها ، لن تنجب إلا على شاكلتها، ولا تجد من المتميزين العرب إلا كحالات قليلة لهذا السبب - أقول هذا كرأي شخصي - بينما نجد العكس في الدول التي منحت حقوقا أكبر للمرأة إذ تجد فيه أن انطلاق المرأة للحياة وسعيها لتثقيف نفسها والتزود بالمعرفة أسهم في تكون أجيال متميزة في حقول المعرفة المختلفة ، فقد سبقتهم أمهاتهم وهن القدوة الأولى والأقرب لهم منذ نعومة أظفارهم .. وذلك ينطبق على قول : الأم القارئة تنجب أطفالا قراء ، ذلك أن الطفل عندما يرى أن المعرفة كهدف أساسي في قدوته الأولى ، سيستمر عليه في سنواته اللاحقة وهكذا في شتى الجوانب سواء الثقة بالنفس أو قوة الشخصية أو حسن التصرف ..الخ من سلوكيات تحسن غرسها في نفوس النشء المرأة الواعية والمثقفة ومن منحها مجتمعها حقوقها وفتح لها أبواب التوسع في خبراتها ومداركها وعدم حكر فكرها في أمور بسيطة .
* متى بدأت المرأة تلبس الحجاب ؟
إن علاقة المرأة بالحجاب علاقة قديمة ، فقد أثبتت الحفريات أن المرأة في العصور القديمة لبست الحجاب في بعض الثقافات الدينية ، ففي آشور القديمة ، ارتدت المرأة الأشورية الحجاب ، وأظهرت إحدى الفقرات في لوحة من اللوحات الطينية التي تم العثور عليها وتعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد بيان مفصل عن الحجاب وفرض قوانين ضد النساء اللواتي كن لا يرتدينه .
وجاء عن اليونان ، أن حجاب المرأة اليونانية حجاب كامل لا يظهر فيه سوى العين ، كما كانت مسلوبة الإرادة ولا مكانة اجتماعية لها عكس ما جرى للمرأة في الحضارة الرومانية والفرعونية.
أما في الديانة اليهودية المحرفة فكان في وسع الرجل أن يطلق زوجته إذا عصت أوامر الشريعة اليهودية بان سارت عارية الرأس .
وفي الديانة المسيحية شهد عام 1650م منع النساء من دخول الكنائس في أوربا إذا لم يغطين رؤوسهن بحجاب يسدلنه على صدورهن وكان يحلق شعر من تخالف الأوامر ، وقد كانت النساء في عام 1800م يتبعن عادة لبس حجاب وفوقه قبعة صغيرة مزينة بالريش والشريط الحريري الملون الذي يصل الأرض فتصبح الواحدة منهن كالراهبة .
إن لبس الحجاب عادة قديمة سابقة للإسلام ، وقد استغلت النساء صاحبات التيار التحرري المتطرف هذه الحقائق في التأكيد على أن الإسلام لم يشرع لبس الحجاب، وأن الحجاب عادة قديمة مرتبطة بسيطرة الرجل على المرأة ، وليس له علاقة بالإسلام ، وترى بعض المتطرفات من المجتمع العربي أنه لا يوجد نص قرآني صريح يفرض لبس الحجاب ، وأن ارتفاع نسبة من يلبسن الحجاب هذه الأيام ما هو إلا موضة ووضع مؤقت إلى أن تجد النسوة بديلا عنه .
ورغم التركيز على كون الحجاب ظاهرة موجودة لدى القدماء قبل الإسلام من قبل الرافضات له من التيار المتطرف إلى أنهن يغفلن عن العديد من السلوكيات والشرائع التي جاءت في الإسلام وقد سبقه إليه ديانات وحضارات أخرى ، فمثلا ..سن الإسلام العديد من التشريعات المرتبطة بحقوق المرأة كحقها في مالها ، وقد وصلت بعض الحضارات إلا مستوى سن قوانين قريبة من ذلك في أوج ازدهارها ، ومع ذلك ليس من المنطقي أن يتخلى المسلمين عن حقوق المرأة في هذا الجانب على اعتبار أن المرأة الفرعونية مثلا وصلت لأعلى مراتب المكانة الاجتماعية أو أن المرأة الرومانية قد حصلت علي العديد من الحقوق يوما ما .
فالإسلام رغم أنه جاء بقوانين وشرائع جديدة تمثل قمة التقدم البشري إلى أنه توجد العديد من تلك القوانين طبقت بأشكال مختلفة لا ترقى لمستوى الإسلام ولكنها بالفعل موجودة ، وهذه الحقائق تؤكد أن الإسلام لم يأتي من فراغ وإنما انطلق من احتياجات البشرية للتنظيم .
والحجاب في الحضارات السابقة كان مصبوغا بصبغة دينية ، فإجبار المرأة على لبس الحجاب لم يكن وضع اجتماعي تعيشه تلك المجتمعات والرغبة في السيطرة الذكورية على المرأة ، وإنما لهدف ديني ، أي أن من شأن الحجاب أن يضبط سلوكيات الأفراد ويوجهها للأفضل ، إلا أن هذا لا يلغي حقيقة محاولة الضغط والسيطرة على المرأة ودفعها للانغلاق من خلال الحجاب والتحول من مطلب ديني إلى مسلك اجتماعي تفرضه السيطرة الذكورية ، والذي تطور مع مرور الوقت إلى إجبارهن على لبس النقاب .
والإسلام عندما أخذ من بعض الحضارات والأديان الأخرى ، أخذ ما من شأنه أن يسمو بالإنسان ويقيه المفاسد ، لقد التقت الحياة الدينية للبشرية في نقاط معينة تهدف لخير الإنسان ومنها الالتزام بالحجاب لكن لكل مرحلة معتقداتها وقوانينها وأساليب العقاب الخاصة بها ، وعدا ذلك من سلوكيات خرجت عن الحياة الدينية كانت مدعاة لانتشار المفاسد.
فلبس الحجاب مع كشف الوجه والكفين صورة راقية من صور المرأة الإنسان ، بما يحمله الرقي من الشعور بالقيمة والتقدير والاحترام ، وبما تحمله الإنسانية من وجود وحرية وحياة هادفة .
ولكن الرؤية للحجاب اليوم تأخذ أبعادا مختلفة ، ذلك لأنه انتقل من النظر إليه من مطلب ديني إلى مسلك حياتي أو كأسلوب حياة مرتبط بقناعات المرأة أو الأسرة التي تنتمي إليها،فمثلا في العديد من الدول العربية تجد في البيت الواحد إحدى الأخوات ملتزمة بالحجاب ولا تخرج من منزلها إلا وقد غطت شعرها جيدا ، ولبست ثوبا عريضا لا يظهر مفاتنها ، بينما أختها الأخرى والتي قد تشاركها أيضا نفس الغرفة ، تخرج سافرة ( بدون غطاء رأس ) ومع هذا لا تجد الأسرة حرجا في اختلاف تصرفات الأختين أو سعيهم لتفضيل احدهن على الأخرى ، فالأمور تسير بشكل طبيعي كما تريد الفتاة أو كما تعتقد الأسرة وليس كما شرّع الدين الإسلامي وهذا في حد ذاته مشكلة عويصة تعكس حقيقة عدم التعاطي بواقعية بين متطلبات الدين والجوانب الروحية ومقتضيات مسايرة التطورات المادية المتسارعة .