بين البكيني والحجاب والشعر المستعار. المرأة دينيا أم سياسيا؟



غسان المفلح
2010 / 5 / 7


[ ما هذا العالم الذي أعيش فيه؟
أهو مجرَّدُ كُرةٍ تُدحرجها الذُّكورة؟ ] ادونيس..*
جسد المرأة بين الستر والانكشاف" مساحة" لا تغطيها الأديان، بل تموضعها السياسية وتستلهمها الحقوق، وينصصها القانون، أهم ما في الأمر هنا، أن القانون المعاصر مموضع على الانكشاف- الحرية الشخصية، فيصبح من حق المرأة، أن يستخدمها الرجل، في فيلم بورنو، أو يسترها من رأسها حتى أخمص قدميها، البيكيني رمز وضعي بامتياز، بينما الحجاب الإسلامي، والشعر المستعار عند المراة اليهودية، عبارة عن رموز دينية، وتحول الثاني إلى رمز للموت المحقق أبان صعود النازية، ويتحول الأول الآن: إلى تسفيل شعوب بكاملها، ومحاصرة لتفاعلها الحر مع العالم الراهن، تفاعلها بكل تياراتها- وهذا الطبيعي- مع تاريخيها وتاريخيتها.
عندما إرتأت السياسة حرق اليهود في ألمانيا وأوروبا عموما، لم تعد المرأة اليهودية المتدينة قادرة على لبس
شعرها المستعار ولا جواربها السوداء، ولا حضور مناسبات دينية، نتيجة للخوف، ولم يعد الرجل قادرا على حمل نجمته السداسية. السؤال المقلق للبعض" هل تعيش أوروبا الآن نفس الفضاء ولكن مع تغير دين الضحية، من اليهودي إلى المسلم؟
حتى نهاية الحرب العالمية الثانية" كان يظهر اليهودي في الدراما الأوروبية" المخادع المحب للمال، الخائن الكاره للبشر، وتتكرر تلك الصورة المكرسة عند ويليام شكسبير في "تاجر البندقية"؛ حيث صار "شيلوك" اليهودي عَلَمًا على الكراهية والحقد**، وعلى اليهودي أن يتنصر حتى يتخلص من يهوديته.
الآن: المسلم الإرهابي، المتخلف، الهاضم لحقوق المرأة، المهدد لقيم وحضارة وثقافة أوروبا- بشقيها الديني والوضعي- والذي لا يستطيع الاندماج في مجتمع أوروبا، نتيجة لثقافته و"كركتره المرسوم" من رسم هذا" الكركتر؟ ولماذا؟ فهل بات على المسلم اليوم أن يتنصر أو يتهود حتى يتخلص من صورته هذه التي تلاحقه أينما ذهب، ومهما فعل؟ وغير خاف على أحد قوة الإعلام والصورة في زمننا، إنه جوهرة السياسة المعاصرة. هل نحن أمام هولوكست رمزي جديد؟
الشعوب الأوروبية، وثقافتها رغم كل هذا الضجيج الإعلامي، المستبطن للسياسة، أكثر إنسانية، ورقيا من أن تقوم بمثل ماقامت به مع اليهود منذ سبعة عقود تقريبا، حتى النازية الجديدة، عدوانيتها سلمية، رغم تقدم فضاءها الثقافي، وتسربه إلى أحزاب اليمين التقليدية، ما هي المسافة الآن بين يمين جان ماري لوبين، ويمين نيكولا ساركوزي في القضايا الداخلية الفرنسية؟ رغم كل هذه المؤشرات إلا أن الأمر يجب أن يكون مشجعا لقيام إسلام أوروبي معصرن، يستلهم أنسية الأندلس، وليس آخروية أسامة بن لادن. وهذه المهمة لا تقع على عاتق، أنظمة القمع والاستبداد في العالم الإسلامي، بل تقع على عاتق سياسيي أوروبا ومثقفيها، وخاصة" المسلمون منهم.
الرموز اليهودية لم تعد مستهجنة في أوروبا الآن، بل إنها موضع إعجاب عند بعض الأوروبيين، أما الرموز التي تشير للإسلام، فهي موضع استنكار، وشجب، وليس اكثر من الحجاب، واللباس الأفغاني مصدرا للشجب، والتخلف والإرهاب.
****
"مشكلة المرأة في المجتمع العربي دينية - ميتافيزيقيّة، قبل أن تكون سياسيّة - اجتماعية. أهناك حَلٌّ لهذه المشكلة، وللمشكلات المتعلقة بها، إلاّ بدءاً من إعادة النّظر، جذريًّ، في هذا الأصل الميتافيزيقيّ؟"
هذا ما يقوله ادونيس في نفس المقالة المذكورة..هذا موقف أصيل وتاريخي لأدونيس، الإشكالية تكمن في الدين، وليس في السياسية والاجتماع، حتى وإن كانت الإشكالية موجودة في هذا الحقل، لكن يجب، إعادة النظري جذريا في الأصل الميتافيزيقي، لمشكلة المرأة في العالم العربي.
النخب العربية منها مازال يرى أن لثقافتهم الدور، الطليعي في حل إشكاليات المجتمع العربي، وهذا دور لا يريدون التصديق، أن الراهن" سياسي بامتياز، والباقي يتحرك في حقله، سواء كان ثقافة أو إعلام أو أديان أو برقع أو بكيني أو شعر مستعار" ..هنا تكمن المشكل، وهنا حلها معا. وهذا لا يعني أن الثقافة باتت ميتة الدور، ولكن ثقافة تعزل نفسها عن السياسي، وتترفع عنه، وترذله معتبرة أن الحل لديها، هي التي تموت ويعزلها السياسي، في أيقونات يحتفي بها لزوم احتياجه للشكليات، كادت أن تحدث جريمة في نيويورك، لو انفجرت سيارة فيصل شاهزاد المتهم بمحاولة الاعتداء في ساحة تايم سكوير في نيويورك. لم تصدر أية أدانات من قبل السياسة العربية لهذا الحادث، لماذا؟ هل الجواب في الثقافة أم في السياسة؟ أم في الثقافة السياسية التي تبث علينا وعلى أطفالنا يوميا في المدارس والجامعات، وخطابات الزعماء السياسيين؟
العلمانيون في العالم الإسلامي يعانون من مشكلة عميقة وجدية، وهي أنهم بنمذجتهم التاريخية، للمرأة الأوروبية، إنما يحيلون الأمر لواقع انكشاف الجسد حجب/ كشف، أكثر مما يحيله إلى قضية حرية المرأة، حيث النموذج الغربي إحدى تجسيداته، ودون رفع قضية حرية المرأة إلى مستوى وجودي، وبذلك يصبح الحديث، أننا نقلد الغرب، لأنه الأقوى، والأكثر حضارية وحرية، وإن كان هذا صحيحا إلا أنه يمنع رؤية الأمر من الزاوية الوجودية لحرية الكائن الإنساني، كفعل محايث لوجوده أصلا..وهنا يعود بنا الحديث إلى ما بدأناه في بحثنا لهذه الظاهرة" الحقل السياسي العربي حقل يبخس ويسفل حرية الإنسان العامة والفردية، وبذا تكون المرأة جزء من هذا التسفيل، وليست قضية معزولة عن حقل التسلط التاريخي على الكائن عامة في العالم العربي.
هذا العزل ترحب به سلطات المنطقة، وتجعل من قضية المرأة معركة تفصيلية، تحيل إلى نقيضها الأساس، وهو" الستر والانكشاف، وليس الحرية والقمع" لهذا من الطبيعي جدا، أن احترم خيار إمرأة مستقلة تماما، [ان تكون محجبة، أو تضع شعرا مستعارا أو ترتدي البيكيني في مكان عام، وهذه حريتها الشخصية] أم انها يجب أن تخرج سافرة حتى يقال عنها أنها متحررة؟ حريتها أن تكون كزوجة الرئيس التركي، التي ترفض خلع الحجاب، وحريتها أن تكون كزوجة الرئيس ساركوزي، وصورها في البيكيني تملأ الصحف...إنه تساوي على مستوى الوعي بحرية الكائن. هل مشكلتنا في العالم العربي، مع الحجاب أم مع سلطة الحجاب، ومن هي سلطة الحجاب؟
الإسلاميون ترك لهم الشارع في بعض الدول العربية، كما ترك لهم أيضا الشارع في بعض الجاليات الإسلامية في الدول الغربية، من الذي ترك هذا الشارع للإسلاميين؟ ولماذا؟ ورغم ذلك، هل يمكن القبول بالتعامل مع الجاليات المسلمة، وكأنها كلها" تنظيم القاعدة"؟ وبالتالي هل يمكن التعاطي مع النساء المسلمات كمنقبات أو محجبات؟ والسؤال الآخر" كم إمرأة مسلمة في أوروبا، يستطع أبوها او أخوها ان يفرض عليها الحجاب والنقاب؟
الحرية مطلقة من الزاوية الشرعية للميثاق العالمي لحقوق الإنسان، ولكنها تاريخية في التعاطي اليومي معها ضمن الحقول السياسية والاجتماعية. بالتالي لا يمكننا معالجة قضية المرأة دون التأسيس على الجانب المطلق في حريتها عبر" تهيئة القاعدة الدستورية لضمان حرية المرأة ومساواتها بالرجل من حيث القيمة الإنسانية، وهذا يحتاج إلى دولة حريات عامة وفردية أولا واخيرا.
واختم مع أدونيس حيث، يقول" بدلاً من أن تكون القضايا الكبرى، الإنسانية والحضاريّة، مادّةً للحوار أو الخصام أو الصّداقة بين الإسلام والغرب، تحلّ محلّها «مادّة البرقع»....
ولكن السؤال لشاعرنا الكبير" من الذي جعل ويجعل البرقع مادة للحوار؟

* مقالة ادونيس في صحيفة الحياة" البرقع" 06.05.2010
** كيف تغيرت صورة اليهودي في الدراما الغربية؟ مقال للدكتور أسامة القفاش.