تشريح المجتمع هو فضح لنصوصه



محمد البدري
2010 / 5 / 7

عملا بالمبدأ الاسلامي الذي اخترعه المسلمون والقائل "درأ المفاسد مقدم علي جلب المنافع" فانا مضطر الي ان اقطع ما اتصل واكتب هذه المقال ردا وتعقيبا علي مقالة الاستاذ غسان المفلح بعنوان " بين البكيني والحجاب والشعر المستعار. المرأة دينيا أم سياسيا؟". وقبل الشروع في الكتابة فان هذا المبدا الاسلامي به الكثير من العور ولا يصلح ان يستشهد به احد او يتبناه احد فهو منجز للعقل العربي الذي تاسلم وبات الكون في منظوره مجرد مفاسد مقابل منافع عليه ان يتعارك فيما بينهما دون وعي ما هي المفاسد وما هي المنافع حسب ما قاله اهل السلف. فاذا فحصنا ما بقي للعرب بعد تطبيقهم هذه الحكمة البلهاء فلن نجد سوي المفاسد يتبناها الدعاه والمشايخ.

اولي المفاسد في مقالة الاستاذ المفلح اعتبار ان مشكلة المرأة في المجتمع العربي دينية - ميتافيزيقيّة، قبل أن تكون سياسيّة – اجتماعية حسب اقتباسه من اقوال ادونيس. فلو ان الامر بهذا التوصيف فكيف يمكن شرح سلوك ابن الخطاب الخليفة الثاني في ضربه للاماء لو تحجبن وتشبهن بالحرائر من المسلمات؟
ضرب الحجاب علي المسلمات حتي لا يعرفن فلا يؤذين كما جاء به النص القرآن في الايه 59 من سورة الاحزاب. هناك إذن سبب مادي باعتبار ان الايذاء من عرف وسلوكيات الناس في ذلك الزمان. فحتي بعد ان سيطر المسلمون علي الواقع الاجتماعي سياسيا واقتصاديا في جزيرة العرب ظل الحجاب لان الايذاء لم يستطع لا الاسلام ولا المسلمين منعه. فلكل شئ سببا ومع انتفاء السبب تنتهي تداعياته فكان ولا بد من انتهاء التشريع. وهو ما يجعلنا نكتشف الوجه الاخر من القضية في جعل الاماء غير محجبات. فلانهن سلع تاخذ معها السوق عرضا وطلبا بيعا وشراءا لما فيه من منافع للناس اينما ذهبت فكان ولا بد من جعلها مكشوفة اينما حلت لعرضها كسلعة صالحة للتداول دائما.

الاسباب هذه هو المعلوم من المجتمع بالضرورة اما الغير معلوم ولم يتحدث فيه احد وغائر في ثقافة البداوة القبلية تؤكد السببية الاجتماعية باصولها المادية والتي هي غير ميتافيزيقية او دينية حسب قول ادونيس السابق.
في مجتمع البداوة فان الحرائر من نساء هؤلاء الناس هو اخطر ما يحرص عليه الذكور. وكان الوصف لهم بالقوارير حيث قال " رفقا بالقوارير" تعبيرا صادقا عن اللاوعي او الماده الخام المسكوت عنها في ثقافة قريش وما حولها في جزيرة العرب وليس خارجها. انهن من ياتين بالرجال وهن مصدر الامداد بما يقوي القبيلة من المقاتلين الذكور عبر الانجاب حيث تكون رابطة الدم وعلاقات الابوة هي الضامنة للولاءات القبلية وبالتالي الامن الاجتماعي والسياسي. فالعصبية الابوية هي الضامنة للمستقبل وما القوارير سوي حضانات للقوة البشرية المستقبلية بشرط ضمان ومعرفة من الذي افرغ منيه وفي اي قارورة حدث.
لهذا فبمجرد ان تنجب الاماء للذكر المالك لها فكان ضرب الحجاب عليها يصبح امرا مقضيا بل ان عتقها يصبح من المستحب او ربما ضرورة مكافأة لها علي حسن صنيعها وخاصة لو ان المولود ذكر. بمعني وضع ضمانات لها وللابن لاخذ الولاء مبكرا هذا من ناحية ومن ناحية اخري الا يقال بان الابن ابن سفاح اي انه اتي مما سفح من ماء الذكر بلا اي ضمانات مستقبلية. ففي الثقافة العربية يسمي ابن الزني ابن سفاح لان الرجل كان يسفح الماء والمني دون هدف في القارروة التي تمت مجامعتها بهدف اللذة فحسب. فماذا لو كان هناك عائد بمعني مولود من الاماء؟ (لاحظ ان مجامعة الاماء والسبايا لا يعد سفاحا)، عندها يتم التحرير او فرض الحجاب بمعني وضع صك الولاء للمسؤولية الامنية والولاءات القبلية فالاماء وبسبب احقية الاستخدام الجنسي كانت تهدي ولو مؤقتا لاداء خدمات من انواع مختلفة بين اسياد القبائل مقابل خدمات اخري بينهم.
فكان العرب في الجاهلية وكما في الاسلام إذا ما غزوا قوما نهبوا أموالهم ا وأسروا رجالهم وسبوا نساءهم ويتخذون من الرجال عبيدا ومن النساء سراري وإماء. وكانوا يقتسمونهم مثلما حدث في الغزات عصر تاسيس الاسلام بالسلاح في يثرب. فريحانه اخذت في غزوة بني قريظة وجويرية في غزوة بني المصطلق اما صفية بنت حيي ابن اخطب فاخذت في غزوة خيبر. وفي ذلك يقول الفرزدق في نساء سبين وجرت عليهن القسمة:
خرجن حريرات وأبدين مجلدا
ودارت عليهن كتّبة الصفر

فمن وقعت في سهمه امرأة أخذها وحلّ له الإستمتاع به لأنه ملكها بالسبي وتسمى (الأخيذة) و يسمى أولادها (أولاد الأخيذة) أو أولاد السبية و †كن إذا وقعت في سهمه (أي في نصيبه) أن يبيعها إذا لم تجد من يفتديها من قومها. وتروي كتب السيرة أن عمرو بن العاص كان يعايّر بابن السبية فقد سبيت أمه وهي سلمى بنت حرملة من بني عنزة وكانت تلقب بالنابغ وبيعت في سوق عكاظ فاشتراها الفاكه بن ا لمغيرة ثم اشتراها منه عبدالله بن جدعان وكان نخاسا فباعها إلى العاص بن وائل فتزوجها وولدت له ولدا سما ه عمرو.
كان سبي النساء مذلة وعارا على الرجال لذلك كانوا يستبسلون في القتال حتى لا يغلبوا وتسبي نساؤهم. وفي ذلك يقول عمرو بن كلثوم في معلقته:
على آثارنا بيض حسان
نحاذر أن تقسّم أو تهونا
إذا لم نحمهن فلا بقينا
لسبي بعدهن ولا حيينا

فات علي النص الاسلامي وواضعي السيرة ان عملية الجماع هذه تحمل تناقضا اخلاقيا يخص كل طرف وتم توزيع الظاهر منها بغبن فاجر حيث باتت المضاجعة شرفا ذكوريا ومهانة انثوية في وقت واحد، ثم يتشدق الدعاة والمدافعين عن جاهلية العرب بان الاسلام اعطي للمرأة حقوقها سباقا بها علي باقي الحضارات دون ان يكلف احد منهم نفسه بقراءة ما للمرأة في الحضارات الاقدم والاحدث.

اما بالنسبة للحم العاري والجمال المكشوف فلا يزال كشفه واجب لاي من الاماء فهي مازالت سلعة صالحة للتداول حتي يقضي الله لها امرا عبر مني احد الذكور ذوي الولاءات السلطوية في القبيلة. وتلك هي المشكلة التي لم يتم التعامل معها بعقلية انثروبولوجية اجتماعية لغياب علوم اجتماع يتم بها تشريح اعراف وتقاليد القبيلة التي نقلت الي باقي المجتمعات كناتجا نهائيا باسم الدين والميتافيزيقيا الي مجتمعات ليس بها اماء ولا ولاءات قبلية. فاذا كانت قضية الحجاب هي الحلقة الاخيرة في تشكيل عرف وقواعد سلوكية عند مجتمعات بدائية في تكوينها الاجتماعي باستخدام قداسة مجلوبة من السماء لا موضع لها في الواقع، فان الحجاب اصبح هو الفيروس المتحوصل عند نشر الاسلام في مجتمعات اكثلا تقدما وتحضرا ولا تعرف مثل هذا النوع من العلاقات الاجتماعية. فما هي نتائج نشر الاسلام بنصوص هي اصلا صياغات للتعبير عن مخاوف قوم علي انفسهم اللهم الا طمس الحضارة وتبديد تراكمات التاريخ اي المخزون الحضاري القمين بالتحولات الي الارقي وليس للانحدار الي البدائية عبر الايمان فقط دون اي عائد سوي الارتداد الحضاري والخروج من التاريخ. فهل كانت مشكلة المرأة ميتافيزيقية ام انها سياسية واجتماعية ومادية في اصولها وتدعياتها الي يومنا هذا؟

فالعلمانيون في الشرق الاوسط الموبوء بكل انواع الاديان لا يعانون من شئ بقدر معاناتهم من عدم تشريح تاريخ كل دين وليس مجرد تقليد ان نقل ما في النموذج الغربي من مواضعات اجتماعية وسياسية. فتقليد الغرب وجهل وتسطيح، لكن كيف يمكن وصف عملية اخذ النصوص الدينية القديمة بعلاتها وما فيها من الغام تتفجر مع كل قراءة او تلاوة او صلاة وصوم وحج. اليس هذا غباء مضاف الي ما لديهم من الجهل والتسطيح؟ فالنمذجة داخل عباءة الدين ليست أكثر من ارتجاع وارتكاس الي عهود بربرية عفي عليها الزمن مع امتناع متعمد عبر الايمان بالماضي من رؤية الحرية للكائن الانساني الحديث الذي كان قارورة يوما او سيدا عبر الفحولة الذكورية وفقط دون اي مبرر عقلاني لسيادته علي اقرانه في القبيلة او دولة الخلافة أو في المملكة حديثا او حتي علي العلمانيين و الكفار والمشركيين.