الحجاب يغطي العقل



فيروز شحرور
2010 / 5 / 10

في معرض للكتاب، يتقدم نحونا أو لمزيد من الدقة نحو أحدنا، ناقد وأديب كبير.. ثم يلقى تحيته، ولأننا هنا بضع كلمات دارت بينهما تجمدت استدراكا لما يسمى بأصول الإتيكيت، فقد وجب على من ألقيت عليه التحية وهو واقف معنا أن يتيقظ لذلك الاستدراك ويعرف عنا.
"... كاتبات فلسطينيات"
نظرة مبهمة لا وصف محدد لها ثم عبارة.." كاتبات محجبات.. المحجبات لا يخرج منهن شيء، بعد ثلاث وثلاثين سنة أقول أن المحجبات لا يخرج منهن شيء".
ولأنه هو كما يقال غني عن التعريف، فقد أشفقتني مبدئيا الثلاث والثلاثين سنة والحجاب أيضا. وليس لآني محجبة على الإطلاق احمرت بشكل أو بآخر غريزتي العدائية والدفاعية وتمزيق ردة فعله عند التعريف بنا. من باب اقتناعي المنطقي أن النص هو من يفرض ذاته لا الحجاب ولا الشخص بديكوره. ومع ذلك أو الغريب في هذا أن جملته تلك لم ترضى النوم بهدوء تام في رأسي المشاكس، بل ظلت تتصادم بقوة حتى ارتأيت امتشاقها من رأسي وتعليقها على حائط النظريات الافتراضية، فإما أنها كائنة بالفعل كما زعمت الثلاث والثلاثين سنه خاصته، أو أنها ليست ولن تكون.
وبشكل يشابه المنهجية البحثية وقريب من الموضوعية والتجريد بعيدة عن الشخصانية بالتأكيد، حاولت تعرية ما يصيبه الحجاب من ثقافة وفكر استنادا لمقولته " المحجبات لا يخرج منهن شيء". ولكن قبل ذلك كان علي أن أبدأ من الصفر أي ما هو الحجاب أصلا. الحجاب لغويا هو الساتر، أي ستر الشيء وستره ( لسان العرب- معجم الوسيط) وقد عرف في الديانات السماوية الثلاث مصطلح الحجاب وإلزامية غياب جسد المرأة عن التبرج والظهور أمام غير محارمها، وبهذا أكسبها هالة مقدسة مخفية حتى لا تحدثنا أنفسنا بفاحشة وتضمن الأخلاق الفاضلة والتوازن في المجتمع. إضافة أن تاريخ الحجاب قديم وقد عرفته الشعوب حوالي 200 عام قبل الميلاد ولم يختص به الإسلام فقط كظاهرة. وإن كان حضور مفهوم الحجاب ديني أو وجد لظروف ما، لا يعني أنه قصد منه " الحجاب العقل"، فالتصاقه بالرأس وتغطيته لمفاتن المرأة لم يثبت على الأقل علميا أنه غطاء ضار كأن يضغط على خلايا الدماغ ويخنق مسامات الهواء التي تبعث للفكر الحياة أو يحد من خيالها وأفقها، بل حسب ما أثبتته بعض الدراسات العلمية التي بدت كثيفة تحتاج لمقال ثان أن الحجاب مهم للرأس، فقد وضحت على سبيل المثال الاختبارات الطبية أن 40-60% من حرارة الجسم تفقد من خلال الرأس وبهذا فالمرأة المحجبة هي الأقل عرضة لفقدان الحرارة من جسمها في فترات البرد بنسبة تتراوح خمسون بالمائة مقارنة بالتي لا ترتدي، إضافة أن المرأة المتزينة تؤثر على ذاكرة الرجل قصيرة المدى حيث تجعله في تلك اللحظة غير مؤهل لاتخاذ أية قرار جاد. جميع الدراسات باختلافها وتنوعها والمجال الذي تصب فيه أكان اجتماعيا أو صحيا وغير ذلك أكدت على أهمية الحجاب. وبهذا لم يتبين لي للآن أن الحجاب يتسم بخاصية الضرر الجسيم وبهذا ضمنت أن العقل بخير تأكيدا لمقولة العقل السليم في الجسم السليم. وإن كنت أصبو في مقالتي هذه إلى كشف العلاقة الثنائية بين الفكر بعمومه بعيدا عن احتكاره الفكر الإسلامي والحجاب، بقصد مني الركض حيث قدرة الحجاب الأصلية للطيران، سيكون علي أن أغدو نحو عالم الثقافة والكاتبات بالأخص المحجبات منهن، وليس من باب المبالغة حتى أصل خفية لتأكيد مراوغ ولكن لم يكن من السهل فعليا انتقاء الكاتبات أكان من الحيز الفلسطيني أم العربي، فالكل له الحرية في التعبير عن سرائر النفس وهواجسها أو الحديث عن القضايا الشاغلة ببساطتها وعقدها، ومع ذلك لمعت بعض الأسماء لعيني كهلا الشروف وهي شاعرة فلسطينية محجبة مواليد عام 1978 حاصلة على جائزة القطان للشعر عام 2004، وأحلام بشارات قاصة فلسطينية مواليد عام 1975 حائزة على عدة جوائز أدبية في مجال القصة، والتي لم يحد حجابها من جعلها تغور بأفق يانع ومحبة بعمق الحياة وتسرد لنا حكاياتها الجميلة وفي الآونة الأخيرة تم امتشاق كتابها " إسمي الحركي: فراشة " والذي لن أصدح في تفاصيله، بقدر ما يساورني حوله سؤال وهو من سبب السبب، المحيط أم حجابها؟!!.
نائلة خليل أيضا وهي صحافية فلسطينية مواليد عام 1977، حازت على جائزتي سمير قصير لحرية الصحافة والجائزة الدولية للقصة الإخبارية "سيما عنبص..امرأة تحاول صنع السلام من ركام الدمار"، نائلة الصحافية المحجبة المترقبة لكل نشاط أو حدث ثقافي وغيره تلتقطه من عنقه وتسطحه أمامنا لترفع من حسنا الجمالي ووعينا العام. كاتبات كثيرات هنا أو في الوطن العربي أو حتى في المنفى لم يجعلهن حجابهن ذو فكر وأفق يائس ولم يسأمن من الخزعبلات التي تحدثها الثغائر الفارغة.
وقبل أن أكتفي لهنا وأوضب مقولته وأعطيها حرية التبخر من حائطي الافتراضي، علي أو علينا أن نعطي للمفاهيم والمصطلحات النار الصحيحة حتى تتلاءم ودرجة نضوجها، أن نعي لمسألة المفهوم بمحيطه وتاريخه ونشوءه وألا نكون من الأمم القائمة على الافتراضية المطلقة أو القياسية مع تطورات الغير، فنحن كمجتمع عربي لنا رائحتنا ونكهتنا الخاصة ونحن كنا الأسبق بالتلاحم الداخلي ولم نحتج عصر تنوير أو مثيله.. أفنحتاجها الآن؟!!!.