دعوة لفتح الحوار - مفهوم الآخر لدى شعوب البحر الأبيض المتوسط -



ماري تيريز كرياكي
2010 / 5 / 20

تنامي مشاعر العداء، وتأصل الصورة المغلوطة عن الآخر، وتراجع مفهوم التسامح بين سكان ضفتي البحر الأبيض المتوسط تدعونا إلى العمل على محاولة فهم الأسباب وتلمس الحلول وايجاد طرق عمل لمحاولة ردم الفجوة الحاصلة بين العالمين، وذلك لبناء مستقبل أفضل، تتعايش فيه الشعوب في سلام بعيدا عن الكراهية والتعصب.
بداية، قمت بطرح استبيان بسيط على أناس ينتمون إلى العالمين العربي والإسلامي (وهنا لا بد من الإيضاح أن ليس كل العرب مسلمون كما ليس كل المسلمون عرب) من جهة والأوروبي من جهة أخرى، ومن الجنسين، في المرحلة العمرية ما بين 25 – 50 سنة، لمعرفة رأي كل من الطرفين بالآخر. وكيف تولدت هذه القناعات وما هي طرق تغييرها حيث وجدت أنها تفتقر إلى الانفتاح ولا تعكس الواقع.
وأجد أنه لتأسيس خطاب واقعي ونقدي علينا الانتباه إلى ما يلي:
1- هناك قناعة قديمة متولدة من إرث العلاقة الكولونيالية الغربية في البلاد العربية والإسلامية، ويعتقدالعرب والمسلمون دوام تسلطها على هذه البلدان بأساليب الاستعمار الجديد والعولمة الراهنة. بالمقابل لم ينس الغرب احتلال الإسلام لأجزاء من أوروبا لمئات الأعوام خاصة العثمانيين الذين كانوا يرفعون شعار الإسلام، كذلك انتشار المظاهر الخارجية بين الجاليات العربية والإسلامية في أوروبا بدءاً من الحجاب إلى اللحى إلى الجلاليب... الخ التي يراد بها الإشارة إلى الإختلاف عن الآخر (المجتمع المضيف) والإضافة الأخيرة التفجيرات الإرهابية التي طالت العديد من العواصم الأوروبية (مدريد، لندن).
2- ما سبق يشير إلى أن سوء الفهم بين العالمين لا يعود إلى أحداث أيلول 2001 الإرهابية وإنما يعود إلى مرحلة تاريخية قديمة
3- انتهاء الحرب الباردة، وسقوط الاتحاد السوفياتي والأنظمة الاشتراكية في دول شرق أوروبا، وما نجم عنه من حاجة سادة النظام العالمي الجديد إلى وجود عدو يَحِّل محل الاتحاد السوفياتي ألا وهو الإسلام، ليقوموا بتوجيه نظر جمهورهم إلى أخطاره وليوفر لهم مسوغات لتوسيع سيطرتهم في كل مكان. يقابله تنامي شعور العالم العربي والإسلامي بكراهية لهذا الغرب الذي عليه برأيهم دفع ثمن هيمنته وتمزيقه لأوصال العالم العربي، إضافة إلى قيامه بخلق كيان غريب في وسط العالم العربي ألا وهو إسرائيل.
4- مع انعدام الثقة وعمق سوء الفهم، تتزايد وتيرة الخوف والتخويف من الإسلام في الغرب (الاسلاموفوبيا). يقوم بالمقابل العالمين العربي والإسلامي بتحميل الغرب أسباب الفشل اللاحق بهماعلى كل المستويات، ما يروج لكراهيته كل ذلك هيأ أرض خصبة للتطرف على الجانبين.
5- تأثير الحروب التي يقوم بها الغرب، على بلدان هي بمعظمها عربية وإسلامية، تحت عنوان مكافحة الإرهاب. إضافة إلى دعمه للأنظمة المكروهة من شعوبها في المنطقة العربية والإسلامية. مما يعمل أيضاً على تكريس روح العداء للغرب، وإحياء عدد من العناوين والمقولات التي تعطي الانطباع أن الغرب يشن على المسلمين بالذات حرباً صليبية جديدة.
6- الافتقار إلى التشخيص الواقعي أفرز عدداً كبيراً من المقولات المغلوطة وأبقى تأثير المفاهيم النمطية في نظرة كل طرف للآخر، فأسهم في توسيع الفجوة، وأبعد فرصة الفهم الصحيح والتفاهم، وأبقى الباب مفتوحاً لاستمرار سوء الفهم واستشراء روح العداء.

من أمثلة المفاهيم المغلوطة كما تروج في الغرب ما يلي:
أ‌- تعامل الغرب مع الشرق من منطلق مصالحه، وهذا أمر مشروع، ولكنه ليس مشروعاً إذا كان على حساب شعوب المنطقة.
ب‌- النظر إلى العالم العربي والإسلامي على أنه عالم واحد وليس عوالم تحوي قوميات وأديان ومذاهب متعددة، وأن هناك اختلافات حتى في الدولة الواحدة.
ت‌- إظهار الإسلام بما هو الموجه الوحيد لسلوك الناس في الدول العربية والإسلامية، وهذا صحيح إلى حد بعيد ولكن علينا عدم إغفال المؤثرات الأخرى غير الدينية.
ث‌- تعميم صورة للإسلام على أنه دين عنف وإرهاب وإهمال العوامل العديدة الأخرى، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، التاريخية والمعاصرة، والتي تدفع إلى تأييد الإرهاب أو ممارسته بطرق متعددة.
ج‌- تعميم الانطباع بأن الإسلام عدو للسامية، وإغفال أن العرب أنفسهم ساميون وأنهم كانوا ضحايا نظرات عنصرية نشأت في الغرب. ويجب أن لا ننكر أن هناك عنصرية في الغرب والشرق الإسلامي وإن كان كل منهما ينطلق من معطيات مختلفة.

وقبل عرض أمثلة عن التعميمات المغلوطة، لا بد من التنويه مرة أخرى أنه ليس المسلمون فقط في العالم العربي من لديهم هذه التعميمات، وإنما ينظر من ينتمون إلى الأديان والطوائف الأخرى والعلمانيين واللادينيين في المنطقة نظرة سلبية للغرب وممارساته في المنطقة. ونذكر من التعميمات التي لدى العرب والمسلمون، على سبيل المثال لا الحصر:
أ‌- الاعتقاد الغالب أن الغربيون مجردون من الأخلاق. قساة على الآخر وغير منصفين بل منحازون ضد العرب والمسلمين (اسرائيل مثلا).
ب‌- تصور الغربيون على أنهم مسيحيون إلاّ أن كتبهم المقدسة جرى تحريفها.
ت‌- تعميم الحكم بأن الغربيون عموماً مستغلون يفرضون سطوتهم على العالم الثالث بالقوة وينهبون ثرواته نهباً.
ث‌- اعتبار الغربيين جميعهم رأسماليين جشعين ويشكون حتى بدعوات بعضهم إلى الاشتراكية وحقوق الإنسان، واحتساب هذه الدعوات في سياق التضليل. واعتبارهم بمجملهم جزء من المنظومة الرأسمالية حتى من اعتبر نظامه أنه يمثل الاشتراكية أو مرحلة ما بعد الاشتراكية – النمسا مثالا -.
ج‌- النظر إلى العالم الغربي على أنه عالم واحد وليس عوالم.

النظرة إلى المرأة من الجانبين وعلى الجانبين تتأثر بهذا الذي ذكرناه وتؤثر فيه، فلا يجوز توصيف وضعها دون أخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار الشديد.
هنا، نتوقف عند ما ينطوي عليه التعميم من أخطاء:
- ففي الغرب، تسود القناعة بأن شرف المرأة في مفهوم العربي أو المسلم مرتبط بحفاظها على عذريتها الجنسية. هذه النظرة وإن انطوت على ما هو صحيح قد أغفلت العوامل التاريخية والاجتماعية والاقتصادية التي تحدد النظرة للمرأة وترسم مكانتها، وهي عوامل تفعل فعلها في كل شعب ويتطور تأثرها في سياق الكفاح الطويل والمستمر والمتشابك ضد من عارضوا في كل مكان مساواة المرأة بالرجل. كما أن هذه النظرة التعميمية تغفل ما أنجزه كفاح التقدميين من مكاسب على طريق المساواة.
- وفي البلاد العربية والإسلامية، يسود تعميم من نوع آخر: الغرب لا يهتم بشرف المرأة (بالمفهوم الذي ذكرناه سابقا). وهذه نظرة تغفل الفهم الصحيح لشرف المرأة ولمفهوم الشرف النسبي ومدلولاته لدى المجتمعات الغربية الملازمة لحقوق الإنسان.
الحاجة، إذاً، ماسة لتوفير رؤية واقعية لوضع المرأة، وفهم إن تعدد العوامل المؤثرة في وضع المرأة يؤدي إلى تعدد النتائج. وهذه الحاجة ماسة للفهم المتبادل ولبناء الثقة بالنسبة للجانبين كليهما، وليس لجانب واحد فقط.
هنا، تجدر الإشارة إلى أننا نرى خطورة ما تم تجاهله بنسب متفاوتة. فالصورة التي يجري تعميمها عن المرأة العربية أو المسلمة ورسمها في أذهان الغربيين ليست صحيحة غالباً، وهذا بالقطع لا يؤدي إلى فهم قضاياها على الوجه الصحيح. فالعمل في المجتمعات العربية والإسلامية، كما في المجتمعات الأخرى، جار ومستمر منذ زمن طويل، من أجل تطوير وضع المرأة وتوسيع دورها وتحسين مكانتها، ينجح ويخفق، ولكنه لا يتوقف. ونتائج هذا العمل مرتبطة بثلاثة أمور:
1- جهود القوى الرجعية السياسية والدينية التي تصر على إبقاء المرأة رهينة المفاهيم المتخلفة ومنعها من الظفر بالمساواة مع الرجل في الحقوق والواجبات، يقابل هذا جهود التقدميين، إناثاً وذكوراً، في سعيهم لعصرنة المجتمع كله ورفض الوصاية على المرأة من أي طرف كان.
2- جهود المرأة ذاتها، والحركات النسائية العديدة والمتنوعة في كل بلد إضافة إلى مؤيدي حركات تمكين المرأة وتعزيز التوجه نحو المساواة.
3- غياب القرار السياسي في العمل على تعديل الدساتير والقوانين التي تعوق تحقيق المساواة وحصول المرأة على حقوقها.

نستنتج مما سبق طرحه أن هناك عوامل عدة ساهمت وما زالت في تعميق الهوة بين العالمين:
1- نقص شديد بالمعلومات التي تساعد على معرفة الآخر، إذ أن صورة العربي في ذهن الغربي مازالت واقفة عند صورة الغازي الذي يريد أن يفرض شريعته بحد السيف، عنيف، غير رحيم. أما صورة الغربي عند العربي فما زالت مرادفة لصورة المحتل والمستغل الذي يريد نهب ثروات البلاد. كذلك توقفت صورة المرأة العربية والمسلمة عند المرأة المسلوبة الإرادة والمضطهدة والمرغمة على وضع الحواجز بينها وبين العالم الخارجي، عبر الحجاب مثلا الذي يراه الغربي رمزاً مرادفاً للقهر والعبودية، متناسين أن المظاهر الخارجية ما هي إلا نتيجة وليست الأساس مقارنة لما تتعرض له المرأة من تحديات على كل الأصعدة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية الخ.
2- غياب الحوار، رغم وجود بعض المحاولات الخجولة التي يقوم بها الاتحاد الأوروبي. وإن حصل الحوار يبق حكراً على القيادات بعيداً كل البعد عن القاعدة الشعبية وممثليها من منظمات المجتمع المدني مثلاً.
3- الخوف من ضغوط الرافضين لمناقشة قضايا المرأة مما يؤدي إلى عدم طرح القضايا الخلافية ومناقشتها بصراحة كاملة، أو التحسس من التحدث بها. ومن القضايا الخلافية في العالم العربي، كما يراه الغرب، التركيز على قضية مساواة المرأة، وتسليط الضوء على النقاط السلبية التي تعوق تمكين المرأة بالاستناد إلى النص الموروث والشريعة، وذلك دون إغفال الترابط بين ما هو مطلوب على صعيد المرأة وعلى الصعد الأخرى المتصلة بالمجتمع كله. ومن القضايا الخلافية في العالم الغربي، كما يرى العرب، هو التركيز على التعامل مع المرأة وجسدها كسلعة مما يتنافى مع ما يدعيه الغرب من احترامه للمرأة ولكيانها. والأهم مساحة الحرية التي تتمتع بها المرأة وعلى رأسها الحرية الجسدية/الجنسية والتي يصنفها العرب ضمن مفهوم الإباحية.

معظم من تناولهم الاستبيان حصلوا على معلوماتهم من:
1- وسائل الإعلام:
فالإعلام العربي يركز بنسبة 90 بالمائة على المواضيع التي تتناول قضايا التجميل والأزياء والمطبخ، والتركيز على أخبار السيدات الأُوَل، مع الإشارة بشكل سطحي على شرائح معينة كالمرأة العاملة والمثقفة والشابة، هذا بالنسبة للمرأة العربية.
أما المرأة الأوروبية فهي مهمشة في وسائل الإعلام العربي، وإن جرى تناولها فيتم التركيز على أنها جسم غريب في نسيج المجتمع العربي وهي تريد العمل على تدمير الأسر العربية، مثال: المسلسل المصري "لن أعيش في جلباب أبي"، مع التركيز أيضا على أخبار أهل الفن في ميادين الموسيقى والغناء وتصميم الأزياء.
أما الإعلام الغربي فالتركيز فيه دائما على المرأة المهمشة في العالمين العربي والإسلامي ونادرا ما يقدم مثالا آخر، إضافة إلى بقايا صور عن الحرملك. أما تناوله لأوضاع المرأة الأوروبية فهو يتراوح من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ويعاب عليه قضية تسليع المرأة.
2- السينما الأمريكية والأوروبية:
تعمل على تعزيز الصورة السلبية للمرأة الغربية في ذهنية العربي، ومعظم القناعات المتولدة لديه عنها. وكذلك تركز السينما الأمريكية والأوروبية على صورة العرب والمسلمين المتخلفة والساذجة ومؤخرا العنيفة. أما السينما العربية فلا وجود لها في المجتمعات الغربية، لكن لا بد من الإشارة إلى بعض المحاولات الفردية التي لا تترك بصمات على رؤية الغربي للعرب. وكذلك هناك تهميش للغربي في السينما العربية، وقد يظهر في بعض الأفلام مكرسا الصورة النمطية التي يعرفها العربي.
3- الأدب والترجمات:
في العالم العربي: يكفينا أن نعود إلى تقرير التنمية البشرية للعام 2005 الصادر عن الأمم المتحدة لنعلم أن اسبانيا ترجمت من الكتب في عام واحد ما يعادل ما ترجمه العرب إلى لغتهم خلال المائة عام الأخيرة.
في العالم الأوروبي: هناك ترجمات للأدب المكتوب من قبل العرب الذي ينسجم مع المفاهيم الغربية في الاجتماع والسياسة مما يؤدي إلى وجود انتقائية وازدواجية في المعايير بحسب رأي العرب. إضافة إلى أننا في عالمنا العربي نعاني من مشكلة حقيقية نتيجة لارتفاع معدلات الأمية، وأيضاً المشكلة الأكبر هي في الوصول إلى إنتاج معرفي جيد يلائم ما توصل إليه الغرب من تطور في المعرفة والأدوات.
4- المناهج المدرسية:
رغم اتخاذ منظمات عربية وعالمية التوصيات للعمل على تنقية المناهج المدرسية العربية والأوروبية من التعاليم المسيئة للآخر أو من التعاليم التي تتجاهله، إلا أن هذه المحاولات مازالت متواضعة في العالم العربي مقارنة لما تحقق في العالم الغربي، فمثلاً يتعرف التلاميذ والطلبة في أغلب المناهج الغربية على أساسيات الأديان الأخرى، سماوية وغير سماوية، وأركانها بينما لا يقارب هذا الموضوع على الإطلاق في العالم العربي بل ويجري الحض على رفض الأديان الأخرى ومهاجمتها ومهاجمة معتنقيها على اعتبار أن الإسلام هو الدين الحقيقي الوحيد في العالم. من هنا تنشأ الغربة بين أبناء الوطن الواحد أولاً وبين العالمين العربي والغربي ثانياً.
أما بالنسبة للمرأة فالوضع أكثر تعقيداً في العالم العربي منه في العالم الغربي، والتغريب يبدأ من مقاعد الدراسة التي تفصل ما بين الجنسين وينحصر وجود المرأة في المناهج الدراسية العربية على تقديم منجزات المرأة في حالات استثنائية كالبطولات والانتصارات (جميلة بوحريد). ولكن الإيمان بقضية تمكين المرأة جعلنا نرى في العديد من البلدان العربية تفوق النساء على الرجال علمياً بسبب إقبالهن على العلم. والمقارنة لا تجوز بين وضع النساء في العالم العربي والإسلامي ووضعها في العالم الغربي نظرا لما حققته المرأة الغربية من مكاسب قانونية واجتماعية في مجتمعها الديمقراطي.
5- الثقافة:
للثقافة أيضاً جوانب سلبية، اجتماعية ودينية، مثل ختان الإناث، الإرث، الزواج المعد، والعنف بأشكاله اللفظي والمعنوي والجسدي، وإلزامها بعادات وتقاليد على صعيد الشكل والمضمون.
6- أداء الجاليات العربية والإسلامية:

كان أداء الجاليات العربية والإسلامية متدن، إذ بدل الانفتاح على المجتمع الجديد عمد أبناء هذه الجاليات إلى:
أ‌- خلق مجتمعات مغلقة ومنعزلة تدور في فلك الدين، وإنشاء مجتمعات موازية للمجتمع الجديد.
ب‌- الإصرار على التمييز عن باقي أفراد المجتمع الجديد، بدءاً من الشكل الخارجي وانتهاء بالمضمون.
ت‌- الازدواجية في المعايير تجاه المجتمع الجديد، فهذه الجاليات تبدي إعجابها بمجتمعها الجديد وفي ذات الوقت تكن له الكراهية لإحساسها بتفوقه.
ث‌- تصاعد العنف الممارس ضد المرأة في مجتمعها الجديد، من قبل الجاليات ذاتها التي جاءت أصلا من مجتمعات تعاني من كل أنواع العنف بحيث تحول العنف لدى البعض من أفرادها إلى منهجية في طرق تفكيرها، تكَّون خطابهم الثقافي في ظروف قامت على أساس قيم العنف والاستبداد.
ج‌- بعد أحداث أيلول الإرهابية في أمريكا يمكننا إضافة ما يلي: إن المهاجرين غير المنتمين للأغلبية السنية المهاجرة أواخر القرن العشرين بداية القرن الواحد والعشرين من الأديان والطوائف الأخرى إضافة إلى العلمانيين واللادينيين من العالمين العربي والإسلامي تعرضوا إلى التهميش والضغط من قبل الأغلبية في مجتمعاتهم الجديدة، ليصبحوا بذلك الأقلية ضمن الأقلية، وهم مطالبون من الأغلبية بإثبات ولائهم بالإنصياع والسكوت عن الضغوط والممارسات التي تنتهك كرامتهم ليعود بهم الحال إلى ما كان عليه في بلدانهم الأصلية.

الخطوات التي تمت لردم الهوة ما بين هذه العوالم:
- في الغرب: قيام تيار استشراقي يحاول تغيير الصورة النمطية للعرب والمسلمين في المجتمعات الغربية، ويهتم بكافة نواح حياة الناس الموجودة على الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط وليس فقط بواقعها السياسي. مثال: السيدة أنا ماريا شيمل (ألمانيا) والسيدة باولا كاريدي (إيطاليا).
- في الشرق: تتواجد بعض المحاولات الفردية كالتي قام بها إدوارد سعيد إلا أن النظم المتخلفة تلعب دوراً معقياً في المجتمعات العربية والإسلامية ولا تسمح لمنظمات المجتمع المدني ولا حتى للإحزاب تناول أي طرح ثقافي تقدمي جديد تجاه الآخر يستند إلى القيم الإنسانية والتسامح والتي لا يساهم العنف في تشكيلها، لكي نؤسس بدائل أخرى لإنسان هذه المجتمعات لفض الخلافات والمنازعات. ويمكننا القول أن العرب والمسلمين لم يكونوا للمرة الثانية على مستوى الحدث.

وفي محاولة منا لاستشراف الحلول للعمل على ترسيخ قبول واحترام الآخر وعدم إقصائه نرى أن علينا (على سبيل المثال أيضاً لا الحصر):
1) تفعيل الحوار كأساس لأي عمل مستقبلي على أساس التكافؤ والمساواة،
2) إنشاء مراكز استشراق في الغرب واستغراب في الشرق إن صح التعبير،
3) إنشاء مراكز تهدف إلى مراجعة القوانين وملحقاتها التي تكرس التمييز على أساس عرقي أو ديني أو قومي،
4) تعزيز عمل المؤسسات الموجودة لمراجعة المناهج التعليمية بحيث يتم تنقيتها من كل ما يسيء إلى الآخر أو يقصيه،
5) تفعيل منظمات المجتمع المدني وتشجيعها على المساهمة في عملية تعميق الحوار والتعريف بالآخر،
6) نشر مفهوم التعددية عبر وسائل الإعلام والتعليم الخ،
7) إنشاء منابر للحوار ودعوة المثقفين للمساهمة في التعريف بالآخر وكذلك في استشراف الحلول للتقريب ما بين العالمين.

المرأة السورية مثالاً:
يقرُّ الدستور في سوريا مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص بين المرأة والرجل :
المادة 3 :
المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات
المادة 25 :
1- الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم .
2- سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة
3- المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات .
4- تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين .
المادة 44 :
1- الأسرة هي خلية المجتمع الأساسية وتحميها الدولة
2- تحمي الدولة الزواج وتشجع عليه وتعمل على إزالة العقبات المادية والاجتماعية وتحمي الأمومة والطفولة وترعى النشا والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم .
المادة 45 :
تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع العربي الاشتراكي .
وأقرَّ القانون المدني أهلية المرأة القانونية بإتمامها سن 18، ويحق لها بالتالي إبرام العقود وحيازة الممتلكات والتصرف بها ومزاولة الأعمال التجارية. كما أصبحت شهادتها في المحاكم المدنية تعادل شهادة الرجل، إضافة إلى حصولها على اسم ولقب مستقل عن لقب زوجها حفاظا على استقلاليتها وأيضا على استقلالية ذمتها المالية عن ذمة زوجها المالية.
- حق تقلد المناصب العليا ومباشرة الوظائف العامة.
- حق الاقتراع والانتخاب والترشيح إلى الهيئات النيابية والمنتخبة.
- حق التعليم بما في ذلك الالتحاق بالمؤسسات التعليمية بجميع أنواعها ومستوياتها.
- حق الأجر المتساوي في العمل المتساوي.
- رفع سن الحضانة الى 13 سنة للذكر و15 سنة للانثى،
- حق المرأة العاملة في التعويض العائلي في حال عدم حصول الزوج عليه،
- زيادة مدة فترة إجازة الأمومة عام 1984 الى /75/يوماً.
- حق المرأة العاملة في توريث راتبها التقاعدي لورثتها الشرعيين أسوة بالرجل.
حصلت المرأة السورية على حق الانتخاب في عام 1948م ، ثم حصلت على حق الترشيح في عام 1953م، عينت أول امرأة في مجلس النواب 1958م، ويوجد لدينا حاليا 30 امرأة في مجلس النواب أي بنسبة 12%.
عملت المرأة في سوريا في مجال القضاء منذ الستينات وهناك اليوم أكثر من 100 قاضية والمئات من المساعدات العدليات، والمئات من المحاميات.
نسبة النساء المتعلمات 73%.
نسبة النساء العاملات 20%.
نسبة النساء المزارعات بين النساء الريفيات 90%.

المعوقات في طريق تحسين وضع المرأة السورية:
التناقض الحاد بين دستور الدولة السورية وقوانين الأحوال الشخصية والعقوبات والجنسية التي ما زالت تستند إلى أحكام القوانين العثمانية المستمدة من قوانين الشريعة الإسلامية من جهة أخرى، علماً بأن سوريا اعتمدت الشريعة الإسلامية كأحد المصادر في قوانين الأحوال الشخصية، وتعتمد تحديدا المذهب الحنفي مع الأخذ في بعض الأحيان برأي المذاهب الأخرى.
ففي حين تقبل شهادة المرأة في القانون المدني كشهادة كاملة، يلزم الحصول على شهادة امرأتين لتكون مساوية لشهادة رجل واحد في قانون الأحوال الشخصية. (فالدستور الذي يبيح للمرأة أن تكون قاضيةً تصدر قراراتٍ وأحكاماً، ويمكنها أن تستدعي شهوداً لتسمع أقوالهم، لكنها في الوقت ذاته لا تأتمن على شهادتها).
والمرأة تعامل كمواطن كامل الحقوق والواجبات في القانون المدني ، وتبقى مخلوقا ناقص الأهلية ، في بعض مواد قانون الأحوال الشخصية ، التي تفرض عليها الولاية ، وتحرمها من الوصاية على أولادها ، حتى لو كانت هي وحدها المتكفلة برعايتهم وتنشئتهم، بل إن القاضية ولية من لا ولي له بحكم القانون لكنها ليست ولية على نفسها وأولادها، وزوج الوزيرة يحق له نظريا منعها من السفر إذا رغب في ذلك، وهذا دليل آخر على أن قانون الأحوال الشخصية يحمل تمييزا واضحا ضد المرأة ناهيك عن قوانين الزواج والطلاق والإرث والحق في العمل والتعليم ومنح الجنسية لأولادها.
أما قانون العقوبات، ففيه الكثير من القوانين المجحفة بحق المرأة كالعقوبات المخففة في جرائم الشرف (المادة 548) وإسقاط العقوبة عن المغتصب في حال زواجه من المغتصبة (المادة 508)، وغيرها من القوانين.
الأمية بأشكالها اللغوية والقانونية والسياسية. إذ أنه بالرغم من المستوى التعليمي العالي للجامعيات مثلا فهن لا يعرفن حقوقهن القانونية على سبيل المثال.
تطابق قرارات مؤسسات المجتمع مع القرار السياسي، وتبني هذه المؤسسات للقوانين التي تضعها الحكومة، وعدم تشكيلها أي ضغط عليها باتجاه إعادة صياغة القوانين التي يجب أن تراعي احتياجات المرأة وتخدم مصالحها. مما أدى إلى فشل معظم خدماتها. ومن الأمثلة على ذلك الاتحاد النسائي السوري الذي تأسس في العام 1976 واضعا محو الأمية هدفاً أولاً، إلا أنه فشل حتى يومنا هذا وبعد مرور 34 عاماً في القضاء على الأمية. في حين نرى دولا ككوريا الجنوبية نجحت بمحو الأمية باللغة الانكليزية خلال عام واحد.

ثقافيا واجتماعيا:
هناك تكريس لأنماط ثقافية للتمييز ضد المرأة من قبل النخب السياسية وانحيازها للقيم الذكورية، وذلك بتعزيز نمط من أنماط الثقافة الشعبية التي تركز على دونية المرأة، والعمل على تحجيم دورها والعودة بها مجددا إلى المنزل، وكذلك لا يعترف بالمرأة إنسانة كاملة ولا بدورها الفعال في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية هذا من جانب، وعلى الجانب الآخر المرأة ذاتها تعزز ذلك النمط من التفكير بما تحمل في داخلها من تراث وقناعات وشعور بالضعف، وعدم الثقة بنفسها، وعدم مبادرتها الحقيقية في الدفاع عن حريتها وحقوقها.
كذلك هناك عامل إعاقة كبير في تفعيل عمل المنظمات غير الحكومية بسبب عدم وجود قوانين خاصة بإنشائها، واقتصار الموجود منها على الأعمال الخيرية والإنسانية، مما لا يسمح بقيام حراك في المجتمع المدني. أما التي لديها قوانين جمعيات فهي مصاغة بشكل يعرقل العمل المدني ولا تسعى إلى تنميته.

اتفاقية (السيداو) الخاصة بإلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة عام 2002
تحفظت سورية على المواد التالية من الاتفاقية :
المادة 2: والتي تتضمن تجسيد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الدساتير الوطنية والتشريعات والقوانين ، وضمان الحماية القانونية لها من أي فعل تمييزي يصدر عن منظمة أو مؤسسة أو شخص ، والعمل على تبديل القوانين والأنظمة والأعراف بما يتناسب مع ذلك. .
المادة 9 ، فقرة 2 ، المتعلقة بمنح المرأة حقا مساويا للرجل في منح جنسيتها لأطفالها .
والمادة 15 فقرة 4 : التي تمنح المرأة حقا مساويا للرجل فيما يتعلق بالقانون المتصل بحركة الأشخاص وحرية اختيار محل سكناهم وإقامتهم .
ومادة 16 ، بند 1 ، فقرات ج ، د ، و ، ز ، والتي تمنح المرأة حقوقا مساوية للرجل في الزواج والطلاق والولاية والقوامة والوصاية ،كذلك الحق في اختيار اسم الأسرة ، والمهنة ، والوظيفة ، وتحديد سن أدنى للزواج ، وتسجيله إلزاميا .
كما تحفظت سورية على المادة 29 : فقرة 1 المتعلقة بتحكيم أي خلاف ينشأ بين دولتين فيما يتعلق بهذه الاتفاقية .
هذه التحفظات أفرغت الاتفاقية من محتواها.

تعاظم المدّ الديني المتعصب في سوريا
سورية التي عرفت بالتعايش والتسامح بدأت تنحو منحى مقلقا، فهذا البلد الذي عرف عبر التاريخ باحتضانه للمستضعفين في العالم العربي وغيره بدأ يتجه نحو التطرف.
ولكن ذلك لم يأت من العدم، فقد سبقه العديد من الإجراءات التي ساهمت بظهور هذا المد الديني المتعصب، وذلك بمباركة الدولة وتشجيعها، منها:
- السماح بفتح مدارس طائفية ، حيث تدرس فيها مناهج تقصي الآخر، الشريك في الوطن، وتحرض على كراهيته، وتكرس ثقافة الواحد، وتفرض الحجاب على الأطفال وكذلك تحرم الاختلاط ببقية أبناء الطوائف، الخ.
- تراجع دور الدولة لصالح المؤسسة الدينية، وهنا تكمن الخطورة إذ يتحول ولاء هذا المواطن إلى المؤسسة الدينية والطائفة وليس إلى الدولة التي ينتمي إليها.
- محاولات متعددة لفرض قانون أحوال شخصية على السوريات والسوريين تفوح منها رائحة النفوذ الديني، ولولا رفض منظمات المجتمع المدني "غير المرخصة من قبل الدولة" لمرر هذا القانون.
- التشديد على رقابة الفكر والكتب وإغلاق المنابر الحرة العلمانية والتقدمية حقيقة قائمة بحيث لم يبق متنفس لهذا المواطن سوى المنبر الديني.
- السماح لبعض من هذه الجماعات بالمناداة بقيام أمة اسلامية ترفض كل ما عداها وتعاديه، وتدعو بعودة المرأة إلى المنزل وإلى التراجع عن كل المكتسبات التي ناضلت من أجلها " جماعة الشيخ عبد الهادي الباني" مثالا .
- إلغاء انعقاد مؤتمر العلمانية في المشرق في دورته الثانية بدمشق بعد اعتذار رئاسة جامعة دمشق من استضافته بحجة عطل تقني في أجهزة الصوت.
ما سبق يدعونا إلى مضاعفة الجهود لنعيد نشر ثقافة قبول الآخر بكل الوسائل المتاحة ابتداء من المنزل إلى المدرسة والجامعة إلى مراكز العمل على أساس من المساواة بين الجميع أمام القانون والدستور وعلى أساس المواطنة التي لا تسمح بالتمييز ، وفتح المراكز التي عليها أن تعيد بناء شخصية الإنسان السوري الذي لطالم عرف بانفتاحه على الآخر واحترامه له.
كذلك يحتاج إلى قرار سياسي في بدء اتخاذ هذه الإجراءات. والأمر الأهم هو البدء بإعادة إحياء مؤسسات المجتمع المدني والمنابر الحرة التي هي في معظم بلدان العالم المساعد الرئيسي للدولة والمواطن وهي التي تنقل نبض الشارع وآماله لمؤسسات الدولة.


أدناه بعض نتائج الأسئلة التي طرحت في الاستبيان على ما يقارب الـ 600 شخصاً

- رأي العرب بالنساء الأوروبيات

- 97% سهل إقامة العلاقة الجنسية معهن، أنانيات، غير مخلصات في علاقتهن الزوجية
- 3% مخلصات
- 100% متعلمات

رأي العرب بالرجال الأوروبيون
- 75% لا قيمة لشرف المرأة لديهم (الشرف بالمفهوم الشرقي).
- 12% أقوياء وشجعان
- 13% مستغلون

من أين حصلوا على انطباعهم
- 79% من الصحافة
- 1% علاقة شخصية
- 0% من المناهج التعليمية
- 1% عن زملاء العمل
- 19% عن طريق السياحة

رأي الأوروبيون بالنساء العربيات
- 73% مسحوقات، مسلوبات الإرادة
- 24% يملكن قرارهن
- 3% ليس لديهم أحكام مسبقة

رأي الأوروبيون بالرجال العرب
- 81% عنيفون وقساة
- 10% كسالى
- 9% ليس لديهم أحكام مسبقة

من أين حصلوا على انطباعهم
- 64% الصحافة
- 1% معرفة شخصية
- 3% عن طريق المناهج التعليمية
- 3% عن طريق زملاء العمل
- 29% عن طريق السياحة

تعريف شرف المرأة لدى العرب
- 67% مرتبط بجزء معين من جسد المرأة (الغفة الجنسية)
- 33% مرتبط بالتعاليم الدينية

تعريف الشرف لدى الغربيين
- 88% مرتبط بمفاهيم حقوق الإنسان
- 12% يعتقدون أن هذا المفهوم نسبي ولا يجب تناوله بسطحية.

الأشخاص الذين تناولهم الاستبيان:
300 شخص عربي (معظمهم من المصريين)
300 شخص غربي (27% منهم نمساويون والباقي من جنسيات أوروبية متعددة)

* سكان الدول الاسكندينافية هم الوحيدون من بين الجنسيات الذين ليس لديهم أي حكم مسبق والتسامح لديهم حقيقة مطلقة.