تصحيح الخطاب الديني للمرأة وعن المرأة



وضحى بنت سيف الجهوري
2010 / 6 / 5

ما أكثر المحاضرات هذه الأيام !!
وما أكثر المحاضرين ..
أيضا هذه الأيام !!
بعض الصويحبات والصديقات يذهبن بشكل مستمر للمحاضرات الدينية ، فما أن أسأل عن إحداهن لدى ابنها أو أختها إلا وجاء الرد أنها في محاضرة ، وحتى في القرى كثرت المحاضرات ، ورواد المحاضرات محددين بنفس الوجوه ، فلا تجد من الشخصيات الغير مهتمة كثيرا بحضور جلسات التفقه بالدين اهتماما لمجرد الإطلاع والتعرف عن كثب ..
شخصيا لم تتح لي فرص الانخراط في محاضرات من أي نوع لا دينية ولا ثقافية ولا فنية _ عدا الدراسية الملزمة بها - رغم أني أضع شأن المحاضرات في أولوية اهتماماتي المستقبلية ، فعدم حضوري واهتمامي بالمحاضرات لا يأتي بسبب رفضي لها وإنما لانشغالي باهتماماتي الأخرى ، بيد أني جالست بعض المهتمات بمتابعة وحضور محاضرات دينية ، ولا غبار في أهمية طلب العلم من أصحابه وعقد هذه الجلسات والمحاضرات لتفقيه الناس في أمور الدين خاصة النساء مربيات الأجيال ، ولكن الأهمية تكمن في نوع المحاضر الذي يلقي المحاضرة ، مستواه التعليمي والثقافي والخبرة والأهم بالنسبة إلي ( توجهه الفكري ) .
بالتأكيد هناك مبررات تدفع هؤلاء إلى إلقاء تلك المحاضرات ، ودافع تنوير الناس لأمور دينهم دافع نبيل ، وكثيرا ما تكون المحاضرات الموجهة للمرأة أي كل حضورها من النساء لها طابع خاص ، حيث التركيز على شؤون المرأة المسلمة حقوقها وواجباتها ، وأساسا يتم التركيز على الواجبات الأسرية والمنزلية ، أما حقوق المرأة التي يجب أن تعيها فلا يتم التطرق إليها ، ولو كانت المسألة مسألة بيان واجباتهن كما جاء في الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح لكان الأمر مقبولا ، ولكن ما يحدث هو أنه يتم توجيه النصح والإرشاد لهن من خلال مرويات ضعيفة خاصة ما يتعلق بعلاقة المرأة بزوجها.
ولهذا الترويج لمرويات ليست صحيحة تأثيرا سلبيا فلو نظرنا إلى أثرها نجدها قد عمَّقت الفجوة بين المرأة وزوجها، وجعلت الزوج يمارس العنف ضدها، مما فاقم من حدة العنف ضد المرأة في مجتمعنا وهذه حقيقة يوردها الكثير من القضاة ورجال القانون الذين يؤكدون زيادة أعداد المتعرضات للعنف داخل نطاق الزوجية بشكل ملفت خلال السنوات الماضية ، وللأسف يمارس هذا العنف والظلم والإذلال باسم الإسلام ، معللين حقهم في ضرب الزوجة ، وبالتالي أسيء إلى الإسلام ، واتهم أنَّه دين عنف ، ويُحرِّض على العنف ، والإسلام برئ ممَّا نُسب إليه.
لا أنكر أن هناك العديد من مسببات زيادة العنف ضد المرأة ولكن - وفي السياق نفسه – لا أنكر أن بث وترويج أفكار تكرس صورة المرأة المستعبدة والتي يجب أن تعامل من قبل الزوج بدونية ، وأن تضرب بمناسبة ودون مناسبة ، وتكرار عقد محاضرات تشيع وتوجه للمرأة التي لا قرار ولا خيار لها سوى التبعية للزوج حتى تحظى برضى ربها حتى ولو كان على حساب عدة اعتبارات ما هو سوى برمجة مخطط لها لإعادة المرأة لعصور الإذلال والتحقير يقوم بها بعض الرجال باسم الإسلام إما رفضا لما تحقق من تقدم على صعيد قضايا المرأة ، وإما لجهل وعدم دراية .. وكليهما بلا نفع ، فمهما كثرة المبررات فهي في النهاية تعطي نفس النتيجة .. نساء ذليلات .
أذكر في إحدى الجلسات قامت إحدى الأخوات بتقديم النصح للحاضرات حول أهمية طاعة الزوج مهما كانت النتيجة ، مستدلة بأحد الأحاديث التي ذكرها المحاضر ، وهي تتحدث عن قصة الرسول عندما أسري به وما رآه من نساء يتعرضن للعذاب الشديد بسبب عدم طاعة الزوج ، واكتشفت لاحقا أن هذا الحديث منتشرا كثيرا في أوساط النساء خاصة من يتجهن إلى المحاضرات ، مما دفعني للبحث عن مدى صحته ، فاطلعت على ما جاء في البيان الصادر عن مركز الفتوى بالشبكة الإسلامية بإشراف د.عبدالله الفقيه ، وجاء نص الفتوة بذكر الحديث ومبررات عدم صحته كالتالي :
( هذا الحديث غير صحيح : عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: دخلت أنا و فاطمة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوجدته يبكي بكاء شديدا فقلت: فداك أبي و أمي يا رسول الله ما الذي أبكاك فقال صلى الله عليه وآله وسلم يا علي: ليلة اسري بي إلى السماء رأيت نساء من أمتي في عذاب شديد اذكر شأنهن لما رأيت من شدة عذابهن رأيت امرأة معلقة بشعرها يغلي دماغ رأسها ، ورأيت امرأة معلقة بلسانها و الحميم يصب في حلقها ، و رأيت امرأة معلقة بثديها ، ورأيت امرأة تأكل لحم جسدها والنار توقد من تحتها ، ورأيت امرأة قد شد رجلاها إلى يدها ، و قد سلط عليها الحيات والعقارب ، ورأيت امرأة عمياء في تابوت من النار يخرج دماغ رأسها من فخذيها و بدنها يتقطع من الجذاع و البرص ، ورأيت امرأة معلقة برجليها في النار ، ورأيت امرأة تقطع لحم جسدها في مقدمها و موخرها بمقارض من نار ، ورأيت امرأة تحرق وجهها ويدها وهي تأكل أمعائها ، ورأيت امرأة رأسها رأس خنزير و بدنها بدن حمار و عليها ألف ألف لون من بدنها ، ورأيت امرأة على صورة الكلب و النار تدخل من دبرها و تخرج من فمها و الملائكة يضربون على رأسها و بدنها بمقاطع من النار .
فقالت فاطمة: حسبي و قرة عيني اخبرني ما كان عملهن و سيرهن حتى و ضع الله عليه هذا العذاب ؟ . فقال صلى الله عليه وسلم : يا بنيتي .. أما المعلقة بشعرها فإنها كانت لا تغطي شعرها من الرجال ، أما المعلقة بلسانها كانت تؤذي زوجها ، أما المعلقة بثديها فإنها كانت تمتنع عن فراش زوجها ، أما المعلقة برجلها فإنها كانت تخرج من بيتها بغير إذن زوجها ، أما التي تأكل لحم جسمها فإنها كانت تزين بدنها للناس ، أما التي شد رجلاها إلى يدها و سلط عليها الحيات و العقارب فإنها كانت قليلة الوضوء قذرة اللعاب و كانت لا تغتسل من الجنابة والحيض ولا تنظف ، وكانت تستهين بالصلاة ، أما العمياء والصماء و الخرساء فإنها كانت تلد من الزنا فتعلقه بعنق زوجها ، أما التي كانت تقرض لحمها بالمقارض فإنها كانت قوادة ، أما التي رأسها رأس خنزير و بدنها بدن حمار فإنها كانت نمامة كذابة ، أما التي على صورة الكلب و النار تدخل من دبرها و تخرج من فمها فإنها كانت معلية نواحه .
ثم قال صلى الله عليه وآله و سلم: و يل لامرأة أغضبت زوجها و طوبى لامرأة رضي عنها زوجها .
هذا حديث غير صحيح واحذر نقله فتكون ممن كذب على الرسول عليه الصلاة والسلام
قال الشيخ الإمام محمد بن صالح العثيمين في تعليقه على هذا الحديث : أيضا وصية كتب في عنوانها ذكرى للنساء عن الإمام علي بن ابي طالب رضي الله عنه قال دخلت أنا وفاطمة على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فوجدته يبكي بكاء شديدا فقلت فداك أبي وأمي يا رسول الله ما الذي أبكاك فقال يا علي ليلة أسري بي إلى السماء رأيت نساء من أمتي في عذاب شديد ، إلى آخر الحديث ، وهذا حديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومما جاء عن الحديث أنه ، ذكر عند الذهبي في كتاب الكبائر بدون عزو ولا سند، وقال محققه مصطفى عاشور لم نقف عليه ، وذكره كذلك ابن حجر الهيتمي في الكبائر بدون سند ، وقد أسنده صاحب كتاب عيون أخبار الرضا وهو مرجع من مراجع أهل البدع فقال : عن علي بن عبد الله الوراق عن محمد بن أبي عبد الله عن سهل بن زياد عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني عن محمد بن علي الرضا عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: دخلت أنا وفاطمة.... الخ.
وهذا السند فيه عدة مجاهيل منهم علي بن عبد الله الوراق وعبد العظيم الحسنى ).
ولم يأتي التحذير من تداوله لدى البيان الصادر عن مركز الفتوى وحسب فقد كتبت نشرات تحذيرية عن الحديث في العديد من المواقع الإلكترونية ، وقال بوضعه كذلك العديد من العلماء المعاصرين إضافة لحقيقة أنه مشكوك في صحته لكل متأمل للمفردات المريبة التي وردت فيه والتي نسبت لخير الخلق .
وأرى أن هذه إحدى المرويات التي ألصقت بالرسول صلى الله عليه وسلم ، بقصد الإمعان في إذلال المرأة وضمان بقائها تحت سطوة الرجل ، والتي كان لها تأثيرا سلبيا ، حيث تفاقم حدة العنف ضد المرأة وحتى الطفل في مجتمعاتنا العربية والإسلامية وحرمانهما الكثير من حقوقهما في الإسلام إضافة إلى الإساءة إلى الإسلام ووصفه أنَّه دين يحث على العنف والتمييز ضد المرأة ، وهو برئ من كل ذلك.
ولم يكتفي هؤلاء المروجين بهذه المروية ، بل أنهم بحثوا بحثا عن أحاديث مشكوك في صحتها ، كالمروية عن سجود الزوجة لزوجها ، ومروية عن خروج الزوجة بغير إذن زوجها ، وأخرى عن حبوط عمل الزوجة إن قالت لزوجها ما رأيت منك خيراً قط وعن دخول المرأة الجنة لرضا الزوج عنها ، وعن ضرب الزوجة ( لا يُسأل الرجل فيما ضرب امرأته) جاء أنه ضعيف في الجامع الصغير للطبراني ، وضعيف في سنن ابن ماجة .
وعن ستر الزوج للمرأة .. الخ من أحاديث ترد في كتابات العلماء كضعيفة أو مشكوك في صحتها .
( راجع ما جاء من مرويات عن واجبات الزوجة في أعمال : السيوطي في الجامع ، ومعجم الطبراني ، وسنن الترمذي ، وسنن ابن ماجة ، والديلمي ، والهيثمي في المجمع ، وتصانيف ابن الجوزي ، والمناوي في فيض القدير، وابن عدي في الكامل )
وبالنسبة لاعتماد بعض العلماء على الأحاديث الضعيفة أو المشكوك في صحتها في مصنفاتهم فلأنهم لم يجدوا في الباب حديثاً أصح منه أو كان معمولاً به عند بعض أهل العلم فاضطروا لعرضها في مصنفاتهم.
فقد قال أبو داود في رسالته لأهل مكة ( وإنَّ من الأحاديث في كتابي السنن ما ليس بمتصل ، وهو مرسل ومدلس " ويضيف " إنه يخرج الإسناد الضعيف إذا لم يوجد في الباب غيره لأنه أقوى من رأي غيره من الرجال ) ويقول الإمام أحمد في موضوع مؤلفه : ( لو أردت أن أقصد ما صح عندي لم أرو من هذا المسند إلاّ الشيء بعد الشيء ، ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث لست أخالف ما ضعف إذا لم يكن في الباب ما يدفعه ).
الحاجة ماسة لتصحيح الخطاب الديني للمرأة خاصة ونحن في زمن يلقي فيه ديننا الهجمات تلو الهجمات من قبل أعدائه ومحاولة بث السموم من خلال الترويج لمرويات تضيق الخناق على المرأة وتشعرها بالظلم فبدلا أن نكسب نساء مختلف الديانات نجدهن ينفرن ويسألن باستغراب عن مرويات وردت عن المرأة ، وفي هذا الزمن فالإسلام أكثر انفتاحا وتصل مبادئه وقيمه بسهولة عبر وسائل الاتصال المختلفة والفرص سانحة لتقديم قيم التسامح والتعاطف ومراعاة المرأة مما سيسهم في انجذابهم إليه ، بدل الترويج لصورة التابعة التي لا ينقص التعامل معها سوى أن تتحرك بالريموت كنترول بين يدي الزوج كما في فيلم ستيب فورد ويف بطولة نيكول كيدمان والتي اكتشف فيه الرجال الذين يتعاملون مع زوجاتهن المستأنسات بضغطة زر أنهم فقدوا في المقابل الشريكة في الفكر والمشاعر ورفيقة الدرب القادرة على التجاوب مع مطالب الحياة بوعي وقدرة على اتخاذ القرارات الصعبة.
للأسف الشديد من يتولى أمر تفسير القرآن والفتاوى واستنباط الأحكام الفقهية هو الرجل ومن يلقي الخطب الدينية هو الرجل ، فلم يعطي القضايا المتعلقة بالمرأة الاهتمام الذي تستحقه ، وتم اعتماد الأحاديث الضعيفة والموضوعة فيما يتعلق بالتقليل من شأن المرأة ، والتعظيم من شأن الرجل وتقديسه ، بدليل واضح وضوح الشمس وهو أنه ومن بين هذا الكم الكبير من المرويات التي أطالت الحديث والشرح في واجبات المرأة اتجاه زوجها وعن طاعة الزوج وحقوق الزوج لا نجد لها مقابلاً عن حقوق الزوجة إذ كثيرا عليها كما يرى هؤلاء أن يكون لها حقوقا أو كأنها - على ما يبدو - سقطت سهوا !!!.