الدين كعامل لترويج تقدم المرأة في جميع المراتب



راندا شوقى الحمامصى
2010 / 6 / 6

"ويقتضي هذا العصر ارتقاء النساء فيقمن بوظائفهن كلها في مدارج الحياة ويكونن مثل الرجال ويجب أن يصلن إلى درجة الرجال ويتساوين في الحقوق معهم، هذا هو أملي وهذا هو أحد تعاليم حضرة بهاء الله الأساسية." - عبدالبهاء
(من كتاب "بهاءالله والعصر الجديد"، ص 199)

يؤكد "برنامج عمل المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين" على أهمية المحافظة على الحقوق الإنسانية للمرأة كما يركّز على مبدأ المسؤولية والمساهمة المشتركة بين النساء والرجال كأساس لتحقيق المساواة والتطور والسلام. وينظم البرنامج جدول عمل للمساواة يطالب بالعمل الفوري لتأسيس عالم مسالم، متطور وعادل يقوم على مبدأ المساواة ومبني على قوة إدراك المرأة وطاقتها وإبداعها ومهاراتها، وموجه للناس من كل الأعمار ومن كافة طبقات المجتمع. لذلك فإن "برنامج العمل" هذا موجه إلى المواضيع المتعلقة بتقدم المرأة من وجهة نظر المبدأ الأخلاقي بعيداً عن الطرق والحلول العملية المحضة. إن التطبيق الفاعل لهذه الأهداف يتطلب بالضرورة التغيير في القيم والسلوك والأساليب المتبعة كما إنه يتطلب أيضاً تعديل القوى المحركة الباطنية وتغيير للهيكل الداخلي للمؤسسات والقوى المؤثرة فيها.

كانت الأديان العالمية العظيمة عادة مصدراً مهماً للبصيرة والقيم ووسائل أساسية لبناء المجتمع. إن المبادئ والقيم الروحانية التي تغرسها في الذهن لا تضع أساس تحقيق الوحدة في رؤية العالم فحسب بل تعمل أيضاً على تحفيز الأفراد والمؤسسات الاجتماعية للعمل بهذه المبادئ واستخدامها كمقياس للإجراءات العملية.

للقيم الدينية إمكانات مزدوجة: فهي إما أن ترعى التضامن البشري أو أن تقوي عملية التفرقة والتفسخ الاجتماعي. في الحقيقة، يكشف التاريخ عن سجل غير عادل حول دور الأديان في ترويج تقدم المرأة. فكانت الأديان في السنوات الأولى من تأسيسها عادة تشجع على تقدم المرأة ومشاركتها وفي أوقات أخرى كان يتم وقف النساء عملياً ويظلمن من قبل الدين خاصة عندما تسود القوى المتطرفة.

في حين أن الكثير من المعلقين يدركون أن ما يتعلق بثبات القيم الروحانية العالمية المغروسة في الذهن كان من خلال الدين، فإنهم يطرحون الرأي القائل أنه يجب إعادة النظر في استخدام هذه القيم في ضوء الاتجاه نحو العولمة وأيضاً التغير في الظروف الاجتماعية والآثار التي تركتها على المرأة. كمساهمة في هذا الحديث نقدم مثال الدين البهائي الذي له نظام من القيم التي تصون قطعياً مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في كافة مناحي الإقدامات البشرية والتي تعمل جامعاته العالمية بجد لتحرير المرأة خاصة في تلك المناطق من العالم التي يُنكر فيها حق المرأة باستمرار حسب التقاليد. سوف نلقي الضوء على تلك المبادئ الأخلاقية والروحانية التي نرى أنها تتيح التغيير في القيم المطلوبة للتطبيق المؤثر "لبرنامج عمل المساواة".

إن إدراك أساس وحدة البشرية متطلب أساسي للتحول الاجتماعي ورفاه الكون وأهله في المستقبل. ويرفد هذا المفهوم مبدأُ المساواة بين الجنسين. فحقوق المرأة مصونة بوضوح من قبل مؤسس الدين البهائي، حضرة بهاءالله. إذ يؤكد أن: "كانت النساء والرجال ولا زالوا متساويين في نظر الله." فليس للروح جنس والتفاوتات الاجتماعية التي قد تكون قد فرضت من قبل نظراً لاحتياجات البقاء في الماضي لا يمكن أن تبرر الآن في زمن أصبح فيه أعضاء العائلة البشرية معتمدين على بعضهم بنحو يزداد يوماً بعد يوم.

هناك مضامين عميقة لمبدأ المساواة في تعريف دور كل من النساء والرجال. فهذا المبدأ يمس كل جوانب العلاقات البشرية وهو عنصر رافد في الحياة المنزلية والاقتصادية والاجتماعية. ويجب أن يستلزم تطبيق هذا المبدأ بالضرورة التغيرات في العادات والتقاليد والممارسات. إنه يرفض توزيع الأدوار الصارم وأساليب التحكم واتخاذ القرارات الظالمة، ويدعو للترحيب بالمرأة للمشاركة التامة في كل ميادين الإقدامات البشرية وتسمح لتطور أدوار النساء والرجال.

ويؤثر مبدأ المساواة أيضاً على النهج الذي يتم فيه تبني موضوع تقدم المرأة. تصوّر الكتاباتُ البهائية البشريةَ كطائر له جناحان أحدهما النساء والآخر الرجال. وما لم يكن الجناحان قويين ومكتملَيْ النمو فإن هذا الطير لا يمكن أن يطير. يُعتبر تقدم المرأة ضرورة لتقدم الرجل كلياً ويُرى كمتطلب أساسي للسلام. وهكذا يتشارك أعضاء الجامعة البهائية، ذكوراً وإناثاً على حد سواء، ومؤسساتها المنتخبة بصورة ديموقراطية، في تعهد قوي لممارسة مبدأ المساواة في حياتهم الخاصة، في عائلاتهم وفي كل نواحي الحياة الاجتماعية والمدنية. ويتعاون الأفراد والمؤسسات الاجتماعية في تشجيع تقدم المرأة وتحريرها وفي تخطيط وإنجاز برامج لإعزاز تقدمهم الروحاني والاجتماعي والاقتصادي.

هناك تأكيد قوي على التعليم في الدين البهائي كوسيلة لترويج تقدم المرأة. ولا يقوم الدين بصون مبدأ التعليم العام فحسب بل يمنح الأولوية لتعليم البنات والنساء عندما تكون الموارد المادية محدودة إذ أنه من خلال الأمهات المتعلمات فقط تكون فوائد المعرفة أعمق أثراً وأسرع انتشاراً في المجتمع. وينادي الدين بأن على البنات والصبيان اتباع المنهج نفسه في المدارس، ويشجع النساء على دراسة الفنون والحرف والعلوم والمهن والانضمام إلى كافة حقول العمل حتى تلك المحصورة تقليدياً بالرجال.

يعتبر التعليم وسيلة هامة لمنح التفويض للمرأة. فبمعزل عن اكتساب المعرفة والقيم الأخلاقية المؤدية لتطور المجتمع، يقدم التعليم فوائد من قبيل التطور الفكري والتدريب على التفكير المنطقي والتحليلي واكتساب المهارات النظامية والإدارية وإدارة الأعمال، كما إنها تعزز عزة النفس وتحسن الوضع في المجتمع.

يقوي نوع التعليم الذي تصوره وتطبقه الجامعة البهائية عملياً، دور الأمهات ويشجع روح التعاون في الرجال. وهو يهييء النساء للاشتراك في كل مجالات التجربة ويزودهم بالمهارات العملية لجعلهن قادرات على المشاركة في السلطة واتخاذ القرار. تخدم النساء في كل مناحي النظام الاداري البهائي، ويلعبن دوراً بارزاً على الصعيد الدولي وينتخبن كعضوات في الهيئات الإدارية المركزية والمحلية في كل أنحاء العالم.

يقوم نظام القيم المتضمنة في الدين البهائي بخلق جامعة عالمية نابضة بالحياة تتعهد بترويج تحرير المرأة وتقدمها. إن الخطوات التي تم اتباعها هي محسوسة وتطورية متسلسلة. انشغل هذا الدين في إنجاز خطط منظمة طويلة المدى، خطط موجهة ومعززة برؤية مبدأ تساوي الجنسين، الذي يتطور من خلال المشورة والمشاركة التامة للنساء، وينجز بروح من التعاون، ويدعم كلياً من قبل مؤسساته الإدارية. وهذا التوجه يؤدي إلى التجديد الأساسي في المجتمع ويدعم بقوة تحقيق أهداف "أجندة المساواة" المقررة في "برنامج العمل".

بعد أن نالت جانيت خان شهادة الدكتوراه من جامعة متشجن في 1970، عملت كمستشارة وأخصائية برامج في مركز إكمال تعليم المرأة بالجامعة حتى 1976 ثم عادت إلى أستراليا لتتعين في قسم علم النفس في جامعة كوينزلاند. خدمت الدكتورة خان منذ عام 1983 في دائرة الأبحاث بالمركز البهائي العالمي في حيفا، إسرائيل. قبل ذلك الوقت كانت رئيساً للمحفل الروحاني المركزي للبهائيين في أستراليا.

نشر هذا المقال "العظمة قد تكون من نصيبهم" في مجموعة تأملات على برنامج العمل وخطوات العمل للمؤتمر العالمي الرابع للأمم المتحدة عن المرأة: المساواة، التنمية والسلام، المنشورة للتوزيع للمؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين المقامة في الوقت نفسه الذي اجتمع به منتدى المؤسسات غير الحكومية المقامة في هوايرو، الصين، أغسطس/ سبتمبر 1995.
"العظمة التي قد تكون لهم" بقلم د. جانيت أ. خان
بكين، الصين
آب- أغسطس 1995



الاصل الانجليزى:

The Greatness Which Might Be Theirs: Religion as an Agent for Promoting the Advancement of Women at all Levels

http://bic.org/statements-and-reports/bic-statements/95-0826.0.htm

BIC Document #95-0826.0

Advancement of Women