تحديات الأمية ووضعها الراهن في الدول العربية



محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
2010 / 6 / 10

تحديات الأمية ووضعها الراهن في الدول العربية
مقدمة: أول ما نزل من القرآن الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين قوله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)، وبعد هذه القرون الطويلة أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها A/RES/56/116 ، بأن يكون الأول يناير 2003 بداية عقد الأمم المتحدة لمحو الأمية. ورحبت الجمعية العامة في قرارها A/RES/57/166 بخطة العمل الدولية المتعلقة في هذا المجال، وتقرر أن تقوم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بدور تنسيقي في الحث والتحفيز على الأنشطة المضطلع بها على الصعيد الدولي. يجيئ ذلك في عصر يتسم بطوفان وأنفجار معرفي وتكنولوجي ليس له مثيل، وانتشار نظم الاتصالات والاستعمال المتزايد للحاسوب والتوسع في استخدام شبكة الانترنت، فأصبح العالم قرية كونية الكترونية واحدة. ويعتبر توظيف تقنية المعلومات والانترنت في التدريب والتعليم، ومحو الأمية وتعليم الكبار، من أهم مؤشرات تحول المجتمع إلى مجتمع معلوماتي فيزيد كفاءة وفعالية نظم التعليم ونشر الوعي المعلوماتي وسيسهم في بناء الكوادر المعلوماتية، ومواكبة التطورات المتلاحقة في تقنيات المعلومات والتعامل معها بكفاءة ومرونة من أهم التحديات التي تواجه العالم العربي. والأمية هي أحد مظاهر التخلف وهي سبب له في الوقت نفسه، ومن ثم فالقضاء عليها يسهم في تحرير العقل الإنساني وتخليصه من الأوهام والأباطيل التي تكبل طاقاته الإبداعية، وُيفعل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وهي الأمل في التعايش مع تحديات القرن الحادي والعشرين. إن القضاء على الأمية بمفهومها الشامل الواسع يحتاج لتعاون كل المؤسسات الرسمية، والشعبية وبناء فلسفة جديدة للتعليم من أجل الإبداع، والعمل على التدريس وفق صيغ جديدة مستقبلية جديدة. ومن وجهة نظري المتواضعة يعتبر الفقر الفكري و العقلي أشد أنواع الفقر، لإنه فقر العلم و المعرفة والتفكير الناتج من الأمية بأنواعها المختلفة وأبعادها العميقة المتباينة في حياتنا. مما يتطلب محو الأمية بكل أشكالها وأبعادها وهو مطلب سياسي واجتماعي وثقافي واقتصادي لحسم العديد من المشكلات (السكانية، الهدر في الاستهلاك، البطالة، المرض، التطرف الناجم عن عدم الوعي والجهل).
مفهوم وتعريف الأمية: المؤتمر الدولي الرابع لتعليم الكبار بباريس عام 1985 ميز بين نوعين من الأمية هما الأمية الوظيفية والأمية الاجتماعية، وتم ربط محو الأمية بتعليم الكبار ، باعتبار محو الأمية خطوة أساسية أولى لعملية تعليم الكبار في التعليم غير النظامي، فبدون محو الأمية لن يستطيع الأفراد الأميون أن يصبحوا عناصر نشطة وحيوية في مجتمعهم. والأمية الأبجدية تعني عدم معرفة القراءة والكتابة والإلمام بمبادئ الحساب الاساسية فالإنسان الأمي كل فرد بلغ الثانية عشرة من عمره ولايلم الماما كاملا بمبادئ القراءة والكتابة والحساب، ولم يكن منتسبا آلي مدرسة آو مؤسسة تربوية وتعليمية. وتعني الأمية الحضارية عدم مقدرة الاشخاص المتعلمين على مواكبة معطيات العصر العلمية والتقنية والفكرية والثقافية والفلسفية والايديولوجية والتفاعل معها بعقلية قادرة على فهم المتغيرات الجديدة وتوظيفها بشكل ابداعي فعال يحقق الانسجام والتلاؤم مابين ذواتهم والعصرالذي ينتيبون أليه. وقد أدى التطور في مجال العلم والتكنولوجيا إلى ظهور مفاهيم جديدة تتجاوز المصطلح التقليدة للأمية إلى تعريف الأمي بإنه ذلك الشخص الذي لا يجيد التعامل مع الكمبيوتر مثلا. وهناك ما يسمى بالأمية الثقافية ( أمية المتعلمين) وهي حالة أولئك الحاصلين على شهادات تعليم عام وربما تعليم جامعي ولكنهم مع ذلك لا يجيدون قواعد القراءة والكتابة الصحيحتين، كما ينبغي لأشخاص تجاوزوا هذه المرحلة، أما "الأمية التقنية" فتعني غياب المعارف والمهارات الأساسية للتعامل مع الآلات والأجهزة والمخترعات الحديثة وفي مقدمتها الكمبيوتر.
الوضع العالمي: نشأت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ( اليونسكو) عام 1946 م ومنذ عام 1949 أهتمت بقضية محو الأمية وتعليم الكبار واحتلت هذه الفضية مكانة عالية في أولويات الدول، وانخفضت نسبة الأمية على المستوى العالمي من 51% عام 1950 إلى أقل من 20% حاليا. لكن هذا النجاح لم يتحقق بقدر متوازن في جميع البلدان فهناك 16 دولة من دول العالم فقط قد تخلصت اليوم من الأمية نهائيا علي حسب تقارير التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وتقرير البنك الدولي لعام 2001م، و 73 دولة تراوحت نسبة السكان الأميين فيها بين 1% و19% من إجمالي سكانها، و 22 دولة فقط ظلت نسبة الأمية فيها مرتفعة إلى أكثر من 50% وتقع 13 دولة منها في القارة الأفريقية جنوب الصحراء، وتحتل النيجر المرتبة الأولى في هذه المجموعة حيث يمثل الأميون فيها 86% من إجمالي السكان. استنادا إلى التقرير العالمي عن رصد التعليم للجميع (2006) الصادر عن اليونسكو، تسجل منطقة آسيا الجنوبية والغربية أدنى نسبة لمحو الأمية (%58,6)، تليها إفريقيا جنوب الصحراء (%59,7) والدول العربية (%62,7). أما البلدان التي تسجل أسوأ نسب لمحو الأمية، فهي بوركينا فاسو (%12,8) والنيجر (%14,4) ومالي (%19).» وأظهر البيان الصحافي رقم (2006-110) الذي صدر عن اليونسكو الصلة القائمة بين الأمية والبلدان الأكثر فقرا. ففي بنغلادش وأثيوبيا وغانا والهند وموزمبيق ونيبال، يعيش ثلاثة أرباع السكان (أو أكثر) بأقل من دولارين يوميا، تتدنى نسب محو الأمية عن معدل 63 في المئة ويتجاوز عدد الأميين 5 ملايين شخص. وترمي مبادرة محو الأمية لتعزيز القدرات (LIFE) (لايف) التابعة لليونسكو إلى الحد إلى النصف من النسبة العالمية لمحو الأمية بحلول العام 2015. وفي سياق استراتيجية شاملة تهدف إلى تعزيز التوعية لأهمية محو الأمية، تقود البلدان بنفسها أنشطة «لايف» بما يستجيب للاحتياجات والأولويات الوطنية ويتناسب مع قدرات البلد. وقد اعتمدت هذه الاستراتيجية في 35 بلدا لتحقيق أهداف عقد الأمم المتحدة لمحو الأمية (2003-2012)، لا سيما وأن نسبة محو الأمية فيها تتدنى عن 50 في المئة أو أن عدد السكان الأميين يتجاوز 10 ملايين شخص.
الوضع الراهن في الوطن العربي: الأمية والفقر والبطالة، آفات تعرقل أي تنمية حقيقية أو تقدم ملموس في المنطقة العربية، فقد وصل عدد السكان العرب عام 2009 إلى نحو 335 مليون نسمة، منهم 100 مليون من الأميين والأميات، مما يسبب عائقا أمام التنمية والتحرر من التخلف والفقر والمرض. وأن عدد الأميين لدى الفئات العمرية أكثر من 15 عاما بلغ قرابة 99.5 مليون نسمة، فيما وصل عدد الأميين العرب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و45 عاما 75 مليونا. وبذلك تشكل نسبة الأمية في العالم العربي «فجوة عميقة تؤثر على تطوره، مؤدية لنتائج سياسية واجتماعية واقتصادية بالغة الخطورة. ففي الوقت الذي حذرت فيه تقارير المجلس العربي للطفولة والتنمية من تفاقم مشكلة الأمية، أظهر تقرير للمنظمة العربية للثقافة والعلوم «الألكسو» لسنة 2005أن عدد الإناث يقترب من ضعف عدد الذكور، و احتلت مصر المرتبة الأولى بـ17 مليون أمي، يليها السودان ثم الجزائر والمغرب واليمن، في حين احتلت الرتب الأولى في باب نقص الأمية كل من الإمارات العربية المتحدة وقطر، ثم البحرين والكويت. وفي الواقع لا توجد دولة عربية تخلصت من الأمية بشكل نهائي، ولكن هناك دولا استطاعت أن تخفض نسبة الأمية فيها مثل الأردن التي وصلت نسبة الأمية فيها إلى 13 في المئة وكذلك تونس وليبيا وسوريا. وتتركز معدلات الأمية بشكل كبير؛ في المغرب والجزائر ومصر واليمن والسودان، إذ يوجد بها 78 في المئة من نسبة الأمية في العالم العربي. ويفاقم من حجم المشكلة الخطأ الذي ارتكبته بعض المنظمات الدولية بتحديدها سن تعليم الكبار في المرحلة العمرية من 15 عاما – 35 عاما، لأنه مجحف جدا في حق بقية الشرائح العمرية في التعليم، فالتعليم حق لكل إنسان مهما كان صغيرا أو كبيرا، لكن المنح والمساعدات التي تقدم من المنظمات الدولية تقدم لتعليم هذه الفئة ويتم تجاهل الشريحة فوق 35 عاما وتحت 15 عاما وهم المتسربون من التعليم الأساسي أو الابتدائي على رغم أنهم يمثلون نسبة كبيرة من الأميين في العالم العربي، فهناك 10 ملايين طفل عربي خارج منظومة التعليم الأساسي في الوطن العربي.
خاتمة وبعد هذا واقع مؤلم وخطير يظهر لنا بجلاء عمق المأساة وحجم الكارثة والمأزق الذي نحن فيه وان لم يتنبه العرب حكاما وزعماء ومفكرين ووضع بداية جدية لإصلاح التعليم ومواكبة التقنيات الحديثة لمواجهة خطر الأمية بأنواعها، فسنظل نتردى في هاوية ما لها من قرار. هذه المقالة محاولة في هذا الأتجاه وأن شاء الله سوف نوالي مجهوداتنا من أجل المساهمة في بلورة هذه البدايات العلمية الجديدة بما يخدم أمتنا العربية ويرفع عن كاهلها عقابيل الجهل والتبعية والاتكالية على الغير حتي نجسد كلمة (إقرأ) في ربوع وطننا العربي ليصبح منارة العالم العلمية.