هيلين توماس,, وفضيحة حرية التعبير,, وحرية المرأة



حسن مدبولى
2010 / 6 / 12

بالتأكيد هذا المقال لا يستهدف التعريف بالسيدة المحترمة هيلين توماس, فمن دون شك هى اصبحت الان اشهر من نار على علم , العالم كله الان بات يعرف من هى هيلين توماس , كانت عميدة الصحافة الاميركية ,وبالاحرى عميدة مراسلى الصحفيين الاميركان المتخصصين فى تغطية شئون وأخبار البيت الابيض الاميركى,وكذا شهرتها التى اكتسبتها من تغطية اخبار الرؤساء الاميركان منذ عام 1960 وحتى يونية 2010 اى منذ الرئيس كينيدى وحتى اوباما,وما هو معروف عنها بقوة وذكاء مناوشاتها الصحفية مع كل رئيس من هؤلاء الرؤساء سادة البيت الابيض ,وكذا المنزلة الرفيعة التى تبوئتها على مر الزمان وجعلت كل رئيس اميركى يعمل لها الف حساب فى مؤتمراته الصحفية والتى كانت تحجز فى كل مؤتمر منها مقعدها فى الصف الاول ,وتمارس عملها بكل دقة ونشاط وحيوية ظلت محتفظة بها حتى قاربت على بلوغ عامها التسعين ,,و بعد ان كانت هيلين توماس رمزا اعلاميا اميركيا عظيما يخطب ودها حتى الرئيس المتعجرف اليمينى جورج بوش , وحتى الرئيس الشاب المتنور- فى بعده الانتخابى - اذا بها الان بعبعا يجب ابعاده , واقالته واسكاته , واخراسه وتجاهله ,, نتيجة ما قالته يوم 27مايو الماضى فى تصريحات مرتجلة حول اسرائيل وفلسطين ,انتهت هيلين توماس العظيمة بعد رحلة كفاح صحفية تجاوزت الستين عاما منها خمسين عاما فى خدمة الاعلام الذى يغطى البيت الابيض رمز الديموقراطية الغربية -كما يحاولون ايهامنا- تبرأ منها البيت الابيض وتبرأمنها زملائها الصحفيون الاميركان ,ولم يدافع عنها احد من الشعب الاميركى, بل انها دفعت دفعا لكى تعتذر قبل ان تتقاعد وتخرس , لماذا ؟ لانها خرجت عن الخط , تحدثت بالحقائق العلمية والعملية ,وفضحت المنظومة الغربية كلها ,فكان لا بد من قتلها معنويا وماديا ,التجاهل الغربى والاميركى لهيلين توماس سوف يماثل من دون شك ما حدث للفنانة المناضلة فالنسيا ريد جريف , او المناضلة الزنجية انجيلا ديفيز , وغيرهما من الكثير من المناضلات الحقيقيات من اجل حقوق الانسان الحقيقية, لكن كل العزاء ان الضمير الحقيقى للانسانية المعاصرة سوف يظل حافظا بذكرى كل شريف فى هذا العالم .

بقى ان نؤكد على ان تعاطفنا مع هيلين توماس ليس لانها افادت بأن الاسرائيليين محتلين اجانب وعليهم ان يعودوا من حيث اتو ,سواء الى بولندا او الى المانيا او الى الولايات المتحدة الاميركية,وان السكان الاصليين هم الفلسطينيين ,فهذه هى الحقائق العلمية والتاريخية التى يعلمها أى شريف وأى حر فى العالم, وقد يكون هناك شرفاء اخرون يرون غير ما تراه هيلين باعتبار ان هناك امر واقع فى فلسطين واسرائيل حاليا ,لا يمكن تجاهله ,وعلى المجتمع العالمى ان يجد حلا سلميا يراعى وجود بشر ينتمون لهذا العالم يحتاجون الى الحقوق الاساسية التى يستمتع بها غيرهم ,مع مراعاة الامر الواقع الاليم الذى تسببت فيه قوى الاستعمار والخرافة الدينية الدولية, ولم يكن تعاطفنا مع هيلين توماس لانها عربية سابقة تنتمى الى ابوين من لبنان, لكن تعاطفنا معها كان فقط لانها نتيجة رأى,او فكر تؤمن به , تعرضت للاغتيال ,وهو اغتيال حقيقى , متعمد ومبرمج,غير ذلك الاغتيال الذى تدعيه كثيرات , نتيجة خيانتهن لاوطانهن ,او حملاتهن الغير مبررة ضد تراث ملايين البشر,تحت عناوين حرية الرأى وحرية التعبير وحرية المرأة والمساواة بين الجنسين ومهاجمة المجتمع الذكورى العربى,, حقيقة هيلين هى البطلة الحقيقية فهى لم تقل رأيها -التى اضطرت للاعتذار عنه-لم تقل رأيها وهى تحت حماية ملايين الدولارات الاميركية ,ولا تحت اضواء الاف الفلاشات الغربية , هى قالت رأيها ومضت ,ولم تدعى انها يا -ويلاه- هى المحرر لبلاد الاميركان من التنغول الصهيونى الذى بات يكمم الافواه مالم تنطق بأقواله وافترائاته, نتعاطف مع هيلين توماس لانها لم تبع نفسها لاحد ايا كان ,ولم تجبن برغم عمرها وموقعها الكبيرين , نتعاطف معها لانها لم تختر الامر الاسهل فى هذا الزمان ,فلم تقم بعمل رسما كاريكاتوريا يسىء الى مقدسات ملايين البشر ,وعندما يعترض هؤلاء ,يهب الجميع-الغربيون بالطبع واذنابهم- بالدفاع عنهاووشمها بالبطولة والتنوير , نتعاطف معها لانها لم تتهم رمز دينى يخص الاخر بانه يضطهد المرأة ,فى اطار تاريخى لا اثر له حاليا ,بينما المرأة حتى ذات الموقع العمرى والاعلامى العظيمين ,تتعرض للاخراس فور تعبيرها عن مجرد رأى فردى اجتهادى لا يسىء الى مقدسات ولا يزور تاريخ ولا يتصيد اخطاء .

تحية الى حرية التعبير الحقيقية المضطهدة فى هذا العالم الذين يحاولون قولبته وفقا لمصالحهم الاستعمارية,تحية الى حرية المرأة والى حقوق المرأة التى يحاول بعض الناس ان يختصرها فى ان تكون المرأة حرة فى بيع جسدها لسماسرة الدعارة العصرية بأنواعها, تحية الى هيلين توماس التى فضحت وانهت اسطورة وخرافة حرية الرأى والتعبير فى الغرب الاستعمارى ,الذى لم يتحمل اراء سيدة جليلة تخطت التسعين من عمرها ,بينما يقرفنا كتابه ورموزه ونوابه وممثلوه بالداخل العربى,بانه علينا ان نتحمل حرية التعبير حتى لو كانت مشبوهة وممولة وتستهدف هدم ثوابتنا, ولا عزاء لاباطرة الدفاع عن حقوق المرأة وحرية التعبير ومهاجمى الاسلام الوهابى الرجعى واباطرة النبش والدعبسة وتخطيط المقالات التنويرية فى اتجاه واحد فقط .