هل الزوج عبارة عن مصرف أو سائق أجرة ؟!



سلمان ع الحبيب
2010 / 7 / 9

في مجتمع محافظ تسود فيه الثقافة الذكورية سيدفع كل من الرجل والمرأة ضريبة هذه الثقافة .
وما سأتناوله الآن في مقالتي هذه قضيتان : القضية الأولى هي عمل المرأة باعتبارها ضرورة ملحة لتحقيق الذات والاستقلالية والقدرة على المشاركة في الحياة الزوجية والأسرية في زمن تتصاعد فيه الحاجة المادية بالإضافة إلى المساواة في الفرص المبنية على الكفاءة لا على الجنس ، والقضية الثانية هي قيادة المرأة للسيارة وهي - بلا شك - حاجة ضرورية وماسة في عصرنا الحالي الذي تتعدد فيه الأعباء وتتزايد المسؤوليات وتتشابك العلاقات الاجتماعية وتزداد الحاجة إلى التنقل من أجل الشراء والعمل والمناسبات ونحو ذلك .
وفي مجتمعنا السعودي – مثلاً - تمنع المرأة من قيادة السيارة كما تمنع في الغالب من ممارسة دور اجتماعي أواقتصادي أو مهني لتحقق ذاتها ولتثبت كفاءتها وقدرتها على اقتحام هذا العالم الفسيح، ولكي تشارك الرجل في أعباء الحياة المادية التي تتطلب من الشاب أن يبذل حياته كلها كي يوفّر جزءاً يسيراً لا يحقق شيئاً من طموحه الذي يصبو إليه .
إن بعض النساء في مجتمعنا تمردن على هذا الوضع منذ فترة مبكرة بما أوتين من قوة لا تعرف الاستسلام وتحدّين تلك السلطة الجامدة التي تقيد مسيرة الطموح الذي لا يفرق بين رجل وامرأة وتحملن ضريبة الحرية من انتقادات جارحة وقذف في الشرف وأصبحن في نظر كثير من المجتمع – للأسف الشديد- متحررات ساقطات وهنّ في نظرهم أيضاً كمن حكمت عليهن الكنيسة في العصور الوسطى بالهرطقة فأحرقتهن للاعتبار بهنّ ، أو كمن تعرضن للوأد في العصر الجاهلي منذ طفولتهن تخلصاً من عار الأنوثة وإعلاءً للسلطة الذكورية، ولكنّ الصورة بدأت تتغير في الفترة الأخيرة عند البعض وسيأتي اليوم الذي ننظر فيه إلى تلك النسوة بأنهن المناضلات اللاتي مهدن الطريق لبقية النساء لنيل حقوقهن في زمن يمثل تراجعاً وعودة لزمن الجواري والعبيد .
وفي تلك الأجواء التي تستبعد المرأة من دورها الاجتماعي والاقتصادي وممارسة حقها في قيادة السيارة ونحو ذلك فإن الزوج أو الرجل عموماً سيكون مصرفاً متنقلاً تأخذ منه المرأة ما يلبي احتياجاتها وهي بلا شك أكبر مما يحتمل الشاب العادي في مقتبل العمر كما أنه سيتحول إلى ( سائق أجرة ) حيث تعتمد عليه المرأة في قضاء حاجاتها .
ومع أن الرجل منع المرأة من قيادة السيارة والعمل بفعل الأعراف والعادات الاجتماعية البالية فإنه يتشكى من وضعه ويندب حظه على حياة مليئة بالمتاعب والشقاء فلا يكاد يتنفس الصعداء حتى تنهال عليه الأعباء تلو الأعباء فينفجر كالبركان ويودّ لو أنه لم يتزوج يوماً ، وأحياناً يقنع نفسه بأن المرأة مكانها البيت وأنه في حالة مادية ميسورة ولا حاجة به لعمل زوجته ، وبالنسبة للقيادة فعليه أن يتحمل ذلك لأنه الرجل أو بإمكانه الإتيان بسائق أجنبي يكفيه عبء قيادة السيارة ،وغير ذلك من المبررات التي تسقط في نظره ولكنه مضطر للإيمان بها لأنها تمثل مدى سيطرة العقل الجمعي في تفكيرنا ومدى الإذعان لسلطة المجتمع ونصرته ظالماً أو مظلوماً .
إن سلطة المجتمع أصبحت ديناً متأصلاً فينا ، وأصبحت أعرافه وتقاليده دستوراً مقدساً غير قابل للنقاش بل لا يسمح البعض لطرح التساؤل وكأنه يقول في نفسه : ( لا تسألوا عن أشياء إن تبدَ لكم تسؤكم ) .
لقد وئدت المرأة عبر تاريخنا الطويل منذ الجاهلية إلى اليوم، فلماذا نمارس هذا الدور ؟! أهي عودة للجاهلية بشكل آخر ؟ لماذا نعطّّل دور المرأة في المجتمع ؟ وهل من الصحيح أن السلطة الذكورية لها الحق في إلغاء دور الأنثى لتكون معتمدة اعتماداً كلياً على الرجل في كل شيء ؟ ثم من يضمن حقها بعد طلاق الزوج أو وفاته أو عجزه ؟ أليس من حق المرأة أن تعمل لتشارك الرجل في أعباء الحياة المادية المتزايدة ؟ أليس من حقها أن تحقق ذاتها وترضي طموحها وتثبت قدرتها وجدارتها ونحن نعلم أن كثيراً من النساء يقمن بإعالة أسرهنّ ويصرفن على بيوتهن في حين أننا نجد الذكور في تلك الأسر فاشلين لم يكملوا دراستهم ولم يحملوا مسؤولية شيء إطلاقاً فهم مجرد كسالى يعتمدون على ما تجلبه النساء لهم ليعيشوا من خلالهن ّ،وقد يتعرضن للاستغلال من الأب والإخوة بذريعة أن الرجال قوامون على النساء ، وما أعجب من هذه القوامة التي تجعل من فاشل متسكع يستغل المرأة ويسرق جهدها باسم الدين و العادات الاجتماعية وهي تفوقه وتصرف عليه ولولاها لانهدّت أركان البيت ولأصبح الرجل فيه حافياً يبحث في أكياس القمامة عن لقمة العيش كقطّ متشرّد .
لقد ظلمت المرأة بتعطيل دورها في المجتمع وبتهميشها ، مع أننا ندّعي بأن النساء شقائق الرجال ، ونقول بأفواهنا: إن الدين لا يمانع من أن تمارس المرأة دورها في المجتمع ، ونقول : إن الإسلام أعطى المرأة حقها فلم يظلمها ، كما أنه أعطاها حق التعليم والعمل دون أن يحرمها من ذلك ونقول عبر وسائل الإعلام بأن من حق المرأة أن تشعر بالاستقلالية دون أن يحتكر الرجل هذا الحق وكم هي الشعارات التي نحملها ونعلنها أحياناً في شأن المرأة ولا نطبق في الواقع شيئاً من تلك الشعارات بل هي مجرد أقوال نطقت بها أفواه الرجال لكنهم لم يعرفوا سبيلاً لتطبيقها لأنها تمثل ازدواجية في شخصية الرجل الشرقي بين ما يؤمن به وبين ما تنص عليه سلطة المجتمع ،وبالتالي سيجد نفسه منساقاً لتلك السلطة التي تعد مرجعية اجتماعية من الصعب تجاوزها بعد أن تغلغلت في نفسه وأصبحت دستوراً مقدساً لا يحيد عنه وإلا شعر بالذنب وبتأنيب الضمير مما جعله يذعن طائعاً ليمثل الدور الذكوري الذي رسمه له المجتمع وأعطى تعليماته للمرأة حسب ما ينص عليه دستور التقاليد البالية فقيد المرأة في البيت بذريعة الآية القرآنية القائلة : ( وقرن في بيوتكنّ ) التي حفظها وحفظ معها الآية التي تقول : ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ..) وكذلك الآية القائلة : ( للذكر مثل حظ الأنثيين ) وآية : ( الرجال قوامون على النساء ) ،وحفظ كل ما يمكن أن يكون إلى جانبه بتأويله الاجتماعي ولكنه لم يحفظ من القرآن شيئاً في حق المرأة ليؤكد بذلك سلطته الذكورية المتأصلة التي تقمع دور الأنثى وتعلي من شأن الرجل ، وما يدهشني حقاً حينما أقارن بين الزمن الذي عاش فيه أجدادنا ونحن نتهمهم بالانغلاق والتخلف مع أننا نجد أن المرأة كانت تمارس دوراً اجتماعياً واقتصادياً يتناسب مع بساطة الحياة القديمة حيث تجلب الماء من العيون وتبيع وتشتري وتقف مع الرجل جنباً إلى جنب مع وجود الثقة وحسن الظن دون أن نرى شيئاً يمكن أن يعاب في هذا ،بينما نحن في زمن ندّعي فيه بالتقدّم والتطور إلا أننا رجعيون في أمور متعددة وكأن التقدمية والحياة المتحضرة مجرد شعار ، وكأننا نعيش في زمن يمكن أن نطلق عليه زمن خداع الذات وزمن الشعارات البراقة التي لا تتصل بالواقع إلا في الأقوال فقط .
ولو انتقلنا لقيادة المرأة للسيارة وسألنا أحدهم : كيف تقبل لرجل أجنبي أن يقوم بقضاء حاجات زوجتك وإيصالها بالسيارة بينما لا ترضى لها أن تقود بنفسها ؟ أليس في إفساح المجال للمرأة بالقيادة تخفيف على الرجل من الأعباء الإضافية لتقوم المرأة بالشراء والزيارات والمشاركة الاجتماعية في المناسبات المختلفة بالإضافة إلى العمل الذي تفرضه الظروف الاقتصادية والحاجة الإنسانية ؟ ألم تركب المرأة الدابة في زمن النبي دون حرج في ذلك ؟ لماذا تقود المرأة في المجتمعات الإسلامية ونحن نتذرع بخصوصيتنا التي يجب أن نحافظ عليها ؟ ألا تحتاج المرأة لقيادة السيارة حينما يحدث أمر طارئ مثلاً كمرض أحد الأطفال أو إسعافه أو قضاء حاجة ماسة في عدم تواجد الرجل أو سفره ؟ وما الفرق بين المرأة التي تسير في الطريق لأداء مهمة ما والمرأة التي تركب السيارة لأداء المهمة نفسها ؟! أليس في ركوبها للسيارة أمان لها ؟! لماذا لا نعطي المرأة الثقة بدلاً من جعلها موضع الشك والاتهام والفتنة وبأنها كائن ضعيف يجب الحفاظ عليه وحمايته ونتذرع حيناً بأنهن القوارير التي نترفق بها وحيناً آخر نتذرع بأنهن كالجوهرة التي يجب أن تحفظ في الصندوق كيلا تتعرض للأذى من الخارج ؟ وهل نحن الرجال إلا الخارج الذي نخاف على المرأة منه ؟ ألا يجب أن نربي أنفسنا كيلا تكون عرضة للأذى الذي نخاف عليها منه ؟!
إن هذه الأسئلة لن تجد قبولاً من أولئك المتعصبين لأنهم لن يجدوا إجابة مقنعة لهم وبالتالي فلن يقنعوا غيرهم وبهذا سيراوغون في الإجابة لأنهم نشأوا على ثقافة متحجرة جامدة تفرق بين الجنسين بشكل ظالم ، ولم يسمح أحد منهم لنفسه بالحوار أو البحث عن إجابة مقنعة بل لم يسمح أحد منهم بالشك في تلك المفاهيم لأنهم يخافون أن يخسروا أنفسهم حينما يواجهون سلطة المجتمع التي زرعت في قلوبهم الخوف وقدّمت العقبات والعوائق ووضعت المرأة في موضع الشبهة والاتهام والفتنة مع أن الرجل هو الذي زرع هذا الخوف وهو المتسبب فيه ،فإذا كنا نخاف على المرأة من الفتنة يجب أن نربي الرجال وأن نفرض عليهم العقوبات التي يمكن لهم أن يرتكبوها في حق الأنثى،في حين أننا نرى خطايا الرجال متسامحاً فيها وخطيئة المرأة لا تغتفر مما قد يصل إلى ارتكاب الجرائم الشنيعة في حقهنّ .
علينا بدلاً من منع المرأة من أن تمارس دورها في المجتمع بشكل طبيعي أن نقوم بدور تنويري وتوعوي على مستوى الإعلام والتربية وأن تكون هنالك رقابة ومتابعة بشكل مكثف كي نبني ثقافة يتعايش فيها الجنسان بشكل طبيعي كما تفرضه سنة الكون .
إننا لم نفعل سوى أن نمنع ونستنكر كعادتنا في كل شيئ ولم نمارس دوراًِ حقيقياً ملموساً يكفل حق المرأة في أن تعيش الحياة كما يجب أن يعيش كل إنسان .
إننا فرضنا عليها أن تكون حبيسة المنزل وحصرناها في زاوية ضيقة ولكننا في تعطيل دورها حصرنا أنفسنا بهذه الرجعية في دور أكثر ضيقاً ؛أدى بنا إلى أن نتذمّر منه ونقول : ( إذا تزوّج الرجل أصبح مصرفاً أو سائق أجرة ) فلماذا نرضى بشيء نتذمر منه ليل نهار أم أننا ألفنا لأنفسنا أن نمثل دور الضحية والجلاد ؟!

* سلمان عبد الله الحبيب ( أديب وناقد وباحث )