لتركيز على المرأة كجسد إهدار لكرامتها:دراسة جامعية تنتقد استغلال الفتيات المصريات في الإعلانات



شريف الشافعي
2004 / 8 / 21

: كثرت في الآونة الأخيرة الدراسات والبحوث والرسائل الجامعية التي أبرزت زيادة نسبة ظهور الفتيات المصريات (بشكل غير لائق) في الاعلانات التليفزيونية التجارية، واشارت الى خطورة هذا التواجد النسائي المفرط في الاعلانات باعتباره عملاً استفزازياً غير مبرر (حتى من الوجهة الاقتصادية) يساهم في تهميش المرأة واهدار كرامتها ودعم النظرة التقليدية لدورها في الحياة العامة وانتقاص قيمتها كإنسان فاعل، فضلاً عن ترسيخ مفهوم ان المرأة قد صارت رمزاً للجسد والاغراء الجنسي والمعايير الاستهلاكية.

ومن بين تلك الرسائل والدراسات التي تناولت ظهور الفتيات المصريات في الاعلانات رسالة جامعية بعنوان "صور تمثيل المرأة في إعلانات التليفزيون المصري" سجلت بالجامعة الامريكية بالقاهرة، واوضحت فيها الباحثة ميراي رؤوف إسحق (متخصصة الإعلان واتصالات التسويق بإحدى الشركات العالمية الكبرى) ان مصر تعتبر من الدول القليلة التي يزيد فيها عدد السيدات على عدد الرجال في الإعلانات التليفزيونية، وذلك مقارنة بالولايات المتحدة الامريكية مثلاً وكثير من دول اوروبا المتقدمة التي تزيد فيها نسبة ظهور الرجال في الاعلانات على السيدات. وابرزت الباحثة، التي تناولت فحص عينة اكثر من خمسمائة اعلان تم عرضها في القناة الاولى الارضية للتلفزيون المصري، ان المرأة يجري تصويرها في الاعلانات في معظم الاحيان داخل المنزل حيث تقوم بالاعلان عن منتجات تستخدم في المنزل، على عكس الرجل الذي يعلن (في حدود ظهوره الضئيل) عن منتجات تستخدم خارج المنزل.

كما لمست الباحثة ان النساء المستخدمات في الاعلانات هن في معظم الاحوال فتيات صغيرات السن وانهن اصغر من الرجال الذين يظهرون في الاعلانات ولا يشترط ان يكونوا شباناً.

واوضحت رسالة جامعية اخرى اجريت من قبل في كلية التربية بجامعة عين شمس بالقاهرة حول "صورة المرأة في اعلانات التليفزيون المصري" ان 95بالمائة من الاعلانات تستخدم المرأة وتركز على جوانبها الانثوية كالجمال والابتسامة واللفتة، مع ملاحظة ان الاعلانات المذكورة تروج سلعاً ليست بالضرورة مرتبطة بالمرأة وتقع في دائرة اهتمامها! وكشفت دراسة سابقة للمركز العربي للمصادر والمعلومات حول العنف ضد المرأة ان هناك تركيزاً فادحاً على استخدام المرأة في اعلانات بعض القنوات التليفزيونية العربية محل الدراسة ومن بينها قناة "الفضائية المصرية"!

وفي تعليقه على زيادة الاعتماد على الفتيات في الاعلانات التليفزيونية المصرية والدلالات والنتائج المجتمعية لهذه الظاهرة يقول الخبير الاجتماعي الدكتور عبدالفتاح بدور استاذ تشريعات التنمية الاجتماعية والاقتصادية والمحامي بالنقض في حديثه ل"الرياض": هناك استغلال حقيقي للفتيات الصغيرات اللاتي يظهرن في تلك الاعلانات ويتمايلن بميوعة ويرقصن دون احتشام، ومعظمهن يبحثن عن المال او الشهرة او يتطلعن لأن يصبحن نجمات سينمائيات في يوم من الايام، وهذا الاستغلال يبلور محاولات رأس المال لتسليع المرأة عن طريق بيعها او بيع ملامح عرضها ومفاتن جسدها الى جوار بيع السلعة المعلن عنها والتي قد تتحول الى ظل لهذه المرأة بطلة الإعلان! ولا شك ان الغالبية العظمى من الاعلانات التي تعتمد على ابراز الفتيات هي مزلق خطير ومعاداة صريحة لكرامة المرأة وحريتها واستقلالها، فالمرأة تظهر في الاعلان كجسد، مجرد جسد، تحركه اصابع اصحاب المنفعة من اجل الترويج للسلعة الاستهلاكية بواسطة دغدغة مشاعر المشاهدين واللعب على غرائزهم المكبوتة، ويستغل المعلنون ضعف المرأة وخاصة من الناحية الاقصادية فيغرونها بالمال لاداء دورها الاعلاني غير المدروس، وذلك في اطار تجارة لي ست ببعيدة عن تجارة "الرقيق الابيض"! وهذا الظهور المسف للنساء في الاعلانات، يقول د. بدور، من شأنه زعزعة الاستقرار النفسي للشباب والمراهقين، ودفع الشابات والفتيات المراهقات الى التقليد الاجوف، مما قد يؤدي الى مخاطر اجتماعية كبيرة اذا تم اعتبار مثل هؤلاء الفتيات اللاتي يظهرن في الاعلانات بمثابة نجمات يتم الاقتداء بهن.

ويوضح الدكتور عبدالفتاح بدور ان انخفاض مستوى المعيشة يعد السبب الرئيسي في اندفاع الفتيات نحو العمل في الاعلانات بحثاً عن المال بأية وسيلة، فضلاً عن جهل المرأة بحقوقها، وانقياد النساء الضعيفات خلف الذكور الأقوياء المسيطرين، اضافة الى الاعتقاد بأن الرجال الشرقيين (المشاهدين) ربما تستهويهم مشاهدة الفتيات في الاعلانات اكثر من مشاهدة الرجال في الاعلانات نتيجة لانتشار اجواء من الكبت الجنسي.

ويشير الدكتور بدور الى ان هذه النظرة الضيقة للمرأة وترويج السلع من خلال جسدها من شأنها الاتيان بنتائج عكسية في بعض الاحوال، فالمشاهدون الذين يحترمون ذواتهم سينصرفون عن المنتجات التي يتم الاعلان عنها بصورة مبتذلة، مما يجعل الجهد الاعلاني جهداً ضائعاً لا فائدة منه. كما ان جعل المرأة بطلة للإعلان بهذه الصورة من شأنه ان يحيل السلعة الى الخلفية ويجعلها في المقام الثاني مما يجعل المستهلك ينصرف عنها او لا يلتفت اليها في الاساس! كما انإتيبالمرأة بصحبة سلعة لا تتصل اطلاقاً بهذه المرأة قد يؤدي الى فقدان مصداقية الاعلان وبالتالي تتأثر السلعة سلبياً من ناحية الثقة فيها ومن ناحية توزيعها في الاسواق واقبال المستهلكين عليها!

ويرى د. بدور ان علاج ظاهرة انتشار النساء في الاعلانات على هذا النحو يجب ان يتم من خلال تشريعات جادة او قرارات موصية من جانب مسؤولي الاعلام في مصر من اجل منع ظهور النساء في الاعلانات بهذه الصورة المبتذلة ووضع ضوابط مجتمعية واخلاقية ودينية لظهور المرأة في الاعلان بما يصون اخلاقيات وآداب المجتمع ويحفظ للنساء كرامتهن وانسانيتهن وسموهن الروحي ويحقق المنفعة العامة في نهاية الأمر.