الأزمة الاقتصادية : النساء بين الهجوم المستَعِر و المهام المطروحة



المناضل-ة
2010 / 7 / 28

جمعية التضامن النسائي

شكل الهجوم النيوليبرالي مند مطلع الثمانينات حلقة أخرى من مسلسل هجوم الرأسماليين على فقراء العالم، وذلك بتخفيض الأجور كمخرج لموجة النمو المتباطئ التي طبعت الاقتصاد العالمي منذ أواخر السبعينات قاطعا بذلك مع ما سمي "السنوات الثلاثون المجيدة".

سيسعى منطق الربح الرأسمالي إلى المزيد من شد الحبال حول رقاب بلدان العالم الثالث عبر السياسات النيوليبرالية، و ذلك بتفكيك الخدمات الاجتماعية والخوصصة، وتدمير الزراعات المعاشية، مفاقما بذلك معدلات الفقر و البطالة والجوع. إن هذه الإصلاحات الاقتصادية المميتة التي فرضها صندوق القد الدولي ستؤدي بأقسام كبيرة من سكان العالم إلى المجاعات و الحروب و النزاعات التي يغذيها هذا النظام؛ فملايين فقراء العالم عاجزون، الآن، عن شراء المواد الغذائية للبقاء على قيد الحياة. تمثل الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة امتدادا واستمرارا لأزمة النموذج النيوليبرالي المتسم مند البداية باللامساواة و ازدياد ثروات مالكي الرساميل الذين سيلجؤون ولاشك بإلقاء عبء الأزمة على سكان العالم الفقراء. تشكل النساء غالبية هؤلاء الفقراء، أي حوالي 70 في المائة من 1200مليون من الذين يعيشون تحت عتبة الفقر المطلق. إن نظام عولمة الفقر والمجاعات والحروب يضع في مقدمة ضحاياه النساء اللائي يشكلن القسم الأعظم من المضطهدين في علاقات النظام الرأسمالي البطريريكي .

لماذا تضرب الأزمة النساء أولا؟

إن الاضطهاد المزدوج الذي تعيشه النساء في المجتمع الرأسمالي يجعلهن يساهمن، من جهة، بشكل غير مباشر في تحمل جزء من تكاليف إعادة إنتاج قوة العمل (العمل المنزلي المجاني)، و بكونهن يمثلن من جهة أخرى يدا عاملة رخيصة (أجورهن أقل من أجور الرجال) يستغلها أرباب العمل لمراكمة الأرباح.

إن اشتداد أزمات العولمة الرأسمالية سيكون لها وقع شديد على حياة النساء المستغلات في مختلف حلقات الإنتاج. فمنذ انطلاق الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة انهارت صادرات البلدان واحدة تلوى الأخرى. هذا ما حدث بآسيا، حيث انهارت صادراتها في الشهرين الأولين. تشغل هاته القطاعات الهشة المرتبطة بالتصدير النساء بشكل خاص. ففي إفريقيا، مثلا، يوفر النسيج 100 ألف منصب شغل بالقارة، 45 ألف منها بسويزلاندا و26 ألف منصب الليثو و 30 ألف بكينيا. وتشغل النساء من 75 إلى 90 في المائة من هذه المناصب بدون حماية لكونهن يعشن في فقر مدقع ، مما يضعهن في مقدمة المتضررين من هاته الأزمة. و هذا ما تبين من خلال الأزمة المالية الأسيوية، إذ انهارت صناعة النسيج والصناعات الإلكترونية والصناعات الحساسة بالنسبة للسوق التصديرية و خلف ذلك طرد النساء العاملات بهاته القطاعات.

لن تتوقف تأثيرات الأزمة عند حدود طرد وتسريح النساء، بل إن نتائجها الوخيمة ستنعكس كذلك على الزراعة الغذائية. فأغلب بلدان الدول النامية لازالت تكافح الأسعار المرتفعة للغذاء الأساسي بسبب تحرير الأسواق و كذا المضاربة في المزروعات الغذائية. تمثل النساء المزود الرئيسي للأسرة بالغذاء في بعض البلدان؛ فالمزارع النموذجي، مثلا، جنوب الصحراء هن النساء لأنهن ينتجن أكثر من 80 في المائة من المواد الغذائية من أجل الاستهلاك الأسري. فتفاقم الأزمة الغائية ستضع النساء، إذن، في مقدمة المحرومين من الغذاء.

البطالة تصيب النساء أولا؟

شكلت النساء 1,2 مليار شخص من أصل 3 مليار من الذين يشتغلون في العالم في سنة 2008. و تبين التوقعات الخاصة بسوق الشغل لسنة 2009 تدني فرص الشغل بالنسبة للرجال والنساء معا. إذ ستصل نسبة بطالة النساء إلى 7,4% مقارنة ب 7% لدى الرجال.

كما سترتفع نسبة العمل غير المنظم سنة 2009 لدى النساء من 50% إلى 54,7% مقارنة مع الرجال حيث ستنتقل هذه النسبة من 47,2% إلى 51,8%. هكذا يتبين أن النساء هن الأكثر تضررا من الأزمة مقارنة بالرجال. حسب توقعات البنك الدولي سيكون للأزمة تأثيرات سلبية على النساء في 33 بلدا ناميا. و تتمثل هذه التأثيرات في ارتفاع وفيات الأطفال وعدم تمدرس الفتيات و انخفاض دخل النساء، وسيكون هذا التأثير أكثر حدة في 15 بلدا جنوب الصحراء. وهو ما سيؤدي إلى تدمير ما سبق تحصيله من مكاسب في ما يخص المساواة بين الجنسين و تحرر النساء. و يبين التقرير السنوي الذي أنجزه المكتب الدولي للشغل أن الأزمة يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع البطالة في صفوف النساء إلى 22 مليون نسمة سنة 2009. ستعرقل الأزمة توفير شغل ملائم للنساء، وهو ما يشكل عائقا أمام تحقيق نمو دائم وعادل اقتصاديا. إن النساء، إذن، هن أكثر تضررا من غيرهن من نتائج الأزمة العالمية، نظرا لقلة تحكمهن بالموارد وكذا لاشتغالهن في الأشغال الهشة. فغالبا ما تضطر النساء إلى الجمع بين عدة وظائف بأجور دنيا، وفي نفس الحين يقمن بتحمل تبعات العمل المنزلي غير المؤدى عنه.

تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية على قطاع النسيج بالمغرب

لقد تضرر الاقتصاد المغربي كغيره من الاقتصاديات التابعة من عواقب الأزمة الاقتصادية العالمية، خاصة القطاعات المرتبطة بالتصدير و كذا السياحة و تحويلات العمال المهاجرين. فمند أن أرخت الأزمة بضلالها بدأت تجلياتها الأولى تبرز في القطاعات الاكثر هشاشة: مناصب شغل غير قارة، غياب حماية اجتماعية، ارتفاع وثيرة العمل، و ضعف الانتماء النقابي. و بما أن النساء يشكلن غالبية اليد العاملة المشغلة في هذه القطاعات، فإنهن سيتصدرن قائمة الضحايا.

يوفر قطاع النسيج بالمغرب أزيد من 220 ألف منصب شغل، أي 40 في المائة من مجموع اليد العاملة في القطاع الصناعي. كما يمثل حوالي ثلث إجمالي صادراته، ويساهم ب4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. لم يسلم هذا القطاع، كغيره من القطاعات الأخرى، من تداعيات الأزمة العالمية بحكم تبعيته و ارتباطه الوثيق بدول الإتحاد الأوربي، خاصة فرنسا و اسبانيا و انجلترا التي تستورد من المغرب أكثر من 70 في المائة من المنتجات. و بيَّن البحث الذي أنجزته الجمعية المغربية للنسيج حول 75 شركة للنسيج أن 48 في المائة منها انخفض إنتاجها ب50 في المائة بسبب انكماش الطلب العالمي. و فقد القطاع ما بين 20 إلى 25 ألف منصب شغل سنة 2009. و من المتوقع أن يفقد ما بين 80 إلى 200 ألف منصب شغل في غضون 2010. إن الحل السحري المعهود لأرباب العمل يتمثل في جعل الطبقة العاملة و الأوساط الكادحة تدفع ثمن الأزمة التي أنتجها الرأسماليون، بسبب تعطشهم للربح السريع. وهكذا سيزداد لجوء أرباب العمل إلى الطرد و الأشكال الأكثر مرونة في التشغيل كتخفيض الأجور و ساعات العمل و ضرب استقرار الشغل.

لماذا النسيج قطاع مؤنث؟

إن المكانة التابعة للنساء في جميع مناحي الحياة تنبني على علاقات طبقية و علاقات النوع. لذلك من اللازم أن نأخذ هذه العلاقات بعين الاعتبار أتناء التطرق إلى إشكالية التمييز بين النساء و الرجال خاصة المتعلقة بسوق الشغل.

يشغل قطاع النسيج النساء أساسا بسبب انخفاض أجورهن نتيجة لسيادة الثقافة الذكورية التي لا تعير أي اهتمام لأجور النساء. فلازال المجتمع الذكوري يعتبر دخل النساء ثانويا. ففي نظره من يتحمل نفقات الأسرة هم الرجال. لذلك يستند برجوازيو النسيج والصناعات الغذائية الى هاته الأفكار الرجعية لتبرير استغلال عمل النساء بأجور تقل عن أجور الرجال. و هذا ما يفسر جزئيا لماذا حافظ أرباب عمل هذه القطاعات على "تأنيث" الأشغال اليدوية التي كانت منوطة بالنساء في إطار التقسيم الاجتماعي للعمل (طبخ ، غزل، خياطة ... إلخ) منذ ظهور الملكية الخاصة رغم تطور العمل اليدوي بظهور المكننة. و طبعا هناك عوامل أخرى تساهم في تكريس التمييز على مستوى الأجور، يتجلى أحدها في الضعف النسبي لمقاومة النساء لشروط استغلالهن، وضعف اهتمام النقابات بالوضع الخاص للنساء العاملات ومطالبهن الخاصة، و كذا اختلال موازين القوى لصالح أرباب العمل بشكل عام.

طورت الرأسمالية، إذن، العمل اليدوي لكنها لم تتنازل عن فكرة جعله لصيقا بعمل النساء بالاستناد الى الأدوار التي كانت تقوم بها النساء منذ ظهور الملكية الخاصة. و هذا ما يفسر نوع الأدوار التي تناط بهن في هذه القطاعات و ما تكرسه من تقسيم للعمل و دفن لمواهب النساء التي أقبرتها قرون من الاضطهاد و اللامساواة.

شروط عمل مأساوية

يشغل قطاع النسيج أزيد من 75 في المائة من اليد العاملة النسائية في شروط عمل صعبة و لا إنسانية تعبر عن الاستغلال المفرط للعاملات من أجل مراكمة الأرباح بأقل تكلفة . فبمعمل الكامباس بطنجة ، مثلا، تشتغل النساء ما بين 12 و 15 ساعة في شروط لا تحترم قوانين الشغل و أجر لا يتعدى 50 درهما في اليوم، أي بمعدل 3 دراهم في الساعة، وهو أجر بعيد جدا عن الحد الأدنى للأجور الذي يبلغ 84 درهما لليوم، بعدد ساعات لا تتجاوز ثماني ساعات . لقد كانت محرقة معمل "روزامور" أكبر دليل على الجرائم التي يقترفها أرباب العمل في حق الطبقة العاملة خاصة عاملات النسيج. لقد أودت هذه الكارثة بحياة 67 عاملا ضمنهم 35 عاملة نتيجة احتجاز العمال-ات وغياب ابسط شروط السلامة والوقاية. مما عرقل إمكانية نجاتهم من المحرقة. كما أن

شروط العمل بالمعمل مأساوية؛ فالأجور متدنية جدا إذ لا تكاد تبلغ 350 درهما في الأسبوع، ناهيك عن حرمان العمال-ات من حقوقهم-ن في الضمان الاجتماعي.

الأزمة العالمية تعتصر دماء عاملات النسيج

إن ظروف العمل اللاإنسانية التي تشتغل فيها عاملات النسيج، و التي فرضتها شروط القهر و البطالة، ستزداد تفاقما مع الأزمة العالمية بارتفاع عدد التسريحات وخفض الأجور. ففي مصنع للنسيج بسلا يعد أحد أكبر مصانع النسيج في المغرب طردت إدارة المصنع طردا تعسفيا 300 عاملة. و قد اعتبرت نزهة، و هي عاملة بنفس المصنع، نفسها من المحضوضات لنجاتها مؤقتا من الطرد قائلة : " أن نشتغل ساعات أقل، أفضل من أن نذهب إلى الشارع ". وتحكي زهرة بدورها باستغراب: "رغم 25 سنة من العمل قررت إدارة مصنع النسيج بالحي الصناعي مولاي رشيد وضع حد لعملي بطردي الأسبوع الماضي"، و اضافت أن تسريحها تم بطريقة تعسفية ، إذ لم ترتكب أي خطأ مهني، بل نتيجة سوء تفاهم حول طريقة العمل فاتهمت بسبِّ و شتم رئيسها في العمل.

إن الأرباح التي يحققها أرباب العمل هي نتيجة لامتصاص دم عاملات هدا القطاع و إخضاعهن لشروط عمل جد قاسية. يستغل أرباب العمل ارتفاع معدل البطالة في صفوف النساء للضغط على العاملات، كما يستغلون جيوشا احتياطية من العاطلات "حاملات الشواهد". فليس نادرا أن تصادف مُجازات يشتغلن في "السورجي" أو "الفينسيون" و حتى "الميناج" بأجور دنيا و عقود عمل محددة المدة، قد تنتهي بالطرد المقنن بمبرر انتهاء أجل العقدة.

لقد أغفلت نزهة، حين تحدث عن نفسها، أنه ما من رادع قد يمنع رب عملها من طردها، إدا دعت الضرورة إلى ذلك، وأن المسألة ليست مسألة حظ، بل قد ينتهي بها المطاف إلى الشارع إدا ما انعدم الطلب على منتوجات المصنع الذي تشتغل فيه .

أي مستقبل للنساء في مجتمع يسارع من أجل الربح ؟

لن تتوقف مأساة النساء إلا بالنضال ضد السياسات النيوليبرالية المعمقة لعدم المساواة الاقتصادية و الاجتماعية بين الرجال و النساء. ستظل النساء أول من تُمتص دماؤهن في الأزمات التي يتسبب فيها منطق الربح الرأسمالي. فالأزمة الإقتصادية العالمية الراهنة ستلقي بملايين النساء إلى براثين البطالة والجوع، و ما يستتبعه ذلك من تحقير و امتهان كرامتهن من طرف شبكات الدعارة التي تسارع لاستغلال بؤس نساء شابات يصارعن من أجل البقاء. و ينضاف إلى هذا كله تصاعد العنف بشكل عام وبشكل خاص ضد النساء كحلقة أضعف في المجتمع الرأسمالي. إن هكذا وضعا يطرح تساؤلا عريضا حول مآل جماهير النساء و نضالهن. فتفاقم البطالة في صفوفهن تكرس مزيدا من التبعية الذكورية والتمييز الجنساني الموروثين عن المجتمع الذكوري، و تهدد المكاسب الطفيفة التي حققتها النساء.

كما سيزداد الطابع المجاني لعملهن بفعل هجوم الدولة على القطاعات الاجتماعية، و تملصها من توفير الخدمات و التجهيزات الأساسية، خاصة في القرى..

مهام المناضلات النسائيات:

يعد نضال النساء من أهم حلقات النضال الاجتماعي من أجل التحرر والعدالة الاجتماعية. ورغم ان الحركة النسائية الليبرالية بالمغرب عملت لسنين على حصر النضال النسائي في مطالب نخبوية و"نضال" مناسباتي يرتكز على الاستجداء والملتمسات، فقد شكلت النساء بالمغرب القاعدة العريضة الاشد كفاحية لنضالات الشعب المغربي في السنوات الأخيرة لاسيما بالقرى (ايفني، طاطا، بوعرفة، زاكورة، خنيفرة..) دفاعا عن المطالب الاجتماعية وضد الإقصاء والتهميش والغلاء وتدهور الخدمات الاجتماعية. كما تتواصل نضالات النساء العاملات ضد شروط العبودية الرأسمالية. الا ان هذه النضالات لازالت جنينية ومشتتة وغير كافية لتعديل موازين القوى لصالح الجماهير الشعبية نساء ورجالا. فما هي، إذن، سبل توحيد نضال النساء ضد تدهور وضعهن؟
العمل على تجذير وتوحيد نضال النساء بالمدن والقرى من أجل مواجهة تفكيك الخدمات الاجتماعية و خفض الميزانيات الاجتماعية و التصدي للخوصصة و توجيه النشاط الصناعي و الفلاحي نحو تلبية حاجات كادحي المغرب وكادحاته. والمطالبة بوقف تسديد الديون التي تستنزف خيرات الشعوب.
التواجد و التضامن اليومي مع نضالات النساء (العاملات، كادحات القرى والمدن) والسعي لتوحيد مقاومتهن بأشكال ذاتية تعمق وعيهن بمطالبهن و دمجها في النضال العام من أجل مجتمع العدالة و التحرر. وفي هذا السياق من الهام العمل على استحضار مطالب النساء الخاصة وشروطهن الخاصة من قبل كل أدوات النضال لاسيما النقابات.
كشف الغطاء عن زيف المشاريع الليبرالية التي تتبناها الدولة اتجاه النساء (محاربة فقر النساء، محاربة الأمية، تمدرس الفتاة القروية، تشجيع مبادرة النساء الخاصة كالقروض الصغرى والتعاونيات...إلخ )، و ما تخفيه من نفاق هدفه توفير شروط امثل لمراكمة أرباح البرجوازيين على حساب بؤس هؤلاء النساء.

ستكون الأزمة الإقتصادية العالمية محطة لتعبئة النساء على أرضية مطالب المسيرة العالمية للنساء ضد السياسات النيوليبرالية بصفة عامة وإحياء دينامية شبكة المسيرة العالمية للنساء على المستوى المحلي واعطائها نفسا جديدا ينسجم وروح المسيرة العالمية للنساء. وجعل هذه الدينامية خطوة على درب يناء حركة نسائية مناضلة منغرسة وسط الكادحات. حركة تعي، في كل المحطات وفي كل الأوقات، ان طريق تحرر النساء يمر عبر النضال دون كلل ضد أصل الشرور كافة: النظام الرأسمالي البطريركي.

جمعية التضامن النسائي