تعليم المرأة في المغرب



فاطمة المرنيسي
2004 / 8 / 25

كان تعليم المرأة الذي يربط بتأثير الغرب أحد العوامل الرئيسية في القضاء على التمييز بين الجنسين. إلا أنه سيكون من الخطأ إرجاع هذه الظاهرة إلى التأثير الذي مارسته فرنسا وحده. إن فكرة فرنسا الباعثة على التحديث وهم أستعماري, ذلك أن الحماية الفرنسية التي أعتبرعا البعض قطيعة قد دعمت التقاليد بشكل يدعو إلى الدهشة , وأدت إلى إحياء التراتبية وعدم المساواة بشكل غريب.
إن الحماية التي وصفت حتى الآن كلحظة تغير وتحول ثقافي شكلت في الواقع قنطرة مكنت من تعزيز أشكال التراتبية , ومن أستمرارية الإيديولوجيات القائمة على اللامساواة. التي يلعب فيها التمييز بين الجنسين دورا رئيسيا. (يجب القيام بقراءة نسائية لتاريخ الحماية والاستقلال , لأنها ستلقي الضوء على أشكال التطور الحقيقية والاتجاهات التي أخذتها السيرورة الإيديولوجية خلال هذه العقود التي نربطها غالبا بالتحول وليس بالاستمرارية). إن السياسة الفرنسية المستوحاة من الجنرال ليوطي الذي كان يعتبر نفسه إنسانيا كبيراً وفيلسوفاً عظيماً, نادت باحترام التقاليد المغربية ما دامت هذه الأخيرة لا تتعارض تعارضا مباشرا مع المصالح الفرنسية. ولذلك فإن النظام التبع في ملكية الارض قد تم تفكيكه بشكل كامل لأنه كان مناقضا لهذه المصالح. في حين غدت البنية العائلية المغربية التي لم تكن خطرا على المصالح الفرنسية موضع أحترام وتبجيل مطبوع بسمة الغرابة. والأدهى من ذلك أن عددا كبيرا من القوانين المتعلقة بالمرأة والتي فرضت خلال مرحلة الحماية تضيف إلى ثقل التقاليد المحلية التجاوزات المعادية للمرأة التي يتسم بهاالقانون النابليوني. وهكذا فإن الفصول المتعلقة بحق الواجبات والعقود المتعلقة بممارسة المرأة لمهام تجارية, وتلك التي تتعلق بالجريمة العاطفية في قانوننا الجنائي, من هدايا الحضارة الفرنسية - الأبوية بأمتياز- وتتناقض تناقضا كاملا مع مبادئ الشريعة. والخلاصة أنه لفهم المسار الذي سلكته فكرة حق البنات في التعليم ,يجب العودة الى الحركة الوطنية التي كان مفروضا عليها منذ البداية كحركة معارضة إعادة النظر في كل أشكال انعدام المساواة , ومن بينها عدم المساواة بين الجنسين.
لقد مثلت الحركة الوطنية موجة احتجاج حقيقية هزت المراكز المدينية والبوادي خلال العشريات الثانية والثالثة والرابعة. وكان الوطنيون في البداية مقتنعين بأن بإمكان المغرب تجديد بنياته , واكتساب حيويته المفقودة , بتخليه عن التقاليد البالية حتى يجتاز الهوة التي كانت تفصله عن العالم الصناعي. وهكذا فإن تعليم البنات الذي لم يكن يفكر فيه خلال السنوات السابقة غذا مطلبا لدى الوطنيين سنة 1942, وكانوا يرون فيه ضرورة ملحة للوصول الى هدفهم أي الانتصار على الفرنسيين مهما كان الثمن حتى لو كان ذلك يؤدي الى المساس بالبنية الأسروية.
من هذا المنظور دخلت الفتيات المغربيات قاعات الدرس, ووضعن بين أيدي مدرسين ذكور, وسمح لهن بالخروج الى الشارع أربع مرات في اليوم. لقد كانت هذه الاحداث في الحقيقة ذات طابع أستثنائي, ولكن كل شئ كان أستثنائيا في المغرب سنة 1942:
" وأخيرا, استقبل وفد مغربي من طرف جلالته في نوفمبر 1942 كان الاستقبال جد حار, ولم يكن الملك من جهة يرى غضاضة في أن يعلم الرجال اللغة العربية إلى الشابات المسلمات. وبعدها بأيام نظم تجمع أمام القصر الملكي بفاس حضره شبان قدموا من فاس والرباط وسلا. وكان جلالة الملك يترأس مجلسا للوزراء , وقد تمت الموافقة على أن يشارك هؤلاء الشباب في النقاش الدائر بخصوص جدول أعمال المجلس. استمر الاجتماع ساعتين وتمت الموافقة على القرارات التالية :سن التمدرس بالنسبة للبنات :7 سنوات, وسن مغادرة المدرسة : 13 سنة. كما أختير مجموعة من أساتذة اللغة العربية وعينوا مباشرة من طرف جلالة الملك حتى يتم السهر على برنامج التعليم الابتدائي للبنات ".
كان الشباب الذين قدموا ليطرحوا مع الملك قضية تعليم البنات مناضلين وطنين, وكان الملك هو محمد الخامس الذي فاجأ البلاد بأكملها حين قدم إلى الأمة أبنته الأميرة للا عائشة لكي تخطب سافرة. لقد كان تحرر المراة يعتبر مرحلة أستراتيجية ضرورية للقضاء على " النصارى " الفرنسيين الذين كانوا يحتلون البلاد. ولم ينس علال الفاسي القائد الوطني النساء حين ساهم في تحرير " ميثاق عربي " خلال تلك المرحلة :
"إن الدولة يجب أن تساهم مجانيا في المجالات التالية : الحمل , الأمومة, رعاية الاطفال....
وعلى الدولة أن تضمن للأفراد الحقوق التالية في مجالات الإنتاج...تمكين النساء من القيام بدورهن في المجتمع ".
وقد أتسعت حركة تعليم البنات بشكل مدهش حيث أنهن منذ سنة 1945 تجاوزن سن التمدرس الذي أقرته السلطات الوطنية أي ثلاثة عشرة سنة, ونجحن في الدخول الى المعاهد الثانوية.
ونجد حالياً بأن 7% من الشابات المغربيات بين سن الرابعة عشرة والتاسعة عشرة يرتدن المؤسسات الثانوية مقابل نسبة 14% من الأولاد. ولكن عددا قليلا منهن يصل إلى الجامعة. وفي الوقت الراهن نجد بأن عدد البنات اللائي حصلن على الشهادة الابتدائية يتجاوز عدد الاولاد في المراكز المدينية. وتبعا " لنتائج الاستمارة حول العمل في المدينة " (مديرة الإحصاء. الرباط 1976) وضمن الموطنين الذين بلغوا سن العاشرة وأكثر , يوجد 69% من النساء و63% من الرجال حاصلين على شهادة الدروس الابتدائية . أما فيما يخص التعليم الثانوي , فإن ثلث الفتيات يستطعن الحصول على شهادة الدروس الثانوية رغم الضغوط التي يتعرضن لها لكي يتزوجن صغيرات ( 29% من البنات مقابل 33% من الاولاد) . وأخيرا ضمن 4% من مواطني المدن الحاصلين على شهادة عليا توجد نسبة 2% من النساء.
ويظهر إصرار المرأة المغربية على التعليم من خلال مؤشرات عدة , منها الحصول على نقط أعلى من الاولاد , والإرادة التي لا تقهر في مواصلة تعليمهن بعد الزواج وولادة الاطفال. ومنذ عقد من الزمان فحسب, كان الزواج يعد بمثابة نهاية لكل مطامح الزوجة الشابة في التعليم. في حين أن مواصلتها لدراستها بعد الزواج والأولاد أصبحت تمثل عادة معمولا بها وخاصة لدى الأجيال الشابة. وبالتالي فأنه لا يكفي أن تكون المرأة جميلة ومزينة بإتقان لكي تطمح إلى السعادة في المغرب الحديث. لقد غدا المستوى العلمي يشكل ضرورة ويوفر وضعا حيويا يوازي الجمال. ويتمثل أحد المظاهر الهامة للديناميكية الاجتماعية في وقتنا الراهن في تعليم النساء وعملهن وخاصة منهن اللائي ينتمين الى البورجوازية تصاعد قوي, ورغم كون هذا التمدرس في البادية والفئات المدينية الفقيرة الصغرى. ورغم أن نسبةالتمدرس لدى البنات قد عرفت استقرارا بعد فترة محدودا, فإن ذلك لا يمنع من أن أقتحام النساء للقسم والمكتب وبالتالي الشارع, قد أحدث ثغرة عميقة وجذرية في النسق التقليدي.
ورغم أن نسبة عدد النساء المتمدرسات تظل ضعيفة إذا ماقورنت بالمقاييس الغربية, فإنه سيكون من الخطإ اعتباره فاقدا لكل أهمية. ونظرا لأن التمييز بين الجنسين يكمن أساسا في عزل النساء, فإن تجول بعض الفتيات بهدوء في الشارع وهن يحملن الحقائب المدرسية كاف ليزعزع التوازن النفسي لمجتمع بأكمله.
----------------------------------------------
المصدر : الجنس كهندسة اجتماعية بين النص والواقع