دور المرأة الايرانية في التطورات الاجتماعية والسياسية



يوسف عزيزي
2004 / 8 / 25

المقدمة
لم يكن للمرأة الايرانية دور يذكر في ثورة الدستور في مطلع القرن العشرين غير ان التاريخ الايراني يتحدث عن امرأة لعبت دورا سياسيا ودينيا لايستهان به في حركة البهائية في اواسط القرن التاسع عشر في عهد الشاه ناصر الدين القاجار وهي طاهرة قرة العين حيث كتب عنها الباحث العراقي علي الوردي كتابا مستقلا.
وكانت قرة العين شاعرة وداعية سياسية ودينية نشطت في صفوف الحركة البهائية التي يعتبرها بعض المؤرخين بانها حركة تجديد دينية تشبه الحركة البروتستانية غيرانها تحولت في نهاية المطاف الي اداة بيد الاستعمار والصهيونية.
وقد ظهرت في النصف الاول من القرن المنصرم 3 شخصيات نسائية ذات ايديولوجيات متناقضة لعبن دورا بارزا في حياة ايران السياسية والاجتماعية وهن:
ايران تيمورتاش واشرف بهلوي ومريم فيروز.
وايران تيمور تاش هي زوجة عبدالحسين تيمورتاش وزير البلاط في اوائل عهد الشاه رضا البهلوي حيث كانت من النساء الاوائل اللواتي نزعن الحجاب وارتدين الزي الاوروبي. واما اشرف بهلوي كانت اقوي امراة في بلاط شقيقها الشاه محمد رضا بهلوي حيث كانت تتمتع بتاثير سياسي قوي عليه . ويتحدث الايرانيون حكايات كثيرة عن شذوذها الجنسي ودورها في تهريب المخدرات واشياء عديدة من هذا القبيل. والمراة الاخيرة في هذا المجموعة هي مريم فيروز المعروفة بين الايرانيين بالاميرة الحمراء لانتسابها الي حزب تودة الشيوعي بعد انفصالها وتركها لعائلتها من النجباء اي عائلة القاجار الحاكمة سابقا. وقد تزوجت مريم فيروز من الدكتور نورالدين كيانوري الامين العام لحزب تودة الشيوعي واصبحت من زعماء الحزب واعتقلت في عام 1983حيث قضت اكثر من 10 سنوات من حياتها في سجن ايفين بطهران.
كما ويمكن ان نجد نساء بارزات من كافة التيارات السياسية من اسلامية وقومية ويسارية وملكية سطعن علي الساحة السياسية قبل وبعد الثورة الاسلامية. وعلي سبيل المثال اعتبرت المناضلة الشيوعية اشرف دهقان بعد هروبها من سجون الشاه بطلة غير انها وقفت امام الثورة بعد انتصارها وهربت الي خارج البلاد؛ كما وقد تم اعدام وزيرة الثقافة في عهد الشاه، فرخ رو بارسا بعيد قيام الثورة الاسلامية لاتهامها المشاركة في تعزيز النظام الملكي في ايران . وهناك نماذج اخري من هذا النوع لا مجال لذكرها جميعا.
وقد برزت في مجال الادب والثقافة وجوه نسائية يمكن ان نذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر. الشاعرتين الكبيرتين بروين اعتصامي، وفروغ فرخزاد.

المرأة في الثورة
قبل ان نتطرق الي دور المراة في الثورة الاسلامية والحركة الاصلاحية ينبغي ان نشير الي حادثتين هامتين في حياة المراة الايرانية: الاولي حادثة كشف الحجاب من المرأة في عهد الشاه رضا البهلوي في الثلاثينيات من القرن المنصرم والثانية اعادة الحجاب للمرأة في الاعوام الاولي عقب انتصار الثورة في ايران. وقد تم هذان الامران المتناقضان بصورة اجبارية وبالاستناد الي تنظيرات سياسية او دينية.
وكان حضور المراة في حقول النشاط الاجتماعي والسياسي والاداري في عهد الشاه السابق ينحصر بشرائح اجتماعية محدودة تنتمي الي الطبقات العليا من المجتمع الايراني انذاك.
وقد حفزت الثورة الشعبية عامي 78 و79 المرأة التقليدية التي تنتمي عادة الي العوائل الدينية او المتدينة ان تدخل الساحة السياسية ومنها الساحات الاجتماعية والادارية. وهذا يعني ان الثورة لعبت دورا هاما في تحرير فئات نسائية كانت محبوسة في البيوت لم تثق بالمؤسسات الثقافية والادارية للنظام الملكي؛ مع العلم بان الثورة ذاتها كانت صنيعة لمشاركة جماهيرية واسعة لهذه الفئات النسائية التي نزلت الي الشوارع الي جنب الرجال وشاركت في إسقاط النظام الشاهنشاهي . ومع أنها لم تشارك في الحرب العراقية ــ الايرانية مباشرة غير انها كانت في مؤخرة الجبهات تساند الرجال المحاربين.
وباعتراف المحللين الاصلاحيين لم تنحصر المشاركة الجماهيرية في الثورة التي اطاحت بحكم الشاه بالنساء المسلمات الثوريات بل شاركت المرأة الايرانية ومن كافة الاتجاهات السياسية في تلك الثورة لكن وبعد مأسسة الجوانب الايديولوجية الدينية خلال الثورة تشكلت فئة خاصة من النساء المسلمات الثوريات تختلف مع الفئات النسائية اليسارية الشيوعية والتحديثية وحتي مع الفئات الدينية ــ التقليدية.
ويرجع منشأ هذه الفئة الثورية من النساء المسلمات الي الشرائح التقليدية من المجتمع الايراني والتي تم تهميشها خلال الحكم البهلوي. وقد ظهرت هذه الفئة النسائية الي الوجود خلال الاعوام الممتدة من 1976ــ 1981.

المرأة والاصلاح
وقد ساعدت الاحداث والتطورات، التي شهدتها ايران بعد قيام ثورتها وكذلك ظهور جيل الثورة الثاني، علي ظهور شريحة نسائية تعرف بالنساء الاصلاحيات.
وتنتمي النساء في الحركة الاصلاحية الي 3 فئات اجتماعية مختلفة : اولا؛ نساء الطبقات الوسطي للمجتمع الايراني وهن الفئة الرئيسة التي تنتج وتطرح المطالبات الاساسية للحركة النسائية في ايران. ثانيا؛ النساء الخبيرات في الحقول الثقافية والاجتماعية واللواتي يتزعمن هذه الحركة ويلعبن دورا تنويريا في هذا المجال. ثالثا؛ النساء المنتسبات للشرائح العليا من المجتمع الايراني واللواتي ينتمين الي النخبة السياسية الحاكمة في البلاد حيث يَقُمنْ بتنفيذ المطالبات النسوية علي مستوي السلطة الايرانية.
ينبغي الانبتباه ان العديد من النساء الاصلاحيات هن من النساء الثوريات سابقا؛ كما والشباب منهن (اي الجيل الثاني للثورة) ينتمين الي نفس العوائل الثورية.
ويعتقد بعض المحللين بفروق بين النساء الثوريات والاصلاحيات منها: ان الاصلاحيات وخلافا للنساء الثوريات يرفضن المشاركة النسائية الجماهيرية سياسية كانت ام اجتماعية ويعتقدن بالتعددية والتنظيم لصفوف النسوة ويعارضن التحكم من فوق في اساليب الحكم في البلاد. كما وتري المراة الثورية حل قضية المراة الايرانية في تحقق العدالة في النظام الاسلامي فيما تعتقد المرأة الاصلاحية أن تحقق العدالة الاجتماعية منوط بحل قضية المرأة في المجتمع الايراني.
فقد كان للمرأة الايرانية دور هام في تغيير الاجواء السياسية في ايران خلال الحقبة المنصرمة حيث استطاعت ان تدخل فائزة هاشمي الي البرلمان في دورته الخامسة وباصوات تجاوزت اصوات رئيس البرلمان ورجل الدين اليميني البارز ناطق نوري. كما وكان انتخاب خاتمي رئيسا للجمهورية في ايران في 23 آيار (مايو) عام 1997 نتيجة لمشاركة نسائية واسعة مساندة له.
فقد لاتتولي المراة اي منصب وزاري بعد قيام الثورة الايرانية غير ان الرئيس خاتمي وبعد انتخابه قام بتعيين امراة كمساعدة له في مجال البئية وهي معصومة ابتكار. كما وارتفع عدد النائبات للوزراء والمديرات في الدوائر الحكومية.
وتتحدث الجهات الرسمية عن انجازات تحققت لصالح المراة الايرانية عقب الثورة الاسلامية وخاصة في عهد الرئيس خاتمي. ويقول وزير الارشاد الايراني احمد مسجد جامعي عن وجود 525 امرأة ناشرة و90 مديرة صحيفة و97 مديرة لمؤسسات ثقافية في ايران. ويضيف ان النساء الايرانيات قمُن بتأليف وترجمة اكثر من ألفي عنوان كتاب في العام الايراني 1378 (مارس عام 1999ــ مارس عام2000 ) وكانت هناك نحو 600 ألف امرأة تنتسب للمكتبات العامة في البلاد.
ويتحدث وزير الارشاد عن 193 مشاركة نسائية في المهرجانات السينمائية الداخلية و130 مشاركة نسائية في المهرجانات الخارجية في مجالي الاخراج والتمثيل خلال الاعوام الماضية من عمر الثورة الايرانية.
وتقول سهيلاء فرخي المدرسة في حوزة قم الدينية: إن هناك حوالي 300 استاذة تدرسن في الحوزات الدينية الايرانية منهن 100 مدرسة اجنبية.
وتؤكد سهيلاء فرخي، ان عدد الطالبات في الحوزات الدينية الايرانية لم يتجاوز الـ20 امرأة قبل الثورة فيما يدرسن حاليا اكثر من 5 آلاف امراة في هذه الحوزات.
وتتحدث فرخي عن وجود تباين في الآراء بين علماء الدين حول قضية اجتهاد النساء لكنها تستند الي فتوي لمرشد الثورة الايرانية آية الله علي خامنئي الذي يسمح للنساء بتقليد المجتهدات في الشؤون الفقهية.
ويبدو أن المرأة الايرانية وعلي الرغم من مرور حقبتين من الزمن علي قيام الثورة الاسلامية لا تزال تناضل من اجل حقوقها في المجتمع الذكوري الايراني. وقد تجاوب خاتمي مع المد النسائي المساند له في الانتخابات الرئاسية وذلك بتعيين معصومة ابتكار مساعدة له في شؤون البئية وهي اول امرأة في تاريخ ايران تتولي هذا المنصب. كما وتم تعيين نساء كنائبات ومستشارات للوزراء وواحدة كقائم مقام لاحدي المدن الايرانية. وهناك 11 نائبة في البرلمان الايراني جميعهن من الاصلاحيات المؤيدات لخاتمي. وقد تغلغلت النساء الي مؤسسات يهيمن عليها المتشددون منها الاجهزة القضائية والشرطة؛ كما ويشكلن البنات اكثر من 50 بالمائة من 600 الف طالب ايراني يدرسون حاليا في الجامعات الايرانية.
ويعتقد المراقبون ان نحو 4 ملايين امراة ايرانية سيبحثن عن فرص للعمل خلال الاعوام الاربع المقبلة.
وقد وجه المعارضون ــ من اصلاحيين وعلمانيين ــ في الاعوام الاخيرة انتقادات عدة للسلطة الاسلامية للممارسات التي يصفونها بالتمييزية تجاه المراة الايرانية.
كما انتقدوا تفشي الفساد بين صفوف النساء بسبب سوء الاحوال المعيشية والبطالة في المجتمع الايراني.
وقد طالت الانتقادات مجالات الارث وفرض الحجاب والتمييز في حقول العمل وكافة الشؤون التي يعاني منها مجتمع ذكوري اسلامي شرقي مثل المجتمع الايراني الذي يحكمه نظام ديني له اعتقاداته وقوانينه الخاصة تجاه المرأة وحقوقها.
وتعيش المرأة المنتمية للقوميات الايرانية غير الفارسية ظروفاً صعبة واكثر تأخرا من المرأة الفارسية وذلك في المجالات كافة وخاصة في نسبة النساء غير المتعلمات ونوع المشاركة في المجالات الاجتماعية والثقافية حيث يتطلب الامر دراسة منفصلة أخري.