قصه عراقيه واقعيه-3-



وميض خليل القصاب
2010 / 8 / 21

(من سلسلة 10 حكايات من بغداد)

القصة اليوم كما يحكيها صديقي أبن بغداد بطلتها امرأة عراقية بطلة ومناضله ومضطهدة من الدرجة الأولى ,السيدة ولدت في مدينة الموصل في أواسط القرن الماضي ونشأت في بيت موصلي تقاسمته الأهواء السياسية بين فريق من الأخوة والاعمام والاخوال من القوميين و الشيوعين وواخرين ملكيين و الناصريين وفرد صغير جدا كبر وشب ليكون في المستقبلا عضوا فعالا في حزب البعث
وحال أسرتها كحال أسر عراقية موصلية كثيرة في تلك الفتره ,عاشت بطلتنا طفولة وشباب مشوب بتحولات سياسية في بلد خارج من حكم ملكي وهيمنة بريطانية الى جمهورية يتصارع فيها القوى الشيوعية والقومية ,وبحكم كونها تعيش في جو مشحون بالفكر السياسي وجدت نفسها تنخرط بجد في عملية المدافعة والترويج والعمل لصالح الاحزاب جمعيا بحكم تعاطفها مع أفراد الاسرة ولكن قلبها رق لقريب شيوعي شاب سرعان ماملىء مكتبتها الصغيرة بروايات وحكايات الدون الهاديء وبوشكن والبرد الروسي وأبعد روايت طه حسين وأحسان عبد القدوس بعيد ا
وتحولت المراهقة لمدرسة صغيرة بعد تخرجها من دار المدراسات لتخطو بثقة مابين بيتها في حي موصلي قديم ومدرستها, تبني علاقات قويه وتحكي قصص العالم الجديد في روسيا لطالباتها وزميلاتها,وعندما دارت الظروف ضد الحزب الشيوعي في الموصل وجدت حبيبا وأقارب يتفرقون بين هارب وسجين ,وانتظرت ليل طويله لحين توصل العائله لقرار ترحيلها هي وزوج المستقبل لبغداد من اجل البحث عن امان وعالم جديد
مرت الأيام بسرعة وتحول الزوج لمصور شاب والزوجة لمدرسة متميزة ,وجاء الاطفال من البنين أثنان ,تغير البلد وصار الجو مشحون بتيار كهربائي لحزب قوي ومتربع على السلطة يحمل ميول علمانيه وبغض قديم للحزب الماركسي عدوه اللدود
وسرعان ماتم جمع الشيوعين جميعا في السجون ووراح الزوج المسكين مع من راحوا ,أختفى شهور وعادوا لها بشهادة وفاة وحكاية عن كونه مجرم وعميل
الشابه صارت أرملة ,والاهل فقدوا الاتصال فالمسافه بعيدة بين الموصل وبغداد والحزب الحاكم جادجدا في التأكد من ولاء الشعب والعيون تنقل أي تخابر غير رسمي مع أرملة مجرم وعدو للنظام
خمسة وعشورن عام من العمل الجاد والكادح في التدريس ,تدريس أبناء نفس الرفاق الذين أعدموا الزوج ,التاكيد اليومي لمخبري المدرسة أنها لاتدرس أي فكر ضد النظام ,صراع يومي لأبعاد المخبرين والمراقبين والحائمين حول الأرملة التي ترملت شابة وستقضي عمرها في حداد على الزوج
الصغار كبروا والصراع زاد ,مناورات لتجنب انخراطهم في الحزب الحاكم ,وعدم لفت أنظار النظام لهم ,تدريب أطفال على أن يكونوا حذرين في الكلام والهمس حتى لايسمعهم احد فيسىء تأويل بريء كلامهم
ومر الوقت والصغار صاروا أطباء ولاحت غيوم الخدمة العسكرية للبكر منهم بددتها ببيع مصوغاتها وجمع تحوويشه العمر لدفع بدل الخدمة العسكرية ,لم تتوانى ان تجد كل الجد لأيجاد عروس من خارج البلد وتسفيره ليعمل ويتزوج بعيدا عن النظام
وتغير الوضع وجاء 2003 وشاهدت من قتلوا زوجها يهربون من البلد ,لم تسر كثيرا لانها دمعت وهي ترى مدينتها بغداد تدوسها مدرعات الاغراب ,عادت لعملها بعد الحرب ونظفت بيدها ساحة المدرسة والصفوف من مخلفات المعركة ,أمنت هي وزميلاتها الاجهزة الكهربائية الثقيلة لتحميها من النهب , وبدأت دوام يومي رغم الرعب والموت في الشوارع لتضمن حراسة مدرستها من السرقة لو تركت خاوية من البشر
أنتظرت أن يطرق بابها من يجلسون في التلفاز كل يوم ويتكلمون عن المضطهدين من النظام السابق ,أنتظرت رد الاعتبار ,كلمة شكرا على جهودها ونضالها
وبعد مدة تحرك الابن الاصغر للبحث عن حزب أوجه تعيد لهم حقوقهم وأعتبارهم بأعتبارهم أبناء شهيد سياسي
بعد لفه طويله عاد لها خالي الوفاض ,وعود كثيرة وكلمات براقةروطلبات أنتساب للأحزاب واخرها سحبه احدهم من يده واخبره (انت لو تورق تره نسويلكم هوية مال شهداء ونطلعلكم كاع)
تورق يعني تطي رشوة ,أنتظرت السيدة ان تتشكل حكومة حتى يكون هناك قانون يوفر عليها الركض ورأء الاحزاب , مرت الايام وعادوا لها بخبر مرعب, ذات يوم ان ابنها تعرض للخطف لكونه طبيب وطالبوها بفدية كبيرة ,هلعت السيده ركضت يمنا وشمالا قرعت كل الابواب ممن تعرف وممن لاتعرف ,ولولا معونه من الابن البكر وبيعها لكل ماتملك لما عاد لها الطبيب الاصغر حيا يرزق مكسور النفس والروح وكان أول كلماته ( أريد اطلع من البلد)
طبعا الفقير لايستطيع الخروج بسهوله من البلد ,لفة اخرى على الجامعات والوزارات والمنظمات التي تنادي بحقوق الشهداء والمحرومين والمغبونين ,بلا جدوة لادراسة في الخارج ولابعثه ولاشيء
جرجر أقدامه المسكين ومضى لسوريا وقدم على الامم المتحده لتهجره من وطنه وبداء يعمل بشكل غير شرعي كمساعد طبيب في عيادة خاصه,بمرور الوقت طالت حبال الامم المتحده ولاجواب منهم واستقر الشاب في سوريا على أمل أن يدبره أخاه بوسيلة للخروج وفي أخر مرة قدم فيها على الهجرة قال له موظظف الامم المتحده ياعزيزي انت مضطهد من صدام ,أمثالك يحكمون البلد اليوم ,لو أنت خرجت من العراق فمن يبقى,يومها عاد ورمى كارت الامم المتحده في الزبالة وقرر ان يستقر في الشام
المدرسة خرجت على التقاعد ,اخرجتها السيدة الفاضله أم احمد ,أم أحمد لها حكاية جميلة كانت اول تعينها بعد سقوط النظام متعينه كمفصوله سياسية في النظام السابق كمدرسة رغم أن من يتذكرها قبل أن تفصل يقولون انها كانت عامله خدمات في المدرسة فصلت لسرقتها مواد من المدرسة ,المهم عادت وهي تحمل شهادة مدرسة جامعيه ولكن حاليا هي عاجزه عن توفير صحه صدور لها من وزارة التربية ودفعت مبلغ 300 دولار للموظف ليستر عليها
المهم أبو أحمد كان جندي هارب من الجيش العراقي السابق وفقه الله فعمل شرطيا في عهد ولايه بريمر لينتقل للعمل كحارس ومرافق لوزير من تيار ديني كبير بفعل واسطة اخاه غير الشقيق العضو الفعال في الجبهة العسكريه لحزب السيد الوزير
والسيد أبو احمد له عادة بالمرور يوميا على مدرسة أم احمد للتطمن عليها ,والدخول على المديرة وتحذيرها أن لاتزعل أم احمد حتى لايزعل هو والوزير واخاه عم احمد
وام احمد تصحب أحمد يو ما للمدرسة رغم انها مدرسة بنات واحمد طفل في الحضانه ,أحمد طفل أسمر وسمين ويحب أن يلعب لعبه المليشيات والارهابيه ,هي نفس عسكر وحرامية ولكن نسخه عراقية ولان هو اكيد ميليشيات فالاهاربيه هم السيده العجوز الفاضله لانها كما تقول جدته وعمه هي وكل اهل مدينتها الام من الارهابين (كلام عيال محد ياخذ ع حجيهم)
المهم السيده الفاضله ملت يوما من صراخ الطفل عليها ورميه لها بالحجارة فعاتبت ام احمد ,ام احمد قالت لاابو احمد وابو احمد جاء ومسدسه في غصره وزلزل المدرسة على رأس من فيها كيف تسمحون للارهابيه ان يدرسوا الاطفال ويفسدوا عقول أبنائها ؟
جلست بطلتنا تشاهد الموقف وتذكرت في أواسط الثمانينات رجل عسكري وبعثي كبير جاء بنفس الاسلوب وزلزل المدرسه بسببها كيف ترسب المجرمه زوجه الخائن أبنته الحمارة في مادتها ؟
اليوم الثاني جائت المديرة وقالت لها أما التقاعد وأما ؟؟؟
بطلتنا جلست في البيت ولانها خرجت على التقاعد قبل تعديل قانون التقاعد فهي تتقاضى مبلغ زهيد لايعين على تكلفه دوائها المستورد لان دواء المركز الصحي مفقود وعلى خط الكهرباء القطاع الخاص وشراء ماء الشرب وتكاليف الوقود صيفا وشتاء
المهم جلست في بيتها ترفض دعوات أبنها البكر للهرب خارج العراق ولادعوات الاصغر للأستقرار في سوريا ,لانها تنتظر ان يدق الباب أحد ممن يجلسون في التلفزيون ويتحدثون في الجرأئد عن حقوق المضطهدين والمعذبين والمغيبين ,والسجناءوالنساء العراقيات الماجدات ممن ربوا اجيالا واخلصوا في عملهم وقدموا تضحايت للوطن
أبن بغداد يحكي لي أن قصتها ليست الاولى ولا الاخيره هناك كثيرات مثلها ,هناك زوجة معدوم سياسي رفضوا منحها تقاعد زوجها لانه كان عضو في حزب البعث والبعثين جماعه صدام وموشهداء سياسين ,واخرى لها أبن ناضل لسنوات في مجال بناء الديمقراطيه والمجتمع المدني العراقي وحقوق الانسان وبعدما فر هربا من تهديدات على الحياة لم يكلف احد من رفاقه في حقوق الانسان نفسه للتطمن عليها رغم انها قدمت للعراق ابناء علماء وكانت مدرسة ومناضله ضد النظام السابق ,اخرى قدمت زوج مفقود ل20 عام في حرب العراق وايران وأنشئت شابين مهندسين تعرضا للضرب والاهنة والخطف بسبب كونهما أبناء ضابط في حرب أيران وفرا من العراق تاركين امهم تبحث عن مفر لتلحق بهما
اخريات ممن جلسن كأرامل وزوجات مفقودين وزوجات معدومين ومنفين ,عملن وربين وترهبن بلا زواج لعقود والنتيجه أهمال وتحقير واهانه ونكران جميل
لاحكومة تعوض ولا حماة المرأة يلتفتون لهم ولو بكلمة شكر؟ لماذا ,ربما لان السيدات محترمات و كبيرات في السن ,او لسن ناشطات في احزاب ومنظمات ,او لانهم بقوا في العراق ولم يهربن ,او لانهم من طائفه غير محبوبه في أيامنا هده ,او لانهم محجبات ,او لانهم يستحقن التقدير في عهد الغبن ؟لايعرف أبن بغداد ولا اعرف انا ايضا
[email protected]