دور روح المبادرة الاقتصادية النسوية في البلدان النامية: العوائق في وجه المباشرة والإنجاز



رائد نقشبندي
2004 / 9 / 2

الدكتور م.س.س.إل ـ ناماكي، مدير معهد أبحاث علم الإدارة (RVB)، ديلفت.
السيدة ج.سي.م.غيريتسن، معهد أبحاث علم الإدارة (RVB)، ديلفت.

تمثل المرأة في كثير من البلدان النامية مورداً كامناً مهماً على صعيد المبادرة الاقتصادية والإدارة في قطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة.
ويقيد عمل الكثير من النساء إما في الزراعة أو في القطاع غير الرسمي أو في الصناعات الكثيفة العمالة حيث الأجور متدنية جداً، وإمكانيات تطوير المهارة والارتقاء محدودة. أما النساء اللائي ينتمين للشرائح العالية الدخل من المجتمع فمقيدات بالعمل المنزلي الروتيني ولا يسمح لهن بمزاولة مهنة خاصة بهن.
وفي دراسة سابقة، قام المؤلفان بتحديد ما يسمى بالعوائق في وجه ولوج الصناعة والأعمال، وقسماها إلى سبعة أنماط:
1) عوائق سلوكية (ضعف الثقة بالنفس، صورة سلبية عن الذات)
2) عوائق تعليمية (معايير القبول والتقدم، فرص التدريب)
3) عوائق مهنية (القيود التقليدية، الشروط المتعلقة بالمهارة)
4) عوائق الدور (مكانة الأقلية، الظهور، ضغوط الإنجاز)
5) عوائق قانونية
6) عوائق البنية التحتية (الحصول على القروض، والدعم، والمعلومات)
7) عوائق اجتماعية وثقافية (القيم والمواقف العدائية، بنية الأسرة، تناقض متطلبات الدور)
(إل ـ ناماكي 1985).

وستقوم هذه الورقة باستكشاف هذه العوائق بدلالة نتائج الأبحاث الحالية وتجارب البلدان.

العوائق السلوكية
يمكن للعوائق السلوكية أن تمتد لتغطي مجالاً واسعاً، لكننا سنركز على مسألة صورة الذات لكونها أكثرها أهمية في ما يتعلق بدور المبادرة الاقتصادية والإدارة.
تعكس الدراسات الجارية لمسألة صورة المرأة وجود رأي قوي يؤكد أن صورة المرأة في عدد كبير من البلدان النامية هي صورة سلبية إلى درجة كبيرة.
إن هذه الصورة لا يحملها الرجال وحدهم في المجتمع بل تحملها النسوة أيضاً: إن كلاً من الرجال والنساء ينظرون إلى مكانة المرأة الثانوية في المجتمع مقارنة بمكانة الرجل بوصفها أمراً له شرعيته، نظراً للاعتقاد السائد بأن المرأة أدنى من الرجل نفسياً وعقلياً وروحياً.
وفي الثقافة الإسلامية ليس للمرأة إلا القليل من الحقوق في ما يتعلق باستقلاليتها. والطريقة الوحيدة التي تمكنها من ممارسة بعض النفوذ هي من خلال ابنها (أبنائها).
لذلك فإن إنجاب ابن مفيد لسلامة المرأة ومكانتها، في حين أن إنجاب ابنة ضعيف الأثر في هذا الخصوص. ومن خلال تفضيلها لابنها (أبنائها) ومعاملتها لابنتها (بناتها) بوصفها ثانوية، فإن المرأة تعزز النظام الاجتماعي القائم وتؤبد الصورة السلبية للمرأة.
(Postel en Schrijvers, 1976).
إن الصورة السلبية عن الذات، بوصفها ناشئة عن تشرب القيم الثقافية التي تعرف المرأة على أنها أدنى من الرجل، لها أثر سلبي على ثقة المرأة بنفسها. وإذا أرادت المرأة القيام بالدور الذي يطلبه المجتمع منها فإنها لا تستطيع أن تتصور أي نشاط آخر غير أعمالها المنزلية. إنها لا تتوقع أن تنجح في النشاطات التي تتجاوز عتبة بيتها. وحتى إن هي حاولت، فإن ضعف توقعها لنجاحها يقود إلى الفشل وإلى تعزيز ضعف ثقتها بنفسها. (Daniels, 1984).
ومع ذلك فإن المرأة في العديد من البلدان النامية تجتاز الحدود التقليدية وتحاول أن تجد لها مكاناً في عالم الرجل حيث العمل المنتج. غير أن ذلك لا يعني أن مثل هؤلاء النسوة قد قمن بحل مشكلة الصورة السلبية عن الذات؛ وكل ما في الأمر أن المسألة تتجلى هنا بطريقة أخرى.
إن هؤلاء "النساء العاملات" عرضة للسخرية والكراهية من بيئتهن؛ وينظر إليهن الرجال والنساء معاً بوصفهن أمهات سيئات لا أخلاقيات أنانيات إلخ. ومن الصعب ألا يراود هؤلاء النسوة الشك بأنفسهن؛ وكثيراً ما يحملن عبء الشعور بالذنب والعار لأنهن لا يعشن وفقاً لنواظم المجتمع. ولنؤكد هنا أنه يتم عكس صورة سلبية عن المرأة عليهن وسيقتضي الأمر منهن الكثير من الشجاعة كي لا يتأثرن بها. (Metha 1982).

العوائق التعليمية
من نافل القول أن نؤكد أن البلدان النامية لن تستطيع بناء تنظيماتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الضرورية لتنميتها الاقتصادية ما لم تطور وتستثمر مهارة ومعرفة كامل سكانها.
إلا أن الفجوة التعليمية الكبيرة بين الصبية والبنات، والرجال والنساء، في عدد كبير من البلدان النامية تمثل على ما يبدو العقبة الكبرى في وجه التقدم الاقتصادي. (UNIDO 1981).
وفي الكثير من البلدان النامية لا يتم ربط التعليم والتدريب بمصلحة الشرائح المحرومة، أعني النساء. ولذلك بدلاً من أن يكون التعليم سلاحاً لزيادة المساواة، فإنه يعزز عملياً البنية القائمة للسلطة.
وتبدأ هذه العملية مباشرة في مرحلة الطفولة؛ فنظراً لقلة الموارد المخصصة للتعليم يحصل الصبية على الأولوية على البنات بوصفهم "المعيلين" المستقبليين. ويتم إبقاء البنات في البيت حتى لو كان لدى الأهل موارد كافية لتعليمهن بسبب الشعور بأن "الاستثمار" في البنات هو نوع من الهدر. وإضافة إلى ذلك، يطلب من البنات ابتداء من سن باكرة مساعدة أمهاتهن في العمل المنزلي أو حتى في النشاطات الإنتاجية (القطاع غير الرسمي). وهكذا فإن كلاً من نوعي العوائق، الظرفية والقصدية، قائمان.
يبين الجدول التالي نتائج ممارسات التمييز هذه بدلالة الأمية بين النساء:

الجدول 1
معرفة القراءة والكتابة بين النساء مقارنة بالرجال
(معرفة القراءة والكتابة ـ عند الرجال = 100)

1970 1980
على المستوى العالمي 84 85
البلدان المتقدمة 99 99
البلدان النامية 65 71
أفريقيا 35 47
آسيا والمحيط الهادي 69 73
أمريكا اللاتينية 91 94
المصدر: الأمم المتحدة، 1982، ص 116

وطيلة عقدين من الزمن (1960-1980) ظل انتساب البنات للمدارس لفئتي العمر 6-11 سنة و 17-12 سنة يجري بمعدل ثابت، في حين تحسن معدل انتساب الجنسين تحسناً ملحوظاً كما هو مبين في الجدول 2 أدناه:
الجدول 2
عدد تلاميذ المدارس كنسبة مئوية من فئة العمر

فئات العمر
السنة 6-11 12-17 18-23
المنطقة
ذكور وإناث ذكور إناث ذكور وإناث ذكور إناث ذكور وإناث ذكور إناث
أفريقيا بدون البلدان العربية 1960 30.1 37.1 23.1 17.4 23.0 11.9 1.4 2.2 0.6
1975 48.9 55.4 42.5 30.7 37.7 23.7 3.9 5.8 1.9
البلدان العربية 1960 39.1 49.9 27.9 18.0 25.7 10.0 8.9 6.4 1.3
1975 59.1 71.8 46.0 34.6 44.6 24.2 12.3 17.1 7.2
آسيا بدون البلدان العربية 1960 53.9 64.8 42.6 25.8 32.9 18.5 3.9 6.0 1.8
1975 63.6 72.8 53.8 35.0 42.0 27.6 8.1 11.1 4.9
أمريكا اللاتينية 1960 58.5 59.0 58.0 36.2 38.7 33.5 6.3 7.8 4.9
1975 77.9 77.7 78.2 56.5 58.4 54.4 19.7 22.0 17.5
البلدان المتقدمة 1960 90.8 90.0 90.8 73.0 74.4 71.6 15.1 18.6 11.6
1975 93.4 93.9 93.5 84.5 84.1 85.0 29.6 32.3 26.9

وإذا تمكنت النساء من الحصول على التعليم (الثانوي، الجامعي)، فإن ذلك لا يضمن تلقائياً استقلالية هؤلاء النسوة في حياتهن اللاحقة؛ لأنهن في معظم الأحوال ينحدرن من الطبقة المتوسطة ومن شرائح النخبة في المجتمع التي لا تنظر إلى تعليم بناتها إلا كرأسمال (أصل، asset) في سوق الزواج.
وعلى وجه العموم فإن قلة عدد النساء اللائي يحظين بالتعليم الابتدائي والمتقدم لا يمثل سوى جانب واحد من المشكلة.
إذ يتمثل الوجه الآخر في نوعية التعليم، ونقصد بذلك مدى مساهمة التعليم في الحد من اللامساواة تجاه المرأة عن طريق تبديد أسطورة دونية المرأة، ومن خلال قيام التعليم بدوره كآلية لرفع مستوى الوعي. (UNIDO, 1981).
ففي كثير من الأحيان لا يقوم التعليم بأداء هذه الوظيفة؛ ذلك أن مضمون المحاضرات والكتب والمواد الدراسية لا يؤدي إلا إلى ترسيخ القناعة بأن المرأة لا يمكنها أن تكون فعالة اقتصادياً ولا ينبغي لها ذلك، وأن اعتماد المرأة على نفسها ضار بالمجتمع، إلخ.
ومن المشاكل الأخرى لمضمون البرامج التعليمية سمة العزل بين الجنسين؛ حيث يتم تعليم الرجال للقيام بالأعمال الفنية والإدارية وأعمال الإدارة العامة، بينما تعلم النساء للقيام بالنشاطات المنزلية أو بالأعمال المشتقة من الواجبات المنزلية كالتمريض، والتعليم، والاقتصاد المنزلي. (Nationale Advies Raad voor Ontwikkelingssamenwerking, 1980)
ولا تلقى فكرة التعليم الفني للنساء من أجل الأعمال الصناعية ترحاباً في معظم البلدان حتى أيامنا هذه.
لقد تناولنا حتى الآن بالبحث نظام المدرسة الرسمية (المدارس الابتدائية والثانوية، الجامعة). غير أن التعليم غير الرسمي، كصفوف التدريب للبالغين، تمارس هي الأخرى التمييز ضد المرأة.
ففي المقام الأول، لا تتلقى المرأة إلا الحد الأدنى من التدريب في كل من الزراعة والصناعة، وذلك إما لأنها تثبط بشكل فعال عن المشاركة أو لأنها "تنسى" بكل بساطة. وتجري الأمور على ذات المنوال في الكثير من مشاريع التطوير؛ إذ كلما انطلقت عملية تحديث بفضل الابتكارات العلمية والتقنية ترافقت معها عملية تشكل طبقي جندري (gender stratification): حيث يدرب الرجال على إدارة التقنية الجديدة والتعامل معها، بينما تبعد النساء عن عملية التغيير ويفرض عليهن البقاء في الأعمال ذات المهارة المنخفضة، والأجر المنخفض، والجهد الكثيف. بل إن هذا ليحدث حتى في المناطق التي طالما سيطرت فيها النساء على الزراعة أو الصناعة! (ICPE, 1985 and Nationale Advies Raad voor Ontwikkelingssamenwerking, 1985).
وإذا ما جرى الاهتمام بالمرأة في برامج تدريب البالغين فإن الأولوية ستعطى من جديد للمواضيع المنزلية (الصحة، الطهي، تربية الطفل، التطريز). إن هذه الموضوعات بالغة الأهمية طبعاً بالنسبة للبلدان النامية ولكنها لا تساهم بشيء في تحسين كفاءة المرأة المهنية خارج المنزل أو خارج نطاق مهن التعليم/التمريض. (Boserup, 1970).
ومن الدلائل الأخرى على انخفاض مشاركة النساء في نظام التعليم غير الرسمي للبالغين العدد القليل من النساء اللائي يشاركن في برامج التدريب الفني والإداري في البلدان الأجنبية.
وختاماً، ثمة سبب يدعو للاعتقاد بأن النساء في الكثير من البلدان النامية ينلن قسطاً ضئيلاً من التعليم بسبب هذه العوائق في كل من نظامي التعليم: الرسمي وغير الرسمي.
ويؤدي هذا بدوره إلى خلق كتلة سكانية من نساء غير قادرات على مجاراة التطورات، وغير واعيات لتخلف مكانتهن، ولا يمكن وسيلة لتحسين ظروفهن، ولا يستطعن الاستفادة من الفرص للحصول على عمل أفضل أو للقيام بعمل حر خاص بهن. وهكذا فإن التعليم، وهو أحد الآليات الرئيسية للحد من اللامساواة تجاه المرأة، لم يستطع حتى الآن إنجاز هذه المهمة، بل على العكس، عمل ضد مصالح المرأة وأصبح بذلك عقبة كأداء في وجه نضالها لتحسين مكانتها.

العوائق المهنية
يمكن النظر في العوائق المهنية من خلال أربعة معايير لتصنيف العمل:
أ?) العمل العام مقابل المنزلي
ب?) العمل الرسمي مقابل غير الرسمي
ت?) عمل هو تقليدياً للمرأة مقابل عمل هو تقليدياً للرجل
ث?) العمل الخدمي مقابل الإنتاجي
إن أكثر أشكال التقسيم التقليدي للعمل بين المرأة والرجل صلة بموضوع هذا البحث هو التقسيم بين المجالين العام والمنزلي: حيث يعمل الرجال مقابل أجر في العالم الخارجي، بينما تقوم النساء بالعمل غير المأجور في المنزل ومحيطه. أي يقوم الرجال بالعمل المتعلق بالإنتاج بينما تقوم النساء بالعمل المتعلق بإعادة الإنتاج.

أما الشكل الثاني لتقسيم العمل والمتعلق بالقطاعين الرسمي وغير الرسمي فهو وثيق الصلة بالشكل الأول.
يتميز العمل في القطاع غير الرسمي بالخصائص التالية:
- لا يتم توظيف العمل على أساس دائم أو منتظم.
- لا يقابل العمل بمكافأة ثابتة.
- لا يحمى العمل من قبل الضمان الاجتماعي أو وسائل الخدمة الاجتماعية.
- غالباً ما يأخذ العمل شكل عمل حر اعتماداً على الموارد الخاصة والمهارات المكتسبة خارج نظام التعليم المدرسي (Heyzer, 1981 and Blake, 1980).
تسيطر النساء في كثير من البلدان النامية على هذا القطاع غير الرسمي؛ ويكمن تفسير هذه الظاهرة تماماً في الدور المنزلي المسند للمرأة.
فلأن المرأة تقيد بأعمال المنزل منذ سن باكرة فإن العمل المنتج الذي تستطيع القيام به هو:
1. عمل يمكن القيام به في المنزل ومحيطه
2. عمل يتناسب مع دورها في إعادة الإنتاج، ولا سيما تربية الأطفال
3. عمل يحتاج إلى مهارات تطورت من خلال العمل المنزلي
4. عمل يحتاج إلى إنفاق رأسمالي صغير.
وبالتالي فالنشاطات المفتوحة أمام المرأة هي: إنتاج الطعام والتجارة به، طهي الطعام وبيعه، إنتاج البيرة، المهن اليدوية والخدمات المنزلية. (Heijzer, 1981).
والتقسيم الثالث للعمل هو بين الصناعات التي يعمل الرجل تقليدياً فيها وتلك التي تعمل المرأة تقليدياً فيها.
وهنا أيضاً فإن الصناعات التي اختصت بها المرأة تقليدياً هي تلك التي تكون عملياتها وأنشطتها الإنتاجية شبيهة بالأعمال المنزلية كصناعة النسيج والجلود والصناعات الغذائية.
وكثيراً ما يكون هناك تداخل بين القطاع غير الرسمي والصناعات التي تعمل بها النساء تقليدياً بمعنى أن تقوم النساء بإنتاج السلع في بيوتهن بينما تقدم الصناعة لهن المواد اللازمة ولا تدفع لهن إلا أجراً منخفضاً جداً لقاء العمل الذي يقمن به.
وأخيراً فإن المهن المتصلة بالخدمات غالباً ما تسيطر عليها المرأة كذلك مثل التمريض والتعليم والسياحة إلخ. وهنا أيضاً يمكن أن نلاحظ أن هذه الأعمال هي في الواقع امتداد للمهام المنزلية المتعلقة بالعناية بالعائلة وبالضيوف.
من الواضح أن هذا التقييد المهني بالقطاع غير الرسمي أو المنزلي يفرض العديد من العوائق في وجه المرأة:
- فالقطاع غير الرسمي هو بالتعريف قطاع ذو شروط عمل صعبة: أجور متدنية أو محتسبة على أساس القطعة، وخلو من الضمان الاجتماعي، ومن الحق بالحصول على الخدمات الاجتماعية، وانعدام لإمكانيات للترقية، وظروف عمل سيئة، وعمل يتصف بالتكرار والرتابة. إن هذه الظروف تجعل من المستحيل بالنسبة للمرأة أن تبحث عن خيارات أفضل، فهي لا تكتسب مهارات جديدة، ولا تستطيع أن توفر النقود لتستثمرها في عمل خاص بها، ولا تستطيع أن تحتج خشية أن تفقد عملها.
- وغالباً ما يتم تبرير كون النساء هن على وجه الخصوص من يعمل بهذه الأعمال المتدنية الدخل بتعريف عمل المرأة بأنه "عمل لا يتطلب مهارة" أو "يتطلب قليلاً من المهارة" أي أنها لا تحتاج إلى أرضية تعليمية أو أنها تحتاج إلى القليل منها أو إلى مجرد التدريب "أثناء العمل". ولكن هذا التعريف، وكما يثبت Heyzer، يتغاضى عن جانب مهم: إن المهارة اليدوية وملكة التقييم الممتازة "المشهورتان" في النساء ليستا خصلتين طبيعيتين، بل هما مهارات طورت عبر سنين من العمل المنزلي. ولكن لأن هذا التدريب غير مرئي فإن الأعمال التي تحتاج إلى هذه المهارات توسم بأنها "لا تتطلب مهارة" أو "تتطلب قليلاً من المهارة" وتدفع لها أجور منخفضة. فلو جرى أخذ الزمن اللازم لاكتساب هذه المهارات بعين الاعتبار عند تقدير الأجور، لكانت هذه الأجور أعلى بكثير فعلاً. (Heyzer, 1981). ومرة أخرى نجد هنا تقييماً لامتناظراً لقدرات الرجل والمرأة.
- غالباً ما يعرف عمل المرأة المقيد بالمنزل أو بمحيطه القريب بأنه "نشاط منزلي". ولذلك لا يتم تسجيل عمل المرأة في الإحصائيات بوصفه عملاً أصيلاً، رغم كونه عملاً منتجاً ويدر دخلاً للأسرة بشكل فعلي. (Advies Varouwen en Ontwikkeling, 1985). وبالتالي لا تنظر الحكومات ولا نقابات العمال إلى النساء بوصفهن من بين "زبائنهم"، وبالتالي فإن هذه المؤسسات لا تدافع عن مصالحهن.
- تنظر النساء إلى أنفسهن على أنهن معزولات، وينظرن إلى "زميلاتهن" النساء كمنافسات لهن، وبذلك لا يدركن أن السبيل الوحيد أمامهن هو تنظيم أنفسهن وتجميع قدراتهن لاستخدامها في سبيل تحسين ظروف عملهن.
من الواضح أن هذا التقييد المهني للمرأة بالأعمال ذات الدخل المتدني والضمان المنخفض لا يخلق عقبات كبرى أمامهن وحسب، بل يعزز هذه العقبات ويشددها أيضاً، جاعلاً من العسير جداًر تحسين ظروف المعيشة.

عوائق الدور
سنركز في هذه الفقرة على نوعين من القيود:
1. تناقض متطلبات الدور (بين الدور المنزلي والدور العام)
2. تأثير مكانة الأقلية على قيام المرأة بدورها.
كما ذكرنا سابقاً، ما زال الزواج والعناية بالأسرة هو الدور المسند اجتماعياً للمرأة في معظم البلدان النامية. ولكن من جهة أخرى، يتنامى الوعي بأن بإمكان النساء، ومن واجبهن، أن يساهمن في التنمية الاقتصادية لبلدهن.
وأكثر من ذلك، فقد أصبح العامل الحاسم هو أن كثيراً من العائلات لم يعد بمقدورها أن تستمر اعتماداً على دخل الرجل وحده؛ وصار لزاماً على الزوجة أن تعمل لتحافظ على استمرارية الأسرة اقتصادياً. ورغم هذه التغيرات الحقيقية تبقى قائمة الأيديولوجيا القائلة إن النشاطات المنزلية هي من أولى مسؤوليات المرأة. وهو ما يجعل المرأة في الواقع تقوم بوظيفتين: فحتى لو كانت تعمل بدوام كامل خارج المنزل، ستبقى أعمال المنزل في انتظارها. (Daniëls, 1984).
ولكن المسألة ليست مسألة الكثير مما يجب القيام به والقليل من الوقت. فهناك تناقضات نفسية أيضاً. فعندما يكون للمرأة عمل في العالم الخارجي فيه قدر من المسؤولية والقدرة على اتخاذ القرار، لا بد لها من أن تصبح أكثر استقلالية في طريقة تفكيرها. ومن الممكن لها أن تبدأ بالشك في ما تقسيم النفوذ والسلطة في عائلتها، وسيكون من الصعب عليها أن تبقى تلك "الزوجة الصالحة" وفق طراز الخنوع التقليدي. ويمكن لهذا الصراع بين الاستقلالية والتبعية أن يظهر إلى العلن بينها وبين زوجها، ولكن من الممكن له أيضاً أن يخلق صراعاً داخلياً لدى المرأة ذاتها إذ تجد نفسها ممزقة بين "إنيتين". وهذا يولد بدوره شعوراً بعدم الأمان وشعوراً بعدم إمكانية القيام بشكل كامل بالمتطلبات التي تقتضيها منها أدوارها المختلفة.
لقد وصفت Kanter كيف تتأثر النساء في مواقع الإدارة بمكانتهن "الرمزية"، أي بكون إحداهن الوحيدة في هذا المستوى في مؤسسة ما، أو واحدة من قلة من النساء في هذا المستوى. فقبل كل شيء لا تمثل المرأة "الرمز" نفسها وحسب، بل جنسها بأكمله. فإذا فشلت سيتم النظر إلى جميع النساء على أنهن غير مناسبات لهذا العمل.
وللمرأة "الرمز" ظهور قوي جداً، فهي تستقطب الانتباه. ويؤدي هذا الفقدان للخصوصية إلى خلق مزيد من الضغوط عليها. وأكثر من ذلك، فكثيراً ما تسلط الأضواء على أخطائها بوصفها "أخطاء أنثوية نمطية"، أما نجاحاتها فتعزى إلى حقيقة أنها تحظى بامتيازات نتيجة كونها فرداً من الأقلية. لكن ينبغي على المرأة "الرمز" أن تثبت بداية ولاءها للأغلبية وإلا فإنها تخاطر بأن تكون عرضة للإقصاء. ويجب عليها أن لا تنتقد المجموعة وأن لا تتذمر من من مكانتها فيها، بل عليها أن تصبح "واحداً من الفتيان". وطبعاً، يمكن أن يتسبب هذا بفقدان المرأة لهويتها. (Kanter).
لقد أجرت Kanter بحثها في شركة في أمريكا الشمالية، ولكننا نعتقد أن المشاكل المتعلقة بكون المرأة "رمزاً" هي ذات طابع كوني. وفي البلدان التي لا يتوافق فيها مفهوما "مرأة" و "مهنة" سيكون على المرأة التي تحاول التوفيق بينهما أن تعاني من عواقب كونها "رمزاً". ومرة أخرى يكون لهذا فعله كعقبة كبيرة في وجه النساء كموظفات مأجورات في المستويات العليا للشركات.

العوائق القانونية
من الممكن ملاحظة العوائق القانونية في وجه المرأة العاملة في ثلاثة مستويات:
1. وجود قوانين تمييزية، وعدم وجود قوانين حمائية أو داعمة.
2. جهل النساء أنفسهن بالقوانين الداعمة والحمائية وعدم كفاية خدمة الإعلام.
3. صعوبة فرض القوانين الداعمة والحمائية في بعض الحالات.
جرت صياغة التشريعات في معظم البلدان النامية في العقود الأخيرة بشكل يدعم مكانة المرأة، ورغم ذلك توجد حالات تطرد فيها النساء من عملهن إذا تزوجن أو حملن.
ومع ذلك، يمكن القول عموماً إن معظم البلدان تبنت تشريعات تتفق مع اتفاقيات منظمة العمل الدولية بحيث تنص على النواحي التالية:
- أجر متماثل لعمل متماثل.
- تساوي الفرص والمعاملة للعمال الذكور والإناث.
- قوانين ضد التمييز.
- حق المرأة بالتملك.
- قوانين ضد مهر الزواج إلخ. (Advies Varouwen en Ontwikkeling, 1985).
ومن جهة أخرى، قليلة أو معدومة هي التشريعات المتعلقة بحق المرأة في الحصول على دعم مالي في حالة الطلاق أو الهجر، أو الاعتداء المعنوي أو الجسدي من قبل الزوج، أو ضمان الحصول على نصيب عادل من الإرث، وضمان الاستقلال الاقتصادي بمعنى أن تكون المرأة هي صاحبة القرار في التصرف بدخلها. (UNIDO, 1981).
ويتجلى جهل النساء في النواحي التشريعية بطريقتين. أولاهما، قلة عدد النساء في أعلى سلم البنية التشريعية؛ مما يجعل تدخل النساء قليلاً أو معدوماً في القرارات التشريعية التي تمسهن بشكل مباشر، كما أنهن لا يملكن القدرة على فرض تنفيذ التشريع الداعم القائم. وثانيتهما، أن أعداداً كبيرة من النساء، وخاصة الأميات منهن، ليست لديهن أدنى فكرة عن وجود قوانين تدعمهن وتحميهن؛ كما لا يعرفن حقوقهن وامتيازاتهن ولا إلى من يلجأن عندما يحتجن مساعدة قانونية.
ونظراً لنقص التعليم والأمية وتشتت النساء في المناطق الريفية فإن خدمات الإعلام الحكومية تعاني من صعوبة في الوصول إلى النساء، بينما هن في أمس الحاجة إلى هذه المعلومات. (Nationale Adviesraad voor Ontwikkelingssamenwerking, 1985).
وأكثر جوانب هذه القضية أهمية هو عدم إمكانية فرض معظم القوانين الحمائية عملياً. إذ إن مبدأ " أجر متماثل لعمل متماثل" يمكن أن يتم استبعاده من خلال مسائل قياسية في تصنيف العمل، كذلك من الصعب إثبات ممارسات التمييز في الانتقاء والتوظيف. وتنطبق الجوانب ذاتها على فرص التدريب والترقية: فالممارسات التمييزية ماكرة جداً ومن الصعب محاربتها.
وهكذا تبقى القوانين نموراً من ورق، عاجزة عن تغيير الممارسات والتقاليد والأيديولوجيا التي تواجدت لآلاف السنين. (Caplan, 1978).
وطالما ظلت معايير التمييز غير محددة بدقة، وظلت العقوبات غير موجودة، قسيبقى الوضع على ما هو عليه.

عوائق البنية التحتية
تتجلى عوائق البنية التحتية في محدودية إمكانية استفادة المرأة من الوظائف الداعمة ومن تسهيلات الاقتراض وأقنية المعلومات.
إن هذه العوامل حاسمة جداَ في ظهور نساء مبادرات في مجال الأعمال، لأن معظم هذه التسهيلات (الحكومة والمؤسسات المالية) يديرها الرجال. وهؤلاء الرجال لا يقرون دائماً حقيقة أن المرأة تواجه في هذا المجال، أكثر من نظيرها الرجل، العديد من العوائق العملية والمطلبية (attitudinal) عندما تريد تأسيس أو إدارة مشروع صغير.
لقد تم تحديد العوائق التالية في ضوء البحوث الحديثة:
- في كثير من الأحيان تواجه النساء المبادرات أثناء تأسيسهن لمشروعهن عقبات قانونية، كبعض الأعراف الاجتماعية التي تحظر على المرأة امتلاك الأرض، أو قوانين الميراث التمييزية. وإذا لم يكن لدى النساء الأرض والمال فلن يستطعن تقديم ضمانات للمصارف ومؤسسات الإقراض الأخرى، وبالتالي لن يستطعن الحصول على تمويل للاستثمار.
- تفضل مؤسسات الإقراض الاستثمار في العمليات الكبيرة التي تمتاز بانخفاض الخطورة والتكاليف. في حين أن النساء يضطررن للتركيز على قطاع الأعمال الصغيرة (الرسمي وغير الرسمي) وبالتالي يواجهن صعوبات في الحصول على التمويل.
- وعندما تستند جدارة الاقتراض إلى السمعة بدلاً من الضمانات، كما هي الحال في بعض البلدان المتقدمة، يبقى التمييز ضد النساء قائماً. وهذا يرجع إلى اللاتناظر الذي وصفناه عند تقييم الذكر والأنثى: إن الرجال يحظون باحترام أكبر، كذلك تحظى سماتهم الشخصية لتقدير أكبر. ويتجلى عمل هذا العائق على مستوى التمييز بشكل خاص في الثقافات التي يظهر فيها مفهوما "الأنوثة" و"المبادرة الاقتصادية" كمفهومين متناقضين.
- لقد دلت البحوث على أن المعيلات من النساء ينفقن على أسرهن مقداراً أكبر من دخلهن مقارنة بالمعيلين من الرجال، الذي يحتفظون بجزء مهم من دخلهم للتوفير والاستجمام. وهذا يعني أنه حتى عندما يكون للمرأة دخل صغير من نشاط إنتاجي فلن يكون بمقدورها التوفير لتوسيع عملها، لأن ذلك سيؤدي إلى الجوع في حاضرها الراهن. (Advies Varouwen en Ontwikkeling, 1985).
- إن النظرة القائمة إلى الحياة المنزلية بوصفها وحدة إنتاجية واحدة يعتبر الرجل فيها هو المعيل، تقف أيضاً في وجه النساء المبادرات. ففي المقام الأول، توجه المؤسسات المالية كل معلوماتها وتسهيلات الاقتراض التي تقدمها إلى المدبر الذكر لشؤون الأسرة، وقلما تجرى الأبحاث حول الاقتسام الحقيقي للمسؤوليات بين الزوج والزوجة. والنتيجة المباشرة لذلك هي أن المرأة إذا حصلت على القرض عن طريق استخدام اسم زوجها، فإن سلطة القرار في المشروع، وعمل المرأة والأولاد، والدخل المكتسب تبقى جميعها بأيدي الذكر. (Advies Varouwen en Ontwikkeling, 1985).
- تعد الاستمرارية واحدة من متطلبات العمل الناجح. وفي بعض الأحيان تعتبر المصارف ومؤسسات الاستثمار مسألة الاستمرارية مسألة أساسية عند تعاملها مع النساء المبادرات (المسؤولية المضاعفة، إلخ.) وتستخدم ذلك أساساً لرفض إقراض النساء.
- كثيراً ما تحد العادات الاجتماعية من حرية حركة المرأة؛ وهو أمر له أثر كبير على حصولهن على التعليم والتدريب اللازمين للمبادرة الاقتصادية، وعلى حصولهن على معلومات عن (السوق) ومناطق التجارة.
- يمكن لاتفاقيات الترخيص أن تستخدم ضد عمل المرأة. فعندما يكون عمل المرأة مطلوباَ في المجالات التي يمتلكها الذكور، يتم اللجوء إلى الحد من دخول المرأة إلى السوق عن طريق عدم إعطائهن إلا نسبة مئوية بسيطة من حقوق الترخيص. (Boserrup, 1970).
- كذلك يشكل غياب البنية التحتية التي تساعد المرأة على العمل خارج المنزل عائقاً كبيراً. فخدمات رعاية الأطفال نادرة، والحصول على مساعدة في الأعمال المنزلية هو من الأمور المتعذرة أو الباهظة الكلفة. إن ما تقدمه الحكومات والمصانع لمساعدة النساء العاملات في هذا الصدد ضئيل أو معدوم. كما أن الأجهزة التي توفر الجهد المبذول في عمل المنزل قليلة أو غالية الثمن، وفي غضون ذلك يبقى الموقف السائد لدى الأزواج هو أنهم غير مسؤولين عن المساعدة. (UNIDO, 1981).
- ما تزال التنظيمات والشبكات النسائية التي تحاول أن تعمل بشكل جماعي على تشكيل جماعة ضغط تساند النساء العاملات قليلة العدد. ونظراً لعوامل واقعية كالأمية ومحدودية الوقت وضعف الثقة بالنفس لدى النساء، فإنهن لا يبادرن بسهولة لتنظيم أنفسهن. وبالطبع، توجد في العديد من البلدان تنظيمات نسائية ما تزال تؤكد صلاحية النظام الاجتماعي القائم وتوجه عملها لدعم نشاطات النساء في إعادة الإنتاج ضمن الأسرة.

العوائق الاجتماعية/الثقافية
عندما نتحدث عن القيود الثقافية فإننا نفكر بشكل رئيسي في طريقة تعريف الثقافة للذكورة والأنوثة والمواقف والسلوكيات المسندة للرجال والنساء.
لقد تواجدت هذه التعاريف الثقافية على امتداد آلاف السنين، ولها جذور بالغة العمق في تاريخ البلدان. ولذلك فهي تشكل أساساً بنيت عليه جميع القيود الأخرى، كما أنها السبب الذي يجعل من تنفيذ عملية التغيير أمراً صعباً ويستغرق وقتاً طويلاً.
وكما يؤكد Rosaldo، فإن جميع المجتمعات المعروفة لنا تقر بوجود بعض الفوارق بين الجنسين وتقرنها بخصائص محددة وعادات ومسؤوليات خاصة بكل من النساء والرجال. وتولي معظم المجتمعات أهمية بالغة لنشاطات الرجال بالمقارنة مع نشاطات النساء، كذلك تعطي المنظومات الثقافية السلطة والقيمة لأدوار الرجال ونشاطاتهم. ويتجلى هذا اللاتناظر الجنسي في الاقتصاد، والشعائر، وفي الجوانب التعبوية والأخلاقية. وهو يترافق مع اقتسام لاتناظري للسلطة والصلاحيات: فللرجال حق مشرع ثقافياً في تبعية النساء وخضوعهن لهم. إلا أن ذلك لا يعني أن النساء لا نفوذ لهن، ولكنه نفوذ غير رسمي ولا يجري الإقرار به علناً.
ويحدد Rosaldo اقتسام العمل الجنسي بوصفه الإطار الحاسم للقيم المختلفة المرتبطة بأدوار الجنسين. فالمرأة تلد الأولاد وترضعهم وهي نتيجة لذلك تقوم بالنشاطات المنزلية. وبما أن النساء أنفسهن قد نشأن في عائلاتهن على يد أمهاتهن فإن انتقالهن إلى دور البلوغ يتم بشكل سلس. أما الرجال فيتوجب عليهم أن يشقوا طريقهم إلى خارج فضاء المنزل "كي يصبحوا رجالاً"، وهم مضطرون لإثبات جدارتهم ومكانتهم.
وأكثر من ذلك، فإن النساء بحكم مهمتهن في الخدمة والرعاية يكن قريبات جداً من الأشخاص الذين يتفاعلن معهم، أما الرجال فهم أكثر بعداً عن الآخرين مادياً واجتماعياً، ويبدو أن من بين قوانين علم النفس أن المسافة تولد السلطة والتحكم. كذلك فإنه في المجموعات الاجتماعية التي يتفاعل فيها الرجال مع بعضهم تتم صياغة النواظم والمعايير لترتيب العلاقات فيما بينهم على أساس إنجازاتهم الواضحة.
أما الأدوار الاجتماعية للنساء فتمايزها أقل بكثير. إذ تتمايز النساء من خلال علاقتهن بالرجل (زوجة، أم، ابنة، أخت) كما يقوم تمايزهن على أساس ميزات انتقائية (ideosynchratic) فقط كالشخصية والمظهر. إن هذه المعايير بحد ذاتها لاعقلانية ولامنهجية وهي السبب في تلك الصورة المعممة والمبسطة عن المرأة بوصفها "ميالة للتعبير عن عواطفها، وميالة للتفكير الحدسي، ولاعقلانية".
ويوضح ما سبق حقيقة كون الثقافة لا تملك تعريفاً كافياً لنشاطات واهتمامات النساء، كما إنها لا تملك وصفاً كافياً يجيب عن أسئلة مثل: من هن، وما هي حقيقتهن!
وفي نفس المنحى، يتم تعريف عالم الرجل بمؤسساته المتطورة اجتماعياً على أنه "ثقافة" و"نظام"، في حين يكون عالم المرأة "طبيعة" و"فوضى" وذلك من خلال ارتباطه المباشر بالوظائف البيولوجية. وبما أن البشر يتوقون للأمان والوضوح والنظام لأن ذلك يطمئن خوفهم، لذلك ينظر إلى عالم الرجل على أنه خير، في حين ينظر إلى عالم النساء بوصفه منحرفاً، قذراً، شريراً، ودنساً.
تقود كل هذه الجوانب في التعارض بين الفضاءين، العام والمنزلي، إلى تقييم ثقافي لاتناظري لدوري المرأة الرجل. (Rosaldo, 1974).
ويمكن لمس نتائج تعريف المرأة على أنها أدنى من الرجل في كثير من القيم والممارسات الثقافية.
وتفعل المعتقدات الثقافية فعلها أيضاً في الآراء المتعلقة بالمرأة والعمل، والدور الاقتصادي الذي يمكن للمرأة أن تلعبه في المجتمع.
• ففي كثير من الأحيان تضطر المرأة لمواجهة عداوة ومقاومة زوجها وأقاربه. حيث يعتقدون أن عمل المرأة سيؤدي إلى عدم استقرار الأسرة: فالنساء قد يصبحن أكثر استقلالاً والرجال يخشون من فقدان هيمنتهم المنزلية (UNIDO, 1981).
• كذلك فإن الرجال ينظرون إلى عمل المرأة بوصفه يعكس سلباً قدرتهم على تأمين احتياجات الأسرة مما يشعرهم بأن مكانتهم مهددة. وفي المقابل يدل إبقاء المرأة في البيت على مكانة عالية "إن زوجتي ليست مضطرة لأن تعمل". وحتى عندما يؤدي ذلك إلى أن تعيش الأسرة تحت مستوى المعيشة الأدنى، يبقى الرجل مصراً على موقفه. (Boseruo, 1981). كذلك يخشى الرجل من أن تسلك المرأة طريق الدعارة كي ترد له المهر وتتركه. (Boseruo, 1981).
تشكل هذه القناعات والمواقف قوة كبيرة في وجه عمل المرأة: فإذا حاولت المرأة أن تتخطى حدودها التقليدية فإنها ستتعرض لكثير من العقوبات الاجتماعية (السخرية والهزء والعزلة) حتى تجبر على الاستسلام إما من قبل زوجها وأقاربه، أو بفعل خوفها وخجلها هي.
• ومن الحجج الأخرى التي تثار في شتى أنحاء العالم ضد النساء العاملات هي أنهن يسرقن فرص الاستخدام من الرجال، الذين هم من يكسبون قوت أسرهم. (Boserup, 1970). وهكذا ينظر إلى النساء كمعيلات ثانويات يستخدمن دخلهن للإنفاق على الكماليات.
• إن هذا التعريف للنساء بوصفهن معيلات ثانويات يتصل طبعاً بالنظرة السائدة في كل أصقاع العالم إلى المرأة بوصفها زوجة وأماً في الأساس. فمكان المرأة هو في المنزل وعملها يسمى عملاً منزلياً. ويفترض أن يكون الرجل هو من يكسب الدخل بينما تقدم المرأة الدعم من الخلف. غير أن ذلك لم يعد يعكس الواقع كما يبين Heyzer: ففي كثير من الحالات تكون مساهمة المرأة في توفير احتياجات الأسرة مساوية أو لمساهمة الرجل أو تزيد عنها. (Heyzer, 1981). وأكثر من ذلك فقد دلت البحوث على أن المعيلات من النساء ينفقن على أسرهن مقداراً أكبر من دخلهن مقارنة بالمعيلين من الرجال، الذي يحتفظون بجزء مهم من دخلهم للتوفير والاستجمام. (Advies Varouwen en Ontwikkeling, 1985).
• ومن الآثار الأخرى للنظرة السطحية للمرأة على أنها زوجة وأم، النظر إلى النساء كخزان للعمالة يتوسع أثناء الركود الاقتصادي ويستخدم ثانية أثناء النمو الاقتصادي. وهنا أيضاً يتم تجاهل حقيقة كون المرأة مصدر الدخل الوحيد للأسرة.
• ومن الآثار الهامة للثقافة على حياة النساء في آسيا وشمال أفريقيا ممارسة "الحجاب"، وهي تتراوح من اقتضاء الخمار عند ظهور المرأة في الأماكن العامة إلى منع النساء من دخول بعض مناطق المدن (الأسواق) إلى فرض العزلة على النساء في منازلهن. ومهما كان مصدر هذه المعتقدات، فهي تقيد حركة المرأة إلى حد كبير. (Boserup, 1970): حيث لا يسمح للنساء بالتجول بحرية في المدينة ولا يستطعن أن يتحدثن أو يتعاملن مع الغرباء (رجال!). وبالتالي لا يستطعن القيام بالنشاطات التجارية ولا العمل في مصنع أو حانوت حيث سيقتضي ذلك منهن الاحتكاك بالرجال. وبنفس الطريقة تختزل فرصهن في التعليم والتدريب والحصول على المعلومات إلخ. ويقيدن إلى بيوتهن لتتم حميع علاقاتهن مع العالم الخارجي عن طريق الرجال. كذلك فإن جميع نشاطاتهن الإنتاجية ستتم ضمن هذه الدائرة.
تزيد جميع هذه القيم الثقافية من دونية المرأة تجاه الرجل وتشكل أساساً تبنى عليه جميع القيود الأخرى.
لقد وجدت هذه الصور عن الرجل والمرأة منذ آلاف السنين ولها جذور عميقة في عقول الناس وقلوبهم. إن تغييرها صعب، ولكنها يجب أن تتغير، لأنه بخفض مكانة نحو نصف السكان إلى مرتبة ثانوية، يتم الحفاظ على وجود جميع عوامل واقع التخلف في البلدان النامية (النمو السكاني السريع، الفقر، البطالة). (UNIDO, 1981).
إن الأدلة المتوفرة تدعم نتيجة أولية مفادها أن العوائق التي تواجه النساء المبادرات هائلة جداً. وأكثر من ذلك فإن هذه العوائق متداخلة ويصعب التغلب عليها. إنها تشكل حلقة لا نهاية لها: المكانة الثانوية للمرأة ـ تعليم بسيط أو معدوم ـ انعدام العمل في القطاع الرسمي ـ دخل منخفض ـ انعدام فرص تحسين ظروف المعيشة ـ الحاجة لمساعدة البنات في الأعمال المنزلية ـ انعدام التعليم إلخ.
يجب أن تكون الخطوة التالية هي القيام ببحوث ميدانية لاختبار صحة النتائج الواردة أعلاه وذلك بحثاً عن سبل ووسائل إزالة هذه العوائق.