كذب الرجال ولو صدقوا



أحمد حافظ
2004 / 9 / 5

كذب الرجال ولو صدقوا
عندما كنت طالبا في الجامعة حظيت بفرصة نادرة في الالتقاء بمدرسين من كل أنحاء العالم, جاءوا بأفكار ومعتقدات لم أتعود عليها ولم أسمع بها من قبل. من بين هؤلاء مدرس اللغة الإنجليزية الكندي الذي تعرفت عليه في نفس السنة التي قدم بها للسعودية. وكنت من الأوائل الذين تعرف عليهم وألف التحدث معهم. كعادة الغربيين (خصوصا المدرسين) الذين يجوبون أنحاء الدنيا رغبة في التعرف على عادات الشعوب والاستفادة من التنوع التي تحظ به الكرة الأرضية التي نتشارك فيها نحن معشر البشر, دأب المدرس على السؤال عن عادات المجتمع السعودي وأبدى اهتماما بالغا بالمحرمات منها لكي لا يجرح أي إنسان بتصرف قد يكون مقبولا في كندا ولكنة مرفوض عندنا.

طبعا لم يخفى على المدرس الجديد مدى تأثير الفكر الديني على الشباب السعودي, وكيف أن كل ما نقول يلحق بكلمة "إنشاء الله" مثلا, وأخذ يسألني عن معنى هذه الكلمة فقلت له " الناس هنا تؤمن بأن عليها أن تقدم مشيئة الله على مشيئتهم" ويمكن أن تترجم الكلمة بالغة الإنجليزية إلى "God Welling" هز المدرس رأسه متفهما وأصبح يقول هو الأخر "إنشاء الله" بلهجة عربية مكسرة, رغبتا منه في التقرب لتلاميذه وإظهار الاحترام لمعتقداتهم.

مضى الأسبوع الأول وبدأ الجد, وكالعادة يتغيب التلاميذ وقت الجد, ويتغير البيت القائل "من طلب العلا سهر الليالي" إلى البيت القائل "من طلب العلا نام الليالي" فالحديث على التليفون أهم من الحصة, والمباراة الفلانية والموعد الفلاني والقائمة تطول, خصوصا في جامعة يأتي معظم طلابها من مدن بعيدة, متحررين من قيود الوالدين. ولأن المجتمعات العربية لا تعرف ما معنى "الحرية المسؤولية" تصبح الحرية سلاحا فتاكا إذا ما حصل علية الشخص المحروم منه لمدة طويلة.

عموما خرجنا ذلك المساء مع المدرس الكندي الذي بدا شاحبا حتى وصلنا للمطعم, ودون انتظار أو مقدمات نظر إلى المدرس أنا وصديقي الذي كان معنا وقال "أليس الكذب جزء من الثقافة المحلية هنا؟" لا أبالغ أبدا إذا قلب بأنه فعلا صدمني, ففي ذلك الوقت لم أكن بعد قد تمرست على نقد الذات, فوجدت شخصا يطالبني بما هو أعظم من ذلك, فهو يطالبني بنقد "المجتمع" وإن كان الفكر الديني ينص على آلاف المحرمات, فإن نقد المجتمع أو "الجماعة" هو أعظم هذه المحرمات. لذلك لم أتقبل الصدمة وتحولت الجلسة لدفاع من جانبي أنا وصديقي السعودي وهجوم (أو هكذا رأيناه في وقته) من المدرس الكندي. ولم يهدأ الموضوع حتى وضح المدرس لنا بأنه يفهم بأن الدين يرفض مثل هذا الكذب ولكنه موجود. وشرح لنا كيف يكذب عليه الطلاب عندما يتغيبون عن الحصص وكيف أنه يرى الكذب في أعينهم مرة بعد مرة. وكيف أن كلمة "إنشاء الله" تعني التأجيل الذي لا ينتهي بدلا من أن تكون دليلا على حسن النية!

لم أنسى "اتهام" المدرس لنا بالكذب ونقلت السؤال لوالدي الذي "أجهز" علي تمام بتأكيد قول المدرس عندما قال "الناس تكذب في أي مجتمع, والإنسان الصادق هو من يكذب قليلا". صدمة جديدة أجبرتني على التفكير, لماذا نكذب نحن؟ وأين هي الصورة المثالية عن العالم التي كنا ندرسها في المدرسة؟ وطبعا سرعان ما تبين لي مع مرور الأيام والاحتكاك بالناس في بيئة الجامعة الأقل مثالية من المدرسة بأن "النفاق" هو السائد وليس العكس. فالشباب الذين يحلمون بالصحابة والخلفاء الراشدين يعشون في عالم يختلف في كل التفاصيل عن عالم "الأولين" المثالي. فيصابوا بانفصام في الشخصية بين ما هو واقعي وما هو مفروض. وفي ظل هذا الصراع النفسي يسقط الشباب بين كماشتين, فإما أن يكون الشاب "منحرف" يقترف كل الذنوب ويكسر كل القوانين, أو يتحول الشاب إلى "مطوع" يعود بالساعة للوراء. وكلاهما سيئ, وإن كان المنحرف أفضل حالا, فالمنحرف لم يفهم العالم عندما اختلفت علية القوانين فقرر العيش بلا قوانين, والمطوع لم يفهم العالم أيضا ولكنه قرر فرض واقع غير موجود وقوانين "اندثرت" منذ زمن فلم يفهم العالم ولم يعش فيه.

ولكن لماذا الحديث عن كذب الرجال الآن؟ في الحقيقة استعدت كل هذه الذكريات بعد عملية الاختطاف الإرهابية في روسيا, والتي برهن فيها الإرهابيون على أن معظم ما يدعيه الرجال هو كذب ونفاق. فالرجل الذي يدعي الدين والتدين, يحبس أطفالا لمدة ثلاث أيام في المدرسة, ويتسبب في قتل الكثير منهم, و لكنه يراعي حق الله عندما يفصل بين الإناث والذكور! والرجل صاحب كذبة "الفطرة النسائية" يصنع "إرهابيات" ليشاركن "سي السيد" القتل والدمار, فتارة تقتضي الفطرة الجلوس في المنزل (عاطفية,ناقصة عقل, ضعيفة) وتارة تقتضي نسف الطائرات (مجاهدة)!

الحرية في الاختيار, المساواة بين الناس, حقوق الإنسان في الدين, الأخلاق, أولوية حفظ النفس, لا إكراه في الدين, المرأة عاطفية وناقصة عقل كلها أكاذيب صنعها رجال, والمشكلة هي أن صانع الكذبة صدقها وأخذ يحارب ليقنع العالم بأن الكذبة حقيقة وأن الحقيقة كذبة فأصبح يعيش في عالم غير واقعي, يصل فيه بين الكذب والنفاق والتلاعب والقتل والدمار بالعدل والحرية! و أخيرا أقول لكل إنسان يوافق على فتواي مشايخ الإرهاب وعلى رأسهم القرضاوي (المعتدل), لن أحكم على ما تفعل لأني أدعي امتلاك الحقيقة, أو لأنني مسلم ولكني أحكم عليك بصفتي إنسان. و بصفتي إنسان أرى أنك خالي من كل معنى لهذه الكلمة, فكونك تشبه البشر لا يعني بالضرورة أنك منهم, فالقردة تشبهنا ولكنها ليست من البشر. ولكن القردة أفضل منك لأنها لا تملك عقلا, أما أنت فتملك عقلا تستخدمه في القتل والدمار.


أحمد حافظ

مجموعة الدفاع عن حقوق المرأة السعودية

http://groups.yahoo.com/group/thewomanright