التّمييز وعنف التّمييز ضدّ المرأة في العالم العربيّ



رجاء بن سلامة
2004 / 9 / 5

التّمييز والعنف مصطلحان يسمّيان القمع المسلّط على النّساء في الصّكوك الدّوليّة وفي أدبيّات حقوق الإنسان. أمّا التّمييز ضدّ النّساء فتعرّفه المادّة الأولى من "اتّفاقيّة القضاء على جميع أشكال التّمييز ضدّ المرأة (المعتمدة سنة 1979) : "أيّ تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتمّ على أساس الجنس ويكون من آثاره أو أغراضه توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحرّيّات الأساسيّة في الميادين السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثّقافيّة والمدنيّة أو في أيّ ميدان آخر، أو توهين أو إحباط تمتّعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها، بصرف النّظر عن حالتها الزّوجيّة وعلى أساس المساواة بينها وبين الرّجل." وعرّف "الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة" (المتنبنّى سنة 1993) العنف ضد المرأة بأنه : "أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس ينجم عنه أو يحتمل أن ينجم عنه أذى أو معاناة بدنية أو جنسية أو نفسية للمرأة بما في ذلك التهديد باقتراف مثل هذا الفعل أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية سواء أوقع ذلك في الحياة العامة أم الخاصة."[1]
قد يذهب بنا الظّنّ أوّل وهلة إلى أنّ التّمييز نظام جماعيّ، صيغة مؤسّسيّة للعلاقات بين النّساء والرّجال، يظهر فيها العقل الاجتماعيّ الذي يرتّب الفوارق ويسند الميزات هذا الجنس ويحرم الجنس الآخر من الميزة، وإلى أنّ العنف سلوك فرديّ، أزمة  أو احتداد يمثّل حدثا استثنائيّا مخالفا للعادة أو للقانون ويظهر في شكل اعتداء على جسد الآخر. ولكنّ الأمور ليست بمثل البساطة، وعمليّا، أي من وجهة نظر الاستراتيجيّة السّياسيّة التي يجب أن نتوخّاها من أجل إزالة التّمييز ضدّ المرأة، من المفيد التّقريب بين المفهومين، بحيث يمكننا الحديث عن عنف التّمييز، والتّمييز المؤسّس للعنف، والعنف باعتباره آليّة محافظة على التّمييز.
1/التّمييز في حدّ ذاته عنف، أو بالأحرى نوع من "العنف الأساسيّ" لأنّه لا يستهدف ملكيّة الآخر، بل يستهدف ماهيّة الآخر : ليس اعتداء على ما يملكه الآخر، بل نفي لجوهر الإنسان في الآخر. إنّه كالعنصريّة، أي التّمييز على أساس العنصر، نفي لحقّ الآخر في أن يكون له حقّ. إنّه نفي للإنسانيّة الكاملة للمرأة، وللمبدإ المؤسّس للحياة الاجتماعيّة في عصرنا  وهو مبدأ المساواة. هذا العنف يزداد وطأة و"عنفا" نتيجة للتّطوّرات التي جعلت المرأة تخرج من البيت وتثبت كفاءتها في القيام بالأدوار التي كان الرّجال يضطلعون بها تقليديّا. أي أنّه عنف لم يعد له من مبرّر، لأنّه أصبح غير متزامن مع وضعيّة النّساء. إنّ له اسما في العربيّة وفي استعمالاتنا اليوميّة المعاصرة هو "الغبن" وهو : أن يخدع الإنسان في البيع والشّراء، وهو كذلك أن "يقدر على" شيء إلاّ أنّه لا يعيشه". فالـ"موؤودة" قديما، بالمعنى الحقيقيّ أو الرّمزيّ، أي الموضوعة في وعاء القبر أو البيت أو الحجاب، خرجت إلى العالم، ولكنّها أصبحت "مغبونة". التّمييز إذن عنف هادئ بنيويّ مؤسّسيّ ينفي إنسانيّة المرأة وحقّها في أن تكون لها حقوق كسائر النّاس. إنّه في الوقت نفسه اختزال للمرأة في وضعيّة المستثنى والأقلّيّة، والحال أنّ المرأة ليست استثناءا ولا أقلّيّة، لسبب بسيط وهو أنّ الإنسان عندما يولد يكون رجلا أو يكون امرأة، أو يعتبر ذكرا أو أنثى، أو ربّما كان غير محدّد الجنس كـمن يسمّيه القدامى بـ"الخنثى"، ولكن في جميع الأحوال، ماهيّته الأولى والأهمّ  هي البشريّة. ولذلك فإنّنا نعتبر صيغة "حقوق الإنسان للمرأة" أدقّ وأكثر ملاءمة من صيغة "حقوق المرأة".

2/التّمييز عنف بنيويّ هادئ ولكنّه قد يؤسّس ويبرّر العنف المحتدم بمعنى الاعتداء على أجساد النّساء : فمبدأ طاعة الزّوجة لزوجها الذي تنصّ عليه الكثير من القوانين العربيّة والذي يمكّن ضمنا الزّوج من تأديب زوجته، يفتح المجال أمام الزّوج ليتّخذ الضّرب شكلا من أشكال التّأديب. وفي مجال القانون الجنائيّ يمكن أن نعتبر تخفيف العقاب على مرتكب "جريمة الشّرف" تبريرا للعنف المسلّط على النّساء بل وتشجيعا على ارتكابه.

3/بين العنف والتّمييز كالدّائرة المفرغة : هذا يؤدّي إلى ذلك. فقد بيّنت الكثير من الأبحاث  أنّ العنف يمكن أن يكون آليّة للحفاظ على التّمييز. فالكثير من الرّجال يستعملون العنف   لفرض الأدوار النّمطيّة التّقليديّة على النّساء، ولمنعهنّ من حرّيّة الحركة وحرّيّة التّصرّف في أجسادهنّ. تنظيم التّمييز بين المرأة والرّجل، وتنظيم العنف لفائدة الرّجل هو ما يتّسم به النّظام الأبويّ، وهو مفهوم أساسيّ في النّظريّة الاجتماعيّة النّسويّة وفي الدّراسات النّسائيّة المعاصرة، رغم تعرّضه إلى النّقد، وصعوبة ربطه بالرّأسماليّة أو بنمط إنتاج محدّد. يعرّف النّظام الأبويّ بأنّه  نظام سياسيّ-قانونيّ تكون فيه السّلطة وحقّ التّصرّف في الأموال والأشخاص خاضعين إلى قاعدة نسب أبويّ، أي أنّها تكون بيد الرّجل الذي يكون في موقع الأب. ويمكن أن نزيد في تعميق هذا التّعريف بقولنا :

أ-إنّه نظام مختلف عن النّظام الدّيمقراطيّ من حيث أنّه ينبني على عدم تفرقة بين الوظائف والسّلط. فالنّظام الأبويّ لا يعني سلطة الأب فحسب، بل يعني التباس وظيفة الأب بوظيفة صاحب السّلطة، والتباس وظيفة الزّوج بوظيفة صاحب السّلطة أيضا. الأب-السّيّد هو الشّيخ patriarche  والزّوج-السّيّد هو البعل. ومن السّهل أن نبيّن أنّ التباس الوظيفتين لا يحول دون المساواة فحسب، بل يحول دون السّياسيّ ذاته : إنّه يمنع أو يحدّ من ظهور البنى الثّلاثيّة المؤسّسة للحضارة وللحياة الدّيمقراطيّة.  فواجب طاعة الزّوجة لزوجها يجعل هذا الزّوج زوجا وسيّدا في آن، وهو في الوقت نفسه يحدّ من إمكانيّات التّقاضي بالنّسبة إلى الزّوجة، بما أنّ للزّوج حقّ تأديبها. التّقاضي أو إمكانيّة التّقاضي هي الثّالث الضّروريّ لكي لا يكون الزّوج خصما وقاضيا في الوقت في نفسه. أن يكون الواحد خصما وقاضيا في الوقت نفسه هو قانون الغاب وقانون سيادة القويّ على الضّعيف. ولنقلها اليوم بوضوح : في النّظام الأبويّ قسط من قانون الغاب. وما يقال عن الحياة الخاصّة يمكن أن يقال عن الحياة العامّة، فما يحول دون الدّيمقراطيّة هو التباس صورة ووظيفة الأب بوظيفة صاحب السّلطة الذي يكون بذلك "الزّعيم" الأوحد المخلّص. بين المجالين الخاصّ والعامّ مرآة تجعل غياب الثّالث سمة للمجتمع الأبويّ اللاّديمقراطيّ : غياب القانون باعتباره سلطة لاشخصيّة  فوق الجميع، غياب السّلطة التي تحدّ من السّلطة حسب عبارة مونتسكيو الشّهيرة. أساس التّمييز إذن هو نوع من عدم التّمييز، أساس التّمييز بين الجنسين، عدم التّفرقة بين الوظائف والسّلط.

ب/من السّمات التي نعتبرها أساسيّة في النّظام الأبويّ ومصدرا لأغلب وأهمّ مظاهر التّمييز ضدّ المرأة هو اعتبار المرأة غير مالكة لجسدها، وهو ما يظهر في تبعيّتها للأب أو الزّوج، وما يظهر في اعتبار الفقهاء القدامى الزّواج نوعا من الملك (ملك غير المال) بل واعتبار الغزالي الزّواج "نوع رقّ"(ii).

ج/ عدم ملكيّة المرأة لجسدها هو الذي يؤدّي إلى مراقبة المجموعة لحياة المرأة الجنسيّة مراقبة دقيقة، وهو الذي يؤدّي إلى جرائم الشّرف. وعدم ملكيّة المرأة لجسدها يعني في الوقت نفسه انعدام الفصل بين جسد المرأة والجسد الرّمزيّ للمجموعة أو للأمّة، كما يعني نفيا للفرد في المرأة. ولذلك فكلّما عاشت المجموعة أزمة وضعت جسد المرأة في قلب الأزمة، واقترحت الحلول التي تزيد في مراقبة جسد المرأة والتي تتجنّب الحلول الأخرى التي تواجه الواقع. هذا ما يجري في مجتمعاتنا التي نجد فيها فاعلين سياسيّين لا يرون حلولا للفقر والبؤس السّياسيّ والتّبعيّة إلاّ في مزيد مراقبة جسد المرأة وفي المزيد من حجبه. وربّما صبّ العاجزون عن الفعل السّياسيّ كلّ غضبهم على النّساء لسهولة عمليّة الإسقاط هذه. وسأقدّم مثالا حيّا عن مراقبة جسد المرأة عندما تعوّض  مواجهة الواقع. ففي خريف سنة 1990 قامت مجموعة مؤلّفة من 47 سيّدة سعوديّة بقيادة قافلة من السيّارات. كنّ متظاهرات يطالبن بأمر قد يبدو بسيطا : إنهاء الحظر المفروض على قيادة النّساء للسّيّارات. لقد تمّ إيقاف المتظاهرات وأجبرن على توقيع التزامات بألاّ يعدن إلى مثل هذا العمل، وأن يتحمّلن العواقب النّاتجة عن تكراره إذا فعلن. كما أجبر آباؤهنّ وأزواجهنّ على توقيع تعهّدات مماثلة... وفي أعقاب هذه المظاهرة قامت وزارة الدّاخليّة بإعطاء الحظر الصّيغة الرّسميّة، بناء على فتوى أصدرها الشّيخ عبد العزيز بن باز، وعلماء كبار آخرون. ثمّ فصلت المتظاهرات عن وظائفهنّ، ومنهنّ محاضرات جامعيّات وصحفيّات وموظّفات في القطاع العامّ. المهمّ في هذه الحادثة أنّ الحملة على هذه المتظاهرات أخذت حجما مبالغا فيه : انهالت الفتاوى والبيانات المندّدة بهؤلاء "المتبرّجات" "السّاقطات"(iii). الألسنة التي صمتت آنذاك أمام الجيوش الأمريكيّة المنزَلة بالمملكة قبيل حرب الخليج، تحرّكت للعنة 47 امرأة اعتبرن خطرا على الإسلام والأمن الاجتماعيّ. جسد المرأة كان الوعاء الذي صبّ فيه الغضب والعجز  والرّفض. رفض الآخر الأجنبيّ نترجمه إلى رفض لهذا الآخر الدّاخليّ، نترجمه إلى حصار مضروب عليه : المرأة، التي يمكن بكلّ يسر أن نشبّهها بالسّاحرة في العصر الأوروبّيّ الوسيط، فقد كان صيد السّاحرات يشتدّ كلّما ألمّت أزمة أو استفحل وباء.

 
 نفي التّفرقة بين الوظائف، نفي الثّالث، نفي الفرد في المرأة... كلّها سمات تجعل نقد النّظام الأبويّ ذا فاعليّة كبرى في بناء المجتمع الدّيمقراطيّ، كما تجعلنا لا نرى في المطالبة بالمساواة بين الرّجل والمرأة مجرّد دفاع عن مصالح فئة اجتماعيّة، بل مشروعا مجتمعيّا شاملا ومبدأ حاملا لطاقة تطوير اجتماعيّ وسياسيّ. وهناك صيغتان أساسيّتان لممارسة مبدإ المساواة : المساواة القانونيّة، أي مساواة كلّ المواطنين أمام  القانون والمساواة السّياسيّة أي حقّ الجميع في المشاركة في صنع القوانين وتولّي الوظائف العامّة. وهاتان الصّيغتان للمساواة غير متوفّرتين في البلدان العربيّة رغم اختلاف منظوماتها القانونيّة والسّياسيّة ورغم التّفاوت فيما بينها في مجال حقوق الإنسان وحقوق الإنسان للمرأة.

 اللاّمساواة القانونيّة
ففيما يكون القانون درعا حاميا ضدّ ممارسات التّمييز في البلدان الدّيمقراطيّة، يكرّس القانون هذا التّمييز في البلدان العربيّة. أي أنّ النّساء والرّجال متساوون أمام قانون لا يضمن المساواة بين الرّجال والنّساء.  يظهر ذلك في القوانين العربيّة وفي موقف البلدان العربيّة من الاتّفاقيّة الدّوليّة المناهضة للتّمييز الجنسيّ والمذكورة آنفا.
لا شكّ أنّ اللاّمساواة  تبسط ظلالها على التّشريعات العمّاليّة، فهي تظلّ تمييزيّة ولا تحمي المرأة العاملة بما فيه الكفاية (إجازة الوضع، المنح العائليّة، التّمييز في سنّ التّقاعد والضّمان الاجتماعيّ...)، ولكنّ المجال الذي تبرز فيه اللاّمساواة بين المرأة والرّجل، ويتّسم فيه تطوّر التّشريعات بالبطء بل والتّراجع أحيانا هو مجال الأحوال الشّخصيّة، وقد نذهل عندما ندرك أنّ ما طالب به قاسم أمين منذ القرن التّاسع عشر لم يتحقّق جزء كبير منه إلى اليوم، ومطالبة الطّاهر الحدّاد بالمساواة في الإرث لم تتجسّد في تونس إلى اليوم، وكأنّ مجلّة الأحوال الشّخصيّة التّونسيّة كانت طفرة مفاجئة غريبة، لا يمكن أن يتكرّر مثلها اليوم، ولا يمكن أن تتطوّر. كأنّ الحداثة لم تخترق كتلة الأحوال الشّخصيّة، أو كأنّها أهمّ معقل من معاقل النّظام  الأبويّ، أو كأنّها الضّمان الوحيد لعدم اضمحلال الأدوار الجندريّة التّقليديّة نهائيّا. وليس ذلك بالأمر الغريب، فالقوانين العربيّة تظلّ مهووسة بفكرة الشّرف القديمة، وفكرة ملكيّة الزّوج زوجته، وفكرة حفظ الأنساب الأبويّة، وحفظ الانتساب إلى جنسيّة الأب. الدّليل على ذلك أنّ أغلب هذه التّشريعات تضع المرأة تحت وصاية الأب والزّوج، و لا تمنع تعدّد الزّوج وتجعل الطّلاق بيد الرّجل، رغم بعض التّعديلات الأخيرة الطّفيفة التي تفتح مجال "طلاق الخلع"، بحيث أنّ المرأة تتمكّن من الطّلاق في مقابل تعويض ماليّ (الأردن) أو في مقابل تخلّيها عن النّفقة الشّهريّة والمهر والمؤخّر (مصر)، وأغلب هذه التّشريعات تنصّ على طاعة الزّوجة لزوجها، وتشترط موافقة الزّوج على عمل زوجته، ولا تمنح الجنسيّة لأبناء المتزوّجات من الأجانب، وتمنع زواج المسلمة من غير المسلم، وتمنع الإجهاض، ولا تمنع ختان البنات  في البلدان التي تتواصل فيها العادة، وهي مصر والسّودان وموريتانيا. وتميّز أغلب التّشريعات العربيّة بين الرّجل والمرأة في جريمة الزّنا بحيث أنّ جريمة زنا الرّجل لا تثبت إلاّ إذا وقعت في منزل الزّوجيّة، في حين أنّ جريمة زنا المرأة تتحقّق إذا وقعت الجريمة في أيّ مكان، كما تخفّف عقوبة الزّوج الذي يقتل زوجته وعشيقها حال ضبطهما متلبّسين بالزّنا إلى عقوبة الجنحة ولا تخفّف عقوبة الزّوجة التي تقتل زوجها وعشيقته في نفس الظّروف، وتسقط عقوبة المغتصب والخاطف في حال زواجه من الضّحيّة.

 
اللاّمساواة السّياسيّة
القوانين المنظّمة للمجال العامّ هي نفسها قد تكون تمييزيّة. ففي الكويت والإمارات العربيّة المتّحدة، تحرم النّساء من حقّ التّرشّح والانتخاب. إلاّ أنّ البلدان العربيّة التي تمكّن المرأة من الحقّ في المشاركة لا تتوفّر فيها هذه المشاركة إلاّ على نحو ضئيل. فرغم ازدياد نسبة النّساء العاملات في البلدان العربيّة، وتضاعف نسب المتعلّمات، فإنّ مقياس تمكين المرأة المعتمد من قبل "برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي"ّ، وهو يقيس مشاركة المرأة في مختلف الأنشطة "باستخدام مؤشّرات متوسّط الدّخل للفرد، ونسبة النّساء في الوظائف المهنيّة، وحصّة النّساء في مقاعد البرلمان على التّوالي، يكشف بوضوح أنّ البلدان العربيّة تعاني من نقص لافت للنّظر"، بحيث تأتي المنطقة العربيّة، رغم ثراء الكثير من بلدانها في المرتبة قبل الأخيرة بين مناطق العالم، ولم تقلّ عنها إلاّ إفريقيا جنوب الصّحراء. (تقرير سنة 2002، 26).
نظام التّمييز هذا ينبني على آليّات قمع النّساء كما بيّنّاها في حديثنا عن النّظام الأبويّ، إلاّ أنّ ما تتّسم به الوضعيّة في العالم العربيّ، وما يجعلها في الوقت نفسه مأساويّة هو أنّ هذا التّمييز يتمّ باسم الدّين أو "الشّريعة". لن نكرّر شعارات : الإسلام عدوّ المرأة، أو الإسلام كرّم المرأة، ولن نميّز ، عبر آليّة النّمذجة الطّوباويّة التي لا تفيدنا في شيء بين عصر ذهبيّ كانت فيه المرأة تتمتّع بحقوقها وعصر فقدت فيه هذه، بل نقول بوضوح أنّ  الإسلام أقرّ ولا شكّ بنوع من المساواة الرّوحيّة بين النّفوس عندما تمثل أمام خالقها. ولكنّ المجتمعات غير مكوّنة من نفوس وأرواح طائفة : إنّه مكوّن من أجساد مسبوكة في قوالب مراتب قانونيّة وطبقات اجتماعيّة. فرغم هذه المساواة أو بالأحرى "المؤاخاة" الرّوحيّة، كان الإسلام تدعيما للنّظام الأبويّ، شأنه في ذلك شأن الأديان السّماويّة الأخرى. ويمكن أن نقتصر على ذكر ثلاث معطيات قرآنيّة توضّح ما ذهبنا إليه :
·   أفضليّة الرّجال على النّساء. فقد أقرّ القرآن بأفضليّة الرّجل على المرأة من خلال الآية : "ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف، وللرّجال عليهنّ درجة، واللّه عزيز حكيم" (البقرة/228)، ومن خلال الآية : "الرّجال قوّامون على النّساء بما فضّل اللّه عليهنّ بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم." (النّساء/34).
·    مبدأ القوامة. وقد أعلن عنه في نفس الآية 34 من سورة النّساء، وهو مبدأ رئاسة في المجال الخاصّ تمّ سحبها على المجال العامّ عن طريق اشتراط الذّكورة في الإمامة والولايات العامّة عموما. وارتبطت هذه الرّئاسة في المجال البيتيّ بواجب طاعة الزّوجة لزوجها، وحقّ الزّوج في تأديبها تأديبا متدرّجا يمكن أن يصل إلى الضّرب : "الرّجال قوّامون على النّساء بما فضّل اللّه بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم، فالصّالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ اللّه، واللاّتي تخافون نشوزهنّ فعظوهنّ واهجروهنّ في المضاجع واضربوهنّ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلا." (سورة النّساء الآية 34)
·    مؤسّسة الحجاب. وهي مؤسّسة تدعم تقسيم الفضاء إلى عامّ وخاصّ، وتؤدّي إلى حجب النّساء الحرائر في بيوتهنّ. فقد فرض الحجاب على نساء الرّسول من خلال الآيتين : "وإذا سألتموهنّ متاعا فاسألوهنّ من وراء حجاب، ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهنّ." (الأحزاب/32) : "وقرن في بيوتكنّ ولا تبرّجن تبرّج الجاهليّة الأولى" (الأحزاب/53). إلاّ أنّ هذا الخاصّ كثيرا ما حمل على العامّ، فاعتبرت جميع النّساء معنيّات بالحجاب. ثمّ إنّ "آية الخمار" (النّور/30) وآية "الجلابيب" (الأحزاب /59) اتّجهتا إلى عامّة النّساء لحثّهنّ على تغطية أجسادهنّ. ويمكن لنا أن نعتبر تغطية الأجساد هذه آليّة مراقبة لظهور المرأة متفرّعة عن مؤسّسة الحجاب ومكمّلة لها.  
     
ليس المشكل كامنا في هذه المعطيات التي تحدّد صيغة العلاقات بين النّساء والرّجال، وفي هذه الصّيغ القديمة في حدّ ذاتها، بل في عجزنا المتواصل عن تنزيلها في التّاريخ، وهامشيّة محاولات تنسيبها واعتبارها غير صالحة لعصرنا. لم تكن المساواة بين النّساء والرّجال أمرا مطروحا على المجتمعات القديمة، ولم يكن بوسع القرآن أن يقفز على مقتضيات العصر الذي ظهر فيه. وهذا ما فهمه الطّاهر الحدّاد(ت 1935) خرّيج الجامعة الزّيتونيّة، عندما كتب منذ سنة 1930 منسّبا الأحكام التي نصّ عليها القرآن، داعيا إلى الانتباه إلى "مقاصد الشّريعة" الأخلاقيّة عوض تقديس الأحكام الفقهيّة التي تصلح لمجتمعات لم تعد موجودة : "لقد حكم الإسلام في آيات القرآن بتمييز الرّجل عن المرأة في مواضع صريحة. وليس هذا بمانع أن يقبل بمبدأ المساواة الاجتماعيّة بينهما عند توفّر أسبابها بتطوّر الزّمن ما دام يرمي في جوهره إلى العدالة التّامّة وروح الحقّ الأعلى، وهو الدّين الذي يدين بسنّة التّدريج في تشريع أحكامه حسب التّوق"(iv). الإمكانيّة التي فرضت نفسها هي عكس التّنسيب والتّنزيل في التّاريخ  : بناء نظام الشّريعة، وهي عبارة عن الفقه وقد طرحت منه الكثير من الأبواب واقتصر فيه على الأبواب التي تقنّن مجال الأحوال الشّخصيّة. لا تطبّق الشّريعة تقريبا وفي أغلب البلدان العربيّة إلاّ في مجال الأحوال الشّخصيّة، الشّريعة هي تقريبا الأحوال الشّخصيّة وقد أخضعت إلى الفقه، هي تقريبا الأحكام التي تكرّس دونيّة المرأة، والتي أصبحت غير قابلة للنّقاش لورود "نصوص صريحة" فيها.
نفي التّاريخ هو الذي يؤدي إلى وضعيّة نشخّصها كالتّالي : انفصام، ارتباك وخلط، إنتاج ثقافة التّمييز وأقنعة التّمييز الجديدة.

 
الانفصام
لا يعني الانفصام اللاّانسجام فحسب، بل يعني الانطواء على الذّات وفقدان العلاقة بالواقع. ومن مظاهر هذا الانفصام التّشبّث بالقوانين  التّمييزيّة رغم عدم ملاءمتها لواقع المرأة العربيّة ولعالم اليوم، وعدم الانسجام الذي تتّسم به المنظومات العربيّة القانونيّة ذاتها، بما أنّ أغلب الدّساتير العربيّة تعترف ضمنا أو صراحة بالمساواة بين الرّجل والمرأة، فتتناقض مع القوانين، ولا توجد محاكم دستوريّة مكلّفة بالنّظر في مدى دستوريّة القوانين. بل كأنّ وضعيّة الانفصام أصبحت منهجا أو كالمنهج في تعامل الدّول العربيّة مع الاتّفاقيّات الدّوليّة، بحيث أنّها تصادق دون أن تصادق، تصادق عليها وتتحفّظ على أهمّ بنودها باسم "الخصوصيّة" الثّقافيّة، والتّقاليد الاجتماعيّة وحماية القوانين الدّاخليّة المستمدّة من الشّريعة الإسلاميّة. باسم اللاّمساواة نتحفّظ إذن على مبدإ المساواة. فإلى حدّ سنة 2002 صادقت 14 دولة عربيّة على "اتّفاقيّة القضاء على جميع أشكال التّمييز ضدّ المرأة"، ولكن تحفّظت مصر والعراق على المادّة 2 التي تنصّ على ضرورة القضاء على كلّ تمييز ضدّ المرأة، وتحفّظت الكويت على الفقرة الأولى من المادّة 7 وهي تنصّ على المساواة في التّصويت في جميع الانتخابات والاستفتاءات العامّة، وتحفّظت مصر وتونس واليمن والكويت ولبنان على المادّة المتعلّقة بجنسيّة الأطفال، وتحفّظت تونس والأردن والمغرب على الفقرة 4 من المادّة 15 والتي تنصّ على حقوق متساوية فيما يتعلّق بحركة الأشخاص وحرّيّة اختيار محلّ السّكن والإقامة. وكانت المادّة 16 المتعلّقة بالحياة داخل الأسرة قاسما مشتركا في التّحفّظات العربيّة(v).

 
الخلط والارتباك:
تتّسم الوضعيّة الرّاهنة أيضا بالخلط التّاريخيّ والمفاهيميّ وبالارتباك، وسنحاول تعديد بعض مظاهرهما : 
·   إنّ التّراث العربيّ، ككلّ تراث إنسانيّ يحمل في طيّاته توقا إلى العدالة والحرّيّة. إلاّ أنّ بعض المفاهيم والمؤسّسات التي تجسّد هذا التّوق لم تظهر ولم تتبلور إلاّ في العصر الحديث. ولذلك فمن غير المجدي أن نبحث في منظومة الفقه القديمة عن حلول لقضايا لم تطرح إلاّ في هذا العصر، وأن نبحث فيها عن مفاهيم لم تكن مفكّرا فيها في أفق الأبستميه القديمة : قضيّة منح الجنسيّة أو عدم منحها للمرأة المتزوّجة من أجنبيّ، قضيّة المشاركة السّياسيّة للمرأة عبر الانتخاب والتّرشّح وهما أمران غائبان تماما في الفقه والفكر السّياسيّ العربيّ القديم، مفهوم المساواة والمواطنة... هذا البحث والعنت قد يؤدّيان إلى خلطات إيديولوجيّة عجيبة ومضحكة أحيانا،  ويؤبّدان وضعيّة الذّات المهزوزة التي ما تنفكّ تردّد : أنا أملك كلّ شيء، أنا في غنى عن الآخرين، عوض أن تنطلق من الفقد والحداد لبناء نفسها من جديد وللمساهمة في إبداع أشكال حياة جديدة. وقد أصبح الكثير من مفكّرينا وفلاسفتنا يطالب بتجديد الفقه والحال أنّه منظومة بشريّة تنبني على مراتبيّة أعلاها الرّجل الحرّ تليه المرأة الحرّة، يليها العبد الذّكر تليه الأمة، إضافة إلى كونه يميّز في المنزلة بين المسلم وغير المسلم، ويميّز بين الذّكر المتحقّق الذّكورة والخنثى، ويميّز بين من يعرف أبوه ومن يعدّ لقيطا، ويميّز في تقلّد الولايات العامّة بين السّليم وذي العاهة... وهناك من يطالب بـ"فقه جديد" ولا يطالب بصفة واضحة بإحلال الدّين في مجال الحياة الشّخصيّة، وبفصل الدّين عن السّياسة واعتباره مكوّنا من مكوّنات حضارتنا لا مصدرا للتّشريع. كأنّ الخوف من التّكفير  تحوّل إلى منهج في التّفكير وفي صياغة المشروع الحضاريّ.
·   الانتباه إلى الخصوصيّة هو ممّا تمليه علينا الكونيّة غير التّجريديّة التي أصبح الفلاسفة المعاصرون والمفكّرون النّسويّون ينادون بها. والغاية من هذه الوجهة في النّظر، في مجال الدّراسات النّسائيّة، هي إدراك وضعيّة القمع الخاصّة التي تعيشها بعض النّساء عندما تتقاطع أنواع مختلفة من الجور في تحديد منزلتهنّ : فالمرأة السّوداء في أمريكا تعيش قمعا خاصّا بها باعتبارها سوداء إضافة إلى القمع الذي تشترك فيه مع بقيّة النّساء، والمرأة "البدون" في البلدان العربيّة التي يوجد فيها هذا الصّنف من السّكّان لها وضعيّة تخصّصها بالنّسبة إلى بقيّة النّساء المنتميات إلى طبقات أخرى.   إنّنا نستخدم مفهوم الخصوصيّة في اتّجاه مخالف لما يسير عليه الفكر المعاصر والممارسة السّياسيّة الحقوقيّة، فنحن نستعمله للحدّ من الحقوق، لا لإثرائها أو تطويرها. فلماذا لا ننطلق من وضعيّاتنا الخاصّة ومن موروثنا للمساهمة في تطوير حقوق الإنسان، وزيادة فتح أبواب الحرّيّة؟   
·   إنّنا نخلط بين التّمييز والتّمييز الإيجابيّ الذي يهدف إلى مساعدة المرأة ظرفيّا على اقتحام المجالات العامّة التي أقصيت منها، والذي يمكن أن نعتبره من باب "إنصاف" المرأة. نقرأ في الموقع المخصّص لـ"المركز المصريّ لحقوق النّساء" :  "بل يمكننا القول أن تعدد الزوجات وفقا للضوابط الإسلامية ومن وجهة النظر الإسلامية هو تمييز إيجابى لصالح المرأة وذلك لأنه مباحا (كذا) فى حالات محددة فى ظل شروط محددة لحماية المرأة دون كفالة نفس الحماية للرّجل إذا تغيّر الحال. وهذه الشّروط هي : مرض الزّوجة مرض (كذا) يمنعها من استمرار العلاقة الزّوجيّة، أو عقم الزّوجة."
·    لا وجود لمساواة دون فكرة كونيّة. ويبدو لنا أنّ تفكيرنا النّسويّ كان مرتبكا أحيانا لأنّه لم يصغ بصفة واضحة أساسا كونيّا إنسانيّا للمطالبة بالمساواة بين المرأة والرّجل، وظلّ متراوحا بين الكونيّة والخصوصيّة النّسويّة (أقصد : النّسويّة الاختلافيّة  différencialismeالتي تلحّ على الفوارق بين الرّجل والمرأة) أو الثّقافيّة (أقصد : النّسبويّة الثّقافيّة التي تجوهر الفوارق بين الثّقافات المختلفة). لقد هاجمت أهمّ النّسويّات العربيّات التّحليل النّفسيّ، وفضّلن الغزالي على فرويد  (vi)، ولم ينتبهن إلى الأساس الكونيّ الذي تنبني عليه المعرفة التّحليلنفسيّة، والمفاهيم الهامّة التي توفّرها لنفي كلّ تقوقع داخل الخصوصيّة الجنسيّة والثّقافيّة، وكلّ اختزال للإنسان فيما هو بيولوجيّ، أقصد خاصّة مفهوم الازدواجيّة النّفسيّة ومبدأ عدم التّطابق بين البيولوجيّ والنّفسيّ.

 
ثقافة التّمييز
لا تواجه المطالبة بالمساواة القوانين والممارسات التّمييزيّة فحسب، بل تواجه ثقافة تمييزيّة تنتجها مجتمعاتنا منذ نشأة الحركات السّلفيّة في النّصف الأوّل من القرن الماضي.  ورغم وجود تيّارات ومراحل مختلفة داخل هذه الثّقافة، فيمكن أن نحدّد ملامحها كالتّالي :
·   إنّها باسم الدّين تدعو إلى عودة النّساء إلى القيام بأدوارهنّ النّمطيّة التّقليديّة : فعندما أسّس حسن البنّا جماعة "الإخوان المسلمين" سنة 1928 وشنّ هجوما على حركة تحرير المرأة، أعلنّ أنّ : "مهمّة المرأة زوجها وأولادها.. أمّا ما يريد دعاة التّفرنج وأصحاب الهوى من حقوق الانتخاب والاشتغال بالمحاماة، فنردّ عليهم بأنّ الرّجال وهم أكمل عقلا من النّساء لم يحسنوا أداء هذا الحقّ، فكيف بالنّساء، وهنّ ناقصات عقل ودين."  (vii)(البنّا 370) وتجد إلى اليوم دعاة يهاجمون النّساء العاملات ويتّهموهنّ بالتّسبّب في البطالة وتشريد الأطفال وتخريب الأسر، ويطالبون بأن تختصّ النّساء بأنواع معيّنة من الأعمال كطبّ النّساء والتّمريض والتّدريس والخياطة والغزل.
·   إنّها تجوهر الفوارق بين الرّجل والمرأة وتلغي الثّقافة والتّاريخ إلى حدّ تشبيه ثنائيّة رجل/امرأة بالثّتائيّة الزّمنيّة الطّبيعيّة : ليل/نهار، وتستخدم هذه الجوهرة لغاية سياسيّة هي اعتبار عمل المرأة خارج البيت أمرا مخالفا لنظام الكون(viii).
·   لم يعد بالإمكان بناء أيّ فكر سياسيّ أو ممارسة سياسيّة على أساس اللاّمساواة الصّريحة، ولذلك يميل السّلفيّون الجدد إلى الصّمت عن أفضليّة الرّجل على المرأة، وإلى تعويضها بالاختلاف. إلاّ أنّهم يملؤون هذا الاختلاف بمحتويات إيديولوجيّتهم الجندريّة التي تضع أقنعة ماهويّة جديدة لبنى ذكوريّة قديمة. فأفضليّة الرّجل لم يعد بالإمكان استمدادها من مبادئ دينيّة فحسب، بل أصبحت البيولوجيا العلميّة أو شبه العلميّة وما تذكره عن الفروق بين الجنسين المعين الأوّل لإيجاد مبرّرات التّمييز بين النّوعين. من هذه المبرّرات ثنائيّة السّلبيّ والإيجابيّ التي يلحّ عليها الشّعراويّ في فتاواه(ix)، والتي استخدمها قبله رشيد رضا لتبرير تعدّد الزّوجات، فهو يرى أنّ الرّجل "أكثر طلبا للأنثى... فإذا لم يبح للرّجل التّزوّج بأكثر من امرأة واحدة، كان نصف عمر الرّجال الطّبيعيّ معطّلا من النّسل الذي هو مقصود الزّواج."(x). ويغيب مبدأ القوامة من تبرير السّلفيّين الجدد لحرمان المرأة من الانتخاب والتّرشّح، دون أن تغيب تبعاته السّياسيّة، لأنّه يعوّض باعتبارات عن طبيعة المرأة والرّجل واستعدادهم "الفطريّ" : ففي سنة 1985 أصدرت لجنة دينيّة كويتيّة فتوى شرعيّة يقول فيها رئيس لجنة الفتوى : "طبيعة عمليّة الانتخاب تناسب ما عليه الرّجال من قدرة وخبرة واستعداد فطريّ، ذلك أنّها إسهام في عمليّة التّولية للأمور العامّة واختيار من تناط بهم، ومزاولة ذلك تتطلّب خبرة ومخالطة ومعرفة تامّة بمن يعهد إليهم بهذه الأعباء الثّقيلة والمسؤوليّات الجسام. والرّجال أقدر على ذلك وأولى بالنّهوض بهذه المسؤوليّة، ومن ثمّ فهم المنوط بهم تحمّل المسؤوليّة وتحميلها أهلها." هذه الثّقافة التّمييزيّة السّلفيّة أو السّلفيّة الجديدة هي الرّائجة اليوم، يروّجها المفتون الشّعبيّون وممثّلو الهيئات الدّينيّة الرّسميّة الكبرى سيّان، وتكتسح وسائل الإعلام والاتّصال، وتفتح لها أبوابها الفضائيّات العربيّة الأكثر شعبيّة، والأكثر توفيرا لأفيونات المجتمعات العربيّة. ويجب على المؤمن اليوم أن يقفز على النّيران حتّى يوفّق بين مفهوم المساواة والكلام الذي يردّده شيوخ الفضائيّات عن سرمديّة الشّريعة وأحكامها "الصّالحة لكلّ زمان ومكان."

 
هوامش:
i-Ramazanoglu Caroline : Feminism and the contradictions of oppression, London and New York, Routledge, 1994, 4th ed, pp65-69.




ii- يقول في إحياء علوم الدّين 2/62 :"والقول الشّافي فيه أنّ النّكاح نوع رقّ، فهي رقيقة له، فعليها طاعة الزّوج مطلقا في كلّ ما طلب منها في نفسها ممّا لا معصية فيه..." 
  انظر : لجنة مناصرة المرأة في الجزيرة العربيّة : سلطة العبائم، كولونيا، منشورات الجمل، 1991.
iii -الحدّاد الطّاهر : امرأتنا في الشّريعة والمجتمع، تونس، الدّار التّونسيّة للنّشر، 1985، ط4، ص43.
  iv-خليفة ندى : "واقع تحفّظات البلدان العربيّة على تطبيق اتّفاقيّة التّمييز ضدّ المرأة"، المجلّة العربيّة لحقوق الإنسان، عدد 7، 2000، ص ص 83-96.
 v -انظر : مرنيسي فاطمة : ما وراء الحجاب : الجنس كهندسة اجتماعيّة، ترجمة فاطمة الزّهراء أزرويل، الفنك، المركز الثّقافيّ العربيّ، الدّار البيضاء، 2001، ط3، ص24 وما بعدها.
السّعداوي نوال : دراسات عن المرأة والرّجل في المجتمع العربيّ، بيروت 1990، ص217؛ ص753.
vi- البنّا حسن : حديث الثّلاثاء، سجّلها وأعدّها أحمد عيسى عاشور، مكتبة القرآن، ص 370.
  -هذا ما يفعله الشّعراوي في فتاواه : شعراوي  محمّد متولّي: الفتاوى : كلّ ما يهمّ المسلم في حياته ويومه وغده، أعدّه وعلّق عليه د. السّيّد الجميلي، بيروت، دار العودة، 1987، ج2، ص203.
 vii - المرجع السّابق  1/19 .
 viii - رشيد رضا محمّد : تفسير القرآن الحكيم الشّهير بتفسير المنار، بيروت، دار المعرفة،  4/251.
 ix - لطيف شكري : الإسلاميّون والمرأة : مشروع الاضطهاد، تونس، بيرم للنّشر 1988، ط2، ص 103.