للرجال والنساء فقط



علاء اللامي
2002 / 7 / 29

 

 

الحلقة الأخيرة من البرنامج التلفزي الفضائي  الجديد " للنساء فقط " كانت نقلة نوعية ومحطة مهمة سيتوقف عندها من سيؤرخون لأعمال جماهيرية من هذا الطراز . فقد استضافت مقدمة ومعدة البرنامج الإعلامية الأردنية القديرة السيدة منتهى الرمحي ثلاث سيدات عربيات من لبنان والكويت ومصر و كن متخصصات في علم النفس وبسطت أمامهن ملف الحلقة . كان الموضوع  متعلقا  بالعلاقات العاطفية والجنسية بين الرجل والمرأة وانعكاسات مشكلات تلك العلاقات على الفرد والأسرة والمجتمع . كانت الحلقة ناجحة من حيث إدارتها ورسم الخطوط العريضة لحواراتها ومفاصلها، كما كانت مفيدة لجهة تسليط الأضواء العلمية وبقوة على قضية مهمة طالما اعتبرها التقليديون والسلفيون تابوها محظورا  لا يجوز الاقتراب منه على الإطلاق . لقد شاهدنا وسمعنا حوارات مرموقة ونظيفة وعلمية حول مواضيع يجهلها الناس العاديون بل وأغلب أفراد النخبة . فمن كان يجرؤ على التساؤل أو الخوض في مواضيع كالذبول والجفاف العاطفي أو القذف السريع وشدة الرغبة أو ضمورها وانحرافها وعن التقليد الشرقي المشهور " ليلة الدُخلة " والذي هو نوع من " الاغتصاب الشرعي" إن صح التعبير ، و غالبا ما ينتهي  بأهازيج  مسعورة وإطلاق رصاص في الهواء وهتاف الرجال المتحلقين بعيون لامعة حول العريس  " أذبح لها القطة !!

  سمعنا واستفدنا الكثير عن كيفية المحافظة على الحب بين الزوجين ، وعن ثقافة الطفل الجنسية وضرورة تنشئته تنشئة صحيحة بعيدة عن الكذب والكتمان والقمع العنيف  وعن  الطرق التي يمكن للوالدين من خلالها الإجابة على تساؤلات الأطفال حول الوجود والحب والولادة ..

حكت السيدات الفاضلات الثلاث عن أمثلة وحالات جنسية لنساء  مرت عليهن في عياداتهن أو في حياتهن وأجبن على الكثير من التساؤلات بجرأة لا ريب أنها جعلت شَعر بعض المحافظين وذوي الفكر الذكوري الرجعي يقف وجلودهم تكزبر ، ويمكن لنا أن نتخيل هؤلاء وهو يصبون جام لعناتهم وشتائمهم على هذه " الأبالسة التي هربت من قاع جهنم  الى شاشات التلفزون وجاءت لكي تفسد مجتمعاتنا النقية التقية ! " وكأن هذه المجتمعات بقي فيها ما يمكن إفساده بعد أن دار شيطان النفط والدولارات  و نمط الحياة الأمريكي دورته الكبرى وفاض !

   وقد تدخل عدد من المشاهدين وكانوا من الذكور طبعا ، فمن ستجرؤ من نسائنا على رفع سماعة  الهاتف والكلام في موضوع  كهذا، ودعا أحد المتدخلين الى استضافة رجل واحد " على الأقل " في البرنامج ، ولكن متدخلا آخر رفض الفكرة من موقع التضامن مع النساء والخوف على مشروعهن الجميل من  مؤامرات  الرجل وسوطه الذي لا يرحم  ولا يدع رحمة الله تأتي ! والواقع فإن الرجال في عالمنا العربي بحاجة لا تقل إلحاحا عن حاجة النساء الى برنامج علمي و جريء كهذا . فهم غلابة ومساكين ولديهم من المشاكل الجنسية أضعاف ما لدى النساء ، ولكن العجرفة الذكورية ومحاولات الحفاظ على مظاهر التقى و الفحولة  هي التي تضع على وجوههم أقنعة سميكة من الجهل والعناد إلا من رحم ربك من ذوي الأرواح العظيمة و القوة المعنوية المبدعة . ويمكن ، على ضوء ما تقدم، أن نقترح على  المهتمين بالموضوع  برنامجا يكون اسمه  مثلا " للرجال فقط " كخطوة أولى نحو برنامج موحد يعكس الحياة في ثرائها وتنوعها وعمقها وغرابتها في حلاوتها وجمالها وقسوتها وقبحها ويكون اسمه " للرجال والنساء فقط  ".

وختاما ، أصارح القارئ بأنني بمقدار ما كنت  سعيدا كمشاهد بسيط  بهذا الإنجاز الصغير في حجمه والكبير في مغزاه فقد كنت قلقا طوال مدة بث البرنامج من تدخل أحد القادمين من العصر الحجري ليقلب الطاولة على رؤوس الجميع ويطلق سيلا من لعناته وتكفيراته دفاعا عن فحولة جسدية وتعفف ظاهري كاذب لم يأمر بهما دين ولا ديان وانحيازا لقوة عضلية  نجد مثيلها وأشد منها لدى البغال والخيول دع عنك الأسود والتماسيح فلماذا يذبحون  القطط في الصعيد يا سيدتي ؟