اليوم العالمي للشاعرة طل الملوحي المغيبة في المعتقلات الأسدية



ثائر الناشف
2010 / 10 / 2

لا يفعل التعاطف مع قضية الشاعرة السورية طل الملوحي المعتقلة خلف جدران الاستبداد ، شيئاً لحل قضيتها العادلة في الحرية والحياة ، فلا بد من وقفة مع النفس أولاً ، وسؤالها بكل جرأة ، إلى متى سنبقى أسرى الظلام والاستبداد والديكتاتورية ؟.
بالأمس القريب كنا أسرى قانون الطوارئ ، وغداً نصبح أسرى الطائفية ، فإلى متى سيظل الإنسان يفتك بأخيه الإنسان ، لمجرد الاختلاف بالرأي ؟.
نحن اليوم ، كلنا طل الملوحي ، فقضيتها العادلة قضيتنا جميعاً، وحقها في الحرية ، لن يثني أصحاب الضمائر الحية والقلوب الشجاعة إلى طرق كل الأبواب ونزع حجب الخوف والرعب ، فالعالم لازال يناضل دفاعاً عن المرأة وحقها في الحياة المتساوية مع الرجل ، والنظام السوري يوغل في اعتقالها وتعذيبها وحرمانها من أبسط الحقوق .
هل يوجد نظام في التاريخ ، يمنع الزيارة والتواصل مع معتقلة بعمر الزهر، مثلما يفعل النظام السوري الآن مع المدونة طل الملوحي ذات التسعة عشر ربيعاً ، والتي لا يعرف ذويها ولا العالم عن مصيرها شيئاً ؟ .
إن المعتقلة طل الملوحي التي انقطعت أخبارها عن العالم ، فيما يشبه الخطف من أحضان الحياة ، لم تكن أول معتقلة ولن تكون آخر معتقلة ، فمسلسل الاعتقالات مستمر، طالما استمر نظام الاستبداد بحكم سورية ، وطالما استهتر النظام بحياة الإنسان السوري وكرامته وحريته في سبيل تثبيت عروش سلطته وإدامة استبداده على حساب حرية الإنسان .
غير أن عصر التعتيم والتجهيل والتضليل على أذهان الشعب ، ولى إلى غير رجعة ، وأن شعارات " الصمود والتصدي والمقاومة والممانعة " سقطت مع أول صفعة من سوط جلاد طائش ، ومع أول صرخة ألم صدحت بها حناجر المعتقلين.
إن كل صرخة ألم أطلقتها طل الملوحي ، في زنزانة التعذيب وغرفة التوقيف ، وكل عسف وإرهاب مارسه الجلادون المستبدون ، يجعلنا نتساءل عن أي ذنب اقترفته ، وأي تهديد شكلته على أمن النظام ؟ هل دفاعها عن فلسطين يستدعي كل هذا العسف ، أم أن حبها لوطنها المكلوم أزعج المستبدين وقض مضاجع حكمهم ؟.
كما أن الغموض الذي يكتنف قضيتها ، وتضارب الأنباء حول مصيرها ، يضع النظام السوري أمام مسؤوليته الجسيمة ، إزاء أي أذى تعرضت له خلال فترة اعتقالها ، ويكفي الأذى الكبير الذي سببه النظام ، جراء حرمانها من التقدم لامتحانات الثانوية العامة لدورتين متتاليتين ، قبل اعتقالها وأثناءه .
إن استهتار النظام السوري بحياة الإنسان وكرامته ، لن يمر من الآن فصاعداً ، دون مساءلة أو محاسبة ، مهما بلغ حجم تواطؤ وتخاذل بعض الدول الساعية لتأمين مصالحها ، على حساب مبادئها الأساسية في الدفاع عن حقوق الإنسان .
فعصرنا اليوم ، هو عصر حقوق الإنسان ، الذي طالما ضربت به بعض النظم المستبدة عرض الحائط ، وما كان خفياً مضللاً بالأمس ، بات مكشوفاً اليوم أمام الرأي العام .
إن أولى أشكال المساءلة ، التي لم يعتد عليها النظام السوري من قبل ، ولم يكن يتوقع حصولها على الإطلاق ، تجلت في الدعوة المفتوحة للاحتجاج السلمي أمام سفارته في وسط القاهرة ، بمشاركة الفعاليات المصرية والعربية والأجنبية المختلفة تضامناً مع قضية طل الملوحي ، طالما كان ذلك متعذراً حصوله في دمشق بفعل القبضة الحديدية التي تحكم سورية ، وحالة الرعب والخوف التي تنتاب الشارع السوري منذ أربعين عاماً .
إن مشاركة الفعاليات في عواصم مختلفة من العالم ، ودفاعها عن معتقلي الرأي والضمير في سجون النظام السوري ، توجب على الأخير ، فهم رسالتها الاحتجاجية بالإفراج العاجل وغير المشروط عن كل المعتقلين الذين جرى اعتقالهم ومحاكمتهم بلا ذنب أو جريرة أمام محاكم تفتقر إلى الأساس القانوني لأي قضاء مستقل ، وإلا فأن ميزان العدالة الدولية لن يتساهل بعد اليوم مع أي نظام كان .
إن قضية المدونة السورية المعتقلة في زنازنين النظام السوري، والمصير الغامض حول اختفائها القسري ، لما يقرب من العام ، يجعلنا نقول كلنا طل الملوحي .
* * *
يعيش النظام السوري في هذه الأيام ، أسوأ أيام حياته، منذ انتهاء حقبة الثمانينات بآلامها المميتة، التي دفع الشعب السوري ثمنها الباهظ من دمه ومستقبل عيشه الكريم، أسوة بكل الشعوب الأخرى .
لماذا طل الملوحي ؟ سؤال برسم النظام السوري، الذي قام بالتربص عليها منذ نعومة أظافرها في مدرستها الإعدادية ، من خلال جهازه التعليمي المحلق بأجهزته الأمنية الساهرة على سلامة حكمه، والتي أشبعت الشعب السوري في سبيل ذلك، خوفاً ورعباً وظلماً، لم يمر على شعب من الشعوب، لا في التاريخ القديم ولا حتى في التاريخ الحديث، مثلما مر على الشعب السوري من ويلات ومحن.
لماذا طل الملوحي ؟ سؤال برسم النظام السوري ، الذي أوعز لأوكاره الأمنية المسماة عنوة بالسفارات ، بملاحقتها ومتابعتها وهي خارج أسوار وطنها الأسير في مهمة لا تقل سوءاً عن مهمات أي نظام فاشستي ، همه الوحيد قمع مَن هم في الداخل وتشتيت مَن هم في الخارج .
إن العاصفة الهوجاء التي أطلقتها حملة التضامن العالمية مع طل الملوحي في وجه النظام السوري، الذي أقدم على خطفها من أحضان الحياة وهي لم تكمل عامها العشرين، كأصغر معتقلة في العالم، تلك الحملة العفوية التي تداعى لها كل المدافعين عن حقوق الإنسان بمختلف أعمارهم وهوياتهم ، لقنت النظام السوري درساً لن ينساه على مر التاريخ ، وهو أن عصر الإفلات من المساءلة والمحاسبة ولى إلى غير رجعة ، وأن عصر التعذيب والترهيب وقتل أحلام الطفولة ، لن يمر بعد الآن دون جزاء عادل .
ولازالت الحملة مستمرة على كل المستويات في جميع عواصم العالم ، طالما استمرت سياسات النظام السوري القائمة على ممارسة الاعتقال التعسفي والتغييب القسري لكل معتقلي الرأي والضمير في سجونه ومعتقلاته .
وكل ما جرى ترويجه من أخبار أمنية وشائعات سوداء، حاول النظام تسريبها عبر مواقعه الاستخبارية ، بعد أن عجزت صحفه المطبوعة على مواجهة قوة الحملة التضامنية الآخذة في التصاعد والانتشار، لهو دليل ضعف وخواء ، لدى هذا النظام ، ودليل على انعدام الضمير الوطني والأخلاقي ، عندما يوعز لزبانيته المأجورين ، بتسريب أنباء رخيصة، تتهم طل الملوحي المعذبة في زنزانتها المظلمة ، بالتجسس تارة ، وبالإساءة إلى الأمن الوطني تارة أخرى .
هذا الخواء الذي بدا واضحاً في سلوك النظام السوري ، دفع بمواقعه الاستخبارية الرخيصة ( دي برس ، شام برس ، سيريا نيوز ، عكس السير ) لتتقول على لسان ذويها ، ما لا يمكن أن يقوله الأخ في حضرة أخيه ، فكيف إذا كان الأب لابنه ، كما فعل موقع "سيريا نيوز" المعروف بتوجهاته الاستخبارية ، ومن قبله موقع " دي برس" لينضم إليهما مؤخراً موقع " شام برس" لصحابه ( علي جمالو ) الأكثر صفاقة ووضاعة في تاريخ الإعلام الالكتروني .
أخيراً وليس آخراً ، إن شرارة طل الملوحي ، لهي أشد من شرارة أحداث الثمانينات ، وأخطر من شرارة الراحل رفيق الحريري التي لازالت تداعياتها تجثم على صدر النظام السوري ، إذا ما خبرنا تاريخ هذا النظام الذي لم يعتد الانحناء أمام العواصف ، وها هو اليوم لا يملك من خيار سوى الانحناء أمام هذه العاصفة الهوجاء، التي بدأت فصولها باختطافه لشابة مبدعة في مقتبل سني عمرها ، من دون أن يعرف ، ماذا ينتظره في منتصف الطريق ؟.
* * *
وقد بدأت قصة الشاعرة والمدونة السورية المعتقلة طل الملوحي ، قبل قدومها لمصر كانت طل قد تعرضت لعدد من الاستدعاءات الأمنية ، وذلك على خلفية ما كتبته سابقاً قبل حوالي 5 سنوات في موقع النادي السوري ، وهو منتدى مفتوح لكل الشباب السوري ، وقد كتبت حينها مناشدة علنية للرئيس بشار الأسد لكي يسرع في إجراء الإصلاحات في البلاد ، وكان عمرها آنذاك 15 سنة فقط ، وعلى إثر تلك المناشدة بدأت الاستدعاءات المتلاحقة إلى فروع الأمن السياسي وأمن الدولة في حمص ، وكان المسؤول عن التحقيق معها عقيد يدعى علاء ، وقد هددها هذا العقيد وشتمها بألفاظ مشينة مثل ( …) وأجبرها على إمضاء تعهد خطي بعدم الكتابة والنشاط على النت ، فما كان منها إلا أن خرجت مع أهلها الى مصر ، عاصمة المقهورين في الأرض .
في مصر ، حاولت طل متابعة دراستها الثانوية ، لكنها لم تستطع ، لأن نظام التعليم الثانوي في مصر يحتم عليها إعادة دراسة الثانوية من الصف الأول الثانوي ، لكنها لم تفعل ، ما فعلته أنها صممت مدونتين إلكترونيتين ، وقامت بكتابة ما يجول في نفسها من شعر ونثر ومقالات ، دون أن تأتي فيها لذكر سوريا أو نظامها العتيد ، لكن المهم في قضيتها ، أنها قررت العودة إلى سوريا في شهر حزيران 2008 للتقدم لامتحانات الثانوية دراسة حرة ، ومن ثم العودة إلى مصر ، وهو ما حصل فعلاً ، لكن الكارثة ، أنها خلال فترة الامتحانات تعرضت لثلاثة استدعاءات أمنية متتالية في أقل من شهر والأنكى من ذلك ، أنها وخلال تقديمها الامتحان في أحد المراكز ، حضرت ومن دون سابق إنذار ، رئيسة مركز الامتحانات ، وقامت بسحب أورواقها وبطاقتها الامتحانية من أمامها قبل انتهاء الوقت بكثير ، وقالت لها بعجرفة : هيا أخرجي أنت محرومة من الامتحانات ، من دون تبيان الأسباب التي أدت إلى منعها وحرمانها ، لكن من الواضح أنها تعلميات أجهزة الأمن لمديرية الامتحان ، فعادت طل أدراجها إلى مصر مكسورة الخاطر ، وهي ممتلئة باليأس والكآبة ، وفوق ذلك كانت تعاني من مرض في الغدة الدرقية .
خلال عام 2009 ، عامها الأخير في مصر ، كانت تحت أنظار ومتابعة السفارة السورية في القاهرة، ربما لأنها بدأت علاقتها مع كاتب السطور ، وقامت السفارة بدس مراسلة التلفزيون السوري ، بحجة تقديم المساعدة لها للعمل في مجال الصحافة ، لأن أوضاعها المادية كانت صعبة للغاية، وكانت وبحاجة إلى عمل تسد فيه رمقها وأهلها ، لكن هدف السفارة كان أخبث من المساعدة والعمل ، لأنهم لم يساعدوها أصلاً رغم أنهم قطعوا لها الوعود الخلابة ، بل كان هدف السفارة تخريب العلاقة بيننا ، وبنفس الوقت مراقبتها ومعرفة ما كانت تنوي علمه ، وعندما انفضح أمر المراسلة من قبلي ، قام الملحق الأمني في السفارة المقدم في فرع أمن الدولة الخارجي 253 سامر ربوع ، باستدعائها والتحقيق معها داخل السفارة ، وفي التحقيق سألها عني ، وما إذا كنت أنوي مساعدتها ، آنذاك كانت السفارة في القاهرة والنظام في دمشق في حالة هستيريا ، لأن قناة زنوبيا التي كنت أديرها من مصر ، كانت قد بدأت بثها من القاهرة على قمر النايل سات ، وللشهادة كنت قد عرضت على طل استضافتها في حوار تلفزيوني ، لكنها رفضت الظهور أو التصريح على اي وسيلة إعلام ، وهذه شهادة براءة تدين من اعتقلها ، ورسالة رفضها موجودة لدي أحتفظ بها ، ومن ثم طلبت مني طل تخفيف اللقاءات بيننا ، لأننا أصبحنا تحت أعين السفارة ، طبعا أنا لا أعير السفارة أي اهتمام .
ومن ثم عادت طل فجأة إلى سورية ، ولم أكن أعلم بميعاد سفرها المفاجئ ، ربما ضغطت السفارة على والدها ، وأعطته تطمينات بأن ابنته لن تتعرض للاعتقال إذا ما عادت إلى أرض الوطن المصون.
ولازال مصيرها مجهولاً حتى الساعة ، وقد مضى على اختفائها 11 شهراً ، من دون أن يزورها ذويها أو يعلموا عنها أي شيء .
الحرية لطل الملوحي .. الحرية لكل معتقلي الرأي والضمير في جون النظام السوري .