تحرير وعي المرأة هو تحرير للمجتمع



هويدا صالح
2010 / 10 / 10

عند تأمل وضعية المرأة في مجتمعاتنا العربية ، يجب -ان نطرح تساؤلات بديهة من قبيل أيهما أقوى وأكثر قدرة على السيطرة على نفسه ومشاعره وانفعالاته وغرائزه الجنسية الرجل أم المرأة ؟ إذا كان الرجل هو الأكثر قدرة على التماسك والسيطرة على غرائزه فلم أمرت المرأة بالحجاب والانعزال خوفا من أن نغوي الرجل الذي من الواضح تماما أنه غير قادر على أن يحمي نفسه وعفته وفضيلته إلا بعزل المرأة ؟ وإذا كانت المرأة هي أقل قوة وسيطرة على ذاتها لم لم يؤمر الرجل بأن يحتجب ويمنع نفسه عن المرأة حتى لا تقع في الرزيلة والفتنة والإغواء ؟
المجتمعات الغربية تعمل على تذويت المحظورات وجعلها جزءا من الذات من خلال التربية ، فتسعى المنظومة الاجتماعية على تربية الضمير داخل الفرد بالتوازي مع التربية العقلية والجسدية ، فيصير الرقيب على الأخلاق داخليا ، ويصير الناس يمتنعون عن فعل المفاسد من داخلهم، من ذواتهم ، دون رقيب خارجي ، ودون منع وقهر ، لكن المجتمعات العربية فتفرض احترام المحظورات باجراءات برانية ، ووضع قوانين وقواعد ، والعمل على عزل النساء ومراقبتهن وحجبهن عن المجتمع ، لأن مفهوم المحظورات لم يعد جزءا من الذات ، بل مفروضا على الذات من الخارج ، لذا الفرد في هذه المنظومة التي تفرض الأمر من الخارج يكون مهيئا تماما للسقوط في فخ المحظورات بمجرد غفلة الرقيب أو زواله ، لأن الرقيب على أخلاقه خارجيا وليس داخليا .
لقد أشار قاسم أمين في كتهب لفهم المنطق الكامن وراء عزل وتحجيب النساء والقواعد المؤسسة للفصل بين الجنسين، توصل أن النساء أكثر قدرة من الرجال على السيطرة على دوافعهن الجنسية، وأن الفصل بين الجنسين هو بالتالي وسيلة لحماية الرجال لا النساء. ابتدأ قاسم أمين بالسؤال حول أي من الجنسين في هذه المجتمعات يخاف الآخر، ومم يخاف. وحين لاحظ أن النساء لا يرغبن بالعزلة كثيرا ويخضعن لها بسبب إجبارهن عليها فقط، وسأل لم لم تؤمر الرجال بالتبرقع وستر وجوههم عن النساء إذا خافوا الفتنة عليهن؟ هل اعتبرت عزيمة الرجل أضعف من عزيمة المرأة واعتبر الرجل أعجز من المرأة عن ضبط نفسه والتحكم على هواه؟ واعتبرت المرأة أقوى منه في كل ذلك حتى أبيح للرجال أن يكشفوا عن وجوههم لأعين النساء مهما كان لهم من الحسن والجمال. ومنع النساء من كشف وجوههن لأعين الرجال منعا مطلقا خوف أن ينفلت زمام هوى النفس من سلطة عقل الرجل فيسقط في الفتنة بأية امرأة تعرضت له مهما بلغت من قبح الصورة وبشاعة الخلق؟
وهنا نتساءل إذا كان الوضع كذلك فلم تجعل المرأة تحت وصاية وسيطرة الرجل وهي الأقوى في تحكمها في غرائزها ، وليس هذا فحسب ، بل أثبتت الدراسات العلمية والطبية أن المرأة أقوى من الرجل بيولوجيا وجسديا ، وأن لديها من الطاقات النفسية الهائلة التي تمكنها من تحمل المصاعب والمشاق النفسية مقارنة بالرجل الذي يفرض هيمنته عليها.
إن مجتماعتنا العربية ترزح تحت الفساد السياسي وحكم الدكتاتوريات من جهة وتحت التخلف والجهل وتعطيل نصف قوى المجتمع وأعني به المرأة من جهة ثانية .
بعد مرور أكثر من مائة وأربعين عاما ، وذلك الكفاح الذي خاضته المرأة العربية سواء في مصر أو الشام أو تونس تطلع علينا دعاوى تطالب النساء العودة إلى الحرملك / البيوت وتجاهل هذا الانجاز وتلك الخطوات التي خطتها المرأة نحو التحرر من قيود عبودية المجتمع الذكوري الذي دأب على تهميش وإقصاء المرأة ، ومعاملتها ككائن منقوص الأهلية ، منقوص القيمة . الدعاوى الجديدة تلقي بمسؤولية الفساد الأخلاقي والهوس الجنسي الذي يجتاح المجتمع على المرأة ، وكنها هي وحدها المسؤولة عن فضيلة المجتمع أو فساده ، ونسي هؤلاء أن كل إنسان حر عاقل مسؤول عن أخلاقه ، وليست المرأة هي المغوية أو الشيطان الذي يدفعهم إلى الرزيلة والخطيئة .
بدأت حركة تحرير المرأة في مصر منذ دعوة رفاعة الطهطاوي بتعليم الفتاة عام 1970 ، تلتها مقالات عدة تنادي بتحرير منها مقال مريم ماكريوس زوجة رئيس تحرير مجلة اللطائف منها
حول تربية الأبناء وتعليم الفتاة, بعدها توالت مقالات سلمى قساطلي في ملجة اللطائف أيضا ودعت من خلالها إلى تعليم الفتاة وتحرير المرأة ، ثم تلتها مقالات زينب فواز العاملي عام 1892 في مجلة النيل ، أبدت من خلالها دور المرأة في الدفاع عن قضايا بلادها ومقاومة الاستعمار ، مساواة النساء والرجال في الوظائف وعدالة التوزيع .

ثم دعا قاسم أمين إلي اتخاذ التربية وسيلة للنهضة القومية، وفي سنة 1898م أخرج كتابه (تحرير المرأة) وفي سنة 1900م كتابه في (المرأة الجديدة) وأكد قاسم أمين في كتابه الأول علي أهمية تقييد فكرة تعدد الزوجات والطلاق ، وأثبت أن العزلة بين المرأة والرجل لم تكن أساساً من أسس الشريعة ، وان لهذا التعدد حدوداً يجب أن يتقيد الرجل بها، ثم دعا إلى تحرير المرأة لتخرج إلى المجتمع وتلمّ بشؤون الحياة، ولقيت هذه الآراء عاصفة من الاحتجاج والنقد، وقام الكتاب والقراء يردون على كتابه الأول الذي أثار جدلا، ومع ذلك لم يتزعزع أمام هؤلاء الذين انتقدوه ، ثم طالب في كتابه الثاني (المرأة الجديدة) الذي أهداه إلى صديقه الزعيم سعد زغلول باشا بإقامة تشريع يكفل للمرأة حقوقها، السياسية والاجتماعية ، ثم جاءت بعده هدي شعراوي التي دعت إلي تنفيذ آرائه ، ثم جاءت باحثة البادية ملك حفني ناصف لتكمل مسيرة إصلاح المرأة التي بدأت منذ نهاية القرن التاسع عشر ، و لملك حفني ناصف مقالات نشرتها في( الجريدة) ثم جمعتها في كتاب أسمته ( النسائيات) يقع في جزأين، وقد طبع الجزء الأول منه وظل الثاني مخطوطا. ولها كتاب آخر بعنوان ( حقوق النساء ) حالت وفاتها دون إنجازه ، كما أسست اتحاد النساء التهذيبي .
ثم جاء دور درية شفيق التي نشطت ليس من أجل تحرير المرأة فقط ، بل من أجل تحقيق الإصلاح الاجتماعي ، كما نشطت في خدمة النساء العاملات والدفاع عن قضاياهن ، كما افتتحت مكتبا لتشغل طلبة الجامعات ، وأنشأت مدرسة في بولاق لمحو الأمية بين النساء ، كذلك أنشأت مجلة " بنت النيل وفي عام 1957 بدأت الإضراب عن الطعام احتجاجا على دكتاتورية جمال عبد الناصر وطالبت باستقالته ، ووقف بجانبها الرئيس الهندي نهرو ، ,ارسلت بيانا إلى الزعيم جمال عبد الناصر جاء فيه : " نظرا للظروف العصيبة التي تمر بها مصر قررت بحزم أن أضرب عن الطعام حتى الموت ، وأنا كمصرية وكعربية أطالب السطات الدولية بإجبار القوات الإسرائيلية على الإنسحاب فورا من الأراضي المصرية،. وأطالب السطات المصرية بإعادة الحرية الكاملة لمصريين رجالا ونساءا وبوضع حد للحكم الديكتاتوري الذي يدفع بلادنا إلى الإفلاس والفوضى ، وإخترت السفارة الهندية لأن الهند بلد محايد ولن أتهم بأنني فضلت معسكرا ما). وإستشاط "جمال عبد الناصر" غضبا لأن الشرطة المصرية لا تستطيع أن تدخل السفارة الهندية للقبض على "درية". وقد أفردت الصحافة الأجنبية مساحات واسعة فإضراب "درية" ومطالبتها بإنهاء الدكتاتورية في مصر وخرجت "لندن تايمز" بعنوان (المدافعة المصرية عن حقوق المرأة تضرب عن الطعام في السفارة الهندية) .
هذه هي المرأة العربية منذ أكثر من مائة عام تناضل من أجل قضاياها وقضايا مجتمعها ، وتنشط سياسيا واجتماعيا ، واليوم في عام 2010 يخرج علينا من ينادي بأن المرأة هي الشيطان وأنها سبب فساد المجتمع ، ويطالب نساءنا بالعودة للمنزل ، وكأن قهر النساء وقمعهن سيحل قضايا الأوطان ، سيقضي على الفساد السياسي ودكتاتوريات الحكام .
لو وعى هؤلاء لأدركوا أن تحرير المرأة العربية ، تحرير وعيها ، وإعطائها قيمتها وحقوقها سيكون هو الطريق الحقيقي لتحرير المجتمع ، لأن المرأة هي صانعة هذا المجتمع بتشكيل وعي أبنائه . فبدلا من قمع المرأة وتهميشها وإنقاصها حقوقها نعمل على إنصاف المرأة ، فهي صانعة رجال هذا المجتمع ، ومن خلالها يتشكل الوعي .