لبوة تقتحم مجلس اللوياجيرغا



حسين القطبي
2010 / 10 / 14

يكفي ان تحلق اللحية في افغانستان حتى ينظر لك الاخرون بشزر، وكأن ذقن الرجل عندهم عورة، فكيف بذقن المرأة، او شفتيها المخضبتين بحمرة طبيعية تستنفر كل حواس الرجل؟

ويكفي ان تسير في الازقة وانت ترتدي البنطلون، حتى تثير من حولك الشبهات، فيتخيلونك صبية تتغنج بالخطى. فعلى الرجل من اجل ان يتطابق ملبسه مع ملتزمات العفة ان يرتدي ثوبا طويلا "مستورا" يغطي اعلى سرواله، ووشاح على كتفه ليدثر الصدر والياقة، والاكثر عفة من زاد الغبار على لحيته.. والا "سقطت" في نظر الاخرين.

اما المرأة فلا يسترها الرداء حتى لو كان خيمة مغلقة، لا منفذ فيها سوى تخريمة امام العينين لتجس بها الطريق، اذا قدر لها ان تخرج الى زقاق.

في مثل هذا الفضاء الاخلاقي تحتم غريزة البقاء على الارامل، والنساء الفقيرات في العوائل المتعففة، ان تعيل أنفسها، اي عليها ان تدخل السوق، في بلد تعصف به البطالة، تتنافس مع الرجال، من اولئلك الذين يشبهون نمورا صخرية مغبرة، وربما تضطر للشجار، من اجل تأمين بقاء صغارها!

في هكذا اجواء تقتحم الناشطة النسوية الافغانية "ملالة جويا"، الشابة ذات الخمار الداكن والحاجب الكث، عالم السياسة، تمارس ورفيقاتها مشوارهن، المحفوف بالمحن والمخاطر، والنظرة الدونية، للحصول على ابسط الحقوق الانسانية للمرأة في افغانستان.

في العالم 2003، بعيد سقوط طالبان، انتدبت ملالة الى جلسات كتابة الدستور كممثلة للنساء، تماشيا مع لمسات الادارة الامريكية انذلك، ولكنها عندما بدأت الحديث، وبعض رجال الدين المكلفين بوضع الدستور يغطي عينية كي لا يرى امراة، اعترضت في البدء على وجود بقايا من امراء الحرب السابقين، المتهمين بجرائم القتل والاغتصاب، مما حدى بالرئيس لطردها، وحرمانها من حق الاشتراك في الجلسات القادمة (*).

وفي العام 2005 نجحت حملتها الانتخابية للفوز بكرسي البرلمان بعد ان حلت ثانية عن مقاطعة "فراه"، واصبحت اصغر برلمانية في تاريخ بلادها، الا انها طردت بعد عامين، بسبب لقاء صحفي، اتهمت فيه بتوجية الاهانة لبعض زملائها البرلمانيين!

وزملائها الذين تطالب السيدة جويا باحالتهم للقضاء هم امراء حرب معروفين، منهم محمد يونس قانوني، ومحمد اسماعيل خان، القائد الذي يعتبر بطلا في عرف الكثير، لانه كان احد كبار الشيوخ الذين قاتلوا ضد التدخل السوفياتي في ثمانينيات القرن الماضي.

ولم تغفل ملالة الجانب الاجتماعي اذ تحضر حفلات الزواج للنساء من ضحايا عمليات الاغتصاب الجماعي، "تتم في السر"، من اجل اعادة تأهيلهن للحياة الطبيعية.

وفوق هذا فأنها تعارض التواجد الامريكي الدائم في بلادها، وتطالب قوات الناتو بالرحيل، وقد كتبت مقالة في صحيفة "ذي نيشن" الامريكية تقول:
"يعي الشعب الافغاني جيدا ان الولايات المتحدة على استعداد لتخاطر بحياة الافغان من اجل مصالحها الاقليمية الاقتصادية. وبسبب سني الحرب الطوال فان تنامي الوعي اوصل الافغاني لفهم ان الولايات المتحدة متورطة في ايصال حالة هذا الشعب الى ما هو عليه الان." (**)

لكل هذا، وبسبب التحدي الشرس للعرف الاجتماعي القاسي، ولجرأة ارائها السياسية، لا تستغني البرلمانية السابقة عن طاقم حمايتها، رغم ذلك تتلقى التهديدات المستمرة بالقتل، من قبل العصابات المرتبطة برجال الدين والسياسة، اذ يطلقون عليها "المرأة الميتة التي تمشى"، لانها نجت باعجوبة من اربع محاولات اغتيال.

اذا كان مشي الرجل في شوارع كابل ينذر بالخطورة، ويتطلب قلب اسد، فان اقتحام شابة غضة لخيمة اللويا جيرغا وطلبها تقديم امراء الحرب الحاضرين، لمحاكمات عادلة، يتطلب بالفعل قلب لبوة مثل ملالة.

(*) شريط الفيديو الذي صور السيدة جويا في قاعة "خيمة" اللويا جيرغا لكتابة الدستور في العام 2003

http://www.youtube.com/watch?v=iLC1KBrwbck&feature=related


(**) The Nation, published on October 7, 2008