أفكار من كتاب (دوائر الخوف قراءة في خطاب المرأة) للمفكر نصر حامد أبو زيد



زينب نبّوه
2010 / 10 / 23

كان نصر حامد أبو زيد يمثل فكراً تنويرياً منهجياً يستند إلى قاعدة علمية وفكرية وإيمانية صلبة.
دافع عما يؤمن به خاصة مبدأ إثارة التساؤل. وكان يرى أن خير الحوار ما كان جماعياً، وطرق البحث والتحليل هي المطلوبة دائماً.
وفي كتابه (دوائر الخوف)، فصل (حقوق المرأة في الإسلام)، يقول (لقضية حقوق المرأة أبعادها الاجتماعية والثقافية والفكرية داخل كل بنية اجتماعية، كما أن لها أبعاداً ذات طبيعة إنسانية تتجاوز حدود البنية المجتمعية الخاصة. يضاف إلى هذا التشابك والتعقد والذي له بعد خاص في مجتمعاتنا العربية الإسلامية هو بعد (الدين) الذي ما زال يمثل مرجعية شرعية وقانونية مستمدة من مرجعيته الأخلاقية والروحية. ومنذ بداية ما يسمى عصر النهضة العربي في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وقضية تعليم المرأة (أولاً) ثم تحريرها من التقاليد البالية الراكدة التي تعوق حركة المجتمع بأسره (ثانياً) تحتل أولية في سلم المهام النهضوية العاجلة. موضحاً البعد المفقود للمرأة في الخطاب الديني الذي يعالجه النص القرآني بمعزل عن سياق الواقع الاجتماعي العام، فيجري الحديث عن المرأة بوصفها أنثى ونداً للرجل، مركزاً على الفروق العقلية والذهنية والعصبية.
حواء بين الدين والأسطورة
يرى المفكر أبو زيــــــــد أن الاجتهادات كانت خاضعة دائماً لظــــــــــروف تاريخية، فالنص القرآني محــــــــــكوم بعصره، وقد ارتبط التفسير بحاجات كل زمن وثقافته ويستند إلى الموروث الثقافي والاجتماعي.
سعى أبو زيد للبحث في النص القرآني وفق مفهوم أن الإسلام أجاز الاجتهاد، فقدم هذا الاجتهاد فهماً للقرآن وتعاليم النبي لاستيعاب أهم قضايا المجتمع أي المرأة. ويرى أن الاجتهاد كان خاضعاً دائماً لظروف تاريخية، فالنص القرآني محكوم بعصره، والتفسير ارتبط بحاجات كل عصر وثقافته واستند إلى الموروث الثقافي والاجتماعي. بينما يصرّ المتزمتون والظلاميون على مناقشة قضية المرأة من خلال مرجعية النصوص، في تجاهل تام لأنها قضية اجتماعية. فيستخدمون نصوصاً استثنائية بوصفها نصوصاً ذات دلالة تاريخية مباشرة، ولا يعاد تأويلها إلا في ضوء النصوص التي تعد الأساس في قضية المرأة حسب رأيهم.
ويظهر تاريخ اللغة في كتاب (دوائر الخوف) أنه تاريخ الجماعة، وفي اللغة العربية جاء الخطاب القرآني ضمن لغة خاطب النساء بالطريقة التي خاطب بها الرجل، وهذا تعبير عن وعي جديد دخل فيه الخطاب في حالة صراع مع الوعي. وبقدر ما كانت كفة الميزان تميل نحو الوعي كان وضع المرأة يتنامى بينما كان يتدهور في مرحلة الانحطاط، فيتم استدعاء قصة حواء بقراءتها التوراتية، ويتم إعلان النساء كناقصات عقل ودين (وكيدهن عظيم). وهذه الوضعية التاريخية انعكست سلباً على المرأة. ونرى التمييز في جذور بنية اللغة العربية التي جعلت من الاسم العربي المؤنث مواد تحرّض على التفريق بين الاسم العربي والأعجمي بوساطة علامة التنوين. كما أن وجود رجل واحد في مجتمع من النساء يفرض الإشارة إلى المجموع بصيغة جمع المذكر، بينما اللغات الأجنبية الأخرى حاولت إلغاء التميـــــــيز بين الأسماء المذكـــــــرة والمؤنثة.
المرأة في خطاب النهضة
والخطاب الطائفي
يرى أبو زيد أن الخطاب مشدود إلى بعدين البعد الأول وطأة التطور، من خلال الاحتكاك بالمجتمعات الأوربية المتطورة، والاختلاط وما أحدثه من تأثير على أوضاع المرأة العربية.
والبعد الثاني هو بعد التقاليد والتراث المتمثل في مبادئ الإسلام وتشريعاته.
نجد أن خطاب النهضة قد أدرك قوانين الاجتماع البشري كما أسّسها ابن خلدون. أول مبادئ هذه القوانين اعتماد المصلحة وتحقيقها أساساً. وثاني تلك المبادئ أن المغلوب يقلد الغالب دائماً في سلوكه وزيه وشارته. والمبدأ الثالث وهو الأهم قد يأتي التغيير ببعض المفاسد، ولكن هذا يجب ألا تجعلنا نقاوم التغيير حتى لا نحرم من الإيجابيات.
ويلاحظ أبو زيد أن خطاب النهضة يعارض مبدأً هاماً من مبادئ الخطاب الديني القديم والحديث على السواء، وهو المبدأ الذي صاغه بعض الفقهاء والذي فحواه أن (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. والحل الذي يطرحه خطاب النهضة علاجاً للآثار الجانبية للتقدم (الفساد) هو التربية والتعليم اللذان من شأنهما حماية المرأة بل والرجل كـــــــــــذلك من تلك الآثار.
لم يكن ممكناً لخطاب النهضة أن يناقش مسألة مرجعية الشريعة خاصة وقد تأسست بنيته على أساس (عدم التعارض). ومن هنا يتقدم قاسم أمين ليقرر أن تدني وضع المرأة في المجتمعات العربية الإسلامية وما فرض عليها من حجاب وقيود لا يجد تفسيره في الإسلام وإنما في حالة (التخلف) التي تعيشها تلك المجتمعات. ويرى قاسم أمين حاجة العقل في فهمه للدين إلى مبادئ العلم والمدنية.
أما الطاهر حداد فقد تجاز منطق الدفاع والتبرئة وطرح فهماً شبه تاريخي عن دلالة النصوص المتعلقة بالمرأة، وأن هذه الأحكام غير نهائية وهي تتبع المجتمع الذي نزلت فيه، وهو مجتمع كانت فيه المرأة أقرب إلى العبودية، فحاول تحليل النصوص الدينية ليكشف عن الثابت في دلالة هذه النصوص ليصل إلى القول (إن خطاب النهضة اقترب من حدود إنتاج وعي علمي بالدين وبدلالة نصوصه عبر فصل الديني عن الدنيوي).
غير أن أبو زيد يرى في خطاب النهضة خطاباً سجالياً أنتج مفاهيم على مفاهيم نقيضة الخطاب السلفي غلب عليه الانتقاء والتلفيق بصورة عامة. وفيما يخص قضية المرأة لا يجد خلافاً جذرياً بتسليم كليهما بالفروق النوعية بين الرجل والمرأة.
ويمكن تسمية حقبة عصر النهضة بتصلب الفـــــــــــكر الديني. أقصد أن هذا الفكر فقد حيويتــــــــــــه، التي كانت تتجسد عبر تعددية المدارس الفهقية والشرعية، ولم يقل إن هـــــــــــــذه الحركات الإصلاحية لم تحمل شيئاً للفكر الإسلامي، إلا أنها لم تستطـــــــــع إيجاد أرضية لإحـــــــــداث تغيير اجتماعي. ومع ذلك يطرح السؤال لماذا لم يترجم فكر رواد النهضة إلى وقائع؟ يكمن الجواب في طبيعة الأنظمة السياسية.
وعلى ضوء مفهوم الإنسان في الفكر الإسلامي يرى أبو زيد أن حقوق المرأة وسط الواقع الحالي والذي تجاوز مسألة تعليمها وخروجها إلى العمل ومساواتها بالرجل، فإن القوانين المنظمة لحركة المجتمع ولا سيما الأحوال الشخصية ما تزال تستند إلى مرجعية الشريعة التي لا تسمح إلا بقدر من الاجتهاد لا يخرجها من الحالة التي تعانيها، إضافة إلى النصوص السجالية التي يبدو فيها تمييز بين الرجل والمرأة، فهي لها وضعيتها التاريخية. ويرى أبو زيد أن ذلك يتطلب منع تعدد الزوجات، وقضايا الإرث والقوامة، وكلها لها أسبابها التاريخية، وأسباب طرحها مرتبط بواقع المجتمعات ودرجة تطورها وتحضّرها. إضافة إلى أنها أحكام قابلة للتغيير بهدف تحقيق العدالة.
إن فصل قضية المرأة عن السياق الاجتماعي المحدد لمكانة الإنسان يؤدي إلى معالجة قضايا المرأة بوصفها نقيضاً للرجل وضده. كما تؤدي المنافسة إلى المقارنة بينهما. وهنا تبرز الفروق البيولوجية وما يدور حولها من فروق عصبية وذهنية ونفسية ليصبح الرجل هو المركز. وأبو زيد لا ينفي الفروق البيولوجية بين الرجل والمرأة وفقاً للشروط المحددة للوضع الإنساني، ولكن الخطاب السياسي والاجتماعي ينفي هذه الشروط على حساب التركيز على البعد البيولوجي.
يقول أبو زيد في كتابه (دوائر الخوف)، فصل المسلمون والخطاب الإلهي حقوق الإنسان بين المثال والواقع إن إعلاء المعتزلة من شأن العقل وقيمة المعرفة كان عنصراً جوهرياً من عناصر حداثتهم، وبدلاً من التفاخر بالأنساب والعصبيات والأجناس أحلّت قيم العقل والمعرفة لتكون معياراً موضوعياً لتحديد قيمة الإنسان اجتماعياً ودينياً.
ولعل التناقض المحير في عصرنا الراهن هو الافتخار باللحظة التاريخية للحضارة العربية في أوج انفتاحها وتطورها في الآخر، وفي الوقت نفسه الرفض المطلق لهذا الآخر مع استهلاك أدواته التكنولوجية والمعلوماتية أسئلة طرحها المفكر برهان غليون في كتابه (اغتيال العقل) ما هو مصدر هذا التناقض؟ هل الثقافة العربية أداة نهضة قادرة على استيعاب الحضارة الحديثة؟ ماالحداثة وما علاقتها بالنهضة؟ ما الهوية؟
في (الواقع الاجتماعي بُعْد مفقود في الخطاب الديني) الفصل الثالث من دوائر الخوف. يتحدث أبو زيد عن هزيمة العرب في حرب حزيران كنقطة تراجع للنهضة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، كما تقهقهر مشروع العدل الاجتماعي الذي طمحت إليه الناصرية، وفي الفترة الناصرية نفسها لخص برهان غليون أزمة التقدم العربي
(إن الحركة القوميـــــــــــــة حرمت نفسها من مصدرين عظيـــــــــــــــمين للتطور والتغيير منبع الفكر وحريته ومنبع التنمية الاقتصادية والتصنيع السريع المتكامل والضـــــــــــــــروري. وفي هذا الانهيار هبطت إلى أدنى مستوياتها أسهم الحلقات الأضعف في المجتمع العربي العمال والنساء والفقراء).
وأخيراً تناول في كتابه (القانون التونسي بين العلمانية المفترضة وجذور التراث الإسلامي).
استعرض كتاب فاطمة مرنيسي الذي يتناول المرأة وقانون الأحوال الشخصية في الخطاب التشريعي التونسي، متوجهاً في تحليله إلى المغرب العربي. ومن أحد فصول كتاب (الإسلام والديمقراطية والمرأة) مستعرضاً دوائر الخوف من الغرب الأجنبي ومن الديمقراطية وحرية الفكر التي تناولها في سبعة فصول، موضحاً أن قضية المرأة في خطابها ليست قضية جنس مذكر أو مؤنث ولا قضية تخلف اجتماعي أو انحطاط فكري، وليست مجرد قضية دينية، بل هي إضافة إلى كل ذلك أزمة السلطة السياسية في علاقتها بالناس منذ فجر التاريخ العربي.
هذا بعض ما ورد في كتاب (دوائر الخوف). غير أن أهميته في درس الخطاب العربي المعاصر تتطلب دراسة وافية وشاملة لا يسعها هذا الحيز المتواضع من البحث.