حوار عالمي من خلال قصة عن الزواج القسري



حنا زيادة
2010 / 11 / 25

التعليق : الرجال هم الذين يقررون مصير النساء العربيات.

الرقة مدينة في شمال سوريا
لقد كان ظلي , ردت كميلة على سؤال صديقاتها اللواتي حاولن فيه ان يغيظوها, كيف تمشين مع ذلك الشاب الاجنبي الوسيم؟ وفي الواقع ماهو الا شاب لبناني شعره اسود وقد وضع الكثير من الكريم الواقي للبشرة على وجهه.
فماكان ردها المثقل بالحزن ومن خلال الكلمات القليلة, الا هروب لاارادي لشفاهها . نعم فهي في الواقع ظل لصورة فتاة جميلة وشجاعة التقيت بها منذ اشهر وقبل ان تتزوج.
مازال عمر كميلة تسعة عشر عاما ومع هذا فانها الان متزوجة منذ شهرين وتنتظر مولودا , الا انها ليست سعيدة بالزواج كاي فتاة شابة .
لقد وافقت كميلة واختها راجحة ابنتا الرجل الذي استضافني على دعوتي غير عادية وهي دعوتي لهما للذهاب في نزهة في الحقول مع اصطحاب اخيهم الاكبر حسان الذي كان بمثابة المراقب علينا في هذه النزهة.
وبينما نحن نمشي في المروج الخضراء والتي يتخللها نهر الفرات عبر الصحراء السورية بدأت كميلة تتحدث عن النهاية التعيسة لقصة حياتها كفتاة حالمة.
لااحبه هكذا ابتدات حديثها ,عندما سالتها عن عريسها الجديد.

وبعد مرور لحظة تابعت كميلة حديثها , لااطيقه ذلك الرجل الذي اجبروني على الزواج منه, والذي من المستحيل ان اوافق عليه يوما من الايام.
وهنا سارعت بسؤالها, ولكن كيف تزوجتِه؟ وكيف وافقت على الزواج من شخص لاتحبينه؟ ووالدك اخبرني بانه من المستحيل ان يجبرك على الزواج من شخص لاتريدينه!
وهنا ولاول مرة فقدت كميلة رباطة جاشها وانهالت الكلمات منها, وقالت لو رايت كيف انهم ضغطوا علي وكل العشيرة كان شغلها الشاغل هو اقناعي ولشهر طويلة منذ طلوع النهار وحتى حلول المساء.واما اخي الاكبر فقد حاول جهده الضغطَ علي للحصول على الموافقة وكلمة نعم من لساني على الرغم من ان قلبي كان يقول كلا طوال الوقت.
كان اخي الاكبر, بكل تاكيد , يريدني ان اتزوج من ابن عمي وذلك لكي يتزوج هو بالمقابل من اخت ابن عمي اي تبادل تجاري و منفعة متبادلة. وبعد ان وافقت انا على الزواج من ابن عمي , بدا الاخير بالمساومة على مبلغ المهر الذي يجب عليه ان يدفعه لي. فقد ارسل ابن عمي رسولا الى والدي من اجل اقناعه بتخفيض مبلغ المهر بمقدار مائة او مئتين دولار لان ثلاثة الاف دولار مبلغ كبير وكانني كيس بطاطا.
لقد ذكرت كميلة قصتها بكل شجاعة بينما كانت عيناها محدقتين في الارض طوال الوقت , وفي المرات القليلة التي نظرت فيها الي بابتسامتها الرائعة والتي لم تظهر على وجهها باي شكل من الاشكال نوعا من الشفقة على حالها وانما كان الاستسلام ظاهرا وهو الذي اثار غضبي وفي نفس الوقت اعجابي بها.
قصة كميلة ماهي الا قصة عادية للعديد من الفتيات العربيات عدا ان الضمير الحي لكميلة قد كان يرفض الظلم وعدم الانصاف. المغزى من قصة كميلة هو انه ليس من الضروري ان يكون الزواج القسري زواجا فاشلا وغير سعيد, لانه هناك توجد زيجات قسرية ولكنها سعيدة.
وتدل قصة كميلة على شيئين الاول بانه مازال زواج المراة في المجتمعات العربية ليس بارادتها , والشئ الاخر بان الرجال هم الذين يقررون مصير المراة.
هناك الملايين من الفتيات العربيات مثل كميلة يجدن انفسهن وحيدات وبدون اي عون عندما يكن في موقف تقرير مصيرهن مع الرجال, خاصة عندما يكون الزواج هو الامل الوحيد للسعادة.
هناك العديد من النساء يتحدن استبداد الرجال وذلك من خلال رفضهن للعريس الذي اختارته الاسرة , واما من خلال وعيها بان الزواج ليس هو الاختيار والمصير الوحيد لها.
ولكن مع الاسف الشديد فان هناك القليل من الانتصارات التي يقابلها المئات من الخيبات والفشل.
كما ان العبرة من قصة كميلة بانه في الوقت الذي كانت فيه كميلة بحاجة الى المساعدة في ازمتها لم تحصل على اية مساعدة من اية جهة في هذه القرية التي تقع خارج مدينة الرقة حالها حال العديد من القرى ا لعربية الفقيرة والتي لاتوجد فيها المؤسسات والمنظمات الانسانية والتي توجد باعداد كبيرة في بيروت والقاهرة ودمشق والرباط والعواصم العربية الاخرى.
في رحلاتي لهذه المدن وفي هذه الرحلة ايضا حضرت ولمرات عديدة اجتماعات مطولة في قاعات فخمة ومع اختصاصيين وناشطين واستمعت الى مناقشات وتحليلات لساعات طويلة حول كيفية جعل المراة مستقلة وقوية.
وهذه التحليلات كانت مقنعة وكانت الاقتراحات ايضا معقولة ومنطقية الا انها بعيدة جدا عن ارض الواقع.
فاذا اردنا نحن الغرب فعلا تقديم العون والدعم للنساء العربيات فعلينا عدم ارسال الدعم المادي للمشاريع الكبيرة المرتشة بشعارات ضخمة والى الندوات الاعلامية, بل علينا ان نساهم في دعم المشاريع الصغيرة في القرى البعيدة عن المدن الكبيرة, تلك المشاريع التي تخدم قضايا النساء والفتيات العربيات في القرى والاحياء الفقيرة في العواصم حيث تتواجد النساء العربيات اللواتي يكافحن من اجل توفير حياة حرة كريمة.
فاذا استمرينا في ارسال الدعم المالي للمشاريع المريحة في المدن الكبيرة التي لاتوجد اية صعوبات في الوصول اليها ولانرسلها لتلك القرى حيث تكون الكرونة الواحدة تعادل عشرة اضعاف قيمتها الاصلية, فاننا بذلك وكاننا نعطي مواعظ للمواطنيين الذين اصلا قد تغيروا وتطوروا.
فاذا لم نفعل ذلك فان الامل الوحيد لكميلة واختها هو ماقالته كميلة عندما ختمت قصتها من اجل ان تخفف عني ,حيث قالت , ربما مع الوقت اتعلم كيف استطيع ان اتحمل الالم.