أثر العنف ضد المرأة على الحق في الصحة الإنجابية



دنيا الأمل إسماعيل
2004 / 9 / 18

هل ثمة علاقة بين العنف ضد المرأة ودرجة التمتع بالصحة الإنجابية؟ وما هو شكل هذه العلاقة، وإلى أي حد يمكن أن تؤثر إحداهما في الأخرى.
إنّ الإجابة عن هذه الأسئلة يتطلب النظر إلى كل من تفاصيل القضيتين كل على حدة.
ولكن علينا أن نقر كبديهة تستند عليها هذه الورقة أن احترام حقوق الإنسان القائم بالأساس على احترام الكرامة الإنسانية، يؤدي تلقائياً إلى تمتع أكبر بالصحة الإنجابية. ومن ثم فإنّ هناك علاقة عكسية بين ازدياد أو انخفاض العنف الموجه ضد النساء –كأحد انتهاكات حقوق الإنسان- ودرجة التمتع بالصحة الإنجابية. فإذا كان العنف يعني:"أي عمل أو تصرف عدائي أو مؤذ أو مهين يرتكب بأية وسيلة وبحق أية امرأة لكونها امرأة، يخلق معاناة جسدية وجنسية ونفسية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، من خلال الخداع أو التهديد أو الاستغلال أو التحرش، أو الإكراه أو العقاب ، أو إجبارها على البغاء أو أية وسيلة أخرى، وإنكار وإهانة كرامتها الإنسانية، أو سلامته الأخلاقية أو التقليل من أمن شخصها ومن احترامها لذاتها أو شخصيتها أو الانتقاص من إمكانياتها الذهنية والجسدية. ويتراوح بين الإهانة بالكلام حتى القتل. ويمكن أن يمارس العنف ضد المرأة من قبل أفراد أو جماعات أو مؤسسات بشكل منظم أو غير منظم، وهي ظاهرة عالمية."
وإذا كانت الصحة الإنجابية تعني:"حالة رفاه كامل بدنياً وعقلياً واجتماعياً في جميع الأمور المتعلقة بالجهاز التناسلي ووظائفه وعملياته. وليست مجرد السلامة من المرض أو الإعاقة."فإنّ القيام "بأي عمل أو تصرف عدائي" من شأنه أن يقلل أو يؤدي إلى عدم الوصول إلى حالة الرفاه الكامل المتعلقة بالصحة الإنجابية أو الجنسية، يعد انتهاكاً لكرامة وحقوق المرأة.
إنّ الكثير من النساء الفلسطينيات يتعرضّن للعديد من أشكال العنف كالضرب والإهانة اللفظية والحبس المنزلي والتحرش الجنسي الإغتصاب، مما يترك آثارً سلبية على سلامتهن النفسية والبدنية، ومن ثم على درجة تمتعهنّ بصحة إنجابية وجنسية سليمة ومعافاة.
إنّ الانعكاسات المتعددة التي يتركها تعرض النساء للعنف، لا تقتصر فقط على مجرد الألم الشخصي الآني، بل يتعداه إلى أنّ يصبح ألماً جماعياً يتجاوز المرأة المعنّفة،إلى أولادها وأسرتها، كما أنّه قد يمتد إلى سنوات متعددة، تسبب آلاماً مستديمة للنساء تنعكس سلباً على مستقبل الأسرة كلها.إنّ الخبرات اليومية التي نكتسبها من خلال الاحتكاك المباشر بالنساء والتعرف على مشاكلهنّ، يشير إلى أنّ ظاهرة العنف الموجه ضد النساء في ازدياد مستمر نتيجة للضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي يتعرض لها الرجال والنساء على حد سواء، والتعرض الدائم لاختبار الأولويات، يحجم من فرص الاختيار المتاحة -على قلتها- للنساء تحديداً، بحيث تفضل مصلحة الأسرة على مصلحتها الشخصية إذا حدث تعارض أو تناقض بينهما، وغالباً ما تحدث مثل هذه التعارضات أو التناقضات في مجتمع تلعب فيه العادات والتقاليد دوراً أكبر- إنّ لم يكن الرئيس- في تشكيل الوعي الجمعي تجاه النساء وأدوارهنّ في المجتمع.
وعلى الرغم من الجهود العديدة، البحثية والخدمية التي بذلت في مجال الصحة الإنجابية على المستوى الفلسطيني، إلاّ إنّ دراسة نوعية لعلاقة العنف ضد المرأة بالحق في الصحة الإنجابية لم يتم التطرق لها حتى الآن، على الرغم من وجود مؤشرات مجتمعية عديدة تؤكد على هذه العلاقة، كظاهرة الزواج المبكر، وقضايا الاغتصاب، والعنف الجنسي.





وإذا كان انتهاك الحقوق الصحية للمرأة، كأحد أشكال العنف الممارس ضدها، هو الشكل الأبرز لهذه العلاقة، فإنه يأتي تالياً لانتهاكات أولي، مباشرة كالعنف الأسري، أو غير مباشرة كالتمييز في القوانين، وانتهاك الحق في التعليم، والحق في المعرفة والثقافة، المبنيّة أساساً على انتهاك حق المرأة في المشاركة في الحياة العامة، بما لها من انعكاسات سلبية على حق النساء في التمتع بالصحة الإنجابية ، وهذا يدلنا إلى ضرورة أخذ البيئة الثقافية للمجتمع الفلسطيني بعين الاعتبار عند تناول هذا الموضوع، إذ تشكّل الضلع الثالث لهذه العلاقة الجدلية .

لنأخذ قضايا الاغتصاب كأحد أشكال العنف المباشر الممارس ضد النساء، مثلاً على العلاقة السلبية بدرجة التمتع بالحق في الصحة الإنجابية.
مما لاشك فيه أنّ النساء ضحايا الاغتصاب، يعانين من الآثار السلبية لمثل هذه الجرائم على صحتهنّ الجسدية والذهنية والنفسية، خاصة، وأنه دائماً ما يقع اللوم عليهنّ، مما يضطرهنّ إلى إخفاء تجاربهن الشخصية السيئة، وهذا يعرضهنّ لضغوط نفسية قد تصل إلى حد التخلص من الحياة . إنّ تعرض امرأة لمثل هذه التجربة قد يدفعها إلى العديد من السلوكيات الصحية والاجتماعية التي تؤثر سلباً على تمتعها بحالة الرفاه الكامل بدنياً وعقلياً واجتماعياً، وفي أغلب الحالات لايمكن التدخل لمنع حدوث مثل هذه النتائج، بسبب العامل الاجتماعي الثقافي الذي يحدد مكانة وحجم مشاركة المرأة في المجتمع. وعلى الرغم من وجود معيقات مختلفة تحول دون ممارسة المرأة لحقوقها، فإنّ مما لاشك فيه أنّ الكثير من النساء لا يعرفون هذه الحقوق، أو لا يستطيعون ممارستها. خاصة في مثل هذه القضايا التي تعتبر من التابوهات الاجتماعية، الحرّم الخوض فيها علناً، ومن ثم يلجأ المجتمع والأفراد إلى إخفاء المشاكل المتعلقة بهذا الجانب. وعلى اعتبار أنّ النساء هنّ الطرف الأضعف في المجتمع فإنّ الأثر السلبي يقع عليهنّ بالدرجة الأولى والأكبر.

انتهاك الحق في التعليم كأحد أشكال العنف غير المباشر الممارس ضد النساء، وأثره على الحق في الصحة الإنجابية:
يعد التعليم أحد الشروط المهمة والضرورية التي تمكن النساء من اكتساب الثقة بأنفسهنّ، والانتفاع بسائر حقوقهن ومما لاشك فيه أنّ للتعليم أثراً إيجابياً على صحة المرأة بشكل عام، غير أنّ هناك تفاوتاً في الفرص المتاحة بين المرأة والرجل، خاصة إذا أخذنا ظاهرة الزواج المبكر بعين الجدّية عند التطرق لعلاقة تعليم المرأة بمستوى تمتعها بالصحة الإنجابية. فمن المعروف أنّ التعليم يرفع سن الزواج المبكر ذو الأثر السلبي على صحة المرأة الإنجابية، وعلى صحة أطفالها، من حيث عم تهيئتها لمسؤوليات الزواج، كما أنّه يؤدي إلى تمسكها بحقها في حرية اختيار شريك حياتها، وقبل ذلك حقها في الزواج من عدمه، ومن ثم سيطرتها على صحتها الانجابية والجنسية. كما أنّ التعليم في مجال حقوق المرأة يزودها بالمعرفة القانونية، التي تتيح لها أداة عملية لتحقيق المساواة بصورة رسمية، والاستفادة من القوانين الوطنية والدولية لصالحها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ احتشاد المناهج التعليمية ، خاصة، في المراحل التعليمية الأولى بالصورة النمطية للمرأة، من شأنه أن يكرّس ويؤدي إلى استمرار وقوع انتهاكات ضد النساء، ومن ثم فإنّ ضرورة تبرز لتغيير المناهج التعليمية وفقاً لمباديء حقوق الإنسان، ومنها الحقوق الصحية، حتى يتم الانتقال إلى مجتمع ديموقراطي يقوم على التعددية واحترام حقوق كل إنسان.

هل تؤدي مناهضة العنف ضد النساء إلى درجة أعلى وأمثل من التمتع بالصحة الإنجابية:
من الصعب الإجابة على هذا السؤال، نظراً لارتباط قضية المرأة بالعديد من التشابكات الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية، القانونية، الثقافية، ولعدم وجود دراسات جادة تقيس حجم وشكل العلاقة بين الجانبين.ولكن يجب علينا أن ندرك أنّ عدم تمتع




الكثير من النساء بمستوى أفضل من الصحة الإنجابية، لا يعود فقط إلى انتشار ظاهرة العنف ضد النساء في مجتمعنا الفلسطيني، بل أيضاً إلى العديد من العوامل الأخرى، أهمها-كما أسلفنا- التمييز في القوانين، وعدم المشاركة في الحياة العامة، وفي صنع السياسات، والانتهاكات المتعددة التي تتعرض لها النساء في القانون والعمل والتعليم والصحة والثقافة، مما يحول دون ممارسة المرأة لحقوقها المختلفة، ومن ثم ينعكس سلباً على صحة المرأة، وتحديداً على الصحة الإنجابية.