أنـــا والحــرمــــة...أجــلّكم اللـــه!! / يــوميات 2



فاروق سلوم
2004 / 9 / 18

منذ ..غابة المراهقة ..وشجرة المرأة في روحي تثمر عشقا ومواعيد وقصائد بغدادية
ومنذ تلك الحكمة.. وصداقة المرأة..اكثر ثراء لدي من غيرها حين يكون التضامن ..والوعي
سرّان من اسرار احساس المرأة بالأحترام ..والأمان والثقة ..مع الرجل..
( وحرمتي ) اجلكم الله ،كما تقتضي ادبيات الديموقراطية السلفية الزائرة لبلاد مابين النهرين الآن ، لديها مثل كل العراقيات تطلع ..وحلم واقعي بالمساوات والحرية والديموقراطية للجميع وهي محتدمة طوال الوقت ..فقد انهت
الجامعة..وحصلت على الماجستير..وهي تكتب وتشارك في صحف ومواقع.. وتناقش وتضحك وتبكي وتكتئب ..وتملأ البيت حوارا ..لكنها تشعر بحسرة كبيرة ازاء الضيم الذي وقع ويقع على..
المرأة العراقية منذ اكثر من عام ..وازاء الحيف الذي ينالها..الى جانب ما تفعله قوى القمع والحجاب والشادور ..والأرهاب والذبح والخطف والأغتيال منذ تحرير العراق المغتصب حتى الساعة..!!
كانت الأحداث العنيفة التي مرت بالبلاد بعد سقوط النظام قد قربتنا اكثر : بالعناية بأطفالنا ..أو بالمشاركة في شؤون الحياة والألتزامات الأجتماعية الكثيرة..او في قضايا الفكر والثقافة .. فقد كنا نخرج الى الحياة في تحد مقبول لجنون التغيير والخراب قبل عام ..فلا نجد أمرأة في الشارع ..ولا امرأة رفقة رجل ..وحتى حين فتحت المدارس والجامعات والمعاهد ..كان الجميع محجبا حتى الرجال ..!! فقد مورس ازاء الرجل العراقي اخصاء..نفسي ..وروحي.. ..نعم كان الرجل العراقي قد تغير فجأة امام العمائم واللحى والدشاديش القصيرة..فلبس سترة فوق القميص ..وزرّ رّ ..قميصه على الطريقة الأيرانبية ..واطلق لحية خفيفة سوداء وحمل سبحة مائة وواحد سوداء ذات كركوشة خضراء بارزة.. ووضع في الخنصر والبنصر محابس عن الحسد والسحر ..واذا مطعوم ..واذا مسحور .. وإذا باهششششش !!وحمل في جيبه نسخة من ( خيرة الصادق / بالقرآن الكريم!!!وطفق يهتم ببناء الحسينيات ..وتشييع منطقة الكرخ السنية الوهابية ..الكافرة !!
وقد كنا نلحظ بناء حسينيات كثيرة في حي دراغ ..وحي القضاة ..وحي الخضراء ..والعامرية ..والشعلة ..واطراف الكاظمية ..وتزداد كمية الأعلام والشعارات التي لاتتطابق مع عقيدة سكان هذه المناطق ..وثمة حركة ايرانية هائلة من خلال زج خمسة وعشرين الف مخابرات ايرانية ..وخمسة آلاف من طلاب الحوزة ..شباب مراهقون روزخونيّون ليس لديهم اية تجربة ..فحرمو ا وحللوا ..وعزلو المرأة وحجّبوا الوعي واغلقونا بين الشهرستاني ..والقدسي ..والزاجي ..واضرابهم من مراجع الوعي حول مصيبة الأمامة والخلافة ..وكأن المشكلة الوحيدة لحياة.. العراقيين هي مشكلة ماقبل السقيفةو مابعدها.. فلا وطن قام ولاحضارة نزلت ولافكر حديث غير مشكلة الأستنجاء ..واساس الوضوء ..وأحكام النكاح !!مع تكريس خوف هائل يحكم العاصمة ومؤسساتها مع اهمال وتهميش كامل للمراة..
وكانت التنظيمات السنية ..تبني جوامع وتكايا ..وتحول البيوت الى مساجد صغيرة ..وتطلق اللحى وتقصّر الدشاديش ..وتبتز وتخوّف الناس المدنيين .. وتحلل النحر الذي باركنا به الزرقاوي ..سم بأسم الله ..وأنحـــر .. كما فجروا المحال التي تتاجر بالخمور وسلّحوا الصغار والكبار ثأرأ ..وحزنا ..وكمدا كل ذلك يحصل في حالة من .. ارهاب ديني ..للسلفيين ..السنه والوهابية ..والسلفية الأمــامـيــة ..الواعدة..!! مع غياب واهمال كامل للوعي والحياة الحديثة ..وللمرأة ..العورة .. كل ذلك وغيره يحصل امامنا في غياب كامل للعقل العراقي .. أمـّا نحن في المنزل فالحرمة ( اجلّكم الله ) .. تكتب وتغلي وتسجل ..وتصور وتوثق ..وتبكي من حال العراق الذي آل اليه ..بحيث تلتمّ الجهالة كلها ..لتلغي المرأة ..وتبتزّ الرجل ..بتهم التكفير..والصدّامية ..وتهم طائفية اسلامية جنونية مثيرة للكراهية ..و الدم معا !! كانت المرأة العراقية غائبة سجينة ..بل اصبحت عبئا على الرجل امام ..فرض أسلمة البلاد ..والعاصمة بشكل خاص تسنينها او تشييعها حتى الآن..وسط جنونه الأغتيال ..والتصفية ألـــــوطنيّة.. ..الحميـــمــه !!!!!! كانت الحرمة اجلكم الله تكتب بحثا طوال الوقت عن المرأة وثنائية الأرهاب والتبخيس في بلاد الرافدين ,..وتقرأ وتسجل وتوثق ..نحن والأطفال لم نجد مكانا افضل من المكتبة ننام فيه ..في ظل انقطاع الكهرباء ..وسخونة الطابق الأعلى..لذلك يشاركنا ..الطبري والمسعودي ..وماركيز ..ونيرودا وبقية اعضاء شلة الهناء من كتاب ومفكرين ..حملهم القدر الينا حيث درجة الحرارة ليس اقل من 47 درجة مؤويّة ..لمدة ثمانية اشهر في العام !!..كنت المح جورج اورويل ..وكأنه يقول : الأخ الأكبر..يراقبك..ومن الحرارة احيانا كنت اهرب وأحمل الأطفال الى السطح لكي ننام ليلة ممكنة ..لكنّنا بعد غفوة قصيرة نفاجىء ..بين فترة وأخرى..بمعركة بالرصاص الحي وبكل صنوف الأسلحة ..على بعد خمسين مترا من المنزل ..على الشارع السريع .. اصوات تصيح اللــه اكبر ..واصوات تصيح بالأنكليزية : GO….GO..GO..حتى ليصعب علينا احيانا النزول الى الدار لنحتمي
جراء كثافة النار ..فنستظل بالحيطان فيما ..الشظايا تتساقط على السطح الى الجوار..ساخنة ..ومخيفة.. كنا هكذا نحصي اقدارنا ..ونكتب القصائد والرسائل واليوميات..ونقيم ولائم المحبة للعائدين ..ونقرا المرحلة جيدا دون اوهام ..تلك التي اودت بالحلفاء والأصدقاء جراء جهلهم وتسرعهم..كما ستأتي الأخبار يوما أثر يوم..
.. في صباح أحد الأيام ..طلبت الي الحرمة ان اساعدها لساعتين في ذلك اليوم ..وذلك بأن اصحب الأطفال .. فيما تلبي هي دعوة مركز شبعاد لبحوث المرأة لحضور حفل توزيع الجوائز على الفائزات من الباحثات ..اذ اخبرتني ان بحثها قد فاز ضمن المجموعة الثانية..وهكذا عند الساعة العاشرة صباحا اصطحبت الحرمة الى نادي الصيد حيث تقام الحفلة هناك ..وفي الباب حييت الصديقة لطفية الدليمي ..واصطحبت الأطفال الى حدائق النادي الذي أعتادت بعض التشكيلات المدنية اقامة فعاليات محددة فيه ..للنظام والحماية اللذان يميزان المكان..كنت احس حقا ان مشكلة المرأة كبيرة ..ورغم ان هناك العديد من الرجال والنساء والطفال في المسبح الصيفي ..الاّ اني كنت احس صعوبة ضبط حركة الصغار وتوجيههم ..ولكن عزائي ان المرأة تساهم في نشاط عام أتمناه للمرأة العراقية البارعة ..
..وقرب المسبح المغلق فاجأني الصديقان د.عبد الحسين لفته ( صديق الصبا إذ درسنا معا في ثانوية المشخاب ) ..ود. سفيان عبد الوهاب صديق الرياضة وقد خرجا للتو من المسبح ..صافحاني وانا في انشغالي أراقب الأولاد ..واوجه لعبهما ..فسألني د. عبد الحسين عن هذه المحنة فقلت له . لتعزيز دور المرأة .. فأم هاجر تشارك مع لطفية الدليمي واكثر من ثمانين امرأة في حفل توزيع الجوائز ..وهو أمر أشجعه كما تعلم ..فتبسم ابتسامة خفيفة وقال: انا ادري من زمان انك تدعم نشاط المرأة وتحب تشجيع النساء العراقيات ..وقهقه بشكل عراقي تشبه قهقهة اللوتية في محاولة منه للغمز من قناة ..الأيام التي كنا فيها طلابا في الجامعة بينما ظل سفيان ساكتا طوال المدة.. ..قلت له ..أعنيّ ياصديق السنوات ..فظل صامتا ..وتكلم د. عبد الحسين نيابة عنه فقال : ان د. سفيان يتبنّى نظرية غير نظريتك ..انها نظرية عمه حمــّاد الدلال يوم ذهب الى مكة
..فقلت له وما هي النظرية ..قال سأدع د.سفيان يحدثك عنها..فنظرت الى سفيان في تردده وحيرته ..ووجهه الضاحك قال سفيان : كان عمي حماد من اهل الله ..وذهب الى مكة هو وصديقة ذنون التركي البقال في السوق يومذاك ....فلما وصلا الكعبة ..وطافا معا ..طفق ذنون يدعو ويطلب المغفرة والرحمة والرزق..بينما كان عمي حماد يدعوا: يارب احفظ لي ام شكري..,يارب احفظ لي مــرتي !! فأستغرب ذنون وقال له بصوت مسموع : ابــو شكــري..انته جاي لي بيت الرب تدعو لمرتك عايشه ..ياأخي ادعو للناس ..للوطن ..هذا بيت اللـــه….....
فصاح عمي حمادي اثناء الطواف : يـمعوّد هي ناس ..هي وطن..اش يعطيني الوطن..
فصــاح ذنون غاضبا : ومـــاذا تعطيك ..أمرأتك . فصاح عمي حماد بوجه ذنون : ادعيلهه لأختك ام شكري ..لأنــي ..أقـلّـن ..أقــلّـن..أنيــكــها !!!!
فضحكنا ..وراح كل منا يتأمــــــل ذاته الساخرة ..بمرارة !!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ بغداد 15/ايلول / 2004