المرأة الإيرانية ودورها في التغيير



محمد حسن فلاحية
2010 / 11 / 25

حركة المطالبة بـ "المساواة" التي تشهدها إيران وخاصة "حملة المليون توقيع " لم تنطلق شرارتها في إيران خلال العقود الاخيرة الماضية فقط حسبما يتصور البعض وإنما يعود جذورهذه الحركة النسوية الإيرانية الى عقود مفضى عليها زمن غير قلقل في التاريخ الايراني الحديث ولأن الحركة النسوية أصبحت من أقوى الحركات في المجتمع المدني الايراني من حيث التماسک والنشاط فمن أجل نقل هذه التجربة الثمينة الى عالمنا العربي ، نلقي نظرة سريعة على هذه الحركة.
بدأت الحركة النسوية في إيران منذ بداية الحركة الدستورية الايرانية عام 1907 وتمكنت بعد حوالي ثلاثة وثلاثين عاماً من النضال وتحديداً عام 1941بإنجاز تاريخي مهم تمثل بحصولها على حق التصويت ؛ واستمر الإنجاز النسوي بعد هذا التاريخ من الحصول على مكتسبات هامة بالنسبة للمرأة الايرانية في زمن الحكم الملكي حيث تمكنت المرأة من الحصول على مواقع مهمة مثل منصب وزارة وتأسست جمعيات نسوية عديدة تعنى بتثقيف المرأة واستمر عطاء المرأة حتى أواخرالسبعينات من القرن الماضي .
لكن الذي حصل هو نوع من القطيعة بين فترتين جربتها المرأة قبل وبعد إنتصار الثورة الايرانية وذلك بسبب تغيير قد طرأ على الأجيال النسائية وحصل هذا التغيير الدراماتيكي بعد أن تراجع دورالمرأة في المجتمع إبان الثورة الاسلامية في إيران حيث أصبحت ركيزة من ركائز الاعتماد على الرجل وجمّدت الحركة النسوية التي بدأت نضالها في الثلاثينات بسبب الثورة التي غيرت مفاهيم المرأة ودورها في المجتمع ولأن الحركة التي كانت تقودها المرأة في عهد الحكم الملكي تعود الى الطبقة الوسطى في إيران وهي طبقة قريبة من السلطة وابتعد في عهد الثورة دور هذه الطبقة تبعاً لتغيير الولاؤات والقيادات حيث جاء دور المرأة المتدينة إجتماعياً في العقد الاول من النظام الثوري الايراني والتي مثّلت خلاله تلك المرأة سلوكاً دينياً يحبذه رجال الدين السلطويين وكذلك الطبقة الفقيرة التي تسكن القرى والارياف وهي طبقة متشددة دينياً وبمستوى ثقافي وإقتصادي متدني بالنسبة للطبقة الوسطى وهنالك عامل أخر حرم المرأة الحركية من ممارسة نشاطها في العهد الاول من الثورة وهو هروب معظم اللواتي كنّ يمثلن هذا التيار بعد قيام الثورة الاسلامية المتشددة والمتحفّظة على نشاط الحركة النسوية .
لكن سرعان ما عاد الدور للطبقة الوسطى من جديد بعد أن تولى رفسنجاني السلطة ومن بعده خاتمي وتمكنت المرأة أن تستعيد عافيتها رغم الكثير من العقبات والمطبات التي كان رجال الدين يبدونه على أي دور تضطلع به النساء اللواتي لا يمثلن تيارهم فالباب كان ولا يزال مفتوح بمصراعيه للمرأة المتدينة التي لا يظهر من وجهها سوى أنفها لكنه موصود أمام تلك التي لا تمثل النظام رغم كل هذا استطاعت أن تؤسس المرأة في الاعوام الستة عشر الماضية جمعيات مدنية وغير نفعية ”ngo " تعنى بشؤون وهموم المرأة وحركات تثقيفية في شتى أنحاء البلاد.لكن بمجئ أحمدي نجاد تراجع من جديد دور الحركات النسوية في إيران وعادت المرأة من جديد الى قوقعتها قبل أن تنتفض ما بعد يونيو2009 في مظاهرات كان للمرأة دور بارز فيما حدث لا يمكن لأحد أن يتجاهله حيث واجهت الضرب والاغتصاب والتعذيب في السجون والمطاردة و لكن رغم ذلك لم ترضخ لإرادة الجلاد .
إذن رغم كل هذا النضال الحافل للمرأة في إيران لم تتمكن من تحقيق هدف يذكر والوصول الى طموحاتها وظلت محاولاتها تدور في دائرة مفرغة فلك التشرذم و لم تحافظ على إنجازات ومكاسب قد حصلت عليها في فترة ما وإنما فقدتها في رمشة عين لأن الانجازات التي حصلت عليها المرأة في السابق لم تكن متجذرة وإنما هي إنجازات في مهب الريح والسبب يعود الى شريحة المرأة نفسها وهو عدم تفاعل معظم النساء مع الحدث والواقع الذي تطمح اليه النخب النسوية.
أصبحت الحركة الفمينة في إيران تدرك هذه الحقيقة المرة أكثر من ذي قبل وهي أنّ كل عنف يمارس ضد المرأة نتيجة الراديكالية الدينية أوماشابهها فهو في الأساس يقوّض من منجزات وطموحات المرأة ويعطي قوة الى العنف والاضطهاد سواء كان هذا العنف من قبل رجال بنزعة دينية أم بنزعة فاشية فالامر لايختلف كثيراً ، وهذا العنف من شأنه أن يقلّص من حجم مشاركة المرأة بسبب الخوف الذي يتغلغل الى بقية النساءفالحركة لابد أن تستهدف مصادر العنف ومن يقف وراءه وهو يكمن في الثقافة والموروث القديم فلابد من مواجهة هذا الموروث والعمل على تغيير هذه الثقافة بخطوات مدروسة.
هنالك تمييز جنسي يمارس ضد المرأة في إيران حيث توجد رقابة يمكن تسميتها بـ"ساهر" حرمان المرأة من حقوقها عبرالكاميرات وعبر رجال الشرطة "الاجتماعية" ومعظمهم من النساء للإشراف على مايسمى بـ"عفاف المرأة وحجابها" في الشوارع والدوائر والمؤسسات الحكومية والاماكن العامة وحتى الخاصة وفرض حالة من التأهب القصوى لأي خروج عن هذا الإجراء الذي يسمونه بـ(قانون) "رغم ان جميع هذه الاجراءات التي تمارس في إيران لم ينص عليها قانون ولم يشرعها الدستور الايراني ولم تذكر في الشريعة الاسلامية بالشكل الذي تفرضه السلطات الايرانية ضد المرأة" .
إضافة الى التمييز الذي يفرض على المرأة في الاماكن المذكورة هنالك رقابة وفصل جنسي واضح بين المرأة والرجل في الجامعات والمؤسسات الايرانية بالنسبة لاختيار الفروع الدراسية وما شابه ذلك وتحرم المرأة من حقوقها الانسانية وكأنها مصابة "بالجذام" يريد النظام الاسلامي القائم في إيران أن يتحاشى خطرها كونها تحمل فايروسات مسرٍ للرجال أو كأن المرأة "فايروس مميت"يمكن أن يقضي على الحرث والنسل وخاصة الرجال لذلك يجب عدم الإحتكاك بها في الاماكن العامة .
إضافة الى كل ذلك لاتتمتع اليوم المرأة في إيران بقانون متكافئ يحميها من العنف الأسري ولم يمنحها حق الطلاق ويفرض عليها الحجاب القسري ويعاملها قانون السلطة الاسلامية الايرانية على أنها مواطن من الدرجة الثانية والتمييز يتنتشر في جميع مفاصل الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ضد المرأة.
بهذه العقلية استطاع النظام حرمان المرأة من مزاولة حقوقها الاساسية ناهيك عن حقها في تأسيس حركات وجمعيات للمطالبة بحقوق لم تحصل عليها أصلاً في ظل هذه العقلية المتخلفة ولكن رغم ذلك تمكنت المرأة من أن تصبح الرقم الصعب في معادلة النظام وأن تتحول الى معادلة مهمة لأي تغيير قد يطال النظام في إيران والسبب هو عدم استسلام المرأة رغم جميع الاغراءات والضغوط والتهديدات التي تمارس ضدها وبقيت تشكل المرأة التي تسجن بسبب نشاطها السياسي أو الحقوقي في إيران عدداً كبيراً من سجناء الراي إن لم نقل تضاهي عدد المعتقلين السياسيين الرجال لكن الارقام تشير الى أعداد كبيرة جداً وللأسف الشديد من معتقلات الرأي والعقيدة من النساء حيث هناك أعداد كبيرة من " الجامعيات والمطالبات بحق المساواة بين الرجل والمرأة والناشطات في الاحزاب اليسارية والقومية للشعوب غير الفارسية والمحاميات والصحفيات والمناضلات في جميع المجالات " يقبعن اليوم في السجون وكما كنّ بالامس "1988" مغتصبات ومطاردات وأعدم الكثير منهن في السجون وجبهات القتال لإنتسابهن وقتالهن في صفوف اليسارالمسلح فاليوم لم يختلف كثيراً عن الامس رغم أنّ اليوم حركة النساء هي مدنية مسالمة لا تؤمن بالعنف.