تأملات - جديرات بالاصغاء الى أصواتهن العادلة



رضا الظاهر
2004 / 9 / 20

في اطار تحديد المواقف والمهمات في قضية المرأة لابد من اضاءة موجزة لطائفة من الحقائق الأساسية المرتبطة بتحليل هذه القضية. فهناك، أولا، الترابط بين حقوق المرأة وحقون الانسان، بمعنى الترابط بين تحرير المرأة وتحرير المجتمع باعتبار الأول أساساً للثاني. وهناك العلاقة بين حقوق المرأة ووجود الديمقراطية نظاما سياسياً.

وهناك العلاقة بين الثقافة السائدة في الواقع والكفاح الذي تخوضه النساء وأنصارهن من أجل تغيير هذا الواقع بأساليب تأخذ بالحسبان التعقيد الذي تتسم به قضية حقوق النساء، وهي من القضايا الاجتماعية الكبرى، والعوامل الأخرى التي تؤثر في هذه العملية وبينها عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية داخلية فضلاً عن عوامل خارجية.

وهناك أيضاً مواقف القوى الاجتماعية من قضية المرأة وهي قوى علمانية متنورة تقف الى جانب النساء في كفاحهن من أجل حقوقهن المشروعة وحقوق الناس جميعاً، وقوى أخرى تقف في الطرف الآخر، وهي القوى الظلامية التي تسعى الى تأبيد تبعية النساء وتعتبر أي حق تنتزعه النساء هزيمة لها بل وتجاوزاً على القاعدة الاجتماعية التي يجب أن لا يمسها أحد !

إن انهيار نظام الاستبداد لا يعني انهيار إرثه. فهذا الارث ذو جذور تمتد عميقاً، ولا يمكن إزالته الا عبر العمل المبرمج والتثقيف الحقيقي ضد عمليات تزييف الوعي وغسل الأدمغة، والسعي، بكل الوسائل، من أجل استعادة المرأة ثقتها بنفسها ومشاركتها، باسهام من قوى التنوير، في عملية التحول الديمقراطي الذي يشكل مقدمة للتحول الاجتماعي.

وفي هذا الاطار لابد من الاشارة الى أن انماط العمل التقليدية للعديد من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية تشكل عوائق فعلية أمام مشاركة المرأة في الحياة العامة، حيث تواجه هذه المشاركة نزعة الاستبداد التي تعرقلها من ناحية، والثقافة السائدة التي تفعل الشيء ذاته من ناحية أخرى.

وليس من باب المبالغة القول ان بعض السياسيين، ممن يتمسكون بالمواقف المسبقة المنطلقة من نزعة ذكورية مقيتة، يرغبون، في سرهم على الأقل، أن يلبسوا المرأة العراقية براقع، وبينهم من يفتي، متساهلاً، بجواز أن لا تقتصر على اللون الأسود بل يمكن أن تكون "أفغانية"، أي بألوان أخرى أيضاً !

ومن الخطأ الفادح النظر الى حقوق المرأة باستخفاف، وباعتبارها قضية ثانوية، أو بطريقة تماليء آخرين ممن نرغب في أن "نتحالف" معهم فنتنازل لهم عن قضايا نزعم أننا نعتبرها مبدئية. فالتحالف، وهو نشاط سياسي ضروري في الظرف الراهن، لا يمكن أن يكون سليماً اذا كان على الضد من القضايا الجوهرية العادلة، القضايا التي تمس حياة وحقوق وحريات نصف المجتمع.

وليس من باب المبالغة القول ان مصداقية الزعماء السياسيين تخضع لمعايير عديدة بين أهمها سعيهم الصادق لاتخاذ الموقف التقدمي من قضية المرأة والعمل في ضوء ما يتطلبه هذا الموقف.

وهناك، من ناحية أخرى، نظرة النساء أنفسهن والمهمات التي يتعين عليهن وعلى منظماتهن النهوض بها في قضيتهن التي ينبغي أن يأخذنها بأيديهن.

ولابد من القول ان ظاهرة عقد المؤتمرات والندوات النسوية وممارسة الجدالات أمر ايجابي، لكنها لن تجدي نفعاً ما لم تؤد الى النتائج المنشودة منها. فتعبئة النساء العراقيات في حركة اجتماعية شعبية جبارة هي السبيل الى خوض الصراع الاجتماعي الحقيقي الذي يؤدي الى اقرار حقوق النساء ومشاركتهن في العملية السياسية. وهو ليس صراعاً خاصاً بالنساء وانما صراع اجتماعي يشارك فيه الجميع نساء ورجالاً.

ان على منظمات النساء أن توحد جهودها بعيداً عن الآيديولوجيا والتفكير المصلحي الضيق الأفق لتضم كل ألوان الطيف السياسي والاجتماعي، وتستثمر كل السبل والوسائل التي تجعل هذه المنظمات وسط ملتقيات وتجمعات النساء وفي القلب من معاناتهن.

ومن المؤمل أن يكون تشكيل المجلس الوطني المؤقت الذي تتمتع النساء فيه بموقع مؤثر فرصة لعضوات المجلس لتوحيد جهودهن في اطار برنامج واقعي وأساليب مثمرة في الدفاع عن حقوق النساء وتعزيز مساهمتهن في العملية السياسية.

ويتعين على نساء المجلس أن يستثمرن وجودهن في هذه الهيئة ذات الطابع التشريعي، حتى على الرغم من قصر عمرها، في الاعداد، بين مهمات أخرى، لمساهمة واسعة وفاعلة للنساء في الانتخابات المقبلة.

ولعل من بين المهمات الرئيسية في هذا الاطار السعي من أجل أن يوفر الدستور المقبل، وهو الأساس القانوني والسياسي لادارة البلاد وتحديد آليات الحركة الاجتماعية واقرار حقوق الانسان، كل الفرص التي تضمن مساواة حقيقية، وليست لفظية، للمرأة مع الرجل في ميادين الأحوال الشخصية وفرص التعليم والعمل، والغاء التمييز ضد النساء في التشريعات والنصوص القانونية، وتثبيت الضمانات الشرعية التي تحمي هذه الحقوق وتقاضي من ينتهكها، وهو ما يمكن أن يمهد لالغاء التمييز في الواقع، وبالتالي الاسهام في إحداث التغيير في المجتمع وانجاز التحول التقدمي في ثقافته.

وغني عن القول ان للاعلام، الذي ما زال يتسم، على نحو مثير للأسى، بالقصور والتخلف عن مواكبة الأحداث والتطورات، دوره الذي ينبغي أن يكون تنويرياً ومؤثراً على نطاق واسع في دعم حقوق النساء والتثقيف والتوعية بمشروعية وأهمية هذه الحقوق بكل السبل المقنعة والجذابة.


العراقيات جديرات بانتفاضة ضد القيم الظلامية تهدف الى تغيير النظرة المتخلفة للمرأة وفضح الأفكار البالية التي تسعى الى تأبيد وتبرير الجور والتبعية والتمييز..

العراقيات جديرات بأن يسمع السياسيون، حكاماً وأحزاباً ومنظماتٍ وشخصياتٍ، أصواتهن التي ما سكتت عن ضيم وما توقفت عن احتجاج على الظلم..

والعراقيات جديرات بأن يخضن غمار التحدي ويجسدن المثل السامية..

والعراقيات سيرفعن عالياً وفي طليعة المكافحين رايات التنوير والأمل بغد جديد مفعم بالأمان والوئام والعيش الكريم..

طريق الشعب*