اضطهاد المرأة عبر التاريخ



عبد الغني اليعقوبي
2004 / 9 / 23

بين المجتمع الشيوعي والعشيرة،والأشكال الأولى للمجتمع القائم على سيطرة طبقة على أخرى (كالمجتمع العبودي مثلا)هناك مرحلة انتقالية لم تكن قد تطورت خلالها بشكل كامل طبقة مالكة، لكن تأسست إبانها لامساواة اجتماعية واضحة.يشهد على وجود هذا النموذج من المجتمعات العديد من الآثار والأوصاف الماضية التي ما تزال بارزة على وجه الخصوص في الأساطير و الخرافات و الديانات "البدائية" لكن كذلك المجتمع القرابي القائم إلى اليوم في جزء من أرياف أفريقيا السوداء،وان بشكل اكثر فأكثر تشويها، تبعا لاندماجه بالمجتمع الطبقي المسيطر في كل البلدان التي ما يزال على قيد الحياة فيها. هذا الشكل الأول المؤسس للامساواة والاضطهاد الاجتماعيين هو شكل اضطهاد النساء على يد الرجال في المجتمعات البدائية التي بلغت هذا الطور من التقدم . واضطهاد النساء لم يكن موجودا منذ البدء، فهو ليس ناتج جبرية بيولوجية تلقي بثقلها على الجنس النسوي،لا بل تمة معطيات كثيرة تعود إلى ما قبل التاريخ والى مجتمع شيوعية العشيرة وتؤكد أن المساواة بين الجنسين بقيت قائمة زمنا طويلا.
ومع انه تنقصنا المعطيات التي تسمح لنا بتعميم هذه الظاهرة على مجمل البشرية البدائية، فثمة دلائل ساطعة على أن النساء لعبن دورا اجتماعيا مهيمنا في العديد من المجتمعات على الأقل . ويكفي أن نتذكر الظاهرة واسعة الانتشار ل "آلهة الخصب" كسيدة للسماء، من اجل الاستنتاج أن الإحلال المعمم للآلهة المذكورة (ثم للإله الواحد) محل هذه الآلهة. لا يمكن أن يكون عرضيا. أن الثورة في السماء تعكس ثورة حدثت على سطح الارض، وقلب المفاهيم الدينية ناتج عن قاب الشروط الاجتماعية للعلاقات المتبادلة بين الرجال و النساء. ويمكن أن يبدو غريبا للوهلة الأولى أن يفتتح شيئا فشيئا عصر استعباد النساء الاجتماعي حين يتكرس دورهن الاقتصادي المهيمن عن طريق وظيفتهن الأساسية في أعمال الحقول (الثورة النيوليتية). إلا انه ليس ثمة تناقض حقيقي. فبمقدار ما تزدهر الزراعة البدائية تصبح النساء المصدر الرئيسي لثروة القبيلة ،بشكل مضاعف : من حيث هن المنتجات الرئيسيات للأغذية ومن حيث هن منتجات للأطفال. ذلك أن التطور الديموغرافي لم يعد يستشعر به كتهديد، بل كنعمة محتملة انطلاقا فقط من قاعدة تمون بالأغذية مضمونة إلى هذا الحد أو ذاك، ولقد أصبحت النساء بفعل ذلك موضوعات جشع اقتصادي وهو ما لم يكن ممكنا في عصر الصيد وقطاف الأثمار. وليمكن إنجاز هذه التبعية، توجب حدوث سلسلة متلازمة من التحولات الاجتماعية . تم نزع سلاح النساء، أي مهنة الأسلحة أصبحت حكرا على الذكور. وهذا الواقع لم يكن سائدا منذ البدء ، تشهد على ذلك الأساطير العديدة المتعلقة بالأمازونات والتي لم تزل تحيا في أذهان الناس في كل القارات . كما أن وضع المرأة قد تغير بشكل عميق بفعل تعديلات جذرية أدخلت على قواعد الزواج و إضفاء الطابع الاجتماعي على الأطفال، بغية هيمنة نظام الأبوة. ومع تطور الملكية الخاصة، ومن تم توطيدها ، اتخذت العائلة البطريركية بالتدريج الشكل النهائي الذي احتفظت به، رغم تعديلات متتالية، على امتداد قسم مهم من تاريخ المجتمعات الطبقية . ولقد أصبحت هي ذاتها واحدة من المؤسسات الرئيسية، التي لا يمكن الاستعاضة عنها، والتي تضمن استمرارية الملكية الخاصة عبر الإرث والقمع الاجتماعي بكل صوره( بما فيها البنى الذهنية التي تؤبد الموافقة على السلطة " الآتية من على" والطاعة العمياء ) . غدت منطلقا لعمليات تمييز لا تحصى على حساب النساء في كل دوائر الحياة الاجتماعية . والتبريرات الإيديولوجية والمسبقات المنافقة التي تنطوي على هذه التمييزات جزء لا يتجزأ من الإيديولوجية المسيطرة المرتبطة بالطبقات المالكة جمعاء التي تعاقبت في التاريخ .وهي بذلك قد طبعت جزئيا على الأقل، ذهنية الطبقات المستغلة بما فيها ذهنية البروليتاريا الحديثة في النظام الرأسمال و غداة إطاحته . مليار دولار