العنف ضد النساء ثقافة وتربية قبل أن يكون سلوكا وممارسة .



سعيد الكحل
2010 / 12 / 16

يمثل الخامس والعشرين من نوفمبر من كل سنة مناسبة لإحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد النساء الذي أعلنت عنه الجمعية العامة للأمم المتحدة وفق القرار 54/134 المؤرخ 17 دجنبر 1999 . وهذا القرار جاء ليكرس واقع الاحتفال الذي درج عليه أنصار المرأة منذ 1981 لتخليد ذكرى الاغتيال الوحشي الذي تعرضت له الأخوات الثلاث ميرابال سنة 1961 بأمر من الحاكم الدومينيكي روفاييل تروخيليو لنشاطهن السياسي . وتسعى الأمم المتحدة إلى وضع حد لكل أشكال العنف الممارس ضد النساء كظاهرة خطيرة تعاني منها نساء العالم . إذ تظهر بعض الدراسات أن : 47% من النساء يتعرضن للضرب في الأردن بصورة دائمة، 30% من النساء الأمريكيات يتعرضن للعنف الجسدي من قبل أزواجهن، 95% من ضحايا العنف في فرنسا من النساء، 8 نساء من عشر ضحايا العنف في الهند. أما بخصوص المغرب ،فقد أكدت المعطيات التي قدمتها السيدة نزهة الصقلي ، وزيرة التنمية الاجتماعية ، في كل مناسبة أن النسب المسجلة عن حالات العنف المصرح بها في تزايد ، حيث بلغت أعداد ضحايا العنف المصرح بها عبر الخط الأخضر 13 ألفا و945 ضحية سنة 2008 ، بزيادة 38.7 في المائة عن سنة 2007 التي سجلت 10 آلاف و53 حالة عنف ضد النساء . بينما أكد تقرير حول ميزانية النوع الاجتماعي في مشروع قانون مالية سنة 2011 ، أن عدد النساء ضحايا العنف ارتفع سنة 2009 إلى 27 ألف . والملاحظ من التقارير المقدمة في موضوع العنف ، أن الأزواج يشكلون المصدر الأول للعنف ، حيث ذكرت دراسة ميدانية أجرتها الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة ومركز الإعلام والرصد للنساء المغربيات أن ما يزيد على 60 % من حالات العنف ضد النساء ترتكب من طرف الأزواج. وسجلت أن أغلب حالات العنف تمارس ضد النساء المتزوجات اللواتي تراوح أعمارهن ما بين 20 و49 سنة، وذلك بنسبة 59.8 % بسبب قضايا النزاعات الأسرية من نفقة وحضانة وطلاق وغيرها . وتثبت التقارير المنجزة في هذا الموضوع أن العنف يمارس بنسب أعلى في صفوف النساء الأميات وينخفض كلما ارتفع المستوى التعليمي للنساء بحيث نجد في المغرب أن 52 في المائة من النساء المعنفات أميات، لتنخفض هذه النسبة إلى 24 في المائة في صفوف اللواتي لا يتعدى تعليمهن المستوى الابتدائي ، ثم 12 في المائة بين اللواتي حظين بتعليم إعدادي . أما النساء اللائي وصلن إلى الجامعة فتنخفض نسبة العنف ضدهن إلى 2 في المائة . ونفس الأمر نجده عند الذكور الذين يمارسون العنف ضد النساء ، بحيث أشارت الدراسة التي أنجزتها الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة بين عامي 2000 و2003 ، إلى أن نسبة الأمية لــدى مرتكبي العنف تبـلغ21 % بمدينة الـدار البيضاء و41.8 % بمراكش و30 % ببني هلال. بالتأكيد أن العنف مرفوض أيا كانت نسبه وأشكاله . لكن هذه الدراسات والتقارير تساعد على فهم الظاهرة وتشريحها بهدف إيجاد الحلول المناسبة والكفيلة للقضاء عليها . وأولى المداخل هي معرفة الأسباب المنتجة للعنف ؛ بحيث تتداخل عوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية ودينية وتربوية في ممارسة وانتشار العنف ضد النساء . إلا أن الأسباب الثقافية تظل تلعب الدور الرئيسي في وجود هذه الظاهرة داخل المجتمعات العربية والإسلامية . الأمر الذي يجعل من مسألة تطويقها والقضاء عليها أمرا بالغ الصعوبة والتعقيد ، باعتبار التأثير النفسي والسلوكي الذي تمارسه الثقافة على أفراد المجتمع الذي هو منشأ هذه الثقافة وحاضنها . وإذا كانت المرأة في غير المجتمعات العربية/الإسلامية تعاني من العنف ، فإن نسبة معاناتها هي أدنى مقارنة مع النسب المرتفعة التي تمثلها النساء المعنفات في بيئتنا الاجتماعية . ذلك أن الإحصائيات المتوفرة في هذا الشأن لا تعكس الواقع ، على اعتبار أن حالات العنف المصرح بها في أوساطنا تظل محدودة لعوامل عديدة تتعلق بالتقاليد الاجتماعية وسمعة المرأة أو جهلها بحقوقها أو افتقارها للوسائل أو خوفها من الانتقام الخ . على هذا الأساس فإن جهود الدولة تظل قاصرة عن بلوغ الأهداف التي رسمتها الإستراتيجية الوطنية للقضاء على العنف ضد النساء ، ما لم تأخذ في الاعتبار العوائق التي تبدد جهودها وجهود المنظمات والمؤسسات المدنية التي تنشط في المجال . ومن ابرز العوائق التي لا بد من التصدي لها :
1 ـ الموروث الاجتماعي والمعتقدات السائدة التي تتعامل مع المرأة ككائن فاقد الأهلية ومجرد "ولية" لا دور لها في المساهمة في بناء مجتمع حداثي يقوم على التنمية والمساواة والكرامة.
2 ـ المغالطات الإيديولوجية التي تستغل الدين لإفشال الجهود التي تبذلها الدولة والمنظمات النسائية والحقوقية لمواجهة العنف ضد المرأة ، والتحريض ضد المنظمات النسائية التي تتهمها بمحاربة الدين والتآمر على وحدة المجتمع والسعي لتدمير الأسر وإشاعة الانحلال والفساد في المجتمع . إذ كلما حلت مناسبة عالمية تخص المرأة إلا وتصدى لها فقهاء التيار الإسلامي بالتشكيك والتسفيه والتبغيض من أعلى منابر المساجد الرسمية التي تخضع لإدارة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية .
3 ـ الأمية والجهل بالحقوق لدى النساء والرجال معا . فالنساء يرضين بواقع القهر والتبخيس فيما الذكور يعتقدون أن الدين والقانون أعطاهم من الحقوق والسلطة ما حرم منه النساء .
4 ـ ضعف الإمكانات المادية المخصصة للمنظمات والهيئات ومراكز الاستقبال العاملة في مجال المرأة .
5 ـ قلة التشريعات وعموميتها وطول مساطر التقاضي ، مما يشجع على الإفلات من العقاب ، خاصة في حالات الاغتصاب أو التحرش الجنسي الذي يطارد النساء في الشارع والإدارة والمؤسسات التعليمية وحيثما وجدت المرأة دون أن يكون لها ملاذ قانوني تحتمي به .
6 ـ التربية الأسرية التي تكرس لدى الطفل قيم الذكورة وتنشئه عليها كممارسة يومية يجسدها السلوك العنيف للأب تجاه الأم . مما يجعل الطفل يستبطن هذه القيم والممارسات ولا يستهجنها كسلوك مناف لقيم الإنسانية والمواطنة والدين .
7 ـ الكتب والمنشورات والأشرطة التي تروج على نطاق واسع حتى في وسائل النقل والأسواق الشعبية ، وكلها تحط من كرامة المرأة وتتهمها في شرفها وتحرض المجتمع ضدها بعد شيطنتها . الأمر الذي يزيد من استعداء المجتمع على النساء وتبخيسهن في عيون النشء .
إذن ، القضاء على العنف ضد النساء كظاهرة اجتماعية وثقافية يقتضي بالإضافة إلى وضع التشريعات والقوانين المجرمة لكل الممارسات المسيئة للمرأة في ذاتها وكرامتها وإنسانيتها وحقوقها ، يقتضي إشاعة ثقافة المواطنة والمساواة بين أفراد المجتمع بما يجعلهم جميعا شركاء في بناء الوطن والمجتمع ويثمنون المكتسبات التي تم تحقيقها في مجال حقوق المرأة ( مدونة الأسرة ، مدونة الشغل ، حق المرأة في نقل جنسيتها لأبنائها من زواج مختلط ، المصادقة على العهود والمواثيق الدولية من أجل القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة الخ ) .