المرأة والحقوق السياسية



رضي السماك
2002 / 8 / 4

 

 

 

بدعوة كريمة من جمعية المرأة البحرينية شاركت مع الأخت وداد المسقطي في ندوة تحت عنوان: "رؤية حول نظام الكوتا وانعكاسات تطبيقه على مشاركة المرأة السياسية"، وقبل ان أعرض وجهة نظري حول الموضوع أود اعادة التذكير وتأكيد الحقائق التالية فيما يتعلق بنضالات المرأة وحقوقها السياسية المكفولة من جميع الأوجه الدينية والتشريعية على مختلف المستويات المحلية والعربية والدولية: أولا: ان قضية المرأة باتت اليوم بما لا يدع أي مجال للشك معيارا لا تخطئه العين لتقدم الأمم ونهوضها، ويترك هذا المعيار اثره على سمعة منظومة القيم الثقافية والدينية السائدة في البلدان التي تستغل هذه المنضومه لوضع عراقيل في وجه حقوق المرأة السياسية ومساواتها بالرجل في مختلف المجالات متذرعة بتلك القيم.

ثانيا: بهذا المعنى فان الإسلام أكد بما لا يدع أي مجال للشك حقوق المرأة السياسية ومساواتها بالرجل، ولعل الأصوات أو الاتجاهات التي تحاول اثبات ما يفيد العكس أخذت تتراجع نسبيا في صفوف التيارات الاسلامية مع تنامي الوعي بالديمقراطية في صفوفها تدريجيا. ثالثا: ان معظم أو كل الأمم والدول المتحضرة والديمقراطية هي اليوم تقر في دساتيرها وتشريعاتها وقوانينها هذه الحقوق السياسية وهي مازالت القدوة التي يحتذى ويضرب بها المثل في الحرية والتقدم الحضاري والاجتماعي أيا كان الخلاف حول ما يرافق تجارب تلك الأمم والدول من سلبيات وممارسات تتعارض مع خصوصياتنا العربية والاسلامية. رابعا: ان واحدا من مقاييس سمعة أية دولة هو مدى تصديقها والتزامها بالمواثيق والتشريعات الدولية التي أكدت ونادت بوجوب منح المرأة وتمتعها بهذه الحقوق، ولعل من أبرز هذه المواثيق: الاعلان العالمي لحقوق الانسان، وقد جاء النص على حقوقها السياسية في عدة مواد من الاعلان، وكذا مساواتها بالرجل، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: وقد نصت المادة الـ (3) منه على وجه الخصوص بمساواة الجنسين في الحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وخاصة ما ورد في الفقرة (أ) من المادة الـ 2 والمواد الـ 7 و8 و.15 وهنالك مواثيق واتفاقيات دولية وعربية أخرى عديدة لا يتسع المجال في هذه العجالة لتناولها، هذا علاوة على المواثيق والاتفاقيات الدولية التي أكدت وكفلت حقوق المرأة في المجالات الأخرى غير السياسية كالمجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وخلافها.

خامسا: فيما يتعلق بالدول العربية مازال معظمها يقبع في مؤخرة مصاف الدول التي مازالت قضية المرأة فيها تراوح مكانها سواء من حيث الوعي السياسي بهذه الحقوق، أم من حيث غياب تأكيد هذه الحقوق في دساتيرها وتشريعاتها الوطنية في اطار نظام ديمقراطي دستوري أم لوجود ما يسمى بترسانات القوانين المقيدة لهذه الحقوق أم غياب "الميكانيزمات" التي تحول دون التحايل أو العدوان على هذه الحقوق. سادسا: فيما يتعلق بقضية المرأة وحقوقها السياسية في البحرين وهي بيت القصيد في الموضوع يهمني توضيح النقاط التالية سريعا: 1 ــ ان المرأة البحرينية مؤهلة تماما وجديرة بهذه الحقوق منذ ما لا يقل عن نصف قرن، وقد لعبت دورا كبيرا في كل نضالات الشعب ضد الاستعمار، ومن أجل نيل الاستقلال السياسي، ثم من أجل الحقوق الديمقراطية لاحقا وبضمنها حقوقها السياسية وذلك حتى عشية إعلان المشروع الإصلاحي بقيادة صاحب العظمة ملك البلاد. 2 ــ ان أكثر المحطات التاريخية السياسية التي كانت المرأة مؤهلة لخوض الانتخابات ووصول المجلس النيابي هي انتخابات عام 1973، لكن جرى كما هو معروف الالتفاف على هذا الحق وتمت مصادرة حقها في الانتخاب والتشريع رغم ان دستور 73 كان واضحا بمنحها هذه الحقوق بما يفيد الجنسين لا جنسا واحدا كما جرى تفسيره.

ولعل من أبرز مواد هذا الدستور التي نصت على هذه الحقوق لكلا الجنسين الفقرة (هـ) من المادة الأولى والمادة الـ (18). 3 ــ بالاضافة الى دستور 73 جاءت أربعة مواثيق تشريعية وقانونية وسياسية صريحة العبارة في تأكيد تمتع المرأة بحقوقها السياسية هي كل من ميثاق العمل الوطني وخاصة الفقرة "سابعا" من الفصل الاول "المقومات الأساسية للمجتمع"، ودستور مملكة البحرين الجديد وخاصة الفقرة (هـ) من المادة الـ (1)، هذا بالاضافة الى قانون انتخاب المجالس البلدية وبخاصة ما ورد في المادة الـ (2) منه، وقانون مباشرة الحقوق السياسية وبخاصة المادة الـ (1). لكن ما هو واقع الحال اليوم لقضية المرأة وحقوقها في ضوء نتائج الانتخابات البلدية والمستقبل المنظور للانتخابات النيابية الوشيكة؟!

* نظام الكوتا (الحصص)؟ لقد أشرت قبلا الى أن محطة الانتخابات النيابية في عام 1973 كانت أكثر المحطات التاريخية مؤاتاة لخوض المرأة المعركة الانتخابية والفوز فيها بنصيب أيا كانت ضآلته من المقاعد وقد بنيت تقديري هذا على أساس توافر حد أدنى من نضج الظروف الموضوعية والذاتية حينذاك ومستوى تطور الوعي الاجتماعي السائد. ذلك ان الفترة الواقعة بين أواخر ستينيات القرن الماضي وأوائل سبعينياته شكلت ذروة نضج الوعي الاجتماعي والسياسي بأهمية اقرار حقوق المرأة السياسية، حيث كان تأثير المد الوطني - القومي ونفوذه كاسحا في صفوف الناس وان لم تكن ذروة الوعي هذه شاملة وجذرية لأسباب اقتصادية وسياسية ليس هنا مجال الخوض في فلسفتها، ذلك ان رسوخ وتوطد الوعي الاجتماعي وثيق الصلة بمستوى تطور البنية الاجتماعية المحدد تطورها بتطور علاقات الانتاج السائدة ولم يكن الوعي السائد على صعوده ذا جذور راسخة في بنيتنا الاجتماعية التقليدية.

وكما نعلم لأسباب عديدة موضوعية وذاتية متشابكة ومعقدة على جميع الأصعدة المحلية والاقليمية والدولية أخذ المد الوطني في الانحسار والتراجع سريعا من مطلع الربع الأخير من القرن الماضي ولاسيما بعد ثورة 1979 الايرانية حتى وصل أدنى درجاته مع أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات، وذلك في مقابل صعود صاروخي - ان جاز التعبير - لتيار الاسلام السياسي العربي، ولا يعني بالطبع ضرب أي حركة أو منظمة من منظماته وحركاته وانكفاءه أو انحساره، ذلك اننا محكومون بمرحلة تاريخية مديدة لاستمرار هذا التيار وثقافته السائدة ومن ثم فإن الرهان ليس على ازالته اليوم أو غدا فهو يمتلك البنية الاجتماعية القوية الضاربة في تربة المجتمع والتاريخ معا، بل الرهان على تبلور تيار ديمقراطي اسلامي مستنير، وهذا بحد ذاته بحاجة الى فترة زمنية ليس في الأفق ما يشير الى قرب انقضائها وان معالمها بدأت تلوح مع بروز بعض الاتجاهات المنادية بالديمقراطية والتعددية بصرف النظر عن مصداقية هذا الاتجاه أو ذاك.

بهذا المعنى فان الهزيمة التي منيت بها المرأة في الانتخابات البلدية لم تكن مفاجأة البتة لأي انسان ملم وراصد لتطور الأوضاع السياسية والاجتماعية التي مرت بها البحرين خلال الربع الأخير من القرن الماضي. واذا كنا قد حملنا قوى ورموز التيار الاسلامي بشقيه مسئولية هزيمة المرأة فهذا ليس سوى تشخيص المساءلة الذاتية لتيار طالما نادى بحقوق المرأة السياسية واعترف بدورها ثم عمل على النقيض في المعركة الانتخابية البلدية حيث لم يكتف باستبعادها عن الترشيح في دوائره فقط، بل عمل بقوة ضد المرشحات، لا بل استفاد من أصوات الناخبات لتعزيز أصوات المرشحين الرجال وتلك المفارقة المؤلمة.. أقول: اذا كنا قد حملنا التيار الاسلامي مسئولية الهزيمة وفق هذا التشخيص فإن ثلاثة أطراف غير معفيين من المسئولية هم: الدولة بنفوذها ومؤسساتها وقوانينها وتشريعاتها، القوى الوطنية والديمقراطية بعملها على تفتيت تفتتها، المرأة نفسها وما بلغته من سلبية وهزيمة واتكالية هي عنوان لهزيمة مرحلة تاريخية بكاملها.

وبناء على كل ما تقدم فاني أرى أن نظام "الكوتا" أي تخصيص نسبة معينة للمرأة في المجالس النيابية والبلدية بل حتى النقابية في المؤسسات التي تكثر فيها نسبة العاملات أمر لا مفر منه وتنبغي بلورته وتهيئة المجتمع لقبوله كما ينبغي فتح حوار مع القيادة السياسية لتوظيف نفوذها ودورها القوي لإقراره، ولنتذكر جيدا ان اقرار حقوق المرأة السياسية في هذه المرحلة التاريخية ما كان ليتم أو يمر سهلا لولا ممارسة الدولة مثل ذينك النفوذ والدور بدءا من صياغة مشروع الميثاق. على ان يجرى التحضير الجيد وذو النفس الطويل للنظام المقترح بترو وأناة لكي لا يحصر سقف نسبة تمثيل المرأة في نسبة معينة وبحيث يسمح القانون بما هو أعلى منها وبحيث توضع آلية عادلة لتطبيق النظام، واذا كانت بعض التشريعات الدولية قد حددتها بـ 30% فاني أرى كمرحلة أولى البدء بـ 10% وهذا ما سبق ان ذكرته فيما يتعلق بتركيبة مجلس الشورى في ضوء ايماءة سمو ولي العهد بتعيين عدد من النساء في حديث صحفي لسموه، واذا ما استقر رأي غالبية القوى السياسية وبضمنها الشريحة النسائية على المشاركة في الانتخابات النيابية فإنه ينبغي عدم الاستخفاف بدور هذا المجلس تحت تأثير نوازع الريبة في المجالس المعينة مادام سيكون له دور تشريعي كامل على قدم المساواة مع المجلس النيابي أيا كان رأينا في هذه الصيغة. ولئن كانت ثمة أولويات تطغى في الجدل الحالي حول الدستور والقوانين الانتخابية فإن كل الفرص مؤاتية لأن تفتح المنظمات والرموز النسائية حوارا مع القيادة السياسية ممثلة في سمو ولي العهد لتحقيق مثل تلك النسبة (10%) في مجلس الشورى أو ما يقاربها. ولنا عودة حول هذا الموضوع تحديدا.