متى تكف الذكورية في الدولة والحكومة والأحزاب عن تهميش المرأة في العراق؟



كاظم حبيب
2010 / 12 / 22

الدولة والحكومة والأحزاب الفائزة في الانتخابات الأخيرة بالعراق كلها تتحدث بأصوات مرتفعة وملء الفم عن حقوق المرأة وعن أهمية وضرورة وأحقية مشاركتها في قضايا الدولة والمجتمع وفي المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي بقية المجالات. وتعقد الندوات السياسية التي يتحدث فيها ممثلو الأحزاب عن حقوق المرأة وعن دورها في المجتمع.
الدولة والحكومة والأحزاب السياسية الفائزة في الانتخابات الأخيرة كلها تعلن عن تمسكها بالدستور العراقي وتدعو الجميع للالتزام به وبالقوانين السائدة.
والدستور العراقي الجديد ينص على نسبة تبلغ 25% لصالح وجود المرأة في مجلس النواب ومجلس الوزراء وفي مجالات أخرى.
وولكن الواقع القائم في العراق إن هؤلاء المؤسسات الحكومية والأحزاب السياسية الفائزة في الانتخابات جميعاً ودون استثناء يتجاوزون على الدستور ويتخلون عن كل الوعود والالتزامات والتصريحات حول حقوق المرأة وحصتها في مجلس الوزراء. الكل يدير ظهره للمرأة العراقية ولحقوقها ومصالحها. فهم أول من ادعى الالتزام بها وأول من خالف ذلك, فهل يمكن منح الثقة لدولة وحكومة وأحزاب سياسية تبدأ أعمالها بمخالفة نصوص دستورية صريحة حول حقوق المرأة. إنها مخالفة وخرق فظ للمواد 14 و 16 و 20 من الدستور.
أما السيد رئيس الوزراء فقد أشار عند تقديمه القائمة التي تتضمن أسماء الوزراء إلى أنه جمد مجموعة من وزارات دولة ويتطلع أن يرشح لها نساء, أي حقائب ثانوية وكأن المرأة غير قادرة على تحمل مسؤولياتها في كل الوزارات التي أعلن عنها. وبالتالي يبرئ ذمته من مسؤولية عدم وجود نساء في وزارته الجديدة, في ما عدا وزارة يتيمة, في حين كان عليه ان يرفض أساساً تسلم تلك القوائم من الأحزاب السياسية التي لا تتضمن النسبة المقررة للمرأة في مجلس الوزراء على وفق عدد الحقائب الممنوحة لهم.
إن محنة المرأة العراقية كبيرة في مجتمع ذكوري يستند إلى التقاليد والعادات والقيم العشائرية البالية التي يمجدها رئيس الوزراء ويسعى إلى تكريسها التي لم تعد صالحة لدولة يراد لها أن تستند إلى مبادئ الحرية والديمقراطية وبناء المجتمع المدني الديمقراطي الذي يتعارض تماماً مع مفهوم العشائرية. إن رئيس حكومة يعتبر العشيرة هي الأساس الذي يحافظ على النسيج الاجتماعي للمجتمع العراقي وللدولة العراقية يتحرى عن "رعية" وليس عن الالتزام المبدئي والمركزي بمفهوم المواطنة الحرة والمتساوية لكل المواطنات والمواطنين, لا يمكنه بأي حال أن يبني دولة حرة وديمقراطية. إن حكومة يقرر وزير التعليم العالي السابق تحريم تدريس الموسيقى والرقص والغناء والنحت, ... والحبل على الجرار, ويراد تدمير التماثيل الموجودة في أكاديمية الفنون الجميلة, لا يمكنها أن تكرس مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. إن هذه السياسات وهذه المواقف مناهضة للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة ولا يجوز القبول بها أو السكوت عنها. ومن المؤلم حقاً أن ترى قوى كانت حتى الأمس القريب تتحدث عن الحرية الفردية وعن الحريات الالديمقراطية وتسجل ذلك في نظمها الداخلية وبرامجها السياسية, تتنكر لها اليون من خلال سكوتها عما يجري في العراق من مناهضة فعلية للثقافة الديمقراطية وتجاوز فظ على الحياة الثقافية واتهام أثيم للمثقفات وللمثقفين الذين تظاهروا في شارع المتنبي بأنهم (مأجورون!), أو الحديث بشكل وقح وصلف بأن المثقفين حين يسكرون يبول بعضهم على البعض الآخر, وكأنه كان بينهم وتلقى شيئاً من ذلك!
إنه البؤس الفكري والسياسي حقاً أن تتشكل حكومة وتبدأ عملها بالتجاوز على نص دستوري ومن كافة القوى والأحزاب المشاركة بالحكومة الجديدة. إنها أول إساءة للدستور ولكنها ليست الأخيرة, كما يبدو لي, رغم تأكيدات البرنامج الحكومي على الالتزام بالدستور. وكما يقول المثل الشعبي "من أول غزاته, انكسرت عصاته".
أدعو النساء العراقيات, أدعوهن في الداخل والخارج إلى الاحتجاج ضد موقف الأحزاب والحكومة والدولة من المرأة ومن حقها الدستوري في المشاركة بربع مقاعد مجلس الوزراء, أدعو المرأة إلى التظاهر السلمي والضغط على كل القوى السياسية الفائزة في الانتخابات من أجل تغيير موقفها من المرأة بدلاً من الادعاء بمبادئ معينة ومخالفتها مباشرة, أدعوها لرفض التهميش الذي يراد تكريسه في الحياة العامة في العراق.
لا يمكن تأمين حقوق الإنسان, ومنها وبشكل خاص حقوق المرأة, دون خوض نضال عنيد ودءوب ومتصاعد من جانب المرأة ومعها كل القوى الديمقراطية التي تدرك الأضرار التي تلحق بالمجتمع من جراء تهميش المرأة في الحياة العامة, في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية, وتقريم حقوقها المثبتة في الدستور العراقي الراهن.
22/12/2010 كاظم حبيب