حكومة بلا نساء في العراق الجديد !!!



فواز فرحان
2010 / 12 / 24

لم أجد غرابة في أن تكون الحكومة التي تشكلت بعد تسعة أشهر من الحرب المسعورة بين قادة العراق الجديد على المناصب والولائم خالية من العنصر النسوي ، فأنا شخصياً لم أتصور ذات يوم المالكي أو علاوي أو غيرهم من قادة الكتل شخصيات تقدمية أو مثقفة تتفهم حق المرأة في الحياة وتنظر للموضوع من جانب إنساني على أقل تقدير ، فالعراق الجديد تشكل منذ أن قام الدكتاتور المقبور بحملتهِ الإيمانية التي تأثر بها المالكي وأزلامهِ والكثير من الشخصيات البعثية التي إنضوت تحت لواء الحكومة الجديدة بتسميات مختلفة ...
وحتى نتمكن من إعطاء الموضوع حجمهُ الصحيح لا بد من دراسة العوامل الخارجية والداخلية التي لعبت دوراً في تشكيل صورة الحكومة الحالية في العراق الجديد ، وبالتأكيد في ظل ظروف محبطة كالتي نعيشها ونتابعها اليوم للحالة السياسية في العراق اليوم لا بُدَ من الإعتراف بثقل العامل الخارجي في التحكم بطبيعة الحكومة التي تشكلت بعد شهور من نتائج الإنتخابات ، غير أنني هنا لا أقصد بالعامل الخارجي الذي تمثلهُ دول الإقليم كايران وتركيا والسعودية ومصر فهذهِ الدول لا تزال هي الاخرى كالعراق دول هامشية في صناعة القرار السياسي في المنطقة ، بل أقصد طبيعة الصراع بين الولايات المتحدة والغرب من جهة وروسيا والصين من اخرى ، والذي قام على انقاض تفكك الدولة السوفيتية ، حينها تشكلت رؤية جديدة للعالم تقوم على أساس أن تلعب كل من الصين وروسيا دوراً إمبريالياً في عالمنا ، كانت هناك فكرة لدى غورباتشوف تقوم على أساس تبني سياسة إنسجام المجتمعات مع ذاتها في العالم العربي لتقوية نسيجها الاجتماعي بالمفهوم الذي ذهب اليه غورباتشوف ، أي تقوية التيارات السياسية الاسلامية وإحكام سيطرتها على المجتمعات كي تُبعِد تلك المجتمعات عن الغرب والولايات المتحدة ، فالديمقراطية الغربية لا يمكنها النجاح في مجتمعات كهذهِ وعمرها قصير حتى إن تمكنت من الظفر في بلد ما وهو ما حدث فعلاً في العراق ، فالولايات المتحدة حاربت لكنها لم تنتصر بل الذي إنتصر هما روسيا وايران وها هي الأحزاب الإسلامية والطائفية تظفر بالسلطة وستذهب أبعد بكثير من حرمان المرأة من الوزارة بل ستذهب الى جلد المرأة علانية وأمام عدسات الكاميرا والتلفزة لأنها جزءاً من ثقافة هذهِ الأحزاب ..
الولايات المتحدة من طرفها إنتبهت لما ترغب روسيا ومعها الصين في بسطهِ في العالمَين العربي والإسلامي وتدخلت بقوة في إنتخابات مصر لتبعد الإخوان عن هذهِ الديمقراطية أو حتى الظفر بمقعد واحد في البرلمان وهي واعية لما تسير عليهِ الإمور في العراق لكنها عاجزة في الوقت الحالي عن إيجاد مخرج أو بديل لهذهِ الكتل الطائفية التي إنتشرت في العراق بقوة وأحكمت سيطرتها على القرار السياسي في البلاد ، فالدستور رغم أنهُ من صناعة أمريكية إستجابت لطبيعة ذلك الظرف الذي تحكم في كتابتهِ إلاّ أنهُ ساهم الى حد بعيد في ترسيخ المشروعين الروسي والايراني في العراق الجديد دولة إسلامية الطابع ، حتى علم البلاد لا يزال يمثل إمتداد لحقبة البعث القذرة في العراق ويحمل كلمتين وضعهما الدكتاتور على هذا العلم ولم يتمكنوا من خلعها من العلم أو ربما كما قلت هم أيضاً كانوا مع الحملة الايمانية من الأساس بغض النظر عن المجرم الذي فرضها ، نتائج الإنتخابات أبعدت القوى اليسارية والعلمانية عن المجتمع والسياسة وتجري في طول البلاد وعرضها محاولات مستميتة لمحاربة اليسار والعلمانية في العراق الجديد بحجة أو باخرى لكنها تصب في خانة تمتين وترسيخ مفاهيم الدولة الإسلامية التي تريد روسيا تشكيلها في العراق الجديد كي تظفر بكامل الكعكة من موقفها المؤيّد لإسقاط الدكتاتورية وهي تعتبر ذلك حقاً شرعياً في مفهوم السياسة البراغماتية التي تقوم عليها سياستها الخارجية ، والعامل الداخلي الذي تحكم من طرفهِ في إبعاد المرأة عن الحكومة و ربما عن الحياة العامة في المستقبل القريب هو نجاح القوى الإسلامية الشيعية في أسلمة المجتمع على طريقتها بالترهيب تارة وبالترغيب تارة اخرى ، بالترهيب من خلال الميليشيات الشيعية المنتشرة في البلاد والتي تصب غضبها وإنتقامها على كل من يعادي الأحزاب الطائفية الشيعية في البلاد وعلى كل من يعادي ايران ، وبالترغيب من خلال الرشاوي وتشجيع الفساد في مؤسسات الدولة لتغيير طبيعة المزاج السياسي في البلاد ، فهم يفصلون من يعادي هذهِ الأحزاب من وظيفتهِ في الوسط والجنوب وقد تعرّضت فئات واسعة الى الطرد لمجرد تعبيرها عن رأيها في موضوع معين له علاقة في الظرف السياسي الذي يتحكم في البلاد ...
إنهم يقودون العراق بكامل وعيهم الى جمهورية إسلامية لن تكون شبيهة بايران بل ستكون أفضع منها فنحن العراقيون معروفون بأننا لا نمتلك مزاجاً وسطياً بل حاداً ومتطرفون في كل شئ في ايماننا بعقيدة أو فكر ما ، في حبّنا للشئ في كرهنا لهُ ، في تسامحنا وإنتقامنا ، بل حتى في تربية أطفالنا يإمّا دكتاتوريون في بيوتنا أو نترك كل شئ للعفوية والسذاجة لتتحكم فينا ...
لن تكون هذهِ الحكومة بمستوى توقعات الشعب الذي إنتخبها والذي عكس هو الآخر طبيعة الفكر السائد والمسيطر على الساحة ، سواء برغبة منه في إنتخاب السادة أو عبر تركه للامور تسير على هوى تلك الأحزاب التي سيّرت تلك الانتخابات بشكل أو بآخر ...
المهم أن الحكومة نالت ثقة البرلمان ولو كانت هناك حتى الوزارات المتبقية فيها نساء لما تغيّر شئ ، فالمرأة مُغيّبة ولا نقول ان لا ذنب لها بل العكس فكم يبلغ عدد البرلمانيات في البرلمان الجديد ؟
لماذا لم يتمكنَّ من الاحتجاج وعدم التصويت على الثقة في الحكومة إن لم يكنَّ تابعات لما يمليه عليهن موقف كتلهن ؟
في تقديري لم يكن هناك خلل ما بل المرأة التي إنتخبت لتمثيل فئة معيّنة من الشعب في البرلمان فهي بحجابها بجهلها بغبائها تمثل تلك الفئة ( الفئة التي تعتقد بأن الرجال قوّامون على النساء ) وهو ما عبّرت عنه برلمانية من التيار الصدري بالقول أن المرأة في عهد هذه الحكومة نالت حقوقها كما تعتقد !! أو أن تخرج لنا نائبة من الدعوة ( حزب المالكي ) لتقول أن منع الفنون والسينما جاء ضمن غطاء دستوري !!!
وغيرها من التصريحات المُقززة التي سمعناها من قناة الحكومة الاسلامية ( الفضائية العراقية ) وحتى على قنوات البعث ( الشرقية والبغدادية والرشيد ) والتيارات الاخرى ...
إن موضوع مشاركة المرأة في حكومة الاسلام السياسي الحاكمة في بغداد هو موضوع شكلي للغاية والأفضل للمرأة العراقية أن تشق لنفسها طريقاً آخراً عبر تغيير بنود كثيرة في الدستور تحد من حق الانسان في المواطنة الصحيحة ، تحد من حق المرأة في أن تكون شخصية مؤثرة في محيطها لا أن تكون لعبة بيد هذهِ الكتلة السياسية أو تلك !! أن تطالب بمساواة حقيقية بعيدة عن الشكل ، أن تطالب البرلمانيات بالإبتعاد عن الكذب لمصلحة هذا التيار الاسلامي او ذاك !! لماذا يحللون الكذب والقتل ونهب أموال الخزينة العراقية ويحرّمون الخمر والموسيقى ؟
لماذا تكملون بناء أسوار الجهل والتخلف والرذيلة التي بدأ صدام ببناءها في العراق قبل موتهِ ؟ ألا يكفي العراقي ما لحقهُ من قهر وظلم حتى تكلملوا حلقة تحطيم حياتهِ وإنسانيّتهِ وكرامته !!؟ هل يُعقل أن يستغرق إجتماع لقادة الاسلام الطائفي في العراق ساعات طويلة في دار الجعفري لمناقشة مصافحة المرأة في البرلمان وفي الساحة السياسية أمام عدسات الكاميرا أم عدم مصافحتها والإحتذاء بالنموذج الايراني ..!!!
ما أصعب أن يُترك بلد بيد فئة غير متعلمة !!!!