صمت المقهورات / صوت



دنيا الأمل إسماعيل
2004 / 9 / 28

في ذلك الصباح المر، استطاعت أن تعي جيداً، أي فقرد أصاب قلبها... وإلى أي وحدة سينتهي بها العمر... هكذا كانت تظن، أو هكذا حلمت ذات مساء حزين في شرفة حزينة ووحيدة مثلها....
في ذلك الصباح المر، مزقت كل الأوراق القديمة، وقرت أن تهب نفسها للنسيان الجميل، وأن تعيش، بلا زمن... بلا مكان،... ببساطة أن تعيش بلا قلب، غير أنّ قلبها خانها بعمق، كعادته الحميدة معها، استحسنت الأمر في البداية... أعجبها تغيرها المفاجيء... طريقة تعاطيها للحياة من جديد... لهفتها على الكسب المشروع للحظات فرح قصيرة...
ملأتها الدنيا برحيقها، أحبت فعاشت، فعشقت حتى النخاع... حتى تلك الكائنات الصغيرة التي تنفر منها وتهابها في الوقت نفسه.
جديداً أصبح قلبها، نسى جرحه القديم، وأوراقه القديمة، وبدأت تكتب أوراقاً جديدة، لقصة جديدة، أقنعت نفسها بأنها مغايرة، وبأنها خلاصة ألمها في حياة لا تعترف بتميزها. أعطته الحب والوقت والمال، أنفقت بسخاء في سبيل فرح مدفوع الثمن، بتعب طويل وعمر لم يحفظه لها أحد... أنفقت وأعطت عطاءً لا منّة فيه ولا تجريح...
لكن ذلك الصباح المر لم يكن عابراً، كان صباحاً مراوغاً، احتال على حاجتها الإنسانية لمحبة مميزة، ومعطاءة لمحبة لا حسابات فيها سوى حسابات القلب والوجدان،
... لم يكن عابراً ذلك الصباح المر، كان قدرها... أن تعيش صباحات موبوءة بالفقد والخسران، موصومة بعار عطائها بلا حدود، سوى حدود الروح،... ذهب المال رخيصاً كما العمر في لحظة كأنها دهر، في دهر كلحظة، لكنها كانت –على وهم منها- لا تصدق، تسمح لعينيها بالذهول، ولشفتيها ببراح الدهشة، ولدم الكلمات تنزف على جسد يئن من ثقل الوحدة.
لم يكن مالها ما ذهب، كان عمرها الذي ادخرته لحبيب خائن، وحبٍ مشفوعٍ بالهزيمة... هل أحبها حقاً، هل عرف أي قلب رهيف تحمله، أية ورود زرعتها في حدائق أوهامها... هل عرفها أم تراءى له/لها.
كيف يفّصل المال أحبابه... كيف يدلهم على طريقه الملعونة بجنة زائفة.
مشاعرها لم تكن زائفة، قلبها ليس زائفاً، ولا هي كائن زائف... كانت صادقة وحالمة إلى حد الموت ربما، ... لكنها كانت هي بلا رتوش، أو نفاقات صغيرة وكبيرة، كانت هي بمحبتها وتأففها ومشاحناتها. ولأنها هي، تريد الآن أن تترك الحياة بصمت لا رحمة فيه... صمت المقهورات أمثالها وأمثالي.