الحجاب والقبعة



أشرف عبد القادر
2004 / 9 / 28

جمال البنا يتوعد المشايخ: اصحي من النوم يا أزهر!
المفكر الإسلامي جمال البنا يثير بآرائه المنفتحة على العصر وقضاياه كثير من المشاكل، لأن دعاة التأخر والظلاميين لا يريدون لنا معاصرة عصرنا وعلومة ، بل يريدونا أن نعيش في القرن الحادي والعشرين بأجسادنا ، وفي القرون الوسطي بعقولنا وأفكارنا، وهذا هو سبب حالة أنفصام الشخصية التي يعاني منها العالم العربي الآن، فعندما يخرج علينا عالم مستنير بأفكار منفتحة لا تمس بأصول ديننا بل تتعلق بدنيانا من منطلق قول رسولنا الكريم"أنتم أعلم بأمور دينكم"، فيقول رأيه في أمور مختلف فيها ولا يوجد فيها نص يحسم الأمر ، وحتى ولو وجد النص، ألم يقل علي كرم الله وجهه أن القرآن حمال أوجه؟ ألم يحارب كل من علي ومعاوية الآخر وكل منهما يشحذ جيشه بنفس الآيات؟ وألم يجتهد عمر بن الخطاب مع وجود نصوص قرآنية فيلغيها ويوقف العمل بها مرعاة لمصلحة المسلمين، فألغي سهم المؤلفة قلوبهم، ولم يقم حد السرقة في عام المجاعة، فلماذا لم يكفر أحد عمر بن الخطاب ؟ لأنه كان يراعي دائماً مصلحة المسلمين ويدور مع العلة فيطبق روح الإسلام ولم يقف جامداً أمام نصوص القرآن، لأنه حيث تكون مصلحة المسلمين فثم شرع الله، والمفكر الإسلامي جمال البنا يراعي حاجات ومتطلبات العصر ، وبحكمته وخبرته يري أن الشاب في البلاد الأوربية حيث الجنس مباح، وحرصاً منه على أن يتمسك المؤمن بدينه رغم كل المثيرات التي تحيط بالشاب في بلاد الغرب، رأي في كتابه "مسئولية فشل الدولة الإسلامية" الذي أثار الزوبعة أن:"دخول المرأة في المجتمع الأوربي بالصورة التي نعرفها قد يوجد حرجاً شديداً للطالب المغترب في حالات عديدة ، فقد يدعي إلى حفلات راقصة تعقدها اتحادات الطلبة وغيرها في مختلف المناسبات ويصعب على الطالب المغترب مقاطعتها لأن ذلك يمكن أن يمس وضعه في الجامعة أو يعطي انطباعاً معيناً عنه، والأمر في الحقيقة يتطلب قدراً من الكياسة فيمكن أن الاعتذار عن أشد هذه الحفلات ابتذلاً ويمكن حضور البعض الآخر والاعتذار عن مراقصة زميلاته بمختلف الحجج والأعذار فإذا لم يكن بد فليعتبرها من اللمم "وقد اعتبر بعض المفسرين أن من اللمم القبلة والضمة" وليكفر عنها بعد ذلك بما يستطيع من حسنات من صدق واخلاص وخدمة لإخوانه وله أسوة بالرجل الذي قال للرسول إنه مارس مع إحدى النساء ما هو دون الزنا فسكت عنه الرسول حتى قامت الصلاة وصلاها الرجل معه فلما أعاد الرجل مسألته قال الرسول ألم تصل معنا؟ إن الحسنات يذهبن السيئات.
هذا هو ديننا المنفتح ،وهذه هي سماحة الإسلام وقابليته للصلاح لكل زمان ومكان، عكس ما يريدة المتأسلمون من انغلاق ورجعية وتخلف، وتحت عنوان المقال أعلاه، جمال البنا يتوعد المشايخ: اصحي يا أزهر من النوم! نشرت مجلة الأهرام الدولي حواراً بهذا الموضوع مع المفكر جمال البنا أجراه محمد عبد الخالق أردت أن أنقله هنا لتعميم الفائدة.
يقول جمال البنا: وجدت فاكساً مرسلاً لي من قبل مجمع البحوث الإسلامية (الدي نشرناه في مقالنا السابق ونشرنا معه رد الأستاد البنا عليهم) يفيد بمصادرة الكتاب، أرسلوه لي بمنتهي الفجاجة حيث قالوا:تأليف جمال البنا، وكأنهم مستكترين يقولوا الأستاذ جمال البنا! وقد فحصه الأستاذ الدكتور أحمد حسن غنيم، وقد رأي سيادته عدم التصريح للكتاب بالطبع والنشر حفاظاً على العقيدة الإسلامية الصحيحة، ومادام سيادته رأي دلك
ـ والكلام مازال لجمال البنا ـ إذن فكلام سيادته لا يرد، وهده صورة فجة لمعالجة الأمور، فالقضاء يكون فيه محكمة ابتدائية واستئناف ونقض، محكمة من ثلاثة قضاة وأخرى من خمسة وأخرى من عشرة قضاة، أما هؤلاء فمادام قد رأي سيادته دلك إذن فلا معقب!!
* ولكن علماء الأزهر كفل لهم القانون حماية الفكر الإسلامي والعقيدة بحكم عملهم وتخصصهم؟
ـ ليست هذه هي طريقة حماية العقيدة، هل يكونون عساكر أم قضاة، إدا كانوا عساكر يقولون نحن جنود وعساكر ونحكم بالقوة، وإذا كانوا يحكمون بالمنطق إدن فعليهم أن يعالجوا الأمور بالمنطق، وإدا كانوا يعتبرون أنفسهم قضاة فيجب أن تكون لديهم هيئة قضائية محترمة "مش يقولوا لي رأي سيادته".
* لكن قانون الأزهر رقم 2 .... قاطعني جمال البنا وأجاب:
ـ لا يهمني هدا القانون مطلقاً، لا يهمني مطلقاً ، والقانون أعطي هدا الحق للجميع وليس لشخص واحد، هدا الكتاب يجب أن يقرأه كل علماء المجمع وليس هدا الشخص فقط، فهل هو معصوم؟ شيء غريب والله!!
أنا أكتب في الإسلام مند سنة 1946، عندما أصدرت كتاب "ديمقراطية جديدة" وضمنته فصلاً بعنوان فهم جديد للدين عرضت فيه رأي الإمام الطوخي عن المصلحة وتحدثت عن الإخوان المسلمين الذين وصلوا إلى الأوج وقلت لهم لا تؤمنوا بالإيمان وحده ولكن آمنوا بالإنسان، توجيهات ثمينة قلتها قبل أن يولد هؤلاء، أو وقت كانوا يبولون على أنفسهم وهم أطفال.
* ولكن رأيك في مسألة الحجاب الذي ورد بالكتاب يري علماء الأزهر أنه يتعارض مع نصوص قرآنية؟
ـ الكتاب من عشرة فصول، ولم يعترضوا سوى على فصل واحد جاء تحت عنوان "بين التقوقع والتميع"وهو يعالج حالة الأقليات الإسلامية في الدول الأوربية، وقلت فيه إن بعض تلك الأقليات لجأت إلى التقوقع مثل الأتراك في ألمانيا ، فتجاهلوا المجتمع الألماني ، وأيضاً المجتمع الأماني تجاهلهم ، وعاشوا فيما يشبه "جيتو تركي" وهناك جماعات أخرى من المسلمين كالمغاربة والجزائريين ذابوا في المجتمع الفرنسي كالعمال العرب في مرسييه وغيرها، فقدوا هويتهم الإسلامية، وعلى الرغم من ذلك لم يتقبلهم المجتمع الفرنسي نتيجة لأنهم عجزوا عن التكيف السليم مع المجتمع، وقلت لهم في هذا الكتاب كيف يمكنهم أن يتكيفوا مع هذا المجتمع دون أن يفقدوا مقوماتهم الإسلامية، مثلاً الأطعمة لهم الحق تماماً في رفض لحم الخنزير والخمر ولا حرج في هذا لأن المجتمع الأوربي فيه جماعات نباتيون يرفضون أكل اللحوم وكذلك جمعيات لمنع المسكرات ولا حرج في هذا.
وفي شأن الزى والحجاب قلت لهم يجب أن ترتدوا ما يرتدون من ملابس والشيخ محمد عبده سبق أن أفتي في فتوى اسمها "الترانسفالية" نسبة إلى الترنسفال، بأن ترتدي المرأة المسلمة هناك مثل ما يرتدون وقالوا إنهم هناك يضعون "القبعة" فقال لهم هذا حلال.
فإذا كانت المرأة المسلمة تجد غضاضة في أن تكشف شعرها فيمكن أن تغطيه بقبعة، ولكنهم اعترضوا على ذلك وقال بيان المجمع ما نصه:"والمؤلف يذكر أن قضية الزى الخاص بالمرأة المسلمة التي عليها أن تلتزم معه بآداب الحشمة وأن هذا لا يعني بالضرورة التمسك بالحجاب المألوف إذا أرادت أن تستر شعرها.
*وماذا عن إباحتك لزواج المتعة كما ورد بالكتاب؟
ـ هذا فصل خاص بالعلاقة الجنسية ومعظم المسلمين في البلاد غير الإسلامية شبان يقضون سنوات طويلة في الغربة، وقطعاً هم بين خيارين إما أن يقوموا بممارسات جنسية غير مشروعة، أو أن يتزوجوا ، وهؤلاء الشبان لا يريدون ممارسة علاقة جنسية غير مشروعة لأن إيمانهم قوى، وبذلك ليس أمامهم سوى الزواج، والزواج من أجنبيات صعب، والغريزة قوية، والزواج في المجتمع الأوربي علاقة دائمة، وإذا حدث شقاق أو طلاق تستحوذ المرأة على نصف ثروة الرجل، فالزواج من أجنبيات ليس هيناً ولا ممكناً، وإذا حدث ذلك سيخسر الزوج المسلم الكثير من المال في حالة فشل الزواج.
والإسلام من معجزاته وروعته أن قدم الحل وهو الزواج المؤقت أو المحدد بأن يقيم علاقة مع امرأة لمدة سنة ، والمرأة الأوربية لا ترفض ذلك حيث لا يوجد مانع لديها لإقامة علاقة ولا يهمها شيء، ولكنها لا تريد أن ترتبط بزواج لأنه رجل غريب عنها، ولا تأتمنه على نفسها، وهو كذلك من الخطأ أن يرتبط بها فوراً، وهنا يكون زواج المتعة حلاً موفقاً لكلا الطرفين، وقد أباح الإسلام والرسول هذا الزواج في إحدى المناسبات ، وقيل بعد ذلك إنه حرمه،ولكن الثابت أنه كان يمارس في خلافة أبي بكر وجزء من خلافة عمر بن الخطاب حتى حرمه عمر الذي كان منه تحريم هذا النوع من الزواج، ولكن كان ابن عباس وبعض الصحابة يؤمنون بأنه ليس محرماً ، فكلام عمر يوحي بأنه هو الذي حرم وليس الرسول لأنه قال "متعتان كانتا على عهد الرسول وأنا أحرمهما" كنوع من الاجتهاد مثل اجتهاداته العديدة التي خالف فيها النص، وأنا قلت إنه كان مصيباً في هذا لأنه من المحتمل إساءة استخدام هذه الرخصة، ولكن على كل حال التحليل والتحريم ليس من سلطة عمر ولا أي صحابي آخر يستطيع أن يحلل أو يحرم، الله وحده هو الذي يحلل ويحرم أو الرسول في حدود اختصاصاته.
وأنا هنا أتحدث عن المبدأ في مجتمع غير إسلامي وأخاطب الأقليات الإسلامية، وهذا هو الحل الوحيد، فإن لم يكن حلاً فلا شك أن أفضل من الزنا لأن فيه شبهة تستند عليها وهي أن الرسول حلله أو حرمه.
*ولكن هناك حديثاً يقول "اتقوا الشبهات"؟
ـ "معلشي" الرسول يقول إدرءوا الحدود بالشبهات ولكن نحن لا نستطيع أن نلزم الناس اتقاء الشبهات، دي صورة كبيرة أكبر من اللازم، القرآن يقول"الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم"،"وسيدنا الشيخ بتاع" مجمع البحوث الإسلامية ، قال إن المؤلف يبيح زواج المتعة للمسلم المقيم في البلاد الأجنبية نظراً لحاجته في تلك البلاد ويستشهد على ذلك بأقوال غريبة لا أساس لها من الصحة، لماذا لم يقل لنا
"سيدنا الشيخ بتاع" المجمع ما تلك الأقوال الغريبة "علشان" نتأكد أنها لا أساس لها من الصحة.
هذا الموضوع تمت معالجته في الفقه الإسلامي والكتاب صدر منذ عشر سنوات، ونسخه على وشك النفاذ، ولك أن ترجع إلى ما قلته في الكتاب حول العلاقة الجنسية، كيف يتسامى؟ كيف يتسامى الشاب لمدة عشر سنوات وهو في عز شبابه لما يكون سنه 20 سنه، أي كلام غريب قلته، هل كلام عمر بن الخطاب غريب، هل أتيت بهذا الكلام من عند جمال البنا؟.
*لماذا لم تذكر في الكتاب أنه من باب الضرورات تبيح المحظورات؟
ـ هناك ما هو أهم من ذلك في هذا الشأن ، وهو أن الشيخ شلتوت ، قال إن المذهب الجعفري مذهب من المذاهب الإسلامية التي يصح العبادة والتعبد بها شأنه في ذلك شأن المذاهب السنية الأربعة، والمذهب الجعفري يحل زواج المتعة.
*الشيعة فقط هم من يبيحون زواج المتعة؟
ـ "أنا ماليش دعوة بالشيعة" أنا لم أدخل في زواج المتعة مطلقاً، أنا تعرضت له في وضع معين خاص بالأقليات، وقلت ألا يمارس في الدول الإسلامية، وقلت إن عمر ابن الخطاب كان مصيباً أيضاً عندما حرم زواج المتعة. والحجاب أيضاً كذلك هل يريدون أن نبحث عن خمار الجاهلية وكيف كان شكله.
* بماذا إذن تفسر ما حدث؟
ـ هذا دليل قاطع على غباء وعقم هذا الأسلوب ، كتاب من عشرة فصول فيه فصل بعنوان "الإسلام خط الدفاع الوحيد في مواجهة الإذابة والعولمة" والحضارة الحديثة أذابت كل الثقافات والحدود حتى اللغة لأن الصورة التلفزيونية حلت محل اللغة، وهناك مقوم واحد يقف هو الإسلام.
وهناك فصل عن إطار لا مركزي لحماية وحدة الأمة الإسلامية، وهناك فصل ممتاز عن رأي الإمام الشهيد حسن البنا عن الوحدة العربية الذي قدمه سنة 1945 ، لقادة العرب الذين اجتمعوا ، ومشروع دستور إسلامي قدمه أحد المتهمين في قضية العربة الجيب، وعشرة بحوث لم ينظر إلا في هذه الجزئية الصغيرة التي قدمت فيها نصائح كيف للأقليات الإسلامية أن تحافظ على مقوماتها . أهم شيء اللغة العربية، والقرآن وكيف يعلمون أولادهم القراءة والكتابة العربية، كل هذا أراد أن يحجبه عن القارئ ويحرمه منه نظير الشبهات.
* وبماذا تفسر موقف الأزهر، هل هو موقف شخصي منك؟
ـ أبداً ليس موقفاً شخصياً، هم كانوا يتوقعون الدخول في مجابهة معي، لأنهم لا يعرفون أن هذا سيثير عليهم ثائرة كبيرة لأنني لست خواجه أو مستشرقاً، ولا أتصيد الأخطاء في الإسلام كالأخرين، أنا أدافع عن الإسلام وأدافع بالآيات والأحاديث الثابتة ، ولا يستطيع أحد أن يقول إن جمال البنا ليس مسلماً غيوراً على الإسلام، ولكنهم الآن وقعوا في الفخ، بعد عشر سنوات من نشر الكتاب أوصوا الآن بعدم طبع الكتاب وأنا أقول لهم،
"أصحي من النوم يا أخينا أنت وهو ... عشر سنوات وأنت نايم" ومنعوا طبعه ونشره حفاظاً على العقيدة الإسلامية ، وهذا أسلوب عقيم أن يحكم على دراسات بها جدة وأصالة في سبيل بعض سطور يقول إنها مبنية على أساس غير صحيح ولا أحد يرد عليه كأنه إله.
* وما رأيك في الضبطية القضائية التي تم منحها لبعض علماء الأزهر؟
ـ خطأ .. خطأ ...خطأ، مهانة، عار، أن يتحول علماء يدعون إلى الله وإلى الحكمة والهداية إلى عساكر وجنود وغفر، هذا منتهي الانحطاط والعار على جامعة إسلامية أن تنحط إلى هذا المستوي.
* وماذا سيكون رد فعلك بعد مصادرة الكتاب؟
ـ لن أعيد طبع هذا الكتاب مرة أخرى، لأنه طبع قبل عشر سنوات ، وأنا الآن أعد لكتاب أكثر أهمية وخطورة من هذا، فماذا سيفعلون حين يقرأون كتاب تفسير القرآن، إذا صادروا هذا الكتاب سأصعد الموقف وسأفتعل معهم معركة، وسأرسل إليهم ثمانية كتب من كتبي بما فيها كتاب (نحو فقه جديد) "وهو من ثلاثة أجزاء" وسأقول لهم إذا كنتم تريدون الدخول معنا في جولة وتريدون ممارسة هذه المهمة البغيضة ، مهمة الرقابة وكتابة التقارير والأمر بالمصادرة، فهذه كتبي أمامكم، وأنا أهدف من إرسال هذه الكتب إليهم أن يعيدوا النظر في هذه المهمة التي ليست من الإسلام في شيء وأن يطهروا أيديهم منها، أنا سأضعهم في مأزق.
* هل تعتقد أن موقف الأزهر حماية للإسلام أم إساءة له؟
ـ إساءة للإسلام وحماية لفهمهم السلفي المذهبي التقليدي لٌسلام، وهذا الفهم ليس هو الفهم الأمثل ولا الذي يستطيع أن يجعل الإسلام يجابه التحديات، ولكن هو الذي يحمي المذهبيات ما بين شافعي إلى حنبلي ومالكي، وهذا ما أدي إلى فساد العقلية الإسلامية، وأنا أقول رأيي وأعلنه على الناس فمن اهتدي فلنفسه ومن ضل فعليها ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.

[email protected]