المرأة وصورتها الثنائية في المجتمع العربي



محمد لفته محل
2011 / 1 / 22

المرأة وصورتها الثنائية في المجتمع العربي
إحدى ثنائيات المجتمع العربي الذهنية هي ثنائية صورة المرأة في المؤسسات الدينية والإعلامية والشعبية والعشائرية والتربوية،وهذه الثنائية ليست متناقضة كما تبدو في الظاهر بل هي منسجمة في المحتوى متوازية مع بعضها،وهي امتداد لثنائية الجنس والدين التي تهيمن على تفكير مجتمعنا،وهذه الثنائية التي اقصدها هي ثنائية المرأة العورة الحرام، بموازاة المرأة المثيرة المغرية،وكل التقاليد والنصوص الدينية والشعبية والتربية الموروثة والمكتسبة تتبنى وتصنع صورة المرأة الخجولة الطفلة المطيعة البريئة في الحب والرجال صورة المرأة العورة والمشتهاة في كل شيء في صوتها ونظرتها وأصابعها ومشيتها وشعرها وملابسها وتفكيرها،وتتبنى هذه التقاليد والحكايات ووسائل الإعلام والتربية ذاتها صورة المرأة المغرية المثيرة بجسدها وصوتها وشعرها ومشيتها وملابسها وتفكيرها(كلعوب وماكر وضعيف)،وطبعا ِكلا الصورتين المتوازيتين معا تسلب إنسانية المرأة وشخصيتها وعقلها وتجعلها موضوع جنسي بحت وتصّور الرجل كمريض مهووس لا يفكر إلا في جسد المرأة،فهي جسد محّرم ليس إلا،وهي جسد مغري ومثير كأحد شروط قبولها للرجل الذي بات يفضّل المرأة التي تصده وتثيره في نفس الوقت! فالمرأة عورة لأنها مثيرة وهي مثيرة لأنها عورة وهكذا تترتب وتتوحد مربعات الصورة المبعثرة،فأصبحت المرأة تلبس الحجاب مع لبس الضيق أو الماكياج الصارخ ،وتظهر العفة والخجل للرجل مع الجذب والتجمّل له تجسيدا لهذه الثنائية التي تصل إلى ليلة الدخلة حيث تتمّنع المرأة عن مجامعة زوجها ليجد لذة اكبر فيها بعد مقاومتها،وحتى يقتنع بعفتها وحيائها،محولة تمنّعها ومقاومتها إلى إثارة له. حتى تقمص المجتمع هذه الثنائية كشيء طبيعي وجزء من سيكولوجية المرأة بما في ذلك النساء أنفسهن دون الشك بصدق هذه القيم الذكورية المنحازة بحكم جنسها إلى نفسها،لأسباب تاريخية سياسية منذ أن هيمن الرجل على المرأة واستعبدها وحكمها حتى أصبحت كل التشريعات والقوانين وحتى الفلسفات والعلم أحياننا لصالح الرجل على المرأة،تسّوق تفوق الرجل الفكري والبدني عليها في كل المجالات إلا التي تخدم مصالحه كالأمومة التي حصر قيمة المرأة بها فقط،لأنها تحفظ نسله.
إن عزل الرجل عن المرأة فاقم هذه الثنائية بدل حلها إذ أصبح التعطش الجنسي أكثر بينهما،فالمرأة تصد الرجل الذي يحبها أو الذي تحبه لكي يحبها دون أن يشك في عفتها وشرفها! بل إن المرأة حوّلت خجلها وحيائها وصدّها إلى مصدر جذب للرجل لأنه يفضّل المرأة التي تصده! وحين يسأل الرجل المرأة هل تحبه أو تقبل الزواج به؟ تخجل وتسكت لأن السكوت هنا علامة القبول! وطبعا يمكن لأي امرأة أن تمثل هذا الدور دون أي اعتبار للحب أو الانسجام نتيجة هذه الثنائية،حتى أصبح الجنس هو الرابط والجامع الوحيد بين الرجل والمرأة سواء كان زواج أو علاقة صداقة كانت أم زمالة، حبا كان أو إعجاب سواء، لأن العلاقة بينهما قد أفرغت من أي محتوى إنساني نتيجة هذه الثنائية. إن كثير من الزيجات تفشل أو يشوبها التوتر والعنف وعدم الانسجام لكنها تبقى مستمرة كالمومياء، بسبب هذا العزل وهذه الثنائية الغير طبيعية التي تسوق المرأة بهذا الشكل المفتعل الذي أشرت إليه.
هناك ثنائية أخرى لصورة المرأة إنها ثنائية المرأة المستعبدة بالعلن والقائدة في الِظل للرجل في مجتمع ذكوري أبوي! تسيطر عليه الموروثات والقيم والعادات التقليدية السلفية خصوصا فيما يتعلق بالمرأة التي تكاد تشكل بؤرة (التابو) وحقوقها دائما منقوصة رسميا ومهدورة شعبيا، ُمستعبدة من الرجل فكرا وجسدا وإرادة وهي تابعة للرجل أدنى منه منزلة اجتماعية في الأسرة والعمل والمجتمع بحيث أصبحت شتيمة أن ُيلقب الرجل بالمرأة، وإن الرجل الذي يتبع امرأة أو يخضع لها، فهو منقوص الرجولة أو جبان أمام المجتمع، رغم كل هذه الانتهاكات البشعة إلا أن هناك كما أشرت ظاهرة المرأة التي تحكم زوجها أو الرجل بصورة عامة في الوقت الذي يعلن الرجل سيادته وتفوقه عليها! وهذه السلطة الِظل غالبا ما تكون غير معلنة وغير مباشرة باستخدامها للبكاء والتظلم أو الدلال والزعل أو الإيحاء والإلحاح أو الحيلة والكذب مستغلة عاطفة الرجل نحوها باعتقاده بضعف المرأة! التي حولت هذا الضعف المفترض إلى مصدر قوة تقود بهِ الرجل على إنه الحامي والمنقذ والفارس وإنها الضعيفة والضحية التي تحتمي به وتأتمن بوجوده ولا تعيش بدونه ولا تحيى إلا له، مُصورة نفسها على إنها المستغيثة في حين إنها المُحرضة والمُحركة له، والمشاكل التي تحدث بسبب تحريض المرأة للرجل لا تحصى في مجتمعنا العربي. وهذا الرجل التابع لقيادة المرأة سواء كانت زوجته أو أمه معلنة كانت أو مستترة هذه السلطة، يرفض أن يتهم بهذه التهمة حتى لو كان مقتنعا بالمساواة أو اعتقاده بصواب المرأة عليه، باعتبارها انتقاص من رجولته أمام المجتمع، والمرأة ذاتها تحتقر الرجل الذي تقوده هي أو تقوده امرأة أخرى بسبب النظرة الاجتماعية لتفوق الرجل وأهليته لقيادتها، وكنوع من الانتقام من هذا التفوق المزعوم، لهذا ترغب المرأة أن تكون ذكرا لانحياز القوانين والتشريعات له أو لأن فيها طاقات لا يسمح بها المجتمع إلا للذكر. والثنائية تصل إلى قدرات عقلها فهي ناقصة العقل عاطفية لكنها ماكرة بالحيلة والخداع وذات كيد عظيم تستطيع خداع أكبر رجل! والقصص الشعبية حافلة بالحكايات التي تجسد هذه الثنائية ابتداء من أسطورة آدم وحواء، التي تدين المرأة بتحريض الرجل على عصيان ربه، ولعل خضوع الرجل للمرأة يرجع لأسباب طفولية في السعي لاسترضاء الأم لنيل رغباته ورعايتها له، بسبب نمط التربية الذكوري الذي يحدد وظيفة المرأة بالأمومة دون مشاركة الرجل لها ما يجعل الطفل شديد التعلق بأمه، فيكون ضعيف الشخصية في المستقبل يبحث عن شخص أمه في المرأة التي يختارها للزواج ليخضع لها كما كان طفلا لأمه، وكثير من الرجال يُحب أن ترعاه زوجته كأحد أطفالها، والمرأة بحدسها تتقمص دور الأم في معاملة زوجها ليطيعها مقابل تحقيق رغباته، بالتالي فالمجتمع الذكوري الذي ينحاز لتفوق الرجل على المرأة هو الذي يربي رجال ضعاف الشخصية أمام النساء ويربي نساء تشعر بالدونية رغم مساواتها أو تفوقها على الرجل أحياننا، بسبب هذا النمط الأحادي من التربية.
إذا رجعنا إلى أصل الثنائية التي كادت أن تأخذ وجودا ميتافيزيقيا،نجد إنها تنشأ من قراءة منحازة أو نفعية أو مؤدلجة للواقع لكنها بطبيعة الحال لا تلغي الحقيقة بذاتها الغير معترف بها،والتي تبقى مؤثرة بالفرد بالتوازي مع الحقيقة المفترضة التي ورثها أو اكتسبها،فتظهر ثنائية السلوك والتصور تجاه الموضوع الواحد.